|
قصة - تأويلات الظل
يعقوب زامل الربيعي
الحوار المتمدن-العدد: 2181 - 2008 / 2 / 4 - 12:09
المحور:
الادب والفن
[…. وجهي الساكن الملتحي كان نظرا ، رغم صلابته التي حولته الى حجر منحوت . لم استطع أن أغير من ملامحه شيئاً ، عندما كنت احدق بالمرآة هذا اليوم . ورغم انني لوحت به كثيرا ، بطريقة سلمية متقنة ، نحو اشياء احاطتني داخل الغرفة . بدا وجهي ابيضاً ، خافتاً ، مسالماً … كأنه ما يزال يتشبت بصفحة كتاب ممل الحكاية . بين سرير منامي والخارج نافذة تعودت أن لا أغلقها ، إلا حين أهم للنوم ، على أنني في تلك الليلة بالذات ، أغلقت شباكها قبل أن أأوي الى لفراشي دون ان انزل ستارتها . ارتميت منكمشا بلا صلابة في الفراش دون رغبة في النوم . رغبتي بالانغلاق كانت أقوى من حاجتي للانفتاح ، الذي تصورته انه يعود علي بالضرر . - ليقتلك البرد والمطر : أبق هناك واقفا … ستمل الانتظار . قلت عندما تيقنت من انه لم ولن يبرح نافذتي إلا حين يأخذني رقاد كامل . كان في مكانه واقفاً خلف زجاج نافذتي مبحلقا فيّ وكأنه لم يراني من قبل .. مع إننا أصبحنا منذ مدة غير قصيرة صديقين بالعداوة . - متى تأوين لفراشك يا امرأة ..؟] سمعته الزوجة التي ندت عنها حركة صغيرة مثيرة مشيرة إليه بحركة فاضحة من أنها ستأتيه سريعا حين تكمل ما بيدها من عمل داخل المطبخ . [ على عادتي كل ليلة تقريبا ، وقبل ان أدخل فراشي معه ، أصبح دائبة الحركة بانتظام داخل المطبخ تسليتي المفضلة غدت بين الأواني والصحون ، ومع رغوة مسحوق الصابون . كنت أجد لذة لا تقاوم – خصوصا في الأيام الأخيرة – في شطف وتجفيف الأواني كما في تسوية وضعها في أماكنها المخصصة . مع أنني سمعته بوضوح ، ورأيت بعيني رغبته التي لم تكن عارمة ، في أن أأتيه الفراش عارية ، ليطارحني الهوى مبتورا ، دون أن يستطيع أن ينفذ واجبه معي كزوجة ، إلا أنني تعمدت التأخير هذه الليلة . كان يطرح جسدي بين يديه ، يتأملني مثل قطعة فنية أثرية نادرة يخشى تصدعها ، يرصعني بالقبل الحارة ، ويداعبني بحركات مثيرة تهيج كل غافية فيّ . ثم ما يلبث أن يستسلم لكارثة الانكسار والخيبة . عندها يدعني فريسة للأرق والرغبة الكسيرة . لم أكن الليلة مهيئة لتلبية طلبه كما أوهمته . كما لم أكن صادقة في تلك الإيمائة المغرية التي اصطنعتها. انكببت على افتعال العمل داخل المطبخ افتعالا موفقا .ٍ] مثل أبر طويلة دقيقة ، كان المطر يتساقط خيطـانا ، فيلوحه ضوء المصباح الوحيد الذي ينير في الخارج . لم تكن الغرفة نظيفة ، كما لم تكن هادئة وأن بدت جافة تمتلئ بالظلمة التي جعلتها مثل شجرة شوك البحر ، تركن بهدوء بعيدا عن سبل المارة . [ كان يبدو عليه وأنا أراه من خلال زجاج النافذة ، موصوفا بالثقة والاطمئنان وبالوقاحة أيضا . ما كان ليخشى شيئا يداهمه من خلف . هكذا بدا ! ماذا تريد بالضبط ؟! ] تسائل في نفسه على نحو ذليل . كان محبطا بشكل مخجل ، مصابا بضمور في حيويته . [ كان صوته باردا عندما دعاني – مثل كل ليلة – أن أخلع ملابسي حتى قبل أن التقط نفسي تحت الغطاء . وكنت قد سئمت حركتي الخليعة التي غذت غيبية في الوقت الذي أتخلص من أخر قطعة تسترني . كانت النافذة قد انحسرت ستارتها ، مكشوفة أمام أي عابر في الطريق . لم يكن راغبا أن يسدلها كما ينبغي . ومع هذا لم اشعر بالضير عما كان يفعله معي وأنا مفتوحة العينين . ] صوت الاواني ، ورنين معادنها ما يزال مدويا أثناء ارتطامها ببعضها . [ لليل في الخارج مصباح واحد كان ينير ركن الطريق الذي تقع عليه غرفة نومنا . لم يكن منه إلا نصيب شحيح مركونا على فراشنا مثل بقعة صمت سقطت سهوا ميتةً دون ان يشعر بها . وجهه ما يزال مشيحا صوب النافذة ، يرقبها باهتمام بارد . شعرت بالارتياب اولا . لكني حين وجدته متطلعاً بلا أهتمام هدأت نفسي قليلا من ارتيابها ، فأصبحت نقيا . ] [ في البدأ كنت ازوغ عنه حين أراه ، كما كان يولي هاربا حين اكتشفه يتعقبني لكنه لا يلبث أن يعاود الكرة ، فأقع في قبضة نزوته المدمرة ، وصلف هيئة الطبشورية الوقحة ، يجدني ويراني بالسهولة التي اراه فيها ، حتى اصبحنا رديفين لبعضينا ومثل ظلين كثيرا ما يظهرا حتى في أشد الليل حلكة . تصوري (قلت لزوجي مرة في سري) انه على عكس معظم الطارئين الممقوتين وجميع المطاردين والصيادين ، يقوم بأحداث الحركات المقصودة المشوشة التي يصطنعها ليلفت انتباهي إليه . يثير نفوري منه وشكوكي ، مثلما يدفعني للحذر منه ! في بعض المرات يدنو مني بقدر مخجل . تصوري .. يصبح ظلا حتى لأخشى أن أتعثر فيه ، وأن اسقط منقلباً أو منكباً على وجهي . ] [ فكرت يوما وانا بين الماء والأواني داخل المطبخ في أن أنصحه بعرض نفسه الى الطبيب إذ سيجد له مخرجاً من ضعفه الجنسي المفاجئ الذي بات يعانيه في الفراش معي ! لكن نفسه الطيبة وفحولته التي كانت له من قبل ، تمنعاني من الإساءة إليه . تركت الأمر لفطنته . ربما سيفعل ذلك دون علمي . كان لديه من الهموم ما يجعلني أرضخ للصمت . فقد أصبح يعاني في ضعف في ذاكرته مثلما كان يعاني من أنشدادات نفسية حادة لا اجد لها ما يبررها ! كما بدأت أرى بعض الترهلات التي بدت تشوه خلقته ، خصوصا في جلد رقبته وبطنه كذلك شحمتي أذنيه اللتين استطالتا . في مرات أسمعه يكلم شخصا لا أراه البتة . إن ذكائه الحاد والمصنوع بمهارة دقيقة لم يكن يخذله يوما في قراءة الكثير من الأسرار والمفارقات التي تحدث بيننا ، لكي يخونه هذه المرة في أدراك ما يحصل بيننا أثناء اجتماعنا في الفراش فالحقيقة الساذجة التي ينطوي بداخلها هذا الكم من المفارقات التي تبدو لعينة ! ] أبعد نظره عن النافذة نافراً من أمتحان نفسه بها .. محولا أياه ببرود نحو أشياء الغرفة . لم يكن يتفحصها بقدر ما كان يتصفحها ، كانت أشياء متسخة بكدرة الظلمة الفاقعة ، متبقعة في الظلال المنتشرة من خلال الضوء الواهن لمصباح الطريق الخارجي . كانت تنام عارية مثل امرأة من شمع ، التقت عيناها بعينيه في تحد . فأمسك لسانه لئلا ينزلق بالقول المخجل .. وكان يخشى أن يصيب هذا العري الشمعي بداء شرور النفس الذي يعانيه . ظلت تحديقتها ثابتة . كانت تعاني من انفصام في صفائها كامرأة تحت طبقتها الشمعية . متزنة وقد كف وجهها عن ان يغدو بلون معبر عن شيء ما . كما كان يراها مسلوبة عن الاتيان بالحركة المماثلة التي تصيب الإنسان أحيانا بالرضى أو بالأسف كانت تصغي لشيء غريب بعيد ، أو قد يكون قريبا من نفسها بالقدر الذي لا تفعل شيئا إزائه . ربما هو صوت الأرض الذي يأتيها من تحتها لأول مرة . وكان هو وقد تحول إلى نظر مطلق ، خاليا من الاحتجاج والمراهنة على نتائج أي فعل معلوم .. نظرا سالبا وسائلا وأن بقي تحت قوة إنشداد سطحه المتوتر . وعلى أشياء الغرفة ، التي لم تكن نظيفة وغير المرتبة التي ظلت جافة لأكثر من ساعة من الوقت ، سقطت حسية تفصيلية عالية من الانسجام المهلهل . [ مرة سمعته يهمس في ثقة بليلة : " رغم أن الأمر كان مكشوفا أمامي وشفافا إلا أنني قررت أن أعطي نفسي لظلي الجديد أعطاءاً أملسا حتى لا أثير غروره ، ولكي أحمي ذاتي من تجاوزاته الرعناء على حقوقي في الحياة ، نهرته بشجاعة .لأن الحياة ما عادت أثيرة عندي فتستحق الخشية والحذر عما يفعله معي من صلف " . لم أفهم شيئا محدداً من قوله ذاك . لكني تصرفت بميكانيكية مفرطة لسماع ما صرح به . على اني تصورت من أنه بدأ يفلسف الأمر كما يستحقه ، وربما قد تجاوز حدود حذره في الأقرار بضعفه الجنسي ، فاستبشرت خيراً ] . مالت إليه هامسة بأذنه همساً مثيرا ولذيذا . كانت تساعده على المحاولة من جديد . في أغلب مرات الوصال بها كان يجبرها على قول أشياء مثيرة لكنها كثيرا ما كانت تتهرب عن الإفصاح عنها حياءً وتعففاً . غير أنها كانت تسقط أخيرا في بهجة التلذذ بالعهر المشروع . في الليلة الثانية : كان الليل فسيحاً على وسعه ، وثمة أصوات نسائية كانت تأتيه من الخارج مفعمة بالرثاء والأثارة ، وثمة دخان رمادي تعلق على جدار الغرفة مثل ستارة مزركشة . لم يسألها عن سبب عزوفها الليلة من الانشغال بأمور المطبخ كما اعتادت كل ليلة . ولا عن السبب الذي جعلها تنسى أن تخلع ملابسها . كانت شاحبة الوجه ، مقطبة الجبين .. تتعقب بنظرها من خلال زجاج النافذة شروخا جهنمية مجهولة. نظرها منذ انقلبت على ظهرها ما يزال ساكنا باتجاه النافذة دون ان يربكه رمش او تلجلج . يداه كانتا تنضوان الثوب عن جسدها المليء بالفزع الباهت . حتى انه لم يسمعها حين سألته ساهمة : - هل كان قريبا منك بهذا القدر المخجل ؟!
#يعقوب_زامل_الربيعي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الغائب
-
للفرصة وجه آخر
-
بعيدا عن وعورة الحلول البائسة
-
آفة الزمن الأغبر
-
جودت التميمي .. شاعرا وانسانا
-
وحدة المصفدين
-
شهادة أخرى
-
لكي لا نفاجىءبالموت أيضا
-
قصة قصيرة
-
بين نازك وأمي سراط لمواصلة الانسان
-
الفوضى الخلاقة .. لماذا ؟
-
خطوة في الفراغ الجميل
-
خطوة في الفراغ الجميل
-
خطوة في الفراغ الجميل
-
لقاء مع الدكتور ميثم الجنابي
-
لقاء مع المناضلة والكاتبة المعروفة سعاد خيري
-
السلام العادل.. بين الأصالة والثورية
-
لقاء مع الاستاذ سعيد شامايا ـ عضو سكرتارية مجلس كلدوآشور الق
...
-
مع عيسى حسن الياسري رفيق الرحلة في منزل الاسرة العالمية
المزيد.....
-
دعوات من فنانين عرب لأمن قطر واستقرار المنطقة
-
-الهجوم الإيراني على قاعدة العُديد مسرحية استعراضية- - مقال
...
-
ميادة الحناوي وأصالة في مهرجان -جرش للثقافة والفنون-.. الإعل
...
-
صدر حديثا : كتاب إبداعات منداوية 13
-
لماذا يفضل صناع السينما بناء مدن بدلا من التصوير في الشارع؟
...
-
ميسلون فاخر.. روائية عراقية تُنقّب عن الهوية في عوالم الغربة
...
-
مركز الاتصال الحكومي: وزارة الثقافة تُعزّز الهوية الوطنية وت
...
-
التعبيرية في الأدب.. من صرخة الإنسان إلى عالم جديد مثالي
-
يتصدر عمليات البحث الأولى! .. فيلم مشروع أكس وأعلى الإيردات
...
-
المخرج علي ريسان يؤفلم سيرة الروائي الشهيد حسن مطلك وثائقياً
...
المزيد.....
-
الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية
...
/ عبير خالد يحيي
-
قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي.
/ رياض الشرايطي
-
خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية (
...
/ عبير خالد يحيي
-
البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق
...
/ عبير خالد يحيي
-
منتصر السعيد المنسي
/ بشير الحامدي
-
دفاتر خضراء
/ بشير الحامدي
-
طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11
...
/ ريم يحيى عبد العظيم حسانين
-
فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج
...
/ محمد نجيب السعد
-
أوراق عائلة عراقية
/ عقيل الخضري
-
إعدام عبد الله عاشور
/ عقيل الخضري
المزيد.....
|