أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - جواد البشيتي - ظاهرة -تمدُّد الكون-.. في تفسير افتراضي آخر!















المزيد.....



ظاهرة -تمدُّد الكون-.. في تفسير افتراضي آخر!


جواد البشيتي

الحوار المتمدن-العدد: 2220 - 2008 / 3 / 14 - 08:57
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


هل من تفسير آخر لظاهرة "تمدُّد الكون"؟ هل يُمْكِن أن نفهم "تمدُّد الكون" على أنَّه ظاهرة من ظواهر "انحناء المكان"؟ قبل الإجابة، وتوصُّلاً إليها، دَعُونا، أوَّلاً، نتحدَّث بشيء من الإيجاز في الأُسُس والمبادئ.

إنَّ "الحُفْرة (الخندق، التجويف، الأخدود)" هي ما تُحْدِثُه "الكتلة" Mass، أو "المادة ذات الكتلة"، في "الفضاء"، أو "النسيج (المطَّاطي) الفضائي". إنَّها، أي "الكتلة"، كتلة الشمس على سبيل المثال، تُجوِّف الفضاء، أي تُصَيِّره أجْوَفاً (عميقاً ذا جَوْف). وهذا الشكل للفضاء يَكْتَمِلُ تصوُّراً بوجود "الكتلة" في أسفل، أو قَعْر، "الحُفْرَة التي حَفَرَتْها" في الفضاء، فـ "المادة الكونية ذات الكتلة"، كـ "النجم"، إنَّما تستقر في أسفل، أو قَعْر، "حُفْرَتها الفضائية"، على أنْ نتصوَّر العلاقة بين "المادة ذات الكتلة" و"حُفْرتها الفضائية" تصوُّراً "غير ميكانيكي"، فـ "الطرفان" متداخلان، متمازجان، متَّحدان اتِّحاداً لا انفصام فيه. والنجم، مثلاً، ينتقل في الفضاء، جارَّاً، أو ساحِباً، معه "حُفْرته الفضائية".

ولا بدَّ لنا من أن نتمثَّل هذا الشكل للفضاء، أي "الحُفْرة"، إذا ما أرَدْنا تفسير "حركة" الأجسام والجسيمات (والضوء أيضاً) في الفضاء، بأوجهها كافَّة كـ "السرعة"، والتسارُع"، و"التباطؤ"، و"الاستقامة"، و"الانحناء"، و"الدوران (حَوْل المِحْوَر، أو حَوْل كتلة أكبر لجسم آخر)".

إنَّ "الحركة" في الفضاء تشبه، في كثيرٍ من أوجهها، "حركة الماء" في النهر، أو في مجراه، فهذا الماء الجاري إنَّما يجري ليس بفضل "قوَّة في داخله"، تُحرِّكه في هذا الاتِّجاه، أو ذاك، في هذه السرعة، أو تلك، في هذا الشكل الهندسي، أو ذاك. إنَّه يجري بفضل "قوَّة" أُخْرى، في خارجه، هي "المجرى بخواصه الهندسية"، فجريانه (شكلاً، واتِّجاهاً، وخواصَّاً) إنَّما يَعْكِس الهيئة والخواص الهندسية لمجراه.

"الكتلة"، بتغييرها هندسة الفضاء الذي تَقَعُ فيه، أي بحَفْرِها حُفْرَةً في "السطح الفضائي"، تتناسب مع حجمها ومقدارها، تتأثَّر هي أوَّلاً لجهة "حركتها"، فـ "دوران نجمٍ حَوْل مِحْوَرِه" إنَّما هو العاقبة الحتمية الأولى لـ "الحُفْرة" التي أحْدَثَتْها كتلته في محيطها الفضائي، فإذا لم تكن الحُفْرة (مع هيئتها وخواصِّها الهندسية) التي حفرها النجم في الفضاء المحيط به هي التفسير والتعليل لدورانه حَوْل محوره، فكيف يُمْكننا تفسير وتعليل هذا الدوران؟!

أُنْظُر إلى كُرَةٍ تَقِفُ على سطح طاولة، وتَخَيَّل أنَّ المكان الذي تَقِفُ فيه قد تَجَوَّف فجأةً. عندئذٍ، تراها تَسْقُط في هذا الجَوْف، أو الحُفْرة، لتشرع تدور حَوْلَ محوَرِها. بَعْد حين، تراها قد توقَّفت عن الدوران؛ أمَّا السبب فهو "الاحتكاك".. احتكاك سطحها بسطح الطاولة (الذي تَقَعَّر). ولكن، في الفضاء، أو في "الجَوْف الفضائي" الذي سَقَطَت فيه الكُرَة، أي النجم، لا وجود لهذا "الكابح" للحركة. وعليه، تستمر كتلة النجم في الدوران حَوْل مِحْوَرِه.

هذا ما نراه في حركة الشمس، مثلاً، أي في دورانها حَوْل مِحْوَرِها، فهذا الدوران ليس من سبب له في الشمس ذاتها، ولا في أي جسم كوني آخر، كالمجرَّة، التي إليها تنتمي الشمس (مجرَّة "درب التبَّانة"). ليس من سبب له إلاَّ "الفضاء"، أي الحُفْرَة التي حَفَرَتْها كتلة الشمس في محيطها الفضائي، مع ما تعنيه هذه الحُفْرَة من خواص هندسية.

وكلُّ مادة (كل جسم أو جسيم) ما أنْ تصبح على مقربة من "الحُفْرَة الفضائية الشمسية الكبيرة والعميقة"، وتَنْحَدِر فيها، حتى تتأثَّر حركتها، مقداراً واتِّجاهاً وشكلاً. وتأثُّرها هذا يختلف، محتوى وشكلا، باختلاف سرعتها الأصلية (أي سرعتها قبل انحدارها في تلك الحُفْرة) واتِّجاه حركتها الأصلي. ولا شكَّ في أنَّ دوران الشمس حَوْل محورها يؤثِّر في حركة المادة التي تَخْتَرِق المجال الفضائي للشمس.

وعليه، نرى أنَّ مادةً قد انحدرت في تلك الحُفْرة حتى ابتلعتها الشمس، ومادةً انحدرت قليلاً في "الحُفْرة" ثمَّ غادرتها إلى الفضاء الخارجي، أي إلى "الفضاء المستوي (نسبياً)"، ومادةً دارت حَوْل كتلة الشمس في هذا المدار أو ذاك، في هذا الشكل الهندسي أو ذاك.

أمَّا سرعة تلك المادة، أي المادة المتأثِّرة حركتها بـ "الحفرة الفضائية الشمسية"، فلا يمكن فهمهما وتفسيرها، زيادةً أو نقصاناً، إلاًّ بـ "المنحَدَر ـ المرتَفَع" لتلك "الحُفْرة"، فـ "الحُفْرة الشمسية" تماثِل كل حُفْرَةً لجهة اشتمالها على "المنحَدَر" و"المرتَفَع". و"المنحدرات" و"المرتفعات"، في "الحُفَر"، تختلف شِدَّةً، وحجماً، أي في "خواصِّها الكمِّيَّة". والمادة المنحَدِرة في حُفْرة عميقة، حادة، شديدة الانحدار، لا بدَّ لها من أن تسير بسرعة أكبر. والفضاء الأقرب إلى كتلة الشمس هو الأشد انحناءً، أي أنَّه الجزء الأشد انحداراً من "الحُفْرة الشمسية". ولا بدَّ، بالتالي، لصعود "مرتفعه" من أن يكون من الصعوبة بمكان.

إنَّ الأرض تدور حَوْل الشمس في مدار إهليلجي (شكل هندسي شبه بيضي يُسمى القطع الناقص). وهذا إنَّما يعني أن تقترِب تارةً من الكتلة الشمسية، وأن تبتعد عنها طوراً، فإذا اقتربت أسْرَعت، وإذا ابتعدت أبطأت. باقترابها إنَّما تسير في فضاء شمسي أشد انحناءً، وبابتعادها تسير في فضاء شمسي أقل انحناءً. باقترابها تتسارع، فتزداد كتلةً، وبابتعادها تتباطأ فتقل كتلةً. باقترابها إنَّما تَقَع في حُفْرة أشد انحداراً، فتزداد سرعةً. وبفضل سرعتها الإضافية تتمكَّن الكرة الأرضية من صعود "المرتَفَع"، أي الجزء، أو الوجه، الآخر من هذه الحُفْرة. في أثناء صعودها، وبسببه، تتضاءل سرعتها؛ ولكن هذا التضاؤل لا يمنعها من الوصول إلى "السطح"، أي السطح الفضائي الشمسي الأقل انحناء، والأبعد عن الكتلة الشمسية، فتسير فيه بسرعة أقل.

والمدار الذي فيه تدور الأرض حَوْل الشمس إنَّما يشبه "أُخْدوداً (= حُفْرةً)"، إهليلجي الشكل، متفاوِت العُمْق، فجزءه الأقرب إلى كتلة الشمس هو الأكثر عُمْقاً، أي الأكثر انحداراً (والأكثر ارتفاعاً من ثمَّ).

وكل تغيير يمكن أن يطرأ مستقبلاً على حركة الأرض حَوْل الشمس إنَّما يشبه التغيير في حركة مياه النهر المتأتية من تغيير في مجرى النهر، أو من تحويل لمجراه، فالجسم في انتقاله في الفضاء إنَّما ينتقل بين "حُفَرٍ"، أو من "حُفْرة" إلى "حُفْرة"، أو من "الفضاء المنحني المقعَّر" إلى "الفضاء المستوي المسطَّح"، .. إلخ. إنَّ هندسة المكان، أو الفضاء، هي التي تتحكَّم في حركته، مقداراً، واتِّجاهاً، وشكلاً.

و"الحفرة الفضائية الأكثر عُمْقاً" إنَّما هي تلك التي تَحْفرها في محيطها الفضائي كتلة جسم كوني يسمَّى "الثقب الأسود". إذا سقط ضوء في هذه الحُفْرة فإنَّه يَكْتَسِب "طاقة"، أي يرتفع في جسيماته (الفوتونات) منسوب الطاقة، ولكن من غير أن يَنْتُجَ من ذلك زيادةً في سرعته؛ لأنَّ "الفوتون" لا يُمْكنه أبداً أن يسير بسرعة تزيد عن 300 ألف كيلومتر في الثانية الواحدة. وإذا صَعَدَ ضوء من أسفل هذه الحُفْرة إلى أعلاها، أو في اتِّجاه أعلاها، فإنَّه يَفْقِد "طاقة"، ولكن من غير أن يَنْتُجَ من ذلك تضاؤلاً في سرعته، فسرعته في الفضاء ثابتة منتظَمة، لا تزيد، ولا تقل، عن 300 ألف كيلومتر في الثانية الواحدة. أمَّا "الكتلة الساقِطة (في حُفْرة "الثقب الأسود") فيؤدِّي اكتسابها الطاقة إلى تسارُع سقوطها، فإذا صَعَدَت في مرتفع تلك الحُفْرة فإنَّ فَقْدها للطاقة يؤدِّي إلى تباطؤ صعودها.

"الفضاء" إنَّما هو "الوَسَط"، الذي فيه يسير الضوء بسرعة 300 ألف كيلومتر في الثانية الواحدة. إنَّ سرعة الضوء (= السرعة القصوى أو العظمى في الكون) لا يُمْكنها أبداً أن تزيد (في أيِّ وَسَط) عن 300 ألف كيلومتر في الثانية الواحدة؛ ولكنَّها يمكن أن تقل، فثمةً أوساط، ومواد، يسير فيها الضوء بسرعة تقل عن 300 ألف كيلومتر في الثانية، كـ "الزجاج"، و"الماء"، و"باطِن النجم"، فإذا خَرَج منها إلى "الفضاء"، استأنف السير بسرعة 300 ألف كيلومتر في الثانية.

الضوء، وفي الفضاء (أو الفراغ) فحسب، يسير بسرعة 300 ألف كيلومتر في الثانية الواحدة، مهما كانت سرعة الذي يقيسه، أو سرعة المَصْدَر الذي منه انطلق الضوء. وهذا إنَّما يعني أنْ نُعَرِّف "الفضاء"، ولو جزئياً، على أنَّه "الوسط" الذي لا بدَّ للضوء، أي ضوء، من أن يسير فيه بسرعة 300 ألف كيلومتر في الثانية، فإذا سار الضوء، في وسط ما، بسرعة تقل (ولا يمكن أن تزيد) عن 300 ألف كيلومتر في الثانية فهذا إنَّما يعني أنَّ هذا الوسط ليس بـ "الفضائي". أمَّا إذا اكْتُشِفَ أنَّ الضوء في وسط فضائي ما يسير بسرعة أقل من 300 ألف كيلومتر في الثانية فلا بدَّ، عندئذٍ، من تمييز فضاء من فضاء، عملاً بهذا "المقياس"، أي "سرعة الضوء".

وأنتَ لو نَظَرْتَ إلى سير الضوء في داخل جسم زجاجي، مثلاً، لَوَجَدتَّ تفاوتاً واختلافاً في سرعته، فهذا الجسم الزجاجي يشتمل على كثير من الفضاء (أو الفراغ) بين جزيئاته، وفي داخل كل جزيء، وبين ذرَّاته، وفي داخل كل ذرَّة، .. إلخ.

وعليه، نرى هذا الضوء يسير في داخل الجسم الزجاجي، تارةً بسرعة 300 ألف كيلومتر في الثانية، وطوراً بسرعة أقل. وعلى وجه العموم ليس إلاَّ نقول إنَّ الضوء في داخل هذا الجسم يسير بسرعة تقل عن 300 ألف كيلومتر في الثانية. و"الفوتونات" التي تسير في الفضاء بسرعة 300 ألف كيلومتر في الثانية الواحدة ليست بمتماثلة لجهة مخزونها، أو منسوبها، من "الطاقة"، فبعضها "سمين"، وبعضها "نحيل". وفي أثناء سيرها في الفضاء لا بدَّ لـ "لمخزونها الغذائي من الطاقة" من أن يَنْفُد ويُسْتَهْلَك؛ ولكن لـ "الفوتون" خاصية جوهرية هي قدرته على إعالة نفسه بنفسه، فهو يُنْتِج، في استمرار، الطاقة، معوِّضاً ما يخسره منها. ويمكنه، أيضاً، أن يكتسب الطاقة اكتساباً مِمَّا حَوْله من مادة. وعليه، يتمكَّن من السير زمناً طويلاً في الفضاء.

وفي ظاهرة "الثقب الأسود"، نرى المادة، كل مادة، حتى الضوء، عاجزةً عن مغادرة هذا الجسم الكوني إلى الفضاء الخارجي، أو الكون، وكأن لا "طريق" في داخله يمكن أن تتَّصِل بـ "طرقات خارجية"، فالسير في فضائه إنَّما هو سَيْرٌ في فضاء منفصل عن الفضاء الخارجي الكوني.

على أنَّ هذا لا يمنع مادةً معيَّنة، هي من جِنْس "الطاقة"، من مغادرته، والهروب منه، في طريقة معيَّنة، إلى الفضاء الكوني، فـ "تتبخَّر" مادته (أي كتلته وطاقته) في زمن طويل جدَّاً.

في "المادة"، يَجْتَمِع، ويتَّحِد اتِّحاداً لا انفصام فيه، "المكان (بأبعاده الثلاثة: "الطول"، و"العرض"، و"الارتفاع")"، و"الزمان (الذي هو البُعْد الكوني الرابع)". و"المكان" إنَّما هو كل ما له ثلاثة أبعاد ("الطول"، و"العرض"، و"الارتفاع"). إنَّه كل ما له "حجم".

"المكان" و"الزمان" إنَّما هما شيء واحد، "المكان" أحد وجهيه، و"الزمان" وجهه الآخر. كلا الوجهين، يتأثَّر، ويتغيَّر، إمَّا بـ "التسارُع"، وإمَّا بـ "الجاذبية"، فـ "المكان" ينحني ويتقلَّص وينكمش بـ "التسارُع"، أو "الجاذبية"؛ أمَّا "الزمان" فيتمدَّد (يبطؤ). وإنَّ نِسْبَة "التقلًّص" هناك تَعْدِل دائماً وتساوي نِسْبَة "التمدُّد" هنا، فليس ممكناً أن يتقلَّص المكان بنسبة 50% مثلاً، فيتمدَّد الزمان بنسبة 10% مثلاً. النسبتان تتماثلان دائماً.

المُنْتِج لـ "انحناء"، أو "تقلُّص"، المكان، أو الفضاء، ولـ "تمدُّد، أو "تباطؤ"، الزمان، ليس هو "السرعة"، وإنَّما "التسارُع"، فهذا وذاك يتزايدان مع "كل زيادة في السرعة"، أي مع "كل تسارُع". وهما يتزايدان، أيضاً، مع كل اشتداد وتعاظُم في "الجاذبية"، التي ينبغي لنا فَهْم ظواهرها المختلفة على أنَّها "المكان"، أو "الفضاء"، الذي تسبَّبت "الكتلة" في انحنائه، وتقلُّصه، وتغيُّر خواصه وهيئته الهندسية.

لماذا يُنْتِجُ "التسارُع" تباطؤاً (= تمدُّداً) في الزمان، وتقلُّصاً في المكان؟ أنْ يتسارَع الجسم فهذا إنَّما يعني أن ينتقل في المكان، أو الفضاء، بسرعة أكبر، فإذا كان يسير بسرعة 100 متر في الثانية الواحدة، فإنَّه يتسارَع إذا ما سار بسرعة 101 متراً في الثانية الواحدة.

هذا التسارُع، وكل تسارُع، لا يتحقَّق، أو يَظْهَر، قبل أن يتم التغلُّب على "مقاوَمة" يلقاها حتماً، ليس في داخل الجسم المتسارع فحسب، وإنَّما في خارجه، فتسارُع الجسم إنَّما يشبه أنْ يحاوِل الانفصال عن "الكل المادي الكوني"؛ ولا بدَّ لهذه المحاولة من أن تلقى كَبْحاً لها، ومقاومة، من قِبَل كل المادة الكونية.

الجسم (وكل مادة ذات كتلة) لا يُمْكِنه أن يتسارع، أي أن يُحقِّق أقل قدر ممكن فيزيائياً من تسارعه هو، من غير أن تَظْهَر فيه، في اللحظة عينها، قوَّة تَكْبَح وتقاوم تسارعه، أو سعيه إلى التسارُع، فتسارعه في اتِّجاه (مكاني) معيَّن لا يتحقَّق قبل أن يتم التغلَّب على قوَّة في ذاته، تقاوِم هذا التسارع، وتسعى في دَفْع الجسم في اتِّجاه (مكاني) معاكِس. إنَّ "التسارُع الخالص"، أي الذي لا يلقى مقاومة، لا وجود له. وهذه القوَّة التي في داخل الجسم، والتي تَكبح وتقاوِم مَيْله، أو سعيه، إلى التسارُع، يمكن، ويجب، أن تلقى تغذيةً ودعماً لها من سائر الكتلة الكونية، أي من كل ما يقع في خارجه من مادة.

وبسبب هذا الصراع بين "التسارُع" و"القوى المقاومة له" تضيق "الفجوات الفضائية" في داخِل مادة الجسم، أي يتقلَّص، طولاً وحجماً، وتنحني خطوطه المستقيمة، فيتحوَّل أكثر إلى الشكل الكروي، مُرَكِّزاً مادته، أو كتلته، في حيِّز أصغر (= تزايد كثافته).

هذا "التسارُع المكبوح"، وليس "التسارُع الحر الطليق (الذي لا وجود له في الواقع)"، هو ما يقلَّص المكان في الجسم المتسارِع، ويتسبَّب، أيضاً، في إبطاء كل حَدَثٍ، وكل تغييرٍ، فيه، وكأنَّ "تباطؤ التغيير" هو العاقبة الحتمية لـ "تسارُع الجسم". وتباطؤ التغيير لا يُمْكِن إلاَّ أن يُتَرْجَم بتباطؤ (= تمدُّد) الزمن في هذا "النظام المرجعي"، أي في الجسم المتسارع. وكل هذه التأثيرات الفيزيائية نراها، أيضاً، في الجسم الخاضع لتأثير مجال جاذبية قوي.

وغني عن البيان، أنَّ "الحركة في المكان" المولِّدة لتلك التأثيرات الفيزيائية (= تقلُّص المكان وتمدُّد الزمان) لا يُمْكِن أن تكون من قبيل "الحركة النسبية لرصيف محطة القطارات"، فـ "الرصيف" الذي يبدو لراكب القطار المتحرِّك في موازاته متحرِّكاً في الاتِّجاه المعاكِس لا يُمْكن أن يتعرَّض لتقلُّص فعلي وحقيقي في طوله (في اتِّجاه حركته النسبية) ولا لتمدُّد فعلي وحقيقي في زمنه. وليس أدل على ذلك من مثال "التوأمين"، فلو أنَّ أحدهما ظلَّ واقِفاً على الرصيف عندما سافر الآخر في قطارٍ، سار، في موازاة الرصيف، متسارِعاً حتى قاربت سرعته سرعة الضوء، فإنَّه سيتأكَّد، عند عودة توأمه المسافر، أنَّ فَرْقاً ثابتاً في العُمْر قد ظهر بينهما، فالمسافِر يصبح، ويظل، أصغر من توأمه غير المسافر بنحو ثلاثة شهور مثلاً.

كل "حركة فعلية (في المكان)" يمكن، ويجب، أن تكون "نسبية" لجهة "سرعتها"؛ ولكن ليس كل "سرعة نسبية" يجب أن تكون مظهر "حركة فعلية"، فسرعة القطار المتحرِّك حركة فعلية يمكن ويجب أن تختلف مقداراً باختلاف النظام المرجعي للمراقِب الذي يقيسها؛ أمَّا "السرعة النسبية" لـ "الرصيف"، أي كما يقيسها المسافِر في هذا القطار المتحرِّك حركة فعلية، فليست بدليل على أنَّ هذا "الرصيف" في حركة فعلية.

هذا المسافِر لا يُمْكِن أن يتمدَّد (يتباطأ) عنده الزمن في أثناء سفره، وبسبب "التسارُع المكبوح" لقطاره، من غير أن يتقلَّص القطار، طولاً، في اتِّجاه حركته. وهذا التقلُّص وذاك التمدُّد يَحْدُثان معاً، أي في الوقت نفسه، ويتماثلان في "النسبة".

نقول ذلك مع أنَّ القطار ما أن يعود إلى التوقُّف حتى يستعيد طوله الأصلي، فلا يبقى من تلك التأثيرات الفيزيائية إلاَّ هذا الفَرْق في الزمن، أو في "العُمْرين". هذا الفَرْق لن يزداد بعد توقُّف القطار؛ لأنَّ الزمن في ساعة القطار عاد إلى مماثَلة الزمن في ساعة المحطة، سرعةً، أي أنَّ تمدُّده تحوَّل إلى تقلُّص.

و"الزمن" يكفي أن يتمدَّد (= يتباطأ) في أيِّ "نظام مرجعي"، أي في أي جسم، حتى تغدو المسافات الفضائية الكونية أصغر، فبقاؤها على طولها إنَّما يعني أنَّ الضوء الصادِر عن أي جسم في الكون يسير في الفضاء بسرعة تزيد عن 300 ألف كيلومتر في الثانية (عندما يقيسها المراقِب في هذا النظام المرجعي). وهذا ما لا يتَّفِق مع نتائج التجربة، فهذا المراقِب يقيس، بما لديه من وسائل وأدوات وأجهزة وطرائق لا شكَّ في دقَّتها العلمية، سرعة هذا الضوء، وكل ضوء، فيجدها دائماً 300 ألف كيلومتر (بحسب متره) في الثانية الواحدة (بحسب ساعته).

المبدأ هو "أنْ تظل سرعة الضوء ثابتة لدى كل مراقِب.. لدى كل إطار مرجعي"، فـ "المقادير" يجب أن تتغيَّر بما يجعل سرعة الضوء ثابتة (لا تزيد، ولا تقل، عن 300 ألف كيلومتر في الثانية) عند قياس كل مراقِب لها. إذا كان طول مركبتكَ قبل إقلاعها 600 ألف كيلومتر، وإذا ما رأيْتُ أنا الذي أراقبها من على سطح الأرض في أثناء رحلتها الفضائية أنَّ ضوءاً انطلق من مقدَّمها إلى مؤخَّرها، قاطعاً تلك المسافة في زمن مقداره بحسب ساعتي ثانية واحدة، فلا بدَّ، عندئذٍ، من أن يكون طولها 300 ألف كيلومتر. لو ظلَّ 600 ألف كيلومتر لقطع الضوء هذه المسافة في زمن مقداره، بحسب ساعتي، ثانية واحدة؛ وهذا إنَّما يعني أنَّ سرعة هذا الضوء كانت 600 ألف كيلومتر في الثانية.

إذا حُسِبَت سرعة الضوء، فتبيَّن أنَّها أكثر، أو أقل، من 300 ألف كيلومتر في الثانية، فهذا إنَّما يعني أنَّ ثمَّة خطأ في "مقدار الزمن"، أو في "مقدار المسافة"، أو في المقدارين معاً، فسرعة الضوء لا يتأثَّر قياسها أبداً بسرعة المراقِب الذي يقيسها، ولا بسرعة المَصْدَر الذي منه انطلق الضوء.

سرعة الضوء، ككلِّ سرعة، تقوم على ركنين: "المسافة" و"الزمن". تَقْسِم "المسافة" على "الزمن"، فتكون "النتيجة الدائمة" هي "300 ألف كيلومتر في الثانية الواحدة". "المسافة" و"الزمن" هما العاملان "المتغيِّران"؛ أمَّا "الثابت (دائماً)" فهو الرقم "300000". مهما كانت سرعة موضعكَ، أو جاذبيته، لا بدَّ لكَ من أن تتوصَّل دائماً إلى ذاك الرقم عندما تحسب وتقيس سرعة الضوء.. أي ضوء.

"المسافة" و"الزمن" يجب أن "يتغيَّرا" بما يؤدِّي فحسب، ودائماً، إلى الرقم "300000"، عند قياسكَ سرعة الضوء، فإذا كان "الزمن" 3 ثوانٍ، مثلاً، بحسب ساعتكَ، فلا بدَّ لـ "المسافة" من أن تكون 900000 كيلومتر (3 × 300000). وإذا كانت "المسافة" 900000 كيلومتر، مثلاً، بحسب متركَ، فلا بدَّ لـ "الزمن" من أن يكون 3 ثوانٍ (900000 ÷ 300000).

"المسافة" تُخْتَصَر، و"الزمن" يبطؤ، بما يجعل قياسكَ أنتَ لـ "سرعة الضوء (أي ضوء)" يتمخَّض دائماً عن الرقم "300000".

إذا اخْتُصِرت "المسافة" بنسبة 50% فلا بدَّ لـ "الزمن" من أن يبطؤ بالنسبة ذاتها؛ وإذا بطؤ "الزمن" بنسبة 50% فلا بدَّ لـ "المسافة" من أن تُخْتَصَر بالنسبة ذاتها، فالنسبتان متساويتان دائماً، فـ "الزيادة" في أحد الطرفين تَقْتَرِن بـ "نقصٍ مساوٍ (في نسبته)" في الطرف الآخر؛ و"النقص" في أحد الطرفين يَقْتَرِن بـ "زيادةٍ مساويةٍ (في نسبتها)" في الطرف الآخر.

ليس "لأنَّ" سرعة الضوء ثابتة، أو "من أجل" أن تظل سرعة الضوء ثابتة، يتغيَّر الزمان والمكان. سرعة الضوء تظل ثابتة؛ "لأنَّ" الزمان "يتمدَّد"، والمكان "يتقلَّص"، بالنسبة ذاتها. "السبب" إنَّما هو هذا التقلُّص، وذاك التمدُّد، مع تساويهما في النسبة؛ و"النتيجة" إنَّما هي "ثبات سرعة الضوء". كلَّما تباطأ "الزمن" انكمشت "المسافة"، فيَنْتُج من ذلك حتماً "بقاء سرعة الضوء ثابتة".

لو تباطأ الزمن عندي وظلَّت المسافة ثابتة لرأيْتُ، مثلاً، الآتي: في زمن مقداره ثانية واحدة بحسب ساعتي اجتاز الضوء المنطلق من الشمس إلى الأرض مسافة مقداره 150 مليون كيلومتر، وكأنَّ سرعة الضوء زادت فأصبحت 150 مليون كيلومتر في الثانية الواحدة عندي.

الأشياء تختلف في "متوسِّط أعمارها (الطبيعية)"، فأفراد الشيء A يختلفون في أعمارهم الفردية، فهذا الفَرْد قد يعيش (بحسب ساعتي أنا المراقب الأرضي) 97 ثانية، وذاك 99 ثانية، وذلك 101 ثانية؛ ولكن متوسِّط أعمارهم الطبيعية يظل، مثلاً، 100 ثانية.

لو تحرَّكْتُ أنا مع هذا الشيء بسرعة 100 كيلومتر في الثانية، أو 100 ألف كيلومتر في الثانية، أو 299.9 ألف كيلومتر في الثانية، فإنَّه، وبحسب ساعتي، لن يموت إلاَّ بعد 100 ثانية من ولادته. أقول ذلك على افتراض أنَّ هذا الشيء يمكن أن يظل محتفظاً بهويته ووجوده في أي نظام مرجعي، أي بصرف النظر عن سرعة هذا النظام، أو جاذبيته.

هذا العُمْر الطبيعي الثابت هو من حقائق الوجود الفيزيائي للأشياء والأجسام جميعاً؛ ولكن هذا العُمْر يطول ويقصر بحسب قياس المراقِب له من نظام مرجعي آخر. عُمْر هذا الشيء لن يزيد، ولن ينقص، إذا ما قِسْتُه أنا المتحرِّك معه. إنَّه يزيد، أو ينقص، عن 100 ثانية، إذا ما قاسه مراقب آخر، أي مراقب لا يتحرَّك مع هذا الشيء.

وإذا قُلْنا إنَّ أشياء عدَّة، متماثلة نوعاً، قد نشأت معاً، أي في اللحظة عينها، فإنَّ سرعة تطوُّرها تختلف باختلاف سرعاتها وكُتَلِها، فالشيء الأعظم سرعةً، أو الأعظم كتلة، إنَّما هو الأكثر بطئاً في تطوُّره وتغيُّره، فكلَّما تعاظمت سرعة الشيء، أو كتلته، تضاءلت سرعة تطوُّره وتغيُّره. ولو كان لكوكب الأرض توأم، يماثله في كل شيء إلاَّ في السرعة، أي كان أكثر سرعةً منه بكثير، لكان الآن على مستوى تطوُّر الأرض قبل ملايين السنين.

المواضِع الكونية تختلف بسبب اختلافها في أمْرين: "السرعة (والتسارع)"، و"الجاذبية (أو انحناء المكان)".

المراقِب المنتمي إلى الموضِع ذاته لا يرى، "ضِمْن" موضعه الكوني، شيئاً من الاختلاف "المكاني"، أو "الزماني"، ولا شيئاً من الاختلاف في أيِّ شيء تُنْتِجُه "الأبعاد الأربعة". لا يرى من فَرْق في "سرعة التطوُّر"، وإلاَّ ما معنى، مثلاً، أنَّ قلبكَ يظل ينبض نحو 70 نبضة في الدقيقة الواحدة بحسب ساعتكَ في كل موضع في الكون.. مهما كانت سرعة هذا الموضع (أو تسارعه) ومهما كانت جاذبيته؟!

في "التسارُع"، أو حيث تَعْظُم الجاذبية، ينحني، ويشتد انحناء، "المكان"، الذي من ظواهره تقلُّص حجم الشيء. وهذا التقلُّص لا يرى منه المراقِب هناك إلاَّ "مُنْتَجه الخارجي"، وهو تضاؤل حجم الفضاء بينه وبين سائر الكون (= سائر الأجسام والنجوم والمجرَّات..). إنَّها "الجاذبية" التي تشُدُّ، وتُقَرِّب، كل جزء من الكون إلى سائر الأجزاء؛ ولكن في معنى آخر.

إذا كنتَ تَحْمِل "ساعة"، تَسْقُط معها نحو "ثقب أسود"، وإذا كان في مقدوركَ أن ترى، في الوقت نفسه، "ساعة أُخْرى"، في موضِع بعيد عن هذا "الثقب الأسود"، فسوف ترى أنَّ عقارب ساعتكَ، ومقارنةً بعقارب تلك الساعة، أبطأ في سيرها. وسترى أيضاً أنَّ المسافة بينكَ وبين ذلك الموضع تَقْصُر. أمَّا المراقِب في ذلك الموضِع فيرى أنَّ ساعته، ومقارنةً بساعتكَ، أسرع، وأنَّ المسافة بينكما أطول. هذا المراقب، وعلى سبيل المثال، يرى أنَّكَ تبعد عنه 100 مليون كيلومتر (333.3 ثانية ضوئية). أمَّا أنتَ فترى أنَّه يبعد عنكَ مسافة فضائية أقل من تلك بكثير، وبكثير جداً.

كلَّما اقْتَرَبْتَ من سطح "الثقب الأسود" تباطأ الحَدَثُ عندكَ، على ما يرى ذلك مراقِب أرضي مثلاً. لو كان هذا الحَدَث هو أن تكتب اسمكَ على ورقة فإنَّ المراقب الأرضي يرى مقداراً هائلاً من "الزمن الأرضي" يفصل بين بداية ونهاية هذا الحَدَث، الذي بحسب ساعتكَ أنتَ لم يستغرق سوى 3 ثوانٍ مثلاً.

تخيَّل نجماً هائل الكتلة نشأ الآن، فنُصِبَت فيه "ساعة كبيرة" مماثلة، نوعاً ودِقَّة ووقتاً، لساعتكَ أنتَ الذي تراقِب هذا النجم من على سطح الأرض.

هذا النجم يموت سريعاً؛ لأنَّ كتلته عظيمة، فكلَّما عَظُمَت كتلة النجم أسْرَع في استنفاد وقوده النووي الداخلي (الذي معظمه من الهيدروجين).

مات سريعاً؛ لأنَّه مات بعد نشوئه بنحو مليون سنة، مثلاً، بحسب ساعتكَ. ولقد قارنتَ عُمْرَه بأعمار النجوم الأقل منه كتلةً فتوصَّلتَ إلى استنتاج مؤدَّاه أنَّ هذا النجم سريع الموت.

وتخيَّل أنَّكَ كنتَ تراقِب عقارب ساعته. لو كنتَ كذلكَ لَقُلْتَ إنَّ هذا النجم مات بعد نشوئه بألف سنة بحسب ساعته هو، فالسنة الواحدة فيه تَعْدِل 100 سنة أرضية.

هذا النجم، وبحسب ساعته هو، مات إذ استنفد عُمْره "الحقيقي"، الذي هو 100 سنة من سنيِّه هو.

"المكان" في هذا النجم أشدُّ انحناءً وتقوُّساً من "المكان" في كوكب الأرض؛ لأنَّ كتلته أكبر بكثير. وهذا الانحناء العظيم في "المكان" هناك هو ما يُفَسِّر سرعة استنفاده لوقوده النووي الداخلي، فاشتداد انحناء "المكان" إنَّما يُتَرْجَم، فيزيائياً، بتعرُّض "المادة" في مركزه لضغط عظيم، فيتسارَع "الاندماج النووي" فيه، فيَنْفُدُ، بالتالي، سريعاً، وقوده النووي، فيموت.

إنَّ "انحناء المكان" يَجْعَل الجسم، أو الشيء، على هيئة كرة. واشتداد هذا الانحناء يَجْعَل هذه الكرة أقل حجماً (فتضاؤل الطول يعتري نصف قطرها، وقطرها، ومحيطها). وهذا التضاؤل في "الحجم"، والمقترن بثبات "الكتلة"، مقداراً، يزيد كثافة المادة في نواة النجم، فتَعْظُم فيها الضغوط الفيزيائية المولِّدة للاندماج النووي.

إنَّنا نَعْرِف أنَّ الأشكال الهندسية جميعاً تُصْنَع إمَّا من "الخط المستقيم"، وإمَّا من "الخط المنحني". والذي يَحْدُث بـ "التسارُع"، أو "الجاذبية"، إنَّما هو أنَّ كل "خطٍّ مستقيم" يتقلَّص طولاً، وينحني. وهذا إنَّما يعني، على سبيل المثال، أن تَقْصُر وتنحني أضلاع "المُثلَّث". و"الانحناء" إنَّما يكتمل بـ "الدائرة"، التي كلَّما اشتدَّ انحناؤها تضاءل نصف قطرها، وقطرها، ومحيطها، أي صَغْرَت حجماً. و"الدائرة" نراها في مسارٍ فضائي لجسم ما، وفي الجسم الكروي، وفي غيرهما. وانحناء، واشتداد انحناء، الأشكال الهندسية الأخرى (المربَّع والمستطيل والمثلَّث..) إنَّما يعنيان أنَّ الأشياء تتغيَّر هندسياً في اتِّجاه كروي، أو شبه كروي؛ وهذا التغيير يَقْتَرِن بتضاؤل حجومها (وتعاظُم كثافتها بالتالي).

ومشهد التغيُّر في "المكان ـ الزمان"، أو "الزمكان"، لا بدَّ له من أن يكون "مشهداً متناقِضاً". وهذا التناقض إنَّما يُظْهِر ويؤكِّد "ضرورة فيزيائية"، هي "أن تظل سرعة الضوء في الفضاء، أي كل ضوء، 300 ألف كيلومتر في الثانية الواحدة لدى قياس كل المراقبين الكونيين لها، مهما كانت سرعة، أو جاذبية، مكان المراقِب"، و"أن تبقى كل مادة ذات كتلة عاجزة عن السير، مهما تسارعت، بسرعة تَعْدِل (أو تفوق) سرعة الضوء".

و"تناقُض المشهد" يمكن تبيانه وشرحه في المثال الآتي: إذا كنتَ في جسم تسارَع حتى قاربت سرعته سرعة الضوء، أو إذا كنتَ في موضع كوني (كوكب مثلا) شديد الجاذبية، فلا بدَّ لـ "مِتْرِكَ" من أن يتقلَّص وينكمش، ولا بدَّ لـ "ساعتكَ" من أن تبطؤ (= تمدُّد الزمان). لا بدَّ لنسبة التقلُّص في "مِتْرِكَ" من أن تَعْدِل نسبة التباطؤ في حركة ساعتكَ.

إذا كان هذا الجسم، الذي تسارَع حتى قاربت سرعته سرعة الضوء، هو مركبة فضائية، طولها، قبل أن تغادِر كوكب الأرض، 600 ألف كيلومتر، فلا بدَّ له من أن يتقلًّص، وينكمش، ويُخْتَصَر، طولاً، في اتِّجاه حركته.

فَلْنَفْتَرِض أنَّ نسبة هذا التقلُّص كانت 50% (نسبة التباطؤ في الزمن يجب هي أيضاً أن تكون 50%). أنتَ المتَّحِد مع هذا الجسم حركةً، لن تُدْرِكَ أبداً أنَّ هذا التقلُّص حقيقة واقعة، فأنتَ تقيس طول المركبة (بـ "مِتْرِكَ" الذي تقلَّص هو أيضاً بنسبة 50%) فتَجِد أنَّه ما زال 600 ألف كيلومتر.

أنا المراقِب الأرضي أقيس طول مركبتكَ بكل ما لديَّ من أدوات ووسائل وطرائق لقياس الطول فأجده 300 ألف كيلومتر. وأجِدُ أيضاً أنَّ حجوم الأشياء جميعاً عندكَ قد تقلَّصت بالنسبة ذاتها (50%).

أَنْظُر إلى "ساعتكَ" فأجدها قد تأخَّرت عن ساعتي (بنسبة 50%). إنَّ الثانية الواحدة عندكَ تَعْدِل ثانيتين عندي. كل ما يَحْدُث عندي في ثانية واحدة، أراه يَحْدُث عندكَ بثانيتين أرضيتين. ومع ذلك، فهو يَحْدُث عندكَ بثانية واحدة بحسب ساعتكَ.

أنتَ الآن سَيَّرْتَ "عربة" في داخِل مركبتكَ، من مقدَّمها إلى مؤخَّرِها، فَوَجَدتَّ أنَّها قد قَطَعَت تلك المسافة (600 ألف كيلومتر بحسب قياسكَ لها) في زمن مقداره، بحسب ساعتكَ، 100 ثانية، أي أنَّ سرعتها كانت (بحسب قياسكَ أنتَ لها) 6000 كيلومتر في الثانية الواحدة.

أنا لا أرى ما رأيْت. أنا أرى أنَّ تلك "العربة" لم تَقْطَع مسافة مقدارها 600 ألف كيلومتر؛ ولم تستغرق رحلتها 100 ثانية، ولم تكن سرعتها 6000 كيلومتر في الثانية.

لقد قَطَعَت (على ما أرى) مسافة مقدارها 300 ألف كيلومتر فحسب، في زمن مقداره، بحسب ساعتي، 200 ثانية، وكانت سرعتها، بالتالي، 1500 كيلومتر في الثانية.

أنتَ قُمْتَ، من ثمَّ، بِرَسْم دائرة على ورقة؛ وقد استغرق هذا "الحادث"، أي رَسْم الدائرة، 5 ثوانٍ، بحسب ساعتكَ. أنا المراقِب الأرضي أرى أنَّ رَسْمها قد استغرق زمناً مقداره، بحسب ساعتي، 10 ثوانٍ.

بعد ذلك، قُمْتَ أنتَ بإضاءة مصباح في مقدَّم المركبة، فوصَلَ ضوءه إلى مؤخَّرِها في زمن مقداره، بحسب ساعتكَ، ثانيتين اثنتين، أي أنَّ سرعته كانت 300 ألف كيلومتر في الثانية.

أنا الآن أتَّفِق معكَ على أمْرٍ، واختلف معكَ على أمْرٍ آخر. أتَّفِق معكَ على أنَّ سرعة هذا الضوء كانت 300 ألف كيلومتر في الثانية الواحدة، مع أنَّ مِتْرَكَ نصف متري، طولاً، والثانية الواحدة عندكَ تَعْدِل ثانيتين اثنتين عندي. وأختلف معكَ في حساب وتقدير المسافة التي اجتازها هذا الضوء، فأنا أراها 300 ألف كيلومتر فحسب، اجتازها هذا الضوء في زمن مقداره، بحسب ساعتي، ثانيةً واحدة.

والآن، لِنَنْظُر في وجه آخر من وجوه التناقض في المشهد. الشمس، على ما نَعْلَم، تَبْعُد عن الأرض 150 مليون كيلومتر. الضوء المنطلِق منها، والذي سرعته 300 ألف كيلومتر في الثانية، يصل إلى الأرض في زمن مقداره، بحسب "ساعة الأرض"، 500 ثانية (8.3 دقيقة).

في هذا المثال، لدينا ثلاثة أرقام هي "150000000"، و"300000"، و"500". الرقمان الأوَّل والثالث نسبيان متغيِّران، والرقم الثاني هو المُطْلَق الثابت.

في جِرم، كتلته (أو جاذبيته) أكبر من كتلة (أو جاذبية) الأرض بنحو 100 مرَّة، يقيس المراقِب (بكل ما لديه من أدوات ووسائل وطرائق قياس علمية) المسافة بين الشمس والأرض، فيجدها، مثلاً، 75 مليون كيلومتر، ويحسب الزمن الذي يستغرقه وصول الضوء من الشمس إلى الأرض، فيجده 250 ثانية.

وفي جِرم، كتلته أكبر من كتلة الأرض بنحو 1000 مرَّة، يقيس المراقِب المسافة بين الشمس والأرض، فيجدها، مثلاً، مليون كيلومتر، ويحسب الزمن الذي يستغرقه وصول الضوء من الشمس إلى الأرض، فيجده 3.3 ثانية.

هذان المراقبان والمراقِب الأرض يتَّفِقون فحسب على أنَّ سرعة الضوء المنطلق من الشمس نحو الأرض لا تزيد، ولا تقل، عن 300 ألف كيلومتر في الثانية الواحدة، مع أنَّ متر المراقب الأرضي أكبر من متر المراقِب الكوني الأوَّل، الذي متره أكبر من متر المراقِب الكوني الثاني؛ ومع أنَّ الثانية عند المراقِب الكوني الثاني أكبر من الثانية عند المراقِب الكوني الأوَّل، الذي ثانيته أكبر من الثانية عند المراقِب الأرضي.

الآن، لِنَعُد إلى المركبة الفضائية التي طولها 600 ألف كيلومتر وهي واقفة على سطح الأرض. لقد انطلقت هذه المركبة نحو الشمس، متسارعةً حتى أصبحت في سرعة تقارِب سرعة الضوء؛ ولِنَفْتَرِض أنَّ تلك السرعة كانت 280 ألف كيلومتر في الثانية.

متى تصل هذه المركبة إلى الشمس؟ تصل إليها بعد 535.7 ثانية. هذا ما يقوله المراقِب الأرضي جواباً عن السؤال. أمَّا المسافِر على متنها فيجيب قائلاً: إنَّها تصل بعد 267.8 ثانية مثلاً. هذا المسافِر قاس سرعة الضوء المنطلق من الشمس نحو الأرض، فوجدها 300 ألف كيلومتر في الثانية. وقاس الزمن الذي يستغرقه اجتياز هذا الضوء للمسافة بين الشمس والأرض، فوجده 250 ثانية.

المسافة بين الشمس والأرض هي، بحسب المراقِب الأرضي، 150 مليون كيلومتر؛ وهي، بحسب المسافِر، 75 مليون كيلومتر. لقد اخْتُصِرت وتقلَّصت بنسبة 50%. و"المتر" الذي يَحْمله المسافِر معه تقلَّص بالنسبة ذاتها (50%). هذا المتر إنَّما يَعْدِل نصف متر أرضي (50 سنتيمتر).

بحسب المراقِب الأرضي، يصل ضوء الشمس إلى الأرض في زمن مقداره 500 ثانية؛ وبحسب المسافِر، يصل في زمن مقداره 250 ثانية. بحسب المراقِب الأرضي، تصل المركبة إلى الشمس في زمن مقداره 535.7 ثانية؛ وبحسب المسافر تصل في زمن مقداره 267.8 ثانية. لقد تمدَّد (أو تباطأ) الزمن في المركبة بنسبة 50% أيضاً، فالثانية الواحدة في "ساعة المركبة" تَعْدِل ثانيتين اثنتين في "ساعة الأرض".

كلاهما (المراقِب الأرضي والمسافِر على متن تلك المركبة) يتَّفِقان على أمْرِ واحد، هو أنَّ سرعة الضوء المنطلق من الشمس نحو الأرض لم تَزِدْ، ولم تَقِلْ، عن 300 ألف كيلومتر في الثانية.

المراقِب الأرضي يقيس طول المركبة، فيَجِد أنَّه قد تقلًّص وانكمش في اتجاه حركة المركبة، بنسبة 50%، أي أصبح 300 ألف كيلومتر. المسافِر يقيس طول مركبته بمتره، الذي تقلَّص بنسبة 50%، فيَجِد أنَّه قد ظلَّ 600 ألف كيلومتر.

المسافِر يقيس المسافة بين الشمس والأرض، فيَجِد أنَّها قد تقلَّصت وانكمشت بنسبة 50%، أي أصبحت 75 مليون كيلومتر. المراقِب الأرضي يقيس تلك المسافة، فيَجِد أنَّها قد ظلَّت 150 مليون كيلومتر.

ولكن، كم سرعة المركبة؟ المراقب الأرضي يحسبها فيجدها 280 ألف كيلومتر في الثانية، فالمركبة قَطَعَت مسافة مقدارها 150 مليون كيلومتر في زمن مقداره 535.7 ثانية. المسافِر يحسبها فيجدها، أيضاً، 280 ألف كيلومتر في الثانية، فمركبته قَطَعَت مسافة مقدارها 75 مليون كيلومتر في زمن مقداره 267.8 ثانية.

لِنَتَخَيَّل هذه المسافة، التي مقدارها، بحسب المسافر، 75 مليون كيلومتر، على أنَّها "طريق أرضية طويلة"، قام المسافِر بقياسها بمتره. في نهاية قياسه لها سيجد أنَّ طولها 75 مليون كيلومتر.

ولكنَّ متره هذا يَعْدِل نصف متر أرضي (50 سنتيمتر). وهذا إنَّما يعني أنَّ تلك المسافة تَعْدِل (بالمتر الأرضي) 37.5 مليون كيلومتر. والمركبة تَقْطَع هذه المسافة في زمن مقداره (بحسب ساعة المسافِر) 267.8 ثانية، أي في زمن مقداره، بحسب "ساعة الأرض"، 535.7 ثانية. وعليه، تبلغ سرعة مركبته، والتي لا تَظْهَر عند قياس الطرفين (المسافِر والمراقب الأرضي) لها، 70 ألف كيلومتر في الثانية (تقريباً). وهذه السرعة إنَّما تَعْدِل 25% من السرعة التي توصَّل إليها المسافِر والمراقِب الأرضي. وهذا إنَّما يعني أنَّ تلك المركبة قد قَطَعَت مسافة فضائية تَعْدِل 37.5 مليون كيلومتر أرضي، في زمن يَعْدِل 535.7 ثانية أرضية.

تخيَّل أنَّ المركبة أسرعت أكثر، كأنْ تسير بسرعة 295 ألف كيلومتر في الثانية الواحدة. في هذه الحال، يتضاءل أكثر الرقم "37.5 مليون كيلومتر ارضي"، ويَعْظُم أكثر الرقم "535.7 ثانية أرضية"، فيتضاءل أكثر الرقم "70 ألف كيلومتر في الثانية". هذا الرقم الأخير قد يصبح، مثلاً، 70 كيلومتر في الثانية، فتخيَّل هذا التضاؤل الكبير في سرعة تلك المركبة، والذي لا يَظْهَر عند قياس الطرفين لسرعتها، فالذي سيَظْهَر، عندئذٍ، إنَّما هو الرقم "295 ألف كيلومتر في الثانية".

بـ "المتر الأرضي"، أصبح طول المركبة 300 ألف كيلومتر؛ أمَّا بـ "متر المسافِر"، فظل 600 ألف كيلومتر. بـ "المتر الأرضي"، ظلَّت المسافة بين الأرض والشمس 150 مليون كيلومتر؛ أمَّا بـ "متر المسافِر"، فأصبحت 75 مليون كيلومتر. وهذه المسافة (75 مليون كيلومتر) إنَّما تَعْدِل بـ "المتر الأرضي" 37.5 مليون كيلومتر. واستناداً إلى ذلك، وإلى أنَّ الثانية الواحدة في المركبة تَعْدِل ثانيتين اثنتين أرضيتين، تصبح "السرعة غير المرئية (غير الظاهِرة في القياس)" للمركبة 70 ألف كيلومتر في الثانية الواحدة، وكأنَّها كلَّما أسرعت أكثر، تقلَّصت المسافة أكثر، وتباطأ الزمن أكثر، فأبطأت المركبة أكثر. ولو تسارعت المركبة حتى بلغت "سرعتها القصوى"، أي السرعة التي بينها وبين سرعة الضوء حاجزٌ فيزيائي لا يُمْكِن تخطيه أبداً، لأصبحت سرعتها تقارِب الصِفْر. عندئذٍ، تصبح المسافة الفضائية في منتهى التقلُّص، ويصبح الزمن في المركبة في منتهى التمدُّد (أو البطء).

وتضاؤل المسافة الفضائية (بين الأرض والشمس مثلاً) إنَّما يعني أنَّ هذه المركبة تسير في فضاء يشتد ويَعْظُم انحناءً؛ ولكنَّ انحناءه لا يشبه "المنحَدَر" لجهة سير المركبة فيه، وإنَّما يشبه "المرتفع"، وكأنَّها (أي المركبة) تسير صعوداً إلى الشمس من أسفل حُفْرة فضائية عميقة إلى أعلاها. والسير الفضائي صعوداً إنَّما يستلزم شحن المركبة بمزيدٍ، ومزيدٍ، من الطاقة.

ولو انطلقت هذه المركبة، بسرعة 299.9 ألف كيلومتر في الثانية، إلى أبعد جِرم في الكون، أي إلى جِرم يبعد عن الأرض، مثلاُ، 15000 مليون سنة ضوئية، لوَصَلت إليه في زمن مقداره، بحسب "ساعة المركبة"، 10 ثوانٍ مثلاً. بحسب المسافِر تقلَّصت هذه المسافة الفضائية حتى أصبحت 2999000 كيلومتر (يقطعها الضوء في زمن مقداره، بحسب "ساعة المركبة"، 9.9 ثانية).

كل ثانية في المركبة إنَّما تَعْدِل 1515 مليون سنة أرضية. وعليه، تصل المركبة إلى هذا الجِرم بعد 15150 مليون سنة أرضية من انطلاقها من كوكب الأرض. ولكَ الآن أن تتخيَّل مقدار "السرعة غير المرئية (غير الظاهِرة في القياس)" لهذه المركبة إذا ما قلَّصْتَ كثيراً، وكثيراً جدَّاً، الرقم "2999000 كيلومتر". تخيَّل أنَّ هذه المسافة المختَصَرة (2999000 كيلومتر) اخْتُصِرَت أكثر (عند قياسها بمتر المسافِر الذي بلغ منتهى التقلُّص) حتى أصبحت، مثلاً، 100 ألف كيلومتر. وتوصُّلاً إلى تحديد "السرعة غير المرئية" للمركبة، عليكَ أنْ تَقْسِم الرقم 100 ألف كيلومتر على الرقم 1515 مليون سنة أرضية بعد أن تُحوِّله إلى ثوانٍ!

المراقِب، أي كل مراقِب كوني، على الأرض كان أم في أيِّ مكان آخر في الكون، إنَّما يقيس "المكان"، بأوجهه كافة، و"الزمان"، بـ "المتر"، الذي يتَّحِد معه في الحركة، وبـ "الساعة"، التي يتَّحِد معها هي أيضاً في الحركة.

على أنَّ "المتر" هنا ليس هو ذاته "المتر" هناك، أو هنالك؛ و"الساعة" هنا ليست هي ذاتها "الساعة" هناك، أو هنالك. تخيَّل أنَّ قضيباً معدنياً طوله "متران"، أي 200 سنتيمتر، هو "المسافة" التي تجتازها "عربة" تسير بسرعة تقارِب سرعة الضوء. إذا كنتَ تَقِفُ ساكناً، لجهة علاقتكَ بهذه "المسافة"، فسوف تقول، عن قياسٍ علمي، إنَّ هذه "العربة" اجتازت "مسافة" طولها "متران"، لا أكثر، ولا أقل، في سرعة معيَّنة، هي دائماً أقل من سرعة الضوء، وفي مقدارٍ معيَّن من الزمن (الذي تقيسه بساعتكَ أنتَ).

أمَّا سائق "العربة" فسيقول، عن قياس علمي، إنَّ "المسافة" التي اجتازها لم تكن "متران"، وإنَّما متر واحد (100 سنتيمتر). وسيقول، أيضاً، إنَّ "عربته" اجتازتها في مقدار زمني أقل (بحسب ساعته هو) من ذاك الذي حدَّدته أنتَ. على أنَّه سيتَّفِق معكَ على أنَّ "العربة" قد اجتازت هذه "المسافة" بالسرعة ذاتها التي حسبتها أنتَ.

على أنَّ "الخلاف" و"الاتِّفاق" بينكما لم يشمل أمْراً في منتهى الأهمية، هو أنَّ "المتر" لدى سائق "العربة" أقل طولاً من "المتر" لديكَ، فهو يَعْدِل، مثلاً، نصف "متركَ"، طولاً، أي أنَّه 50 سنتيمتر.

وهذا إنَّما يعني أنَّ "المسافة" التي اجتازتها "العربة" لم تكن "متران"، كما قُلْتَ أنتَ، ولا "متر واحد"، كما قال هو؛ وإنَّما "نصف مترٍ"، أي 50 سنتيمتر. وعليه، لا بدَّ لسرعة "العربة" من أن تكون أقل من السرعة التي اتَّفَقْتَ أنتَ وهو على مقدارها.

هذه الظاهرة هي من الظواهر التي يتسبَّب بها "تقلُّص (انحناء) المكان"، المُقْتَرِن، حتماً، بـ "تمدُّد (تباطؤ) الزمان". إنَّكَ تستطيع السفر إلى المجرَّة الأبعد عن الأرض، قاطِعاً تلك المسافة الهائلة، في زمن قصير، بحسب ساعتكَ، وفي سرعةٍ هائلة (شبه ضوئية) في ظاهرها؛ ولكن صغيرة وضئيلة في "باطنها".

ما هي إجابات مسافِر على متن مركبة فضائية تسارعت حتى قاربت سرعتها سرعة الضوء عن الأسئلة الآتية:

سرعة الضوء (أي ضوء) التي تقيسها أنتَ، هل زادت أم نقصت؟ كلا، لم تَزِدْ، ولم تنقص.

هل زاد طول "متركَ" أم نقص؟ كلا، لم يَزِدْ، ولم ينقص.

هل تسارعت حركة عقارب ساعتكَ أم تباطأت؟ كلا، لم تتسارع، ولم تتباطأ.

التغيُّر، أو التطوُّر، في مركبتكَ، هل تسارع أم تباطأ؟ كلا، لم يتسارع، ولم يتباطأ.

حجوم الأشياء ضِمْن مركبتكَ، هل تغيَّرت؟ كلا، لم تتغيَّر.

"المستقيم" عندكَ، هل انحنى؟ كلا، لم ينحنِ، لقد ظل مستقيماً.

هل تباعدت الأشياء، ضِمْن مركبتكَ، أم تقاربت؟ كلا، لم تتباعد، ولم تتقارب.

إنَّّني أَنْظُرْ من "نافذة نظامي المرجعي"، الأسْرَع، أو الأشد جاذبية، فأرى "صورة" هذا الذي يَحْدُث عندي (أي في داخل نظامي المرجعي) ولكن من غير أن أتمكَّن من رؤيته. أرى أنَّ "المسافة"، و"الطول"، في خارج "نظامي المرجعي" يُخْتَصران. وأرى أنَّ "الساعة" في خارج "نظامي المرجعي" هي التي تتباطأ. كل هذا الذي أرى إنَّما هو "صورٌ"، يمكن ويجب أن أرى فيها ما يحدث فعلاً عندي من غير أن أتمكَّن من رؤيته أو قياسه.

ما أن أصِل إلى "نظام مرجعي آخر"، أقل سرعة، أو أقل جاذبية، حتى أتفاجأ بما أرى، فهذا الذي كنتُ أراه قبل لحظة من وصولي لا أراه الآن بعيد وصولي، فهو كان موجوداً قبل زمن طويل. كنتُ أرى توأمي محتفظاً بشبابه (يشيخ في بطء شديد.. أصغر منِّي بسنوات) فإذا بي أراه، لدى وصولي، أكبر مني بسنوات.

لِنَعُد، الآن، إلى "السؤال (أو السؤالين) الافتتاحي"، فالقول بـ "تمدُّد (أو توسُّع) الكون" إنَّما جاء، وتعزَّز، إذ لاحظ علماء الفلك أنَّ كل مجرَّة تزداد، في استمرار، بُعْداً عنَّا (عن الأرض، أو عن مجرَّتنا، مجرَّة "درب التبانة") وأنَّ الأبعد منها (أي الأقدم نشوءاً ووجوداً) يبتعد عنَّا بسرعة أكبر.

وحتى لا يُفْهَم وصف هذه الظاهرة الكونية على هذا النحو على أنَّه عودة إلى القول بـ "المركزية الكونية" لكوكب الأرض، وتصويرٌ لهذا الكوكب على أنَّه مركز أو محور الكون الثابت، والذي تدور من حوله النجوم والمجرات..، نقول، في توضيح تلك الملاحظة، إنَّ كل مجرة في الكون هي في وضع الارتداد بعيداً عن سائر المجرَّات.

الفيزياء الكونية المنبثقة من تلك الملاحظة تطوَّرت أكثر في نظرياتها الخاصة بـ "تمدُّد الكون"، متوصِّلةً، حديثاً، إلى استنتاج مؤدَّاه أنَّ تمدُّد كوننا هو الآن في طور "التسارُع"، أي أنَّ هذا التمدُّد لا يتباطأ، وإنَّما يزداد ويتسارَع، وإنْ ما زال تمدُّده في سرعة تقلُّ عن سرعة الضوء.

وهناك من علماء الكوزمولوجيا من يعتقد بأنَّ كوننا تمدَّد حين كان في مرحلة الطفولة بسرعة تفوق سرعة الضوء، فترتَّب على ذلك انقطاع كل اتِّصال بين كوننا وبين أجزاء منه، وكأنَّ تلك الأجزاء أصبحت كوناً آخر لا يتبادل أي تأثير فيزيائي مع كوننا؛ لأنْ ليس من تأثير فيزيائي يمكنه الانتقال بسرعة تفوق سرعة الضوء. ولاستمرار هذا الانقطاع لا بدَّ لتلك الأجزاء من أن تستمر تبتعد عن كوننا بسرعة تفوق سرعة الضوء، فتضاؤل هذه السرعة إلى ما دون السرعة الضوئية يمكن أن يفضي، مستقبلاً، إلى إعادة الوحدة بينها وبين كوننا.

هذا التمدُّد أو التوسُّع الكوني، المستمر، مُذْ وقع "الانفجار الكبير" Big Bang، والمتزايد والمتسارِع الآن، فُهِمَ على أنَّه تمدُّد للفضاء ذاته، فهذا النسيج الفضائي، أو هذا الفضاء بين المجرَّات، هو الذي يتمدَّد، فيَنْتُج من ذلك تباعد المجرَّات عن بعضها بعضاً، وكأنَّ كل مجرَّة هي التي "تتحرَّك في الفضاء" مبتعدةً عن سائر المجرَّات.

وحتى الآن ليس واضحاً بما فيه الكفاية أيُّ فضاء هو الذي يتمدَّد (ويتسارَع في تمدُّده الآن) فليس الفضاء بين الأرض والشمس هو الذي يتمدَّد، ولا الفضاء بين النجوم في مجرَّتنا، ولا الفضاء بين النجوم في كل مجرَّة، ولا الفضاء بين مجرَّات تؤلِّف معاً مجموعة واحدة. ما يقال بقدر قليل من الوضوح هو أنَّ الفضاء بين كل "مجموعة من المجرَّات" وبين سائر "المجموعات المجرية" هو الذي يتمدَّد، فـ "الجاذبية الكونية" في هذا الحيِّز الفضائي الكبير هي أضعف من أن تَكْبَح، أو تُوْقِف، تمدده.

في البدء، بحسب هذا التصوُّر الكوزمولوجي السائد، لم يكن من شيء إلاَّ تلك "النقطة المتناهية في الصِغَر" Singularity والتي منها انبثق الكون (وكل شيء) إذ وقع "الانفجار الكبير"، الذي بفضله "خُلِق" الفضاء (والزمان، وكل شيء). وعليه، يراد لنا أن نفهم تلك "النقطة" على أنَّها شيء ليس كمثله شيء.. شيء لا وجود فيه للزمان والمكان والفضاء، فالفضاء إنَّما هو جزء لا يتجزأ من كوننا الذي خُلِق كله من تلك "النقطة" إذ وقع "الانفجار الكبير"، الذي هو، أيضاً، ليس كمثله انفجار في خبراتنا وتجاربنا الفيزيائية. ومُذْ وقع هذا "الانفجار" والكون في حالة تمدُّد، يتسارع الآن.

قُلْتُ كل ذلك، وفي إيجاز، حتى أطرح السؤال الآتي: ألا يُمْكننا، واستناداً إلى نظرية "انحناء المكان" لآينشتاين أن نتوصَّل إلى تفسير آخر لظاهرة "تمدُّد الكون"؟ دعونا نتخيَّل أنَّ الكون كله يتألَّف من كوكبنا الأرضي ومن عشرات الكواكب الأخرى التي تحيط به من كل حدب وصوب، والتي تتفاوت في بَعْدِها عنه. ولنتخيَّل أنَّ كوكباً منها نسميه الكوكب X يبعد عن الأرض 50 مليون كيلومتر (بحسب قياس المراقب الأرضي لهذه المسافة). ولنتخيَّل أنَّ كوكب الأرض، ولسبب ما، قد زادت كتلته، وبالتالي، جاذبيته، كثيراً، فأصبح بكتلة أكبر من كتلته الأصلية بعشرات المرَّات. في هذه الحال، لا بدَّ لـ "الساعة الأرضية" من أن تبطؤ (= تمدُّد الزمن الأرضي). لو تمدَّد الزمن (= تباطأ) الأرضي بنسبة 50% فلا بدَّ للمسافة بين كوكب الأرض والكوكب X من أن تتقلَّص بنسبة 50% أيضاً. وعليه، يحسب المراقِب الأرضي المسافة بين كوكبه والكوكب X فيجدها 25 مليون كيلومتر، يجتازها الضوء (الثابت السرعة بحسب قياس كل المراقبين الكونيين لها) في زمن أرضي مقداره 83.3 ثانية أرضية (25000000 ÷ 300000).

وكلَّما تضاعفت كتلة الأرض تقلَّصت أكثر المسافة (الفضائية) بينه وبين الكوكب X. وهذا التقلُّص إنَّما يشمل (وبالنسبة ذاتها) كل مسافة فضائية بين كل كوكب وسائر الكواكب. وهذه الظاهرة إنَّما تعني بالنسبة إلى المراقِب الأرضي أنَّ الكون في حالة تقلُّص، وأن تقلُّصه يزداد ويتسارَع.

أمَّا لو تخيَّلْنا أنَّ كتلة كوكب الأرض، ولسبب ما، قد شرعت تتضاءل، وتزداد تضاؤلاً، فسوف يرى المراقِب الأرضي مشهداً كونياً معاكِساً ومضاداً. سيرى أنَّ الكون في حالة تمدُّد، وأنَّ تمدُّده يزداد ويتسارَع الآن. وعليه، لِمَا لا يجوز أن نتصوَّر أنَّ "النظام المرجعي"، الذي إليه ينتمي كوكب الأرض، هو في حالة "تضاؤل مستمر ومتسارِع في كتلته الكلية"، يَنْتُج منها، حتماً، تضاؤلاً مستمراً ومتسارِعاً في انحناء المكان (= تزايداً مستمراً ومتسارِعاً في استوائه) في "نظامنا المرجعي"، فيُتَرْجَم هذا بظاهرة تباعد المجرَّات، والتي يلاحظها المراقِب الأرضي.

شيء واحد يمكن أن ينقض هذا التصوُّر الافتراضي، بوصفه إجابة عن سؤال "لماذا يتمدَّد الكون؟"، ألا وهو أن نُثْبِت أنَّ الكون يتمدِّد في وقت يتعاظَم انحناء المكان في "نظامنا المرجعي"، أي أن نُثْبِت أنَّ المكان يزداد، ولا يقل، انحناءً في "نظامنا المرجعي".

إذا بطؤ الزمن الأرضي، فلن تظل الشمس تبعد عن الأرض 150 مليون كيلومتر. المراقِب الأرضي سيراها، عندئذٍ، تبعد 100 مليون كيلومتر، مثلاً؛ لأنَّه يرى الضوء المنطلق منها يصل إلى الأرض في زمن مقداره 333.3 ثانية فقط. ولكن، تخيَّل أنَّ الزمن الأرضي قد "تقلَّص"، أي تسارع. عندئذٍ، لا بدَّ للمراقب الأرضي من أن يرى الشمس تبعد عن الأرض 200 مليون كيلومتر مثلاً. تخيَّل أنَّ "الساعة" في "نظامنا المرجعي كله" قد شرعت "تتسارَع". عندئذٍ، نرى أنَّ الكون يتمدَّد ويتوسَّع.



#جواد_البشيتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عمرو موسى يستأنف التشاؤم!
- -التجارة- و-السياسة-.. عربياً!
- الطريق إلى تحرير -القطاع-!
- -التهدئة- التي تريدها إسرائيل!
- عملية القدس الغربية.. سؤال ينتظر إجابة!
- لُغْز -الزمن-!
- -الشتاء الساخن-.. نتائج وتوقُّعات!
- عندما تتسلَّح -جرائم الحرب- ب -القانون الدولي-!
- حلٌّ جدير بالاهتمام!
- -ثقافة المقاومة- التي ينشرها -الجهاديون-!
- مادية وجدلية العلاقة بين -الكتلة- و-الفضاء-
- تعصُّب جديد قد ينفجر حروباً مدمِّرة!
- الموقع الإلكتروني للجريدة اليومية
- التلويح ب -كوسوفو-!
- مفاوضات أم جعجعة بلا طحين؟!
- مرض يدعى -المظهرية-!
- وَقْفَة تستحق الإشادة والتقدير!
- اغتيال مغنية.. ما ظَهَر منه وما استتر!
- -نار الغلاء- فاكهة الشتاء!
- -المواطَنة- في -الوطن العربي-!


المزيد.....




- برق قاتل.. عشرات الوفيات في باكستان بسبب العواصف ومشاهد مروع ...
- الوداع الأخير بين ناسا وإنجينويتي
- -طعام خارق- يسيطر على ارتفاع ضغط الدم
- عبد اللهيان: لن نتردد في جعل إسرائيل تندم إذا عاودت استخدام ...
- بروكسل تعتزم استثمار نحو 3 مليارات يورو من الفوائد على الأصو ...
- فيديو يظهر صعود دخان ورماد فوق جبل روانغ في إندونيسيا تزامنا ...
- اعتصام أمام مقر الأنروا في بيروت
- إصابة طفلتين طعنا قرب مدرستهما شرق فرنسا
- بِكر والديها وأول أحفاد العائلة.. الاحتلال يحرم الطفلة جوري ...
- ما النخالية المبرقشة؟


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - جواد البشيتي - ظاهرة -تمدُّد الكون-.. في تفسير افتراضي آخر!