أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - سعد هجرس - ثقافة الاحتفاء بالصغائر والتفريط فى الكبائر















المزيد.....

ثقافة الاحتفاء بالصغائر والتفريط فى الكبائر


سعد هجرس

الحوار المتمدن-العدد: 684 - 2003 / 12 / 16 - 07:11
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات
    


لماذا نتشدد فى توافه الأمور ونتهاون فى قضايا المصير ؟!
شهداء المقاومة يحسدون " ذكرى " و " كرازون " و " ملحم " و " السويدى "
من الطبيعى ان يهتم الأعلام ، والمجتمع بأسره ، بتراجيديا المطربة ذكرى ورجل الأعمال الشاب ايمن السويدى .
لكن غير الطبيعى هو  شكل وحجم هذا الاهتمام . فهذا الشكل وذاك الحجم يدلان على  ان هناك خللاً جسيماً فى الاعلام العربى والمجتمعات العربية على حد سواء .
فهذه التراجيديا ، ورغم ما تنطوى عليه من دماء ودموع ومواجع وتوابل الإثارة المتنوعة المرتبطة بعالم الفن ودنيا المال ، تظل فى نهاية الأمر مجرد جريمة فردية ، يمكن – ويجب – متابعة تفاصيلها وخفاياها العجيبة على صفحات الحوادث . لكننا فوجئنا بتغطية صحفية وإعلامية مبالغ فيها بصورة مذهلة ، وهى تغطية لا تحظى بعشر معشارها قضايا وطنية وقومية مصيرية .
وفوجئنا بان الاهتمام يتجاوز المحيط المحلى لمسرح الجريمة وتتسع دوائره لتشمل العديد من المجتمعات العربية ، كأن هذه المجتمعات لا يوجد ما يشغلها ، ولا تعانى من هموم اقتصادية وسياسية واجتماعية اكثر من الهم على القلب .
وفوجئنا بان هذا الاهتمام الواسع النطاق –بصورة عجيبة وتفتقر الى المنطق– اكتسب النعرة " القطرية " التى تصل الى حد التعصب " الشوفينى " ، فقرأنا مثلاً ان جثمان الفنانة الراحلة ذكرى تم لفه بالعلم التونسى وتم استقباله فى مطار تونس استقبالاً رسمياً وشعبياً شارك فيه طوفان من البشر المفعمين بالحماسة الوطنية .
ولا بأس فى ان يودع الناس فنانة موهوبة وداعاً عاطفياً يليق بمكانتها وعطائها الفنى ، لكن اذا كان هذا الطوفان من البشري المتحمس قد تدفق للمشاركة فى جنازة الفنانة التى لقيت حتفها فى حادث مؤسف وشجار عائلى ، فكيف يكون اذن الوداع اللائق بعشرات ومئات وآلاف الشهداء الوطنيين على أرض فلسطين وفى بلاد الرافدين فى مواجهة النازية الصهيونية والاحتلال الأمريكي ؟! 
ولماذا تتدفق انهار هذه الحماسة " الوطنية " فى حالات فردية – مثل حالة مقتل الفنانة ذكرى – وتنضب منابعها فى الملمات القومية والوطنية الحقيقية ؟!
ازدواجيـــة عــربيــة !
وليست تراجيديا الفنانة التونسية ذكرى ورجل الأعمال المصرى الشاب ايمن السويدى سوى نموذج لهذه الظاهرة العربية المستعصية على الفهم .
نعنى ظاهرة التشدد فى الصغائر و " الصهينة " عن الكبائر .
المغالاة فى التصلب أمام توافه الأمور وابتلاع بيع الأوطان بالجملة والقطاعى .
ملء الدنيا صراخاً وضجيجاً أمام القشور الخارجية والمظهرية والتذرع بصمت القبور أمام جوهر القضايا الحقيقية .. الديمقراطية المغدورة ، والاستقلال الوطنى المهدد، والتنمية الاقتصادية المتراجعة والفقر الزاحف والمتزايد ... الخ .
خذوا مثلاً هذا النفاق المستشرى فى كل طبقات المجتمع المصرى ، وفى كل المجتمعات العربية ، الذى يتجلى فى إشعال حرائق فكرية وسياسية وثقافية بسبب قضايا  فرعية من قبيل الحجاب واختلاط الجنسين فى المدارس والجامعات وزواج المسيار والزواج العرفى ، بينما يغمض معظم مشعلى هذه الحرائق أعينهم عن الاحتلال الامريكى للعراق  والإبادة الجماعية التى يمارسها شارون ضد الشعب الفلسطيني وخطط إعادة رسم خرائط المنطقة فى دوائر صنع القرار الأمريكية لخدمة المصالح الإسرائيلية  .
الشيـــطان يعـظ !
ثم انظروا الى النفاق المرافق لذلك من كثير من وسائل الأعلام التى يتحول كثير من "فرسانها" الى "كورس" يتغنى بالشعارات الأخلاقية المتزمتة بينما كثير منهم لا يتورع فى الحقيقة عن أكل مال النبى ( صلى الله عليه وسلم ) .
فعندما تستمع الى الواقفين أمام الكاميرات والميكروفونات تتصور انهم من الصحابة او القديسين ، ثم تكتشف بعد قليل ان " الشيطان يعظ " .
وان كثيراً ممن يلوكون العظات الأخلاقية بمناسبة او دون مناسبة ويتطفلون على السلوكيات الشخصية لخلق الله انما هم فى حقيقة الامر ابعد الناس عن الأخلاق ، وان من يقيم الدنيا ولا يقعدها ضد احد الغلابة الذى سرق رغيف خبز ليسد به رمقه يكون هو نفسه فى الأغلب الأعم اول من يتستر على من يسرق الملايين او ينهب المليارات .
واذكر بهذا الصدد أننا استضفنا على مائدة حوار " العالم اليوم " منذ فترة احد كبار المسئولين ، وكنا نفاجأ عندما نسأله عن اى شئ فى مجال اختصاصه يصر على ان يعطينا محاضرة فى الأخلاق والضمير والوطنية .
هذا المسئول الكبير السابق نفسه نزيل احد السجون  الآن بعد إدانته بالجرم المشهود وصدور حكم نهائى لا يقبل النقض او الإبرام يدمغه بفساد الذمة وانه ابعد شخص عن طهارة اليد التى صدع رءوسنا بالتغني بها !
وهذا المسئول السابق نفسه كان مشهوراً بانه كالسيف القاطع امام انحراف اى موظف صغير . ثم ثبت ان هذا الحسم تجاه الصغار كان ستاراً للعب مع الكبار ، وان ادعاء العفة امام الملاليم كان مدخلاً خادعا لابتلاع الملايين وان امتشاق حسام الوطنية المزعومة امام الهفوات والأخطاء الصغيرة كان قرين غض الطرف عن بيع الوطن والامة ومصالحها العليا للأفاقين والمرتزقة والمغامرين وشذاذ الأفاق .
فيـروســات مجتـمعيـة
ولو ان هذه السلبيات كانت مجرد الاعيب لصغار كبار او كبار صغار الموظفين والمسئولين الحكوميين فى هذا البلد العربى او ذاك لهانت المشكلة .
الأخطر ان هذا الداء قد اسستشرى واصبح يمثل ظاهرة مجتمعية .. نعنى ظاهرة الاحتفاء بالصغائر والتهوين من الكبائر .
ولعلكم تذكرون " موقعة " البرنامج التليفزيوني  الشهير لقناة "المستقبل" اللبنانية . ومن لا يعرف تفاصيل هذه الموقعة نذكره بان هذا البرنامج متخصص فى اكتشاف المواهب الجديدة ، مثل برنامج " جرب حظك " الذى كان يقدمه طاهر ابوزيد فى الإذاعة المصرية .. أيام زمان .
ووصل الى التصفيات النهائية لبرنامج " المستقبل " لافضل المواهب الشابة ثلاثة: الأول لبنانى والثانية سورية والثالثة أردنية . ويعتمد البرنامج فى إعلان النتيجة على تصويت المشاهدين من خلال التليفون .
المهم .. ان الأردنية ، ديانا كرازون حصلت عل أعلى الأصوات .
وبصرف النظر عن جمال صوتها ، وسمنتها المفرطة ، فان قيامة اللبنانيين قامت وتدفقت المظاهرات على الشوارع وحاصر المتظاهرون تليفزيون المستقبل احتجاجاً على عدم اختيار المطرب اللبنانى " ملحم " ، وسرت شائعات بان العاهل الاردنى الملك عبد الله الثانى أعطى أوامره للجيش بالمشاركة فى التصويت لصالح ديانا وان وزارة الاتصالات الأردنية قامت بإعفاء المشاركين فى التصويت لصالح المطربة الأردنية من فاتورة التليفون . وكادت تحدث أزمة دبلوماسية بين لبنان والأردن لهذا السبب !!
انها نفس الجنازة الشعبية الهادرة التى كانت فى انتظار الفنانة الراحلة ذكرى ولكن فى صورة اخرى احتجاجا على فوز المطربة الأردنية على المطرب اللبنانى "ملحم"!
فلماذا نستأسد عل بعضنا البعض نحن العرب ، ونفاوض ونهادن ونتساهل و"نصهين " عندما يكون الخصم أجنبياً ، وبالذات لو كان أمريكياً او حتى إسرائيلياً ؟!
ولماذا نرغى ونزبد ونتشدد ونتوعد فى الأمور التافهة والصغيرة وندفن رءوسنا فى الرمال أمام المعضلات المصيرية والخطيرة بالفعل ؟!
ومن الذى أوصل مجتمعاتنا الى هذه الازدواجية البغيضة ؟
والاهم .. كيف نتخلص من هذا النفاق السخيف ، وتعود اهتماماتنا لتتناسب مع سلم الأولويات والترتيب المنطقى الصحيح ، والصحى ، للتحديات والأخطار ؟!



#سعد_هجرس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تراجيديا ثلاثية المثقف والسلطة والمال كاتب كبير .. مات ثلاث ...
- لماذا تسلل رئيس الدولة الأعظم إلى عاصمة الخلافة العباسية مثل ...
- لا تفكـــروا فى الـذهــاب الى لنـــدن .. يــوم الأربـعــاء !
- الســحابـة الســــوداء .. والكتــاب الأبيــض
- مفارقة - الابراهيمين - .. صنع - الله - وسعد - الدين -
- العولمــــة المتوحشــــة والعولمــة البديلــــة حيرة العرب ب ...
- ضمير مصر .. لا ينام في الاسكندرية .. ولا يرقص علـى سـلالم ال ...
- دولة تحت الإنشاء - القناة - و - القاعدة - و - المؤسسة - .. ث ...
- عين الصاحب - .. تذرف الدموع وعلامات التعجب
- صحوة حزب استمرأ النوم فى العسل الميرى
- إدوارد سعيد ... الرجل الذى كره اسمه واحترم نفسه
- انتــفاضـــة كانكــون !
- مع الاعتذار لأمينها العام عمرو موسى جـــامعـــة الـدول العــ ...
- بمناسبة اجتماعهم المليون فى القاهرة اليوم رسالة مفتوحة إلى أ ...
- أهمــية الكـــتاب ... يـا نــاس !
- مانديلا يرفض مصافحة بوش .. والعرب يقبلون يد بريمر
- ماذا لو أن -مانديلا- كان عربيا؟!


المزيد.....




- السعودية.. مطار الملك خالد الدولي يصدر بيانا بشأن حادث طائرة ...
- سيجورنيه: تقدم في المباحثات لتخفيف التوتر بين -حزب الله- وإس ...
- أعاصير قوية تجتاح مناطق بالولايات المتحدة وتسفر عن مقتل خمسة ...
- الحرس الثوري يكشف عن مسيرة جديدة
- انفجارات في مقاطعة كييف ومدينة سومي في أوكرانيا
- عشرات القتلى والجرحى جراء قصف الطيران الإسرائيلي لمدينة رفح ...
- القوات الأوكرانية تقصف جمهورية دونيتسك بـ 43 مقذوفا خلال 24 ...
- مشاهد تفطر القلوب.. فلسطيني يؤدي الصلاة بما تبقى له من قدرة ...
- عمدة كييف: الحكومة الأوكرانية لا تحارب الفساد بما فيه الكفاي ...
- عشرات الشهداء والجرحى في غارات إسرائيلية متواصلة على رفح


المزيد.....

- فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال ... / المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
- الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري ... / صالح ياسر
- نشرة اخبارية العدد 27 / الحزب الشيوعي العراقي
- مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح ... / أحمد سليمان
- السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية ... / أحمد سليمان
- صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل ... / أحمد سليمان
- الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م ... / امال الحسين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - سعد هجرس - ثقافة الاحتفاء بالصغائر والتفريط فى الكبائر