أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - صائب خليل - حكاية المعلم الذي تحول جنرالاً















المزيد.....

حكاية المعلم الذي تحول جنرالاً


صائب خليل

الحوار المتمدن-العدد: 2246 - 2008 / 4 / 9 - 10:55
المحور: كتابات ساخرة
    


وجد معلم "التربية الدينية" نفسه في وضع بائس مع صف من الطلاب بسبب بضعة مشاغبين ذوي واسطات قوية لدى المدير، يثيرون الضوضاء والسخرية منه، ويضطر المرة تلو المرة ان يبتلع كرامته ويسكت قابلاً على مضض وهو يلمح نظرات الطلاب المستصغرة وهمساتهم الساخرة.

تمر الأيام والشهور والمعلم يحترق من الداخل للوضع المذل الذي يجد نفسه فيه...يذهب الى المدير ويقول له انه لايستطيع التفاهم مع مراقب الصف، املاً ان يسمح له بتغييره، فيشير له المدير بأصبعه: "إهدأ" فيهدأ...ويفهم انه ان لم يتفاهم مع مراقب الصف فسيكون هو من يتغير، لذلك هدأ ولم يعد الى هذا ثانية!

هدأ المعلم وهدأ طويلاً وصبر على الضيم وكظمه في صدره لكنه لم يكن سعيداً. وفي احد الأيام قام احد المشاغبين وكان يلقب بـ "الماء الأسود" بتحطيم سيقان بعض الطلاب، ولم تكن المرة الأولى، فلم يتحمل المعلم المنظر المؤلم للطلاب الذين جاءوا يشكون له ما حدث، والنظرة السادية الفرحة لـ "الماء الأسود"، فانفجر صارخاً بوجهه "ان هذا لايحتمل!" وخرج مسرعاً الى المدير.
"ما سر هذا الإنفجار المفاجئ؟" قال المدير.."هل هي المرة الأولى التي تواجه فيها مثل هذا؟ انظر الى زميلك المعاون الخلوق عادل عبد مهدي، لقد فقأوا عين فراشه قبل سنة فلم ينبس بكلمة، فمالك انت والطلاب؟" لكن المعلم اصر على ان يطرد "الماء الأسود"...كان يريد ولو رمزاً واحداً يشير الى انه سيد الصف. كاد المدير ان يفصله غضباً، لكنه كان خبيراً بمثل هذه الحالات ويعلم ان صاحبها سرعان ما يشفى ويعود الى طبيعته مع الوقت، فوعده ان "ينظر في القضية" وتركه يصرخ ويدردم كما شاء. "صرخت بهم ولم يستطيعوا اسكاتي!"، اقنع المعلم نفسه واستمر "الماء الأسود" يداوم في الصف بشكل اعتيادي حتى نسي الجميع الموضوع ...وحين ارسل المدير الفراش ليقول ان "الماء الأسود" تم قبوله للسنة الدراسية الحالية، لم يفاجأ احد من الطلاب ولا المعلم الذي استمر في القاء درسه كأن شيئاً لم يكن، وعم "السلام" من جديد.

لكن في هذا المعلم ما يمنعه من تعلم الدرس والعيش بسلام لمدة طويلة, فجاءه الدرس التالي حين ارتكبت مجموعة بقيادة (غلوبل)، وهو مشاغب اخر من اقرباء "الماء الأسود"، ارتكبت فعلة مماثلة فسارع المعلم وقرأ على الصف قراراً بطرد (غلوبل) وامره بمغادرة المدرسة خلال خمسة عشر يوماً وشدد على منع جماعته من دخول الصف مستقبلاً والى الأبد، مع اقامة دعوى قضائية تأديبية عليهم. كان ذلك في الثاني من كانون الثاني في العام الحالي، اي في اول يوم دوام من العام الجديد الذي اراده المعلم ان يكون بدءاً لحقبة جديدة يظهر فيها للطلاب وللمدير ايضاً انه رجل حقيقي. قال لنفسه:هذاك الزمن ولى مع العام الذي ولى!! وسار وهو يختال فخراً متذكراً نظرات الطلاب الجديدة اليه...
لكنه قبل ان يخرج من باب المدرسة، رأى المدير الذي كان قد سمع تواً بما حدث، رآه يقف له في الطريق امام مكتبه، ويدعوه بلطف يعرف معناه الخفي المخيف الى "التفضل" الى مكتبه.

في رفعة العلم في صباح اليوم التالي، كانت دهشة الطلاب على اشدها حين خرج معاون شؤون الطلبة جواد البولالي ليعلن ان المعلم قرر السماح لـ (غلوبل) وجماعته بالبقاء في الصف دون اي اجراء او تحديد زمني "لحين ترتيب اوضاعها واثبات جديتها في احترام الية العمل الأمني - عفواً التعليمي - في الصف"!!

وفي يوم ربيعي مشمس جميل يكتشف المعلم ان احد الطلاب المشاغبين ليس له واسطة!! ينفخ المعلم صدره ويرفع خيزرانته وينهال على هذا الطالب بالضرب والشتائم والركلات، وبين الحين والآخر يلتفت الى الطلاب ليرى نظراتهم باحثاً عن "الإحترام" فيها. لكنه لم يجد لسؤ حظه سوى ابتسامات صغيرة غير مفهومة والتفاتات وهمس لم يرتح له! وحين حاول المعلم ان يوضح القصد ويرفق كل ضربة عصا بعبارة كبيرة عن المبادئ والعدالة والحزم تحول الهمس الى كلام. وحين قال المعلم شيئاً عن "هيبة المدرسة" افلت احد الطلاب قهقهة لم يستطع حبسها، لكن المعلم تظاهر بانه لم يسمعها فاستمر يخطب: "العصا لمن عصى" و "ان العصا يجب ان تكون في يد المدرس وحده" و "من يحمل عصا غيري بعد الآن في هذا الصف ساكسر رأسه"، فازداد الضحك شدة وكان بقية الزعران يرقصون بعصيهم فرحاً و شماتة.

استغرب المعلم ان "صولته" لم تأت بالنتيجة المرجوة وتساءل لحظة لماذا لايرى الطلاب بطولته وحزمه الجديد؟ لم يلحظ "الهيبة" التي كان يأمل بها في عيون طلابه لكنه لم ييأس فقال:"حسناً يا اولاد...من يعطني عصاه اعطيه درهم!!" ....لم يتقدم احد!
ادرك المعلم ان لامفر من مواجهة ما يفكر به الطلاب فقال: "أضن انكم تتساءلون لماذا اضرب واحداً واترك باقي الزعران؟ تتصورون اني ظالم اليس كذلك؟ حسناً انه سؤال وجيه ومن حقكم... يا ابنائي ها أنا اقول لكم: انا سأضرب جميع الزعران واسحب كل العصي!.....ساد صمت تام إزاء هذا التصريح الخطير، والتفت الطلاب الى الزعران القوية التي راحت تتحسس عصيها وهي تنظر الى المدير شزراً, فأسرع هذا يكمل كلامه: " انما يجب ان تعرفوا ان هناك "عصي عصي" وهناك "عصي ليست عصي". وهنا بدأت همهمة تتزايد علوا هنا وهناك فبادر المعلم: "هذا ليس كلام من عندي...هذا قرار قرره المدير السابق انظروا..." واخرج من جيبه كتيباً صغيراً وفتحه على صفحة معينة، لكن احداً من الطلاب لم يبد اي اهتمام بالكراس وعادوا الى الهرج بصوت عال، ووصلت أذنه كلمات مختلطة بضحك هستيري احياناً: "عصي عصي وعصي ليست عصي" ...."بدر...هل عصاك عصا؟".. فيجيب بدر بجدية: "لا كاكه انها فرن مايكروويف انظر..." .. "لكن رحلتك رحلة بينما رحلتي ليست رحلة....إنها تلمع...أظن إنها كلوب ابو المية! هل الكلوبات مشمولة بالمنع استاد؟" ...."انا القائد العام للعصي المسلحة".."المدير قال له"...."وأنا المدير قال لي أنني نابليون العظيم!!"

"المدير لم يقل لي شيئ!!" صرخ المعلم وقد انهارت اعصابه تماماً، بصوت رج المدرسة كلها فصمت الطلاب لحظة مذهولين. ساد الهدوء لحظة فأكمل المعلم مستفيداً منه : "أنا فعلت هذا لوحدي...نعم قررته وحدي...لم اسأل احد..قررت هذا لوحدي ولم استشر احداً..المدير لايدري بقراري....لم انسق معه... لم انسق مع اي احد...استيقضت هذا الصباح ووجدت الجو مناسباً...وقررت ان اقوم بصولة".

هدأ الطلاب يبحلقون في معلمهم، وراودهم احساس بانهم قد تسببوا في جنون الرجل فاحسوا قليلاً بالذنب. شعر المعلم بالصداع فالتفت بهدوء الى اكثر طلابه لطفاً واقربهم اليه، وسأله ان يفتح كتاب التربية الدينية ويختار بنفسه شيئاً مناسباً ليقرأه. كان المعلم يحب هذا الطالب ويثق به, ولطالما لمح في عينيه تعاطفاً معه في المواقف المحرجة السابقة، حتى انه في احدى المرات، وبعد شجار مهين للمعلم مع المشاغبين، زاره في مكتبه وقال له انه والعديد من زملائه يتفهمون ما يحدث وانهم يحترمونه رغم كل شيء، ويحتقرون من يحاول الإساءة اليه، وانه انسان كبير القلب وعادل. حينها قال له: "انا المعلم في الصف ولا استطيع ان "احرك رحلة من مكانها دون إذن من المدير" واجهش بالبكاء فاحتضنه التلميذ وعينه تدمع قائلاً ان الطلاب تشعر معه بالغضب، فهو معلمهم واهانته اهانة لهم، وان هذا كابوس سيزول حتماً.
تذكر المعلم كل هذا واحس بالحاجة الى الجلوس، فأشار الى الجالس على الرحلة الأولى في الصف الوسطي ليعود الى الخلف، ثم سحب الرحلة قليلاً وجلس بإتجاه معاكس مواجها الطلاب وواضعاً رأسه بين يديه.

اخرج الطالب كتابه وقلبه كمن يبحث عن صفحة معينة، رفع رأسه متردداً ثم قرأ بصوت واضح:" إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق الضعيف أقاموا عليه الحد". ...

مرت لحظات صمت كأنها الدهر، ثم رفع المعلم رأسه ونظر طويلاً الى الطالب، ثم نظر الى الطلاب كأنه يودعهم، فشعروا انهم مع معلمهم القديم الذي احبوه واحبهم يوماً، اما هو فكان في عينيه الم واعتذار والكثير مما يريد ان يقول. إلتفت الى الشباك وراح ينظر الى الساحة وبقي هكذا لدقيقة ثم نهض من مكانه وخرج، ولم يره احد في المدرسة بعد ذلك، وتقول شائعات انه التحق بفرقة مسرحية في مدينة قريبة ليحقق حلمه القديم الذي لم تسمح له ظروفه العائلية بتحقيقه في شبابه.



#صائب_خليل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- محاولة للتفاهم بين مؤيدي صولة الفرسان ومعارضيها – شروط اولية ...
- الإعلام وخطابات حميد مجيد والدباغ والمالكي
- المالكي يحقق اقدم وعوده الإنتخابية ويخرس متهميه بالطائفية
- حرب عصابات وعصابات وليست حرباً بين حكومة وعصابات
- الرصاص الذي يقتلكم ليس موجهاً اليكم فلا تنزعجوا
- ذبح الصدريين تهيئة لإنتخابات تفتيت العراق وبيعه
- ابريل غلاسبي كذابة
- صفر الدين القبانجي وخطبته العصماء
- متى يعترض عادل عبد المهدي ومتى يقبل؟
- هنري برغسون: وفاء سلطان وأمثالها مختلي الأخلاق
- دور علاوي في فقدان سيادة العراق على العمليات العسكرية ووجوده ...
- حلبجة...السادة أمنوا منازلهم جيداً
- قضايا تختفي واعدامات بالمئات من اجل التستر؟
- الحزب الشيوعي العراقي والمعاهدة - (2 من 2) المطالبة بإجماع و ...
- الحزب الشيوعي العراقي والمعاهدة - مفاهيم مشوشة (1 من 2)
- على الإنترنيت كتاب يكتبون بدمهم وقراء اصابهم التعب والإحباط
- كيف يمكن لمفاوضينا صياغة معاهدة تستعيد السيادة الكاملة؟
- الفرق بين الدفاع عن المرأة واستخدامها كهراوة لضرب الإسلام
- جمال يساعد امه – فكرة لمناسبة عيد المرأة
- كيف دافع المؤيدين الخجولين عن معاهدة مخجلة؟


المزيد.....




- -يوم أعطاني غابرييل غارسيا ماركيز قائمة بخط يده لكلاسيكيات ا ...
- “أفلام العرض الأول” عبر تردد قناة Osm cinema 2024 القمر الصن ...
- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...
- افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-
- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - صائب خليل - حكاية المعلم الذي تحول جنرالاً