أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - غريب عسقلاني - حكايات في واقع الحال - 2 -















المزيد.....

حكايات في واقع الحال - 2 -


غريب عسقلاني

الحوار المتمدن-العدد: 2172 - 2008 / 1 / 26 - 10:12
المحور: الادب والفن
    


1 - الطيارات والطائرات

عندما بلغ طفلي الخامسة نظر إلى السماء, رأى غيمة صيف بيضاء, سألني:
- ماذا بعد الغيمة يا أبي؟
قلت له:
- بعد الغيمة فضاء, ثم سماء.
- ومن يسكن الفضاء ويلامس صدر السماء, يا أبي؟
- الملائكة الذين يحبون الأطفال
في السماء مرت فوق الغيمة طائرة حربية, تطلق ذيلا من دخان أسود يتحلل إلى آلاف الكتل الشيطانية, فزع طفلي واستنجد طفلي:
- الطائرة أطلقت الشياطين لمطاردة الملائكة يا أبي!
أخذته إلى حضني..هدأ قلبه, واستراح صدره ونام نوما ملائكيا, بكى وهو نائم ثم كركر وضحك في النوم, تفصد عرقه وغسل وجهه الوديع.أفاق نشيطا وأحضر الورق الملون والقصبات والخيوط وصمغ اللصق والمقص, انشغلت وإياه في صناعة طيارة ورقية بديعة, ذات ذيل ملون..
صار الوقت عصرا وتحرك تيار هواء لطيف قلت له:
- هيا نطلق الطيارة نحو الغيمة..
ثبت طفلي حمامات ورقية ملونة عند زوايا الطيارة, وأطلقها حتى استقرت أسفل الغيمة, وأخذت تتمايل وتُرقِص شراشيبها مثل عروس فاتنة.
ظل ممسكا بخيط الطائرة بانتظار طيران الحمامات إلى صدر الموجة, قلت:
- الحمامات الورقية لا تطير ماذا تنتظر ؟
- ربما تمتد ذراع ملاك أبيض تنفخ فيها الروح, وتكسوها ريشا لتطير وتبني أعشاشها في بطن الغيمة.
------------
------------
2 - زغرودة مؤجلة

عاد الفرسان من الثغور القريبة والمنافي البعيدة, وزغردت النساء على امتداد الطريق, أما هي فقد غصت بالمرارة وابتلعت ريقا جافا, وانكسر بصرها عند ولدها الشاب.. سحبته وأغلقت بابها يتناهى إليها صوت رصاص الفرح يلعلع في الهواء.. إجترت ذكرى رصاصات مكتومة كومت رجلها على باب الدار, فقضى دون أن تصدر عنه آهة أو صرخة..
في ذلك النهار مشى الناس خلف نعش يهزجون"لا إله إلا الله والشهيد حبيب الله", فيما سارت هي وولدها وأعمامه وأخواله خلف النعش صامتين, دفنوا القتيل وتفرقوا صامتين, واحد من أبناء عمه صرخ في وجهها:
- إغلقي عليكِ بابكِ فأنا برئ منه ومنكم إلى يوم الدين.
خرج الولد إلى الشارع, وسرعان ما رجع فقد وجد أباه مصلوبا على الجدران في الحواري والأزقة, ورأى عيون الناس ترمقه شزرا.
ظللت على ولدها في وقت ضاقت فيه السبل وصدور الناس, تهرب إلى سجادة الصلاة, تنهمر دموعها وتردد "ولا تزر وازرة وزر أخرى" لم يسألها عن الوازرة الأولى فهو متأكد أنها فوجئت بالأمر مثله.
وفي يوم قال لها:
- أُريد الالتحاق بالشرطة.
بلعت ريقها:
- وتحمل سلاحا؟
- ولِمَ لا!
وقعت في الصمت, ماذا يريد الولد الذي صار شابا قال:
- الشرطة والسلطة والوطن للجميع يا أمي.
- وهل ينسى الناس يا ولدي!
- ولماذا أحمل وزره على كتفي وكتف ولدي, ربما كان ضحية البلبلة, وربما كان ضحية نفسه, يرحمنا الله جميعا.
ومضى يحرس الناس والشوارع, يحدق في شمس النهار لا يطرف له رمش, لا تفارقه صورة أمه التي حفظته في السنوات العجاف.
وفي يوم وقف وجها لوجه أمام عمه الذي هاج يوما, سأله:
- أنتَ عمي؟
- ومن قال غير ذلك!
- وابن عم أبي..
وضع الرجل يده على فم الشاب, وأخذه إلى حضنه, وفي البيت قبلته أمه قالت:
- في عينيكَ حكاية
- هل تعجبكِ بنت عمي؟
- أي عم؟
- الذي هاج يوما
صمتت قليلا, أطلقت زغرودة مؤجلة..وبكت.
-----------
-----------
3 - عند المفترق

عند المفترق, ومع الإشارة الخضراء دهست السيارة طفل, هرست قصبات عظامه وعجنتها مع لحمه القليل, لم تتريث الإشارة عند الدم النازف فانقلبت إلى الحمراء, اختفت الجثة في صندوق سيارة الإسعاف التي أخرجت لسان زامورها للإشارات والناس والشرطة, فهي البيضاء التي لا تحمل خبرا أبيض.
في المستشفى, شهق الإخصائي وغطى الوجه الحليبي الصامت, رشقته الممرضة المرافقة وقلبت شفتيها مرتين,مرة لتداري ضحكتها من صوته الناعم الذي لا يتناغم مع بوزه النكد "اللي يسمع غير اللي بيشوف", ومرة لتداري دمعة على جارتها وأطفالها الخمسة بعد أن احتج أبوهم على إغلاق البوبات القريبة والبعيدة وانتحر بالسكتة القلبية أو الجلطة الدماغية سيان, وسيان هذه أطلقها الإخصائي لفض خلاف نشب بين طبيبين متدربين حول سبب وفاة الرجل.
- الرجل مات بالجلطة أو السكتة سيان
في مركز الشرطة, قدم السائق رخصة السيارة ورخصة القيادة وبطاقة التأمين ضد الحوادث وتلا إفادته بهدوء:
- عند الإشارة الخضراء انطلقت سيارة حمراء تقودها سيدة شقراء, وفجأة تمدد الطفل على الإسفلت فلم أتمكن من تفاديه رغم سلامة الفرامل..
وشهد على الحادث طفل يتأبط كيس مناديل ورقية أفاد:
- مسح زجاج السيارة فنفحته السيدة خمسة شواقل, لوح بها متباهيا فرحا برزقه, ورقص مزهوا فانزلقت قدمه على الرصيف ووقع.
سأل المحقق:
- هل كانت الإشارة حمراء أم خضراء..تذكر..
رد الطفل ببراءة:
- هي دائما خضراء لهم وحمراء علينا.
في المنزل, حدث الإخصائي زوجته عن طفل هرسته سيارة, واسترسل في محاضرة عن لين العظام وفوائد الحليب والبيض في بناء العظام..تسللت الزوجة تعالج مكياجها في محاولة لتغيير جو الأمسية, وعندما عادت كان زوجها قد وصل إلى أسباب هشاشة العظم وتساقط الأسنان, فتشت في التلفزيون, فأطل ضابط الشرطة يتحدث عن أهمية شبكة الإشارات الضوئية في تنظيم المرور, اختفى الضابط وظهر مسئول الشؤون الاجتماعية وتطرق لظاهرة التسول والمسلكيات المتحايلة للأطفال مثل بيع المناديل الورقية والعلكة وكتب الأدعية عند المفترقات..اهتزت الشاشة وأضاءت عن خبيرة حقوق الإنسان التي اعتذرت عن التأخير بسبب الازدحام واختناق الطرق, وتحدثت عن القوانين التي تحظر عمل الأطفال..
في المخيم, شوهدت سيارة حمراء تقودها سيدة شقراء,توقفت عند فوهة الزقاق, هبطت السيدة وأوصت طفلا بحراسة السيارة ومسح الزجاج.. في بيت العزاء اتجهت نحو امرأة عجفاء جف الماء في مآقيها, أخرجت من حقيبة يدها ورقة نقدية ورقية دستها في يد العجفاء وغادرت صامتة..
عند رأس الزقاق كان الطفل الحارس قد مسح زجاج السيارة, لكنه لم يمد يده لأخذ القطعة النقدية التي أخرجتها من حقيبتها الأنيقة.



#غريب_عسقلاني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أجندة غزة وشطب الذاكرة -10 -
- حكايات في واقع الحال - 1 -
- بيضاء مثل القمر - قصة قصيرة
- أجندة غزة وشطب الذاكرة - 9
- حكايات عن واقع الحال
- أجندة غزة وشط الذاكرة - 8 -
- غزة وشطب الذاكرة -7 -
- البلياردو
- غزة وشطب الذاكرة -6 -
- الطبيب والزائر الغريب
- غزة وشطب الذاكرة - 5 -
- أجندة غزة وشطب الذاكرة- 4-
- أجندة غزة وشطب الذاكرة-3 -
- أجندة غزة وشطب الذاكرة -2 -
- أجندو غزة وشطب الذاكرة
- اجندة غزة وشطب الذاكرة
- بطاقة تهنئة في عرس مصادر
- الضرب على قشرة الدماغ
- الخالة أم بشير - قصة قصيرة
- الهدهد والديك الديك الرومي - قصة قصيرة


المزيد.....




- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام
- السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا
- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - غريب عسقلاني - حكايات في واقع الحال - 2 -