أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - يعقوب زامل الربيعي - بين نازك وأمي سراط لمواصلة الانسان















المزيد.....

بين نازك وأمي سراط لمواصلة الانسان


يعقوب زامل الربيعي

الحوار المتمدن-العدد: 1996 - 2007 / 8 / 3 - 08:57
المحور: الادب والفن
    


لحظة أكتشف أي جزء من أجزاء المكون الحياتي لوجود الأشياء والانسان ، أجدني اقرب الى السعادة اكثر من الأحباط الذي أشعر به أزاء قناعات ذاتية كونتها لديّ ظروف عديدة ، كانت تأخذ في وجداني مأخذ الأيمان ، عندها فقط يبدأ المعنى من التأثر بالأديولوجيا ـ أي ايديولوجيا ـ يتغير حسب طبيعة الحقائق الجديدة المكونة لقناعات مستحدثة ، متباينة أو متوازية احيانا وربما متعرجة ، أحيانا ، مع منطق "الديانات " القديمة .
مقاعد شرفات المعرفة كثيرا ما شهدت تقاطعات دراماتيكية مع مناهج لم نكن نعتقد انها ليس اكثر من مجرد صنميات مقدسة عندما وضعناها موضع الأيقونة خارج الحداثة وروح الحياة ، كالتي شهدتها انا مع قناعات كانت لها عندي في يوم قريب ، صفة الديانة ليس الا .
يوم كانت أخطاء الأديولوجيا ، او أخطاء قراءاتنا الخاطئة لها ، سببا لألغاء الاخر ، مفهوما كان او انسانا ، كالذي حصل في المجال الثقافي والمعرفي بوجه الخصوص ، مع كتاب ومفكرين وشعراء كانت لهم " دياناتهم " الوجدانية ومعارفهم الخاصة التي تصورناها كارثية "تسيء " للحياة لطالما كانت تنظر بمنظار اللون الآخر المغاير للون معتقداتنا . كما حصل مع نازك ومع السياب مثلا على وجه التحديد في العراق . لذا ومن باب الأعتراف بالخطأ كنت قد سميت أبنتي الثانية بأسم نازك عام 1979.
كانت هذه الكثافة من جبريات المعرفة والوعي تتلاطم داخل رأسي مجددا في تلك الظهيرة القائظة التي يزيد لظاها انقطاع التيار الكهربائي في منزل عائلة زميل لنا ، هوأبن الأخت الصغرى للشاعرة الراحلة نازك الملائكة .
ومع ان زيارتنا التي أملتها ظروف خاصة كانت لمجرد تقديم التعازي لما تبقى من عائلة الفقيدة
وليس لتصوير وتسجيل أرث أرشيفي لما يمكن تدوينه فليميا عن حياة ومرجعيات ثقافة الشاعرة في تكوينها ورياديتها في الشعر والنقد وكذلك في اضاءاتها الفنية والشخصية الأخرى التي لابد وان تكون العائلة حاضنتها الأولى ، الا انها أخذت شيئا فشيئا ، طابعا حميميا لطالما أنعشته الذاكرة عن الشعر والريادة والذكريات .

الفترة التي جاءت مسترسلة بهدوء بعد سلسلة تهدجات وجدانية كانت مشتركة بين الحضور، قد أضفت على منطقة الظل الرمادية جوا من الحاجة الى الأنثيالات العاطفية بيننا وبين أفراد العائلة . خصوصا عندما كانت السيدة ( سـها ) شقيقة نازك الصغرى قد شقت الطريق أمامنا نحو طيف الذكريات من غير ترتيب وأعداد مسبق ناسية كما يبدو اننا مجموعة من الاعلاميين كما اننا نمثل في الوقت نفسه شبكة الاعلام العراقية في حضور شخصي لعزاء الفاتحة . منطقة الظل تلك كان يفتقها بهدوء ضوء الألفة الوليد . . الحس بالوداعة ، وأحترام البديهية والأصغاء لأنتهال المزيد من منابع المعلومة ، وأرتياح المصدر المتنوع .
" كانت نازك قد كتبت الشعر منذ نعومة أحلامها الفتية ، وبين متلقي مشجع ومتلقي مشاكس من أفراد العائلة ، ومع ان والدها صادق الملائكة لم يكن بعيدا عن الموسوعية الثقافية والمعرفية الا انه وقف يومها يؤنب نازك على كتابتها لقصيدة " الكوليرا" عام 1947و التي أعدتها الشاعرة فتحا جديدا في الشعر الحديث " تقول ( سها ) التي بدأت تحدثنا بحماسة عن لغة شقيقتها التي أخذت منحا يكتسب قوة الأيحاء والبلاغية غير التقليدية . ومع ان حقائق نقدية كانت تؤكد ان قصيدة واحدة تكتب هنا او هناك لايمكن ان يؤسس عبرها مدرسة او تيارا خاصين ، كانت هذه حقيقة ماثلة في وجدان الشاعرة الفتية التي تعيش داخل حاضنة شعرية وثقافية من الأهل والأقارب والقراءات التي كانت تدفعها حثيثا نحو انتهال المعرفة الضرورية لتصبح شاعرة وناقدة ومفكرة في آن واحدة . تحت جناح هذه المعلومة الفذة انكبت الفتاة الحالمة بقراءة ما كان يقع في يديها من أوراق الشعر والثقافة لتغتني بالمعرفة والمتعة .
كانت تغلق عليها باب غرفتها بعد ان تعلق عليه لافتة من ورق الكارتون تقول " انا مشغولة .. الرجاء عدم الازعاج " . ( تستطرد سها ) : " لذا كان علينا ان نشبع جو البيت بالصمت المناسب لتأخذ نازك قسطها من هذا الهدوء . كما كنا نعفيها من دورها في الواجب المنزلي " . ولكي تفيدنا
( سها ) بالمعلومة قالت : " ليس بسبب رغبة أو طلب نازك كنــا نعفيها من أعباء الأعمال المنزلية لكي تعد نفسها لتحتل مكانها في الشعر والثقافة ، كما نرجو ، انما بسبب ترتيب منزلتها بيننا ايضا ، كونها الأخت الكبرى " لثريا " " الملائكة " السبعة من الاناث .
كانت هذه المحتجبة في صومعة حلمها تندفع بشراهة لأكمال فروضها المدرسية كطالبة ، في الوقت الذي كانت فيه داخل وهج الأشعاع تعد نفسها لأكمال مناسك فروضها الثقافية وشيئا فشيئا كانت تقترب من جادة الحداثة الغربية والعربية في الشعر المعاصر ، قبل وبعد نيلها شــهادة البكالوريوس باللغة العربية من كلية التربية ببغداد (دار المعلمين) . أو حتى قبل ان تشد رحالها
الى الولايات المتحدة الامريكية عام 1954 لتجني هناك بعض من ثمار مستحقات الحلم في نيلها الماجستير في الأدب المقارن من جامعة وسكونس .
في عام 1950 وبين عشرات من الطلبة الأمريكيين كانت نازك وحدها الأنثى الوحيدة التي شغلت موقعها بين الذكور لتزين أحدى قاعات المحاضرات في جامعة ( برنستن ) الامريكية ، ولمدة عام كامل في دراسة النقد الأدبي . تلك الطالبة الشجاعة لم تكن لتفتح بوجودها المتفرد شهية الطلبة ، ليس للثقافة العربية وسحر الشعر العربي فحسب ، بل للاناقة الانثوية الشرقية في جاهزيتها وشجاعتها ورياديتها . تلك الاناقة الموحية التي تتكلم الأنكليزية والفرنســية الى جانب أرهاصات من الألمانية والاتينية ، كانت تســــتحوذ على أعجاب وتقدير الجميع ـ طلبة وأساتذة ـ
هذا الملاك الانساني الملامح ، وربما لطبع متوارث يسمو للتفرد وتهذيب الاحاسيس ، تتخطى أعتاب معهد الفنون الجميلة منبهرة بالموسيقى وقيمها الجمالية وما تخلفه من شفافية وعطرية في الشعر والسلوك ، تختار التعامل مع آلة العود القريب من قيثارة الملاك الأسطوري الناعم ،و بين
ملائكية حواء وملائكية الروح الأسطورية تكتمل الصورة .
خلف صورة نرجسية اللوحة الشفافة هذه يكمن توقيع الواقع المأساوي . تذرف ( سها ) لوعة القلب في ادانة مريرة ، تقول : " عندما قررت نازك الارتاحال بعيدا عن الوطن ، تركت الجمل بما حمل أمانة بيد حارس مصري كانت تحنو عليه طيلة وجوده معها وايضا عندما خلفته" أمينا"
على تركتها الثمينة التي كانت عبارة عن " كـــنز " مقتنياتها ، اضافة الى العــــود الجميل الذي صنعه العواد العراقي الماهر الشهيرمحمد فاضل خصيصا لها . ومع أن الحارس كان يتقاضى أجره كاملا علاوة على تصرفه داخل هذا " المتحف " وكأنه ربه البديل ، ولجهل نفسه وضعفها كان يبيع تلك " التمائم " الثمينة بأبخس الأثمان . ومع الكتب المهداة والتحف النادرة ، كان عودها من بين تلك " الجواري " التي باعها تاجر النخاسة المصري " .
لم يفتني مشهد تلك اللوعة التي انزلقت كالقار المائع على محيا محدثتنا التي تداركت الأمر سريعا لتغير طقس الأسى الذي خيم على الجميع ، اذ راحت تتلمس من الذاكرة منحة لكرم الألفة بيننا . تسرع في القول " كان لدى نازك قطة جميلة سمتها " لامينا " هي أكثر الحيوات الأخرى التصاقا وتوددا بنازك ، وربما أعتبرتها جزأ من نتاجات الروح الحميمية في ألفتها المنسقة مع الحياة والكائنات. تلك العلاقة التي صمدت في نفس نازك طويلا أمتدت مؤثراتها عميقا داخل انفس العائلة جميعا عندما نفقت " لامينا " حزنا ووحدة بعد رحيل أليفتها .
وعكس ما توهمت ( سها ) من قدرتها على تغيير جو الاجتماع الذي كان حارا أصلا بسبب رحيل تيار الكهرباء الذي غدى طويلا ومزمنا ، وبرغم ما كان يشاع في خارج البيت من قتل مجاني وأنتهاك للحياة والانسان غدى يوميا ، الا أن حكاية " لامينا " أشاعت نديفا من عوالم الكارثة المتجذرة في الأحساس والخاطر كانت تترك بصمتها العامة وملمحها الشخصي في نفس كل منا على حدة . اما في نفسي فقد كانت صورة أمي تتشكل في المخيلة بفوطتها وعبائتها السوداوين ، وبوجهها الحنطي ذو الملامح الدقيق ، وهي تنكب بشغف ، رغم أمراضها المزمنة وشيخوختها التي ناهزت بها شيخوخة نازك ، مرة أخرى على قراءة رواية " المحاكمة " لكافكا . يوم اعارت الرواية مني أول مرة أصبت بالدهشة والذهول لا لكونها تعلمت القراءة في ســـــن متأخرة وهي الريفية الأمية ، بل لكون كافكا غير شولخوف او غوركي او ميدديف من الذين كانت تقرأ أمي لهم بنهم ووله .



#يعقوب_زامل_الربيعي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفوضى الخلاقة .. لماذا ؟
- خطوة في الفراغ الجميل
- خطوة في الفراغ الجميل
- خطوة في الفراغ الجميل
- لقاء مع الدكتور ميثم الجنابي
- لقاء مع المناضلة والكاتبة المعروفة سعاد خيري
- السلام العادل.. بين الأصالة والثورية
- لقاء مع الاستاذ سعيد شامايا ـ عضو سكرتارية مجلس كلدوآشور الق ...
- مع عيسى حسن الياسري رفيق الرحلة في منزل الاسرة العالمية


المزيد.....




- روحي فتوح: منظمة التحرير الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطي ...
- طرد السفير ووزير الثقافة الإيطالي من معرض تونس الدولي للكتاب ...
- الفيلم اليمني -المرهقون- يفوز بالجائزة الخاصة لمهرجان مالمو ...
- الغاوون,قصيدة عامية مصرية بعنوان (بُكى البنفسج) الشاعرة روض ...
- الغاوون,قصيدة عارفة للشاعر:علاء شعبان الخطيب تغنيها الفنانة( ...
- شغال مجاني.. رابط موقع ايجي بست EgyBest الأصلي 2024 لتحميل و ...
- في وداعها الأخير
- ماريو فارغاس يوسا وفردوسهُ الإيروسيُّ المفقود
- عوالم -جامع الفنا- في -إحدى عشرة حكاية من مراكش- للمغربي أني ...
- شعراء أرادوا أن يغيروا العالم


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - يعقوب زامل الربيعي - بين نازك وأمي سراط لمواصلة الانسان