أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - غريب عسقلاني - البحث عن أزمنة بيضاء -5 -















المزيد.....

البحث عن أزمنة بيضاء -5 -


غريب عسقلاني

الحوار المتمدن-العدد: 2193 - 2008 / 2 / 16 - 10:41
المحور: الادب والفن
    


5 - ليل الهجانة الطويل

نقطة السودانية
تلة رملية شقراء تركب الشاطئ وهي جزء منه, وخيمة كبيرة عميقة الأوتاد تصمد أمام الريح، تنتظر النوّات بتوجس محسوب، ومراح جِمال ناخت تجتر ما تختزنه من عليق فقير، تلوك الجمال اسرار الصحاري، وحكايات رجال الهجانة على الهوادج العالية، يشقون الهواء بضربات الكرابيج، يتألم الهواء بحاتٌ قصيرة.
الهجانة خدودهم سوداء مشروطة عن جروح قديمة، يلفون رؤوسهم بكوفيات بيضاء ناصعةٌ نظيفة. جاءوا من بعيد البعيد، صامتون، لا يخالطون الناس، قلما يتحدثون،..سيرتهم بين الناس كرابيج تحفر على الظهور خطوط من نار محقونة بآلام تسري تحت الجلد.
السود طيبون، تركوا الأهل والوليف والولد، يعيشون الاشتياق في الليل وعند الفجر، يطيرون أغاني ومواوييل حزينة.
عندما تحققت شمس من وجه كبيرهم يوم أتى الى خصهم، سألت باستهجان حزين :
- من ذبح خدودهم يا أبي؟
- قسوة الطبيعة وأعراف القبائل، إنهم آتون من بلاد الثعابين والعقارب.
ظلت على دهشتها من بلادٍ تسكنها الثعابين والعقارب فأكمل أبوها :
- جروح وجوههم علامات نسب بين القبائل أو رموز ديانات البدايات في الغابة السوداء.
زمّت فمها على قشعريرة، فأخذها أبوها الى عب عباءته، ومضى بها الى خص الجريد والدالية، ولطيفة التي أخذت تتهيأ لعبور الطقس وتنتظر وصول قرص الشمس الى خط الأفق وتتأمل كيف تجلس على صدر الماء.
تتعرى المرأة وبناتها اِلسبع(لم يكن الأولاد الذكور قد أتوا الى الدنيا بعد) وينطلقن الى الماء الذي اختزن دفء النهار، وهجع العافية.
قرص الشمس كرة متوهجة باردة، تغرس أشعتها البرتقالية على جلد الماء، ترسم الرغبة فتصعد الأسماك الشبقة الى السطح.
ضفائر الشمس تعبر لحم الآدميات، يشف اللحم بلوريا يصير، وينبض الدم لذّة وشهوة، وتدخل الأجساد قرار الوجد.
الرجل القاضي رب الدار على الشاطئ ينتظر البهجة ويكتفي من المشهد بالرضى واشتعال لطيفة التي لا تؤجل بهجة... لطيفة في الماء تلاعب فراخها، تعلمهن فنون الماء وتدس تحت جلودهن أسرار الشهوات والرغبات.
يشتبك الرجل من أسئلة حيرته, هل حالة المرأة قلق دائم، أم هي رغبتها في التشيؤ الى صور أخرى، أم أن الأبدان تضج بالفكرة، تسيطر عليها وتغير من آليات الوظائف فيقف الجسد أمام الحقيقة السرمدية كما الكون/ الأزل وكما هي الروح التي لا تفني.
تزقزق الفراخ في الماء، تصله قهقهات اشتعال لطيفه، فيعود داخل عباءته ويضربه سؤال نزق "قد يكون سر الأمر عند فارق السن أيها الرجل".
الشمس تغطس في الماء، الوقت حاله محيرّة بين الضوء والعتمة، تصبح الدنيا فضة خالصة، تتوهج لطيفة بيضاء شفافة تقف على خط ما بين الموت والميلاد، بين ذهاب النهار ومولد العتمة، تعبر ممراً سرياً بين الروح والجسد.
لطيفة تدخل حالة المقدس، فيما العتمة تدخل الوقت وتزحف على الأمكنة وتلون مياه البحر الى زرقة داكنة، تلمع تحت نور قمر آخذ في التخلق.
لا شيء بوجه واحد، لا شيء الى ثبات.
تمتلئ المرأة شهوة ولذه حتى الشبع لكن الارتواء حالةً بعيدة، أو ربما مؤجلة.
ما بين الشبع والامتلاء تتربع العادة، وينمو السأم وتزحف الرتابة، ولطيفة مهر حرون ينقر الأرض باقدامه الجليلة، يبدد الرتابة، وينظم الايقاع ولا يستقر.
تمضي لطيفة مع بناتها السبع عاريات مثل الحقيقة، فيما الرجل الذي أخذته القضايا يقف عند آخر المويجات المقتولة، يمسح المكان رغم العتمة، يخشى عيون الهجانة، الذين يحضّرون الجمال وحشوات البنادق لنوبة حراسة ليلية تذرع الشاطئ جيئة وذهابا.
الرجل حذرٌ من انكشاف اللحم المحرم على الغرباء, يفرد عباءته مثل شراع أبيض..
تخرج لطيفة وبناتها السبع يحطن بها، يلفها بعباءته يمسح بقايا الماء عن وجهها بكفيه، يأخذها الى إبطه ويمضيان الى خص الجريد الجالس على بساطه الرملي في أرضٌ عرفت وربما مازالت تعرف بأرض الزنابق.
الخص عند أطراف البيارة، تحيط به أكمات تخبيء بصيلات الزنبق الذي يخرج نواره في الربيع.
الوقت ليل.
والرجال السود يشدون الأعنّة، تتحرك قافلتهم بمحاذاة الماء، ضياء أشباح القوائم العالية، وبريق عيون تضيء في المكان لا ضوء غير ضوء فانوس بترولي يتدلى من سقف الخص.
الخص مغطى بسعف نخيل جاف، وعيدان بوص جفت على اخضرار بكر تصدر حفيفاً محملاً بالنعاس, تستقبله عيون الفراخ بفرح..يتساءل الرجل في سره "هل تخففت الأجساد الطفلة من بللها؟"
النوم يأخذ البنات. يصحو الشوق بين رجل وامرأة ما زالت على عريها ملفوفة بالعباءة.
حداء القافلة يرسل موالاً حزيناً، والرجل شارد تأخذه المواويل الى هناك في الخليل، الكرم ونبع الماء، وزوجة أخرى صموت، صامت على أسرارها فاعتصمت مع ذريتها واعتمدت على ثاني الأولاد كبيراً. فالكبير فارس لم يحد يوماً عن مدار أبيه فلحق به.
لطيفة تسأل رجلها عن موال القافلة ينقل اليها احساسه:
- الحادي يناجي وليفه بعيده وأولاد كبروا وأم وأب ربما غادروا وهو ما زال يعيش الغربة.
- بأي لغة يغني.
- لغة الأشواق واحدة يا لطيفة.
دس كفه أسفل صدرها، رفع الثديين، كانت داخل العباءة تتدفأ. على بقايا ملوحة البحر..سألته :
- هل تعرف لغتهم؟
- المجاريح يتعرفون على سر ألم الفراق والغربة.
داعبته مشتاقة :
- ما معنى الغربة وأنت معنا.
- غربة الروح أوسع من المكان يا
هي تدرك ما يعانيه وما يشتاق اليه، حقائقه لم تتغير منذ أن ارتبطت به. منذ عاشرها أدرك حاجاتها، زعنفت داخل العباءة، تشممت رائحته التي تنبعث من نسيج العباءة..أخذته خارج الخص، وافترشا رملاً يتهيأ لاستقبال الندى. وراحا يراقبان بريق تكسر رغوات الأمواج. وأرتال السلطعون تهرب من الماء، تختفي في الرمال المفككة..تخرج من مكامنها بعد انحسار الموجة. تتحالف الكائنات الضعيفة مع ضوء القمر، تشع قناديل تتقافز فوق الرمال.
خلف الخص بيارة تطلق نوّار البرتقال والليمون..العبق يملأ المكان.
قفزت لطيفة الى ربوات قريبة، وعادت بباقة من كؤوس زنابق بيضاء.
فردت زنابقها على صدرها، وتمددت بجانبه.امتلأ الرجل عبقاً فحلاً، وذابت مواويل الهجانة في البعيد، أخذها اليه نثر الزنابق على جسد دخل طقوس الرغبة/ الشهوة. وعبر الى عباءة مضخمة بعافية الفرح, عبر لحمه مساربها حدق في عينيها رآها باتساع البحر تلوت معه تنشد الارتواء فأخذ المدى يبخ على الدنيا رذاذاً لطيفاً فيما لطيفة على عطشٍ لم تنل الارتواء.



#غريب_عسقلاني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- البحث عن أزمنة بيضاء -4 -
- البحث عن أزمنة بيضاء -3 -
- البحث عن أزمنة بيضاء - 2 -
- البحث عن أزمنة بيضاء - 1 -
- عطش الندى - قصة فصيرة
- شهادات في زمن الحصار
- أعواد ثقاب في ليل حالك
- أفشالومي الجميل
- حكايات الغربة -2 -
- حكايات الغربة -1 -
- حكايات في واقع الحال -3 -
- حكايات في واقع الحال - 2 -
- أجندة غزة وشطب الذاكرة -10 -
- حكايات في واقع الحال - 1 -
- بيضاء مثل القمر - قصة قصيرة
- أجندة غزة وشطب الذاكرة - 9
- حكايات عن واقع الحال
- أجندة غزة وشط الذاكرة - 8 -
- غزة وشطب الذاكرة -7 -
- البلياردو


المزيد.....




- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - غريب عسقلاني - البحث عن أزمنة بيضاء -5 -