أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - غريب عسقلاني - هواجس ما بعد الليلة الأخيرة















المزيد.....

هواجس ما بعد الليلة الأخيرة


غريب عسقلاني

الحوار المتمدن-العدد: 2217 - 2008 / 3 / 11 - 11:22
المحور: الادب والفن
    



قراءة في الجنون الجميل لمحمد خيري حلمي

عبد الله يقرأ طول الليل، وبشرى تكتب طول الليل، عنوان طويل لرواية متحدية، تطرح الأسئلة ولا تنتظر الإجابات، وكأني بالكاتب محمد خيري حلمي ترك طوعاً العديد من الليالي للقراء يضيفون ما يطيب لهم خلالها وكل حسب معرفته وخبرته في الحياة والفن أيضاً، من هوامش وحوادث وتأويلات قد تتفق مع صاحب النص أو تختلف معه، ولكن ما يحركهم جميعاً الدهشة أمام هذا المخلوق الروائي الغريب العجيب معنى ومبنى، فهو قد وضعنا أمام غواية التجريب غير المحدود ولكنه المشروع والمطلوب من كاتب أرقته الحياة وعبأته المعرفة فضج بالرؤى ليأخذنا من المألوف إلى غير المألوف بمهارة يحسد عليها.
ومحمد خيري حكاء لاقط بحساسية لافتة يضفر رغباته وشهواته في نص مغاير، يحيلنا إلى الأسئلة، فلا نملك إلا أن نقيم العزاء في مأساة الكاتب/ الإنسان، ونكتشف من خلال الوجع كيف تتعامل الروح المبدعة مع الألم بنزف لا يصالح، فهو المدرك تماماً أن مصابة الخاص مرآة الفجيعة العامة، وشفرتها الدالة عليها، وما على القارئ إلا المزيد من التحديق في عدسة الخاص ليتسع أمامه حقل الرؤية.
فها هو عمرو يأتي الدنيا في حياة أبيه، ويمضي في ريعان الشباب وذروة الاندفاع نحو الحياة، وكأنه في موته الطارئ يكسر حلقات المألوف، حيث يصبح الابن الماضي فيما الحياة قد أعدته ليكون المستقبل. والأنكى من ذلك انه يموت في حضن عبد الناصر الذي شكل عمر أبيه الماضي، من خلال الأحلام والانتصارات والانكسارات.
ضربة الموت أصابت الأب بالرجفة وطيرته تائهاً في الطرقات يبحث عن ذاته وعن منطق جديد، فيلوذ بمجتمع الكتاب أدباء وشعراء ومفكرين وكل من يعيش الأحلام نوماً ويقظة، فهم من يستوعبونه ويدركون الحقيقي الخفي وراء جنونه الصارخ الظاهر، ويعيدون الأمور إلى قنواتها لأنهم يعرفون مبررات لجوء صاحبهم إلى الغرائبي الفنتازي، يشاكسهم فيرجمونه بالمحبة، وعندما يغادرهم يذرفون عليه دموعاً جافة لقصر ذات اليد حتى لا يبهظه الحزن ويثقله الهم ما يساعده على حبس دموعه, يتجمل بالضحك والسخرية مع صديقه الأثير عبد الله هاشم راعي الأدباء في الإسكندرية, وقارئ هموم المبدعين، يقرأهم طول الليل وخاصة ما يتناثر من أوراق محمد خيري، الذي لم يرحمه الوقت فيخطف زوجته حبيبته هناء، الريفية الجميلة الملتزمة به وبأولاده، ما يجعل نجيب محفوظ يوصيه بها خيراً، وحفظها بعيداً عن ملوثات عوالم الكتاب والمتأدبين، هذه البريئة الرهيفة، لم تصمد بعد غياب بكرها عمرو فاستعجلت الذهاب إليه بعد تسعين يوما,ً لم تصبر على فراقه فرقدت إلى جواره، هانئة راضية وقد سار خلفها من أحبوها وهم كثر، وبذلك عوضوها ألم الغربة في الحياة، ما جعلها تشف في أواخر أيامها روحاً ملائكية تفتح أمامه السؤال المريع على قصوره معها، وكأن الأقدار تفرض عليه تصفية الحسابات لدرجة الجنون "التي ربما أخذته الأيام وغبشت في عينيه رؤيتها.." هذه الشريكة التي عاشت على هامش حياته الابداعية، تطلق يده للعودة إلى كتبه غرامه أو جنونه الأزلي. هناء تحرره منها بالموت وهو الأحوج إليها في الحياة، فتعود أشد حضوراً ومعها عمرو البرئ يسكناه سوياً سؤالاً مقيماً يضربه لدرجة الزلزلة وانعدام الوزن, وانعدام القدرة على ترتيب العالم من حوله، فلا يرى غير الأسطورة تنتشله من واقعيته إلى ملاعب جديدة..تأخذه الغواية/ اللعبة فيشكل الأسطورة واقعاً من خلال لعبة البدائل الفنية، فلا الأزمنة دوال على الزمن ولا الأمكنة دوال على جغرافيا الفعل، لكنها السخرية من جيله بعد نصف قرن فرط من أعمارهم مراوحة بين تخيل المشروع ونكسات الانهيار، يأخذه الخاص بالعام الذي تبعثر إلى شظايا ونثار ما جعل فلسطين تسكن المنوفية، وأتى بأسامة بن لادن إلى زوايا أسواق الإسكندرية يبحث عن محامي دفاع..هل في ذلك هروب, أم أنه القبض على مفاتيح الهروب إلى واقع يعيد ترتيب المفردات في بانوراما تحقق التناغم حتى بين ركام الأنقاض، وهل غياب عمرو وهناء إشارة تغيير وتحذير لغياب الأحلام الكبرى، وهو ما جعل الراوي/ المؤلف يستدعي الأدب وأصحاب الرأي يناوشهم وينفث عليهم سموم مشاعره، محبة تارة وتشفيا في بعض الحالات، من خلال رؤية معقدة بين تشابكات الواقع وتجليات الموت والإيمان المؤسس على قدرية فطرية داخليه ترتوي من نبع الدين بوعي، وترضع ما يرشح من زيت التاريخ والموروث، ذلك ما يحيل الراوي إلى صوفية خاصة جذورها معقدة متشابكة وحضورها قدرية تراوح بين الاستسلام والنهوض من جديد..
في ظل هذا التيه كيف ينفذ إلى الرواية والخلل صار قاعدة والاتزان حالات استثناء، لا بأس إذن ولا مندوحة عن امتطاء الكذب/ الفشر/ الهلوسة بحسابات مدروسة فنياً، يتجاور عندها الواقعي بالمتخيل، والطبيعي بالسحري، والسير على الأقدام مع الطيران في الغمام، فيصبح الحديث مع هيكل وهما حقيقياً، وما كان بينه وبين نجيب محفوظ تخيلاً قابلاً للتحقق، وما ينسحب مع علاقته على البساط الأحمدي مع عبد الله هاشم يتشابه مع علاقته مع حورية البدري وما يجعل بشرى أبو شرار الحاضرة/ الغائبة صاعق رؤية على امتداد الرواية وبؤرة انفجار في مساحات القص. ولا بأس من امتطاء فروسية تحقق إشباعاً بعد طول جوع مع الفنانات الحسناوات اللواتي يقتتلن من أجله أو عليه...الخ.من حالات الاستحضار المحسوب بدقة ما يجعله يعيد النظر في مهمة سناء أخت زوجته/ حبيبته هناء التي تكنس فناء الدار كل يوم عند سؤال ما الذي تكنسه سناء، ولأي غرض تجعل الفناء جاهزاً لاستقبال الجديد الذي يكتبه خيري ويحيله إلى بشرى المؤرقة طول الليل بأم القضايا وسبب ما وصلت إليه الأحوال في دنيا العرب الذي يسكن الكاتب أحد مفرداتها وتجعل مأساته الشخصية إحدى نتائجها.
بشرى ابنة المحامي المناضل رفيق سلاح عبد القادر الحسيني، وأخت الأديب المقاتل ماجد أبو شرار الذي غادر ساحة القصة القصيرة إلى ساحة الثورة فأخذته غيلة متفجرة نثرت شظاياه. وبشرى المؤرقة بقضيتها/ وطنها تبحث عن شظايا أخيها المبعثرة وأعادته إلى الحياة من جديد.هذه المحامية البهية الناضجة مازالت على إصرارها وسحرها تأخذ كاتبنا إلى لهاث متواصل بحثاً عن الحقيقة، فهل تكون الحقيقة مدخلاً فنياً إلى الجنون..وبشرى مازالت تقرع الأجراس فهل يفيق من وهم الكوابيس ويكنس ما تراكم على قلبه وعقله من غبار وسواد, وهنا يتبدل دور سناء من الكنس إلى مراقبة محمد خيري وهو يكتب طول الليل محيلاً أفكاره إلى بشرى التي تقرأ طول الليل، وكأن قدره أن ينزف حتى ليلته الأخيرة من ليالي الرواية التي جاءت سباحة في مياه جديدة بأدوات الفيض والألم الايجابي ومداد الانكسارات والهزائم، ما قاده إلى الإكسير الشافي للخروج من ضباب الأوهام..وقد نحج الكاتب في إدهاشنا وأخذنا إلى الغرائبي بسلاسة جعلته يمرر علينا ألعابه أثناء عملية تخليق كائنه الروائي الجديد، فلا أحداث تتنامى ولكنها مبعثرة والشخوص حاضرة جاهزة بكل أبعادها، وللعمل بنية محكمة تثير الإعجاب
والسؤال: هل ما قرأناه رواية؟
ولكن من منا يملك قرار الإدانة, وقد ترك لنا المجنون محمد خيري حلمي بقية الليالي فضاءً مفتوحاً نرسم عليه توقعاتنا وبذلك يكون قد ورطنا بالإقرار.بكونها رواية وهي كذلك.
وأنا كقارئ تهاجسني إضافة ليلة نقيم نحن الكتاب فيها سرادق العزاء من جديد، يتصدره المقرئ الشيخ عبد العاطي فليفل، وعلى يمينه شيخ الكتاب عبد الله هاشم وعن يساره محمد خيري حلمي، الساهم على ذهول، يخرجه من حالته حضور الأديبات متشحات بالبياض، وقد وقفت بلورات دموعهن على أطراف الرموش، تسقط مع حضور بشرى بثوبها المقدسي، حاملة بكرج قهوة الأقصى ترافقها الحاجة أم محمد، وتحمل صينية الفناجين الصبية الرائعة نيفين وفجأة ترفرف في فضاء المكان هناء حمامة بيضاء أو فراشة تهبط على رأس محمد خيري وتنثر روح القرنفل..
ما الذي يهاجسني الليلة يا صديقي؟ الوهم أم الجنون؟ أم هي الرحلة إلى برزخ بين الحقيقة والحلم. أصحو أصرخ طالباً طوق نجاة من معلمنا عبد الله هاشم الذي يقرأ طول الليل ما قد كتبه محمد خيري على جناح نكتة هي أشبه بالقتل..
أقسم أن ما يشغلني الليلة هو الدخول إلى دمعه روح خيري قبل أن تسقط على الأرض..أو قبل أن تطير..
* محمد خيري حلمي روائي مصري يقيم في الاسكندرية,



#غريب_عسقلاني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مساحات على لوح اسود
- العري عند الحقائق الأولى
- المخيم والعزف على وجع قديم
- الواقعي والمتخيل في قصص القاص الفلسطيني عمر حمش
- البحث عن أزمنة بيضاء - 11 -
- البحث عن أزمنة بيضاء -10 -
- البحث عن أزمنة بيضاء - 9 -
- البحث عن أزمنة بيضاء - 8 -
- البحث عن أزمنة لبضاء -7 -
- البحث عن أزمنة بيضاء - 6 -
- البحث عن أزمنة بيضاء -5 -
- البحث عن أزمنة بيضاء -4 -
- البحث عن أزمنة بيضاء -3 -
- البحث عن أزمنة بيضاء - 2 -
- البحث عن أزمنة بيضاء - 1 -
- عطش الندى - قصة فصيرة
- شهادات في زمن الحصار
- أعواد ثقاب في ليل حالك
- أفشالومي الجميل
- حكايات الغربة -2 -


المزيد.....




- فنانون روس يسجلون ألبوما من أغاني مسلم موغامايف تخليدا لضحاي ...
- سمية الخشاب تقاضي رامز جلال (فيديو)
- وزير الثقافة الإيراني: نشر أعمال لمفكرين مسيحيين عن أهل البي ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- ألف ليلة وليلة: الجذور التاريخية للكتاب الأكثر سحرا في الشرق ...
- رواية -سيرة الرماد- لخديجة مروازي ضمن القائمة القصيرة لجائزة ...
- الغاوون .قصيدة (إرسم صورتك)الشاعرة روض صدقى.مصر
- صورة الممثل الأميركي ويل سميث في المغرب.. ما حقيقتها؟
- بوتين: من يتحدث عن إلغاء الثقافة الروسية هم فقط عديمو الذكاء ...
- -كنوز هوليوود-.. بيع باب فيلم -تايتانيك- المثير للجدل بمبلغ ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - غريب عسقلاني - هواجس ما بعد الليلة الأخيرة