أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - يعقوب زامل الربيعي - قصة قصيرة الأشباح التوائم















المزيد.....

قصة قصيرة الأشباح التوائم


يعقوب زامل الربيعي

الحوار المتمدن-العدد: 2245 - 2008 / 4 / 8 - 06:55
المحور: الادب والفن
    


الأشباح التوائم
تسلل رجل مشعر على هيئة ثور برأس إنسان شعره مجدول بثلاثة جدائل من الناحيتين، يبدو خائفاً ، الى الغرفة ، حين توسطها أضطجع على الأرض. بعد حين سمع شخيره، كان عاليا تماما، و مقلقا في نفس الوقت. " لقد أوغل في السفر البعيد ، لكنه تعب فعاد ") . توسم السلام هنا في الغرفة (" لقد أدرك الحكمة، والذي نفذ في كل الأشياء ")
- هل ترينه؟
- من؟
- النائم في وسط الغرفة
- لا. ليس سواك معي، والطفلين!
- هذا . الذي نصفه أنسان، و نصفه الآخر ثور؟!
- أنت متعب الليلة. و لعل رائحة النفط أصابتك بالغثيان!
عندما وجدته، مهتما كثيرا برائحة النفط، اكثر من اهتمامه بها، همست و هي تقوده لفراشها. وكانت قد رشته برائحة عطر العجائز الريفيات:
- أنه نفط ليس إلا.
أشارت برأسها لطفل متعر، لم يتجاوز الخامسة من عمره. و كان يغط بسبات عميق:
- لقد سكبه هذا الشيطان!
بدا أول الأمر متضايقا.. و متعجلا لاتمام ما جاء من أجله سريعا، لينصرف بعدها. جذب المرأة المضيفة بغتة ليضمها اليه. لكنها و بلطف زائد، أفلتت جسدها من بين يديه، مندفعة نحو مضجع صبيها النائم. كان عاريا تماما. نصفه على الفراش و نصفه الأخر على الأرض. انحنت عليه، وبحركات رجولية مهذبة، سحبته كلية على الفراش، ثم غطته جيدا.
- يقول بأنه يشعر بالحرارة دوما لذا ينام عاريا منذ وقت طويل!
- ("منذ أقدم الأزمان، لم يحدث أن يكون النائم و الميت متشابهين_أفلا تبدو عليها هيئة الموت؟!")
- ماذا قلت؟
- لا شيء!
كان بإمكانه أن يرى حواف لباسها الداخلي واضحة من خلال شفافية ثوبها، أثناء انحناءاتها خصوصا على مضجع الصغير الذي تحرك تحت الغطاء بحركة تلذذ حين أحس بالدفء. كما ألقت نظرها الجميل على الطفلة التي نامت قريبة من شقيقها الصغير، كانت وديعة مستكينة، تنام باستسلام لذيذ تحت غطاءها، وقد وضعت كفا تحت خدها. و كان خيط من اللعاب يسيل على جانب من فمها، لم تنس الأم أن تمسحه بطرف الغطاء لتتحرك بعد ذلك نحو فانوس نفطي كان يرسل خيطا من دخان أسود في طرف ذبالته، لتقلل توهجه.
ألقى نظره من جديد، على الإنسان الثور (rimu) والذي كان لا يزال يرسل شخيره: " انه متعب وقد أصابته رائحة النفط بالغثيان!.."
كانت حركتها، عندما فعلت ذلك، رشيقة، غير متباطئة، سريعة. وكان وجهها تحت الواجب عاطفيا مشرقا، رغم أثر السهر الواضح عليه. وكانت في نفسها دفعة معطرة بالإثارة لخوض الأشياء المثيرة التي تعطي لوجهها الشاحب، لونا من الحيوية و السمرة الليلية. و كان ليلا خافتا يظلل المكان. كما كان يرى ذراعيها الرشيقتين تتحركان خلال زبد الثوب صافيين تحت تكور كتفيها.
جلست قربه و قد تعرق ساقيها، و كان مضطجعا مع نظره الساكن وسط الغرفة متلمسا عري الثور الإنسان الذي تقلب ضجرا في منامه. قالت:
- أنس الرائحة! سأكفيك منها.
اضطجعت متلاصقة به على فراش أعدته على الأرض، بعد أن تركا السرير فارغا. كان قد أشتكى من صريره الدائم أثناء وصاله بها ، فكان لزاما عليها أن تغير حلبة لذتهما لمكان أكثر أمنا واستقرارا ليتمتعا معا.
جدائل شعرها ("كجدائل " نصابا " 1) كثيفة كالسنابل. و كانت شبيهة بماشية السهوب. تحرك الثور السماوي، و تقلب على الأرض، كان وجهه معفرا بالتراب و الألم. انزلقت بين ذراعيه، في وجهها نظرة مستحية صافية و بساعديها البيضاويين طوقت رقبته. تكور ثوبها تحت حقوبها، جردها منه بحركة سريعة متقنة:
- ما بك؟ سألته بغنج معهود.
قال من بين أسنان مصطكة:
- لاشيء.
أضافت:
- أراك متعجلاً الليلة !
إحساسه بالضيق، كان بانا عليه. خشيت أن يكون متبرماً منها . و كانت تستقصي حقيقة الأمر. استفسرت منه:
- بسبب الرائحة اللعينة ؟
- ربما!
- أنساها. (قالت بمواء منخفض)
تحسس جسدها . سمع الثور يقول:
- (" ليأخذ شهوتك و اكشفي عن عورتك لينال من مفاتن جسمك لا تحجمي، بل راوديه و ابعثي فيه الهيام").
كان جسمها مكتمل النضج و الوسامة، كما رآها أول مرة، لكنه لم يكف عن التطلع الواله فيه.
- ("علِّمي الوحش الغر فن … المرأة ").
وكان يرى جسمها مثل قمر يخوض متوردا في سحابة اللذة ، كأنه في ليل فائق السحر. لكنه مع الوسامة و الاكتمال كان يشده لالم قديم، دفين، يطفو في لحظة مثل بقع تحت الجلد.
- أحبك.
همهم من بين نهديها اللذان غمرا وجهه:
- لا تنظر! ( دع العيون تشبع من ضوء الشمس )
- (" الظلام فارغ ، ما أحوجني للنور!").
- ( نفذ الغم في جوفي، همت في الصحراء خوف الموت . )
- (" كلكامش الى أين تسعى!؟").
- لا أدري!
التفتت إليه، و كان السحر بعينيها، قالت:
- ماذا قلت؟
- لا أدري.
انزلقت ثانية في حضنه، طوقت خصره بتوهج :
- أسمعني الدلال
- " شمخت ! "
- من ؟
- عشتار!
- آلهة النفط ؟
قال الثور السماوي المثقل بالوزر و الخطيئة هادراً:
- (" أفرجي لباسك.. ليستلقي عليك!.. امنحيه اللذة، -متعة النساء-").
(لم تخجل منه، تقبلت أنفاسه، و أفرجت لباسها..) فاستلقى بعيدا عنها. انخذل فحله دون ان يشعر بردة فعل من نفسه. و أمام عينيها المندهشتين، سقط في الضحك المكتوم بالسعال الموجع. كانت تغمزه بعينيها، حين اندهش هو الآخر لطريقة ضحكتها المعبرة المفضوحة. و كانت عيناه تجوسان بعقدة مجهولية نفسها الخبيثة. سألها بخيبة أمل شديدة:
- علام تضحكين؟
- لاشيء، انه مجرد وهم قديم!
وكانت ما تزال تضحك، و لكن بتمهل ، تخاف أن تصيبها نوبة السعال . أو ربما لأنها شعرت بشيء من السخف والندم . كان القلق قد بدأ يخيفها:
- تذكرت، ليلة نمنا أول مرة . كانت مصيبة لا توصف.
- آه، الأمر هكذا إذا ؟
أضافت بنبرة حزينة، و إن بدت تحت ستار من الشفافية الكدرة:
- كدت في تلك الليلة إن أصاب بالسكتة القلبية. تصورتك غير مكتمل الفحولة!
ظلال الغيوم التي انتشرت في السماء، كانت تحجب ضوء القمر أحيانا من كشف عريهما والأشياء. (" يكسو الشعر كل جسمه، شعر رأسه كشعر المرأة ، جدائله المتموجة كشعر نصابا ، لم ير الناس ، و لا يعرف البلاد . لباسه أشبه بـ : السموقان ، مع الضياء يأكل الأعشاب، مع الحيوان يستقي من مورد الماء، مع القطعان يطيّب لبه بالماء ").
- إيه يا صديقي الحبيب. ما الذي عطل اللذة في جسدك. هل هي ذكراي، أم ماذا ؟ ان الحياة قصيرة يا صنوي فلا تخلع أرديتها مبكرا .. تمتع بها ، فغدا يطويك الموت . انا أعرف كم عانيت في هذه الرحلة القاسية! و كم شربت من مرارتها حتى ثملت ! و كم فقدت من السعادة و الأحبة. لكن يكفيك أنك وفيا للخل والصديق. تصحبك المروءة دائما.." انكيدو" سيبقى عطرك مزهرا على الدوام ، فتمتع صديقي بالبقية الذاهبة! (" املأ جوفك و امرح نهارا و ليلا –اذ- ليس في هذا عمل الإنسان").
- لقد سكبها الشيطان منذ الصباح، لكن رائحتها ما تزال قوية. انه نفط ليس الا!
- مللت تلك الرائحة! لكثرة ما شممتها.
- لم تقل: انك كنت تبيعه!
- لم اكن . كنت اعمل في التنقيب عنه.
نظر في وجهها متطلعا، و نظرت مستغربة مستفهمة. اضطجعا ساكنين، و كأنهما في منتصف الحلم. وعندما تأكد أنها لم تصدق ما يقول ، ضحك بهدوء لئلا يثير الصغيرين النائمين . سألته بخبث مثير:
- بأي شيء كنت تنقب؟!
- لا تعبثي معي.. إنها الحقيقة !
توقف عن الضحك، حين شعر بأصابعها على فحولته. كانت تثير حماسته إليها. صعد دمه الى عينيه. جفل من اللحظة الفاضحة. نظر في عيني صاحبه الجذل، ثم قال له:
- (" هل سأموت هكذا ميتة انكيدو؟!… هل يمكن للميت رؤية بريق الشمس ؟ ").
(أدار وجهه نحو خله الحيوان، فلما رأته الظباء .. هربت منه !).
- (" أنت جميل يا أنكيدو. أنت تشبه الإله").
كانت أصابعها تطبق ، كامرأة مجربة بالإثارة . همهم بكلمات غير مفهومة ، عندما قاطعته قائلة:
- (" سأكشف لك يا – مليكي- الكلمة السرية ، أحكي لك أنا.. سر النبتة. هذه النبتة- كالشوك - تخز يديك، ان توصلت يداك للحصول عليها ، فستحضى .. بشباب دائم").
قال الثور الأسطوري :
- ( " أكان واقفاً ، أم جالساً – فهو ملك من رأسه إلى قدميه . ثلثاه إله وثلثه إنسان ")
وبمجهولية خالصة تورد ثابتا، و كان الماء الحار يفور داخل جسده. يستحم في مياه واسعة تمتد من رأس الرجاء الصالح، حتى خليج الأزمات والأفكار المعقدة.
الأيام الثلاثة التي مضت قديما في ماضيه معها، كانت قاسية معه. ورغم محاولاتها لإثارة شوقه التي ذهبت أدراج الرياح ، إلا أنها الخـبيرة ظلت صابرة معه ، حتى حلت عقدة تفسحه بمتعها وقابلياتها العظيمة . وكان وبكل الثقة العظيمة في نفسه ، يعرف قدراته كرجل . لكنما علة عفافه هي التي أسقطته في تلك الفجيعة . ظل يتجرع بصمت مفردات قبولها كبغي حتى صحا أخيراً !
ولكي تغير ناموس اللحظة الآنية ، احتضنته من جديد . طبعت شفتيها الريانتين على فمه بقبلة حارة . شعر بلسانها يلج داخل لحاء فمه فيقشعر بدنه في سرور . وكان منفعلاً .
- ( " في اتحادنا معاً نصنع .. الذي لا ينسى بعد الموت ! " )
- ( " يا صديقي ، سأصنع تمثالاً ، لم يصنعه صديق لصديق . بطول الصديق ، ومظهره فيه سيكون واضحاً . قاعدته من الصخر ، وشعره من الأزورد ، وجسمه من الرخام الشفاف ، ومن الذهب جسمه . " )
(فاستجمع روحه ، وسار إلى الأمام ، وفي " المجال " الرابع الذي اجتازه ، كان الظلام كثيفاً ، ولا يرى النور ، ) . وكان قد اختفى فجأة .
صرخ بقوة :
- أين أنت أيها الصديق ؟ ما الذي فعلته حتى تجافيني بغتة ؟
( وفي المجال التاسع شم [ رائحة ] البرودة ، ولفحت وجهه لمسة من ريح .. )
- حتى أنت يا " شمخت ! " كلكم ترحلون !
( وفي [ المجال ] الحادي عشر قبل بزوغ الفجر ، وفي [ المجال ] الثاني عشر ظهر النور ! ).

يعقوب زامل الربيعي



#يعقوب_زامل_الربيعي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصة - تأويلات الظل
- الغائب
- للفرصة وجه آخر
- بعيدا عن وعورة الحلول البائسة
- آفة الزمن الأغبر
- جودت التميمي .. شاعرا وانسانا
- وحدة المصفدين
- شهادة أخرى
- لكي لا نفاجىءبالموت أيضا
- قصة قصيرة
- بين نازك وأمي سراط لمواصلة الانسان
- الفوضى الخلاقة .. لماذا ؟
- خطوة في الفراغ الجميل
- خطوة في الفراغ الجميل
- خطوة في الفراغ الجميل
- لقاء مع الدكتور ميثم الجنابي
- لقاء مع المناضلة والكاتبة المعروفة سعاد خيري
- السلام العادل.. بين الأصالة والثورية
- لقاء مع الاستاذ سعيد شامايا ـ عضو سكرتارية مجلس كلدوآشور الق ...
- مع عيسى حسن الياسري رفيق الرحلة في منزل الاسرة العالمية


المزيد.....




- وفاة الفنان المصري الكبير صلاح السعدني
- -نظرة إلى المستقبل-.. مشاركة روسية لافتة في مهرجان -بكين- ال ...
- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - يعقوب زامل الربيعي - قصة قصيرة الأشباح التوائم