هل انتقلت المقاومة الوطنية حقا من روح الوطنية الى حضن الطائفية والانقسام؟

سعاد خيري

الحوار المتمدن-العدد: 2202 - 2008 / 2 / 25 - 10:06
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    

قاومت البشرية الظلم والاستغلال منذ نشؤ الملكية الخاصة لوسائل الانتاج وانقسام المجتمع الى طبقات وتطورت هذه المقاومة مع تطور الصراع الطبقي وانتظمت في حركات كان لها دورها التاريخي في تطور المجتمع الانساني عبر مراحله التاريخية والحضارية. واذ كان لكل من هذه الطبقات المستغلة دورها التاريخي في خدمة البشرية من خلال تطوير وسائل وادوات الانتاج خدمة لمصالحها، وعبر الامعان في استغلال الطبقات غير المالكة واستعبادها ، كانت حركات مقاومة المستعبدين، هي القاطرة التي تنقل البشرية من مرحلة اجتماعية اقتصادية الى اخرى اعلى . فكان لمنظمة اسبرتاكوس دورها التاريخي في التطور الانساني من مرحلة العبودية الى مرحلة الاقطاع وكان للحركات الفلاحية وتلاحمها مع الحركات العمالية النامية دورها في الثورات على الاقطاع وانتقال البشرية الى المرحلة الراسمالية . ونشأت في خضم الصراع الطبقي ضد الاستغلال الراسمالي الحركة النقابية العمالية ومن ثم حركتها السياسية الحركة الشيوعية العالمية، كما نشأت وتطورت حركة التحرر الوطني العالمية لمواجهة تطور علاقات الانتاج الراسمالية وبلوغها مرحلة الامبريالية. و بدأت الدول الامبريالية بعدم اكتفائها باستغلال شعوبها والعمل على استغلال واستعباد بلدان وشعوب اخرى ومن ثم الى اقتسام العالم واعادة اقتسامه فيما بينها من خلال الحروب . فكان لابد للبشرية من تطوير وسائل واساليب كفاحها وتنظيم مقاومتها ضد مستغليها ومثيري الحروب خدمة لمصالحهم. فتطورت الحركة الشيوعية العالمية والوطنية وتطورت حركة التحرر الوطني لمقاومة الهيمنة الاستعمارية على بلدانهم ونهب خيراتهم. فكانت ثورة اكتوبر الاشتراكية العظمى من اروع انتصارات مقاومة البشرية لمستغليها وحظت بدعم جميع حركات المقاومة المتطورة ، واحزاب شيوعية وحركات ديموقراطية ولاسيما الحركة النقابية ووجدت حركات التحرر الوطني فيها مثالا يحتذى وموئلا لتعزيز الثقة بقدرتها على تحقيق النصر على عدوها الجبار. ووجدت الحركة الشييوعية الروسية بقيادة لينين بحركة التحرر الوطني الحليف الرئيس في مجابهة جيوش 14 دولة استعمارية فطور شعار" يا عمال العالم اتحدوا الى شعار " الى " يا عمال العالم وشعوب المستعمرات اتحدوا!" وارسل عشرات الرسائل الى اقطاب حركات التحرر الوطني في العالم ومنهم حركات التحرر الوطني في العراق ومصر وفلسطين. وتطورت حركات التحرر الوطني ونشأت وتطورت حركات مقاومتها، ولعبت الاحزاب الشيوعية دورها في تعميق الوعي الوطني وربطه بالاهداف الديموقراطية وفي مقدمتها حق الشعوب في تقرير مصيرها ولاسيما في البلدان ذات القوميات المختلفة. وشملت حركات المقاومة الوطنية جميع بلدان اوربا التي استعبدتها الفاشية الهتلرية والتي اخذت تهددها واجترحت هذه الحركات المقاومة للفاشية اروع البطولات وسجلت اروع الدروس والتجارب الكفاحية فضلا عن تحديد العامل الرئيس الذي يحدد آفاقها وهو الطابع السياسي لقيادتها . فحركات المقاومة التي كانت بقيادة الاحزاب الشيوعية ، استطاعت وان الى حين من تحقيق العدالة الاجتماعية لشعوبها وبناء الاشتراكية في حين رسخت القيادات البرجوازية للمقاومة علاقات الانتاج الراسمالية في بلادها وتعميق الصراع الطبقي. و استفاد الشعب الفيتنامي من هذا الدرس التاريخي واستطاعت مقاومته الباسلة بقيادة الحزب الشيوعي، بعد الحرب العالمية الثانية التحرر من الاستعمار الفرنسي ومن ثم الامريكي وبناء فيتنام الحرة الديموقراطية. في حين فشلت الكثير من حركات المقاومة الوطنية التي نشأت وتطورت في الكثير من بلدان العالم في تحقيق اهدافها كالمقاومة الفلسطينية وعشرات منظمات في امريكا اللاتينية وافريقية، في تحقيق نصر حاسم على مستعبديهم من امبرياليين وادواتهم . وكان لترهل الحركة الشيوعية العالمية وانهيار الاتحاد السوفيتي دور كبير في اضعاف حركة التحرر الوطني عموما وحركات مقاومتها خصوصا ، وسهل عملية اختراقها ولاسيما اختراق قياداتها وتشويه استراتيجيتها بخلق مختلف اشكال الاعداء الرئيسيين غير الامبرياليين، وتمزيق صفوفها بمختلف الاوهام الاثنية والدينية والطائفية، وعدم تورعها عن استخدام افضع الوسائل والاساليب والاسلحة المحرمة دوليا لقمع حركات المقاومة كما يجري في فلسطين والعراق ، من حصار اقتصادي قاتل في غزة واسلحة ابادة في العراق . ورغم ذلك تستمر المقاومة الوطنية في فلسطين في مقاومة الاحتلال الاسرائيلي وتتصاعد وتتوسع قاعدتها الجماهيرية ويتطور وعيها الوطني وارتباطه بالوعي الديموقراطي والانساني ، رغم انشغال اقطاب المقاومة التقليدية المخترقة في صراعهم على الهيمنة على قيادة المقاومة، وتحت مختلف اشكال الشعارات المضللة كالدينية والطائفية ، بل والتحول من مقاومة الاحتلال الصهيوني الى مقاومة الفصائل الاخرى وتقديم اكبر الخدمات له . كما تصمد المقاومة العراقية وتتطور اساليبها وقيادتها السياسية وارتباط هدفها الرئيس تحرير الوطن من الاحتلال باقامة نظام ديموقراطي موحد مزدهر، رغم انهيار الكثير من فصائل المقاومة واستسلام بعضها للعدو بل وجند بعضه نفسه للقيام باعمال ارهابية لتشويه سمعة المقاومة ، وتشكيل بعضها مجالس الصحوة وبعضها دخل في مفاوضات مع السلطة او قوات الاحتلال مباشرة.
ان المقاومة الوطنية ضرورة تاريخية تفرضها في عصرنا حاجة الشعوب المستعبدة، بل وحاجة البشرية عموما لانقاذها من الفناء على يد اعتى اعدائها، الامبريالية والصهيونية العالمية، التي تمر باخطر واحرج ازماتها ولا تتورع عن اقتراف اية جريمة لانقاذ مواقعها. كما تحتم هذه الضرورة ، نضوج وتطور قيادة سياسية مسلحة باحدث واكثر النظريات الثورية تطورا. قيادة تستطيع ان تطور وعي المقاومة والقاعدة الشعبية ، الوطني والانساني، وتحصينها من كل عناصر اضعافها وتفتتها كالشوفينية والطائفية والعنصرية. ولم يعد قادة الفصائل التي تمزقها الشوفينية او الطائفية قادة حركات مقاومة وطنية وانما اصبحوا وفصائلهم بوعيهم اوبدونه من اهم ادوات اعداء الوطنية والانسانية.

#سعاد_خيري (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل