أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - سعد هجرس - مضــاعفــات انتقــال المبـــادرة مـن - المـركـز - إلى -الهامـش















المزيد.....

مضــاعفــات انتقــال المبـــادرة مـن - المـركـز - إلى -الهامـش


سعد هجرس

الحوار المتمدن-العدد: 705 - 2004 / 1 / 6 - 05:14
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
    


السياسة ليست قرآنا أو انجيلاً وإنما هى اجتهادات بشرية تحتمل الصواب مثلما تحتمل الخطأ . وبالتالي فانه من الجائز ، والمشروع ، ان تغير دولة ما سياستها إزاء إحدى القضايا الصغيرة او الكبيرة ، ليس بالضرورة لأنها اكتشفت خطأ هذه السياسة ، بل على الأقل بسبب أننا نعيش فى عالم تتغير فيه الظروف وموازين القوى باستمرار . وعلى هذا فان ما كان صالحا للامس ربما لا يكون كذلك اليوم .
لكن غير الجائز وغير المشروع ، ان يتم وضع السياسات ثم التراجع عنها والانقلاب عليها وممارسة عكسها بصورة عشوائية وارتجالية وكأن الشعوب فئران تجارب ، وكأن الأوطان عزباً خاصة لفرد او حفنة أفراد يضعون أنفسهم فوق مستوى المساءلة وينتحلون لذواتهم حصانة مطلقة وأبدية .
وكثير من السياسات فى بعض البلاد العربية ، بل معظمها ، ينطبق عليه النموذج الأخير . حيث لا تضع هذه السياسات – فى الأغلب الأعم – "مؤسسات" خاضعة للرقابة والمساءلة والمحاسبة ، وإنما يضعها أفراد – وربما فرد واحد – دون الرجوع الى الناس الذين هم أصحاب المصلحة الحقيقية ، ودون الالتزام بالإفصاح والشفافية رغم أن هذه القرارات وتلك السياسات تمس مصالح الوطن والأمة وربما الأجيال القادمة .
ومثلما يتم وضع هذه السياسات بصورة فردية وارتجالية ، وربما مزاجية فى بعض الأحيان ، كثيرا ما يتم الانقلاب عليها وتبنى سياسات مناقضة على طول الخط بنفس الصورة .
وفى الحالتين يدفع الشعب الثمن غالياً ، وفى الحالتين يجد القرار ونقضيه كتيبة جرارة من " المبررين " الذين يسبغون عليه هالات "الحكمة " و "العبقرية"، وعادة ما يكون "المبرراتية " نفس الأشخاص فى كلتا الحالتين ! .
والمثال الأخير لهذا "المنهج" هو قرار القيادة الليبية بكشف النقاب عن برنامجها الخاص بأسلحة الدمار الشامل ، وإبدائها استعدادها المطلق وغير المشروط لفتح كل أبواب ليبيا أمام المفتشين الدوليين .
ولا تكمن المشكلة فى هذا القرار الأخير فى حد ذاته .المشكلة تكمن – أولاً- فى القرار المناقض بالبدء فى هذا البرنامج ، فلماذا تم اتخاذه ، ومن الذى اتخذه ، وكيف اتخذه فى غيبة الشعب الليبى بكافة فئاته وقطاعاته ، ولمن كان موجهاً ، ومن هو " العدو " الذى كان هذا السلاح مفترضاً ان يصوب ضده ؟ ولماذا لم يتم استخدام الأسلحة الليبية – التقليدية وغير التقليدية– ضد أعداء الأمة العربية فى اى وقت من الأوقات ،رغم ان القيادة الليبية ممسكة بتلابيب السلطة منذ عام 1969 حتى الآن ،وهى عقود طويلة توالت فيها التحديات على العرب وسمعنا خلالها " جعجعة " كثيرة دون ان نرى ذرة من " طحين " ؟!
ثانياً – رغم الشعارات " ما فوق الثورية " التى رفعتها القيادة الليبية اكتشفنا – من خلال المصادر الغربية – ان المفاوضات السرية كانت تسير كالسكين فى الزبد بين طرابلس وواشنطن ولندن منذ شهور طويلة وعلى أعلى مستوى ، فى نفس الوقت الذى كان العقيد معمر القذافى يشن فيه هجوما ضاريا على أقرانه من الملوك والرؤساء العرب لعدم قطعهم العلاقات مع أمريكا وإنجلترا قبيل شن الحرب الأخيرة على العراق !!
فقد اتضح الآن أن وفود المخابرات الأمريكية والبريطانية كانت تنهمر كالسيل على " الجماهيرية العظمى " فى نفس تلك الفترة ، وكانت كل الأبواب والملفات الليبية تفتح أمامها بمنتهى الكرم .
وبالطبع .. كان الشعب الليبي معصوب العينين ، ومغيب تماماً ، عن كل هذه الاتصالات السرية وما يدور فى دهاليزها .. رغم أن الأمر يخصه أولاً وأخيراً .
ثالثاً – مثلما بدأ برنامج أسلحة الدمار الشامل بمعزل عن الناس ورأيهم، تقرر إلغاء نفس البرنامج دون استشارة الشعب الذى دفع ثمن نفقات البرنامج الملغى من دمه وقوته وبتروله .
رابعاً – لم يكتف سيف الإسلام ، ابن العقيد معمر القذافى ، وهذه هى الصفة الوحيدة التى اعرفها عنه حتى اليوم ، .. ،لم يكتف بتبرير القرار الأخير، بل مضى ابعد من ذلك كثيراً حيث نقلت عنه وكالات الأنباء الغربية والصحف الإسرائيلية بالذات ، استعداده لقبول وجود قواعد أمريكية !! .
خامساً – كشف وزير الخارجية القطرى حمد بن جاسم بن جبر آل ثانى، النقاب عن دور سرى أيضا لحكومته التى " سهلت " الاتصالات بين طرابلس وواشنطن ولندن ، وهو دور تكرر أيضا فى السودان حيث قال الشيخ " حمد " ان " إدارته " قامت بتسهيل التفاوض بين مختلف الأطراف السودانية وبين الطرف الأمريكي الذى وصفه بكلمة " المعزب " وهى كلمة خليجية تعنى الشيخ كبير المقام أو ما شابه ذلك وقال فى هذا السياق ان كل واحدة من الدول الخليجية تهرول إلى "المعزب" الأمريكي وتتسابق فى تقديم خدماتها إليه مع الحرص على تسفيه مواقف شقيقاتها الخليجيات والمزايدة عليها والتشكيك فى صدق "ولائها" لواشنطن!!
والواقع – فضلا عن ذلك كله – ان " المقابل " الذى سعت القيادة الليبية للحصول عليه لكل هذه التحولات والانقلابات ، هو الحفاظ على كراسى السلطة والبقاء فيها لاطول فترة ممكنة وليس أي شئ أخر . والدليل على ذلك أنها لم تضع اى شرط لإنهاء برنامجها التسليحى ، حتى ولو من باب ذر الرماد فى العيون ، كالمطالبة – مثلا – بمعاملة إسرائيل بالمثل . وكانت نتيجة هذا المسعى الأناني والانتهازي وضيق الأفق وضع سوريا تحت ضغوط مضاعفة فى هذا الظرف العصيب ، وطعن المبادرة المصرية المطالبة بإخلاء الشرق الأوسط – بلا استثناء – من أسلحة الدمار الشامل .
المشكلة إذن ليست تغيير سياسة ما ، فهذا أمر جائز ومشروع .
المشكلة بالأحرى هى كيف يتم هذا التغيير ، ولماذا ، ولمصلحة من ؟ وهى كلها أسئلة تدور فى فلك قضية أساسية هى قضية الديمقراطية المهدرة ، التى يؤدى اغتيالها الى إهدار آليات المراقبة والمحاسبة والمساءلة وتحويل الأوطان الى عزب وتكايا ، وتحويل الشعوب من مواطنين الى رعايا ، وتحويل الحكام من ممثلين وخدام للشعب الى أباطرة وأنصاف آلهة .
وليبيا ليست المحتكرة الوحيدة لهذه الممارسة السلبية ، لكنها صاحبة "السوابق" المدوية بهذا الصدد بدءاً من لوكيربى وانتهاء بأسلحة الدمار الشامل .
والمشكلة الثانية هى أن التراجعات والانقلابات فى السياسات ، فى هذا البلد العربى او ذاك ، أصبحت تمس الثوابت والمصالح الاستراتيجية ، واصبح ثمنها فادحاً فى الظروف العصيبة الراهنة .
والمشكلة الثالثة ان هذه التراجعات وتلك الانقلابات ، رغم إنها تبدو متعلقة بشان داخلى فى هذا البلد العربى أو ذاك ، أصبحت تأثيراتها المضرة تمتد الى مجمل الأوضاع العربية وتزيدها ضعفاً عل ضعف .
أما المشكلة الرابعة فهى ان الجمود مازال سيد الموقف فى العالم العربى ، وعندما يحدث " تغيير " فان هذا التغيير يحدث للأسوأ وللوراء وليس للأفضل وللأمام ، وأن أداته المحركة أصبحت هى الدول الصغرى والكيانات الصغيرة التى كان دورها هامشياً من قبل مقارنة بالكيانات الكبرى ، وهو وضع ينطبق عليه المثل المصرى الدارج " القوالب نامت والأنصاص قامت " .
وهذا الوضع المستجد بمثابة جرس إنذار لتلك الكيانات الكبرى التى كان لها دور وتأثير فى الأيام الخوالى بحكم حقائق التاريخ والجغرافيا والثقل الحضارى والريادى ، لكن ترهلها وتلكؤها فى محاربة الجمود وتصلب الشرايين بدفع دماء جديدة تقود برامج الإصلاح السياسي والثقافي والاقتصادي الجاد اصبح يهددها بعد ان انتقلت المبادرة من المركز الى المحيط ، ربما بتشجيع أمريكي وإسرائيلي .
والتبريرات لم تعد تجدي او تنفع ، فلا يكفى – مثلاً – التعلل بالرعاية الأمريكية للدور القطرى المتزايد فى كل الشئون العربية ، بدءاً من المسألة العراقية ومروراً بالمسألة الفلسطينية والقضية السودانية وانتهاء بالتحولات الليبية ، لان الطبيعة تكره الفراغ ، وما كان ممكنا لقطر ، أو غيرها من الدول الصغيرة ،ان تدس أنفها فى كل هذه الشئون التى تبدو أكبر من حجمها لو ان كيانات "المركز" كانت تقوم بالدور الذى يتناسب مع حجمها الطبيعى وثقلها المفترض .
فقد قامت أنصاف القوالب لان القوالب الكاملة قد نامت .
و" القوالب " ليست هى كيانات " المركز " فقط ، وإنما أيضا وفى المقام الأول " الناس " .. " الشعوب " .. التى يتم البيع والشراء من خلف ظهرها ودون علمها ودون إذنها .
والعجيب ان من يرى استحالة استمرار سياسة استغفال الناس واتخاذ القرارات المصيرية من خلف ظهورهم هو نفسه الوزير " الواقعى جدا " صاحب نظرية " التوسل " الى أمريكا ، الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثانى وزير خارجية قطر العظمى ، فقد توقع ان يؤدى ذلك– بنص تعبيره – الى "ثورة " لا تبقى ولا تذر ، وتغرق المنطقة فى بحر من الفوضى لمدة خمسين عاماً .. والعهدة على معاليه. 



#سعد_هجرس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحجاب- الفرنسى .. و-النقاب- الأمريكى!
- رحلة طــائــر جميــل.. في غـابــة لا تعـتــرف إلا بالغــربان
- ثقافة الاحتفاء بالصغائر والتفريط فى الكبائر
- تراجيديا ثلاثية المثقف والسلطة والمال كاتب كبير .. مات ثلاث ...
- لماذا تسلل رئيس الدولة الأعظم إلى عاصمة الخلافة العباسية مثل ...
- لا تفكـــروا فى الـذهــاب الى لنـــدن .. يــوم الأربـعــاء !
- الســحابـة الســــوداء .. والكتــاب الأبيــض
- مفارقة - الابراهيمين - .. صنع - الله - وسعد - الدين -
- العولمــــة المتوحشــــة والعولمــة البديلــــة حيرة العرب ب ...
- ضمير مصر .. لا ينام في الاسكندرية .. ولا يرقص علـى سـلالم ال ...
- دولة تحت الإنشاء - القناة - و - القاعدة - و - المؤسسة - .. ث ...
- عين الصاحب - .. تذرف الدموع وعلامات التعجب
- صحوة حزب استمرأ النوم فى العسل الميرى
- إدوارد سعيد ... الرجل الذى كره اسمه واحترم نفسه
- انتــفاضـــة كانكــون !
- مع الاعتذار لأمينها العام عمرو موسى جـــامعـــة الـدول العــ ...
- بمناسبة اجتماعهم المليون فى القاهرة اليوم رسالة مفتوحة إلى أ ...
- أهمــية الكـــتاب ... يـا نــاس !
- مانديلا يرفض مصافحة بوش .. والعرب يقبلون يد بريمر
- ماذا لو أن -مانديلا- كان عربيا؟!


المزيد.....




- عباس: أمريكا هي الدولة الوحيدة القادرة على منع إسرائيل من ال ...
- هل غيرت الضربات الصاروخية الإيرانية الإسرائيلية الشرق الأوسط ...
- كيف وصل مصريون قُصّر غير مصحوبين بذويهم إلى اليونان؟
- جهود دولية حثيثة من أجل هدنة في غزة - هل تصمت المدافع قريبا؟ ...
- وسائل إعلام غربية تكشف لكييف تقارير سيئة
- الرئيس السوري يستعرض مع وزير خارجية البحرين التحضيرات للقمة ...
- -ما تم بذله يفوق الخيال-.. السيسي يوجه رسالة للمصريين بخصوص ...
- روبوتات -الساعي- المقاتلة الروسية تقتحم مواقع العدو وتحيّد 1 ...
- روسيا.. قانون جديد يمنح -روس كوسموس- حق بيع بيانات استشعار ا ...
- اكتشاف صلة بين فيتامين الشمس والاستجابة المناعية للسرطان


المزيد.....

- عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية / مصطفى بن صالح
- بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها / وديع السرغيني
- غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب / المناضل-ة
- دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية / احمد المغربي
- الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا ... / كاظم حبيب
- ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1) / حمه الهمامي
- برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب / النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
- المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة / سعاد الولي
- حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب / عبدالله الحريف
- قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس / حمة الهمامي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - سعد هجرس - مضــاعفــات انتقــال المبـــادرة مـن - المـركـز - إلى -الهامـش