أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - محيي هادي - لن يغرق العراقيون مرة أخرى














المزيد.....

لن يغرق العراقيون مرة أخرى


محيي هادي

الحوار المتمدن-العدد: 680 - 2003 / 12 / 12 - 02:36
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات
    


تستمر عجلة الزمن في الدوران و السير، لتسحق ما تلاقيه من سنين و أشهر و أيام .
و لا يمر يوم ليعبر بسلام بدون أن  يقدم لنا أخبارا، و الأخبار لا تسمى هكذا إلا إذا كانت سيئة.
تعرض لنا شاشات التلفزيونات الأسبانية صور جثث مرمية و متناثرة على  طول  سواحل البحر الأبيض المتوسط  المقابلة لسواحل المغرب و على عرض سواحل المحيط الأطلسي الأسبانية القريبة لذلك البلد.
و بالقرب من صخور الساحل نشاهد زوارقا ممزقة وقد تهشمت كزجاج عند اصطدامها بتلك الصخور.
نضطجع في الليل و في مخيلتنا صور الجثث، و يأخذنا النوم لكي نحلم بنفس  الجثث و هي تملأ أحلامنا ككابوس يضغط على صدورنا ليؤلمنا بشدة ، ألم  شبيه لآلام ذبحة صدرية تصيب قلوبنا.
و نستيقظ في الصباح و في أعيننا بقايا آثار نوم مضطرب و قلق حزين و خوف.
نذهب لشراء صحيفة اليوم، ولا  تقع أعيننا إلا على نفس أخبار الليلة الماضية، نفس الجثث التي رأينا على شاشة التلفزيون نراها أيضا في الصباح و لكنها منسوخة على صفحات الصحيفة، تعلو كلمات سوداء كئيبة تشرح لنا مأساة كارثة الأمس.
و نعود في المساء الى البيت وفي أذهاننا أخبار الجثث التي لا تنتهي. و نجلس لنرى مرة أخرى مناظر جثث أخرى.
و تعود شاشة التلفزيون لتعرض جديد قديم، فترينا زورقا آخرا فارغا تلعب به أمواج البحر العاتية ، ليس فيه أي راكب ، لقد رحل ركاب الزورق الى جحيم الموت، الى أعماق البحر.
و في اليوم الثالث نرجع مرة أخرى لنرى جثث أكثر تتراشق بها الأمواج يمينا و شمالا، تلعب بها كما يلعب بكرة المنضدة لاعبها،  و تؤكد لنا الأخبار أن زورقا - زرقورقيا- آخرا قد تحطم و تشقق ليتقئ  بركابه الى البحر، إنه كرمانة تتفطر و تتشقق لتنثر حباتها الى الخارج.
نرى كثيرا من الجثث ، و لن تكو الأخيرة، إنها كرأس -آيسبرغ- يسير مع تيار البحر،  يُظهر رأسه فقط ، أما في جوف البحر فتبقى لتضيع الى الأبد جثث  كثيرة لا تعد و لا تحصى.
و هكذا…
هذا هو حال الكثير من أبناء الشعب المغربي الذين يريدون  اجتياز  مضيق جبل طارق ليتركوا وراءهم جحيم الفقر و الحرمان في بلدهم و يرحلوا الى ما يتصورنه بأنه الجنة ، الجنة الأوربية. و يرافق المغاربة أفراد من دول أخرى، جلهم أفارقة و يصحبهم بين حين و آخر آسيويون.
لقد سمعت و شاهدت أيضا مواطنين من بلدي العراق و هم يحاولون العبور الى هذا الجانب من البحر المتوسط، فقسم منهم استطاع العبور و قسم آخر لم يستطع فبقي في المغرب أو في مدينة  سبتة   و قسم ثالث غرق في أمواج البحر، فجذبته الأعماق و ارتاح هناك الى الأبد.
العراقيون شعب لم يكن يعرف الهجرة أبدا ، إذ كانت أرضنا تشدنا بقوة، و كانت تمرة واحدة تكفي واحدنا و تغطي ما يحتاجه من طاقة. و لكن و بعد وصول البعث الدموي الى حكم العراق و جدنا الملايين من العراقيين يهربون أو يحاولون الهروب من البلاد، لا بحثا عن الغنى، أو عن الجنة الأوروبية، بل بحثا عن نسمة هواء يستطيعون أن يستنشقونها ليعيشوا.
كان العراقيون يهربون من البطش و الإرهاب.
إرهاب السجون و التعذيب و القتل.
إرهاب الجوع.
إرهاب عدم القدرة على  الدراسة في أرض الوطن.
إرهاب و إرهاب.
ثم إرهاب المقابر الجماعية.
ماعدا العراقيين، فإن كثيرا من الناس من غير العراقيين  كانوا يعيشون برفاهية و بحبحة و غنج في  العراق، لا بل  أن البعض منهم كان يضحك على ذقن العراقي و يشمت به، و كان آخرون يرقصون كقردة و يقفزون  أمامه.
كان الأعراب، و بشكل خاص المرتزقة منهم ، يعيشون بتطفل رهيب على حساب ثروة العراق و رغم أنف العراقي.
كان على العراقي أن يهرب و يهاجر. أي بلد في العالم يتحمل هروب خمسة ملايين من مواطنيه؟
كان على العراقي أن يتحسر و يبقى محروما :
محروما من أرضه،
محروما من ثروته،
محروما من مضغ لقمة العيش براحة على ترابه،
محروما من التعليم،
لا بل كان محروما من هواء التنفس، كان الأوكسجين معدوما في العراق فقد حلت محله غازات التسميم، لتسمم الأهوار و الجبال.
أكتب كلمات هذه السطور و أنا أدعو الى الله أن يسكن فسيح جناته هؤلاء المغاربة الذين هربوا من الفقر فلقوا الموت في انتظارهم، و أرجو الرحمة لأولئك العراقيين الذين هربوا من بطش النظام العفلقي، فزهقت أرواحهم على صخور الجبال أو خنقت في أعماق البحار. و أتذكر بشكل خاص أولئك الأربعمائة ضحية الذين غرقوا في أجواف بحار أندنوسيا، لم تسلم تلك  الطفلة  من الغرق و قد تبدلت ضحكاتها الملائكية بصراخ الخوف و ببكاء الرعب، و لم يسلم الأب و لا الأم.
إن جثث البائسين المغاربة هنا تذكرني دائما بجثث العراقيين هناك.
لا أريد أن أنسى الضحايا، و في هذه المرة لا  أنسى ضحايا الباخرة الاندنوسية، إن ذكراهم تؤجج  في نفسي حافزا شديدا  يناهض كل أشكال الإجرام، و خاصة إجرام البعثيين، اسوء خلق عرفهم تاريخ العراق.
لقد  خُلِع حكم البعثيين من العراق، و ذهبت همجيتهم الى الجحيم ، و رجعت الى أبناء العراق بعضا من الحرية و عادت اليهم ابتسامتهم. فلم أعد أسمع أن هناك عراقيا  مات بردا على سفوح جبال روسيا أو غيرها  و هو يحاول العبور الى بلد من أوروبا الغربية أو أكلته الذئاب، و لم أعد أسمع أو أرى عراقيا يغرق في بحر إيجة أو في  بحر آخر.
إنه البقاء في أحضان الوطن و إنها العودة الى أفراح جنته.
ستكمل الفرحة عندما نقضي تماما على بقايا البعث الدموي و أفكاره الهمجية.
و ستكون الفرحة أكبر عندما نشاهد خروج جيوش و قوات التحالف من أرضنا.



#محيي_هادي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المستعصم المقامر الذي خسر بغداد أيضا-القسم السادس
- المستعصم المقامر الذي خسر بغداد أيضا-القسم الخامس
- المستعصم المقامر الذي خسر بغداد أيضا-القسم الرابع
- المستعصم: المقامر الذي خسر بغداد أيضا- القسم الثالث
- المستعصم المقامر الذي خسر بغداد أيضا/ القسم الثاني
- المستعصم المقامر الذي خسر بغداد أيضا/القسم الأول
- با?ـر العيد
- شبيهو سالفوهم
- العراقيون يعلِّمُون الفلسطينيين مجانا و البعثيون يتهمونهم با ...
- هل أجبر المتدينون البعثيين على شرب الخمر؟
- سكرتير شيخ الأهواز و مفتي فلسطين
- آلمني إزالة قبر عفلق
- تنبيه و اعتذار و اضافة
- العنصريون لا يخدمون الوطن بل يقتلونه
- نص كلمة بعد الكلمة و النصف
- ياقوت الحموي ذكر اسم الأهواز أكثر من ثمانين مرة
- الأهواز أم الأحواز أم الأخواز
- الأهواز أم الأحواز
- تهنئة لأمينة عواد النيجيرية
- سميرة الشابندر و البدوية الأندلسية


المزيد.....




- برق قاتل.. عشرات الوفيات في باكستان بسبب العواصف ومشاهد مروع ...
- الوداع الأخير بين ناسا وإنجينويتي
- -طعام خارق- يسيطر على ارتفاع ضغط الدم
- عبد اللهيان: لن نتردد في جعل إسرائيل تندم إذا عاودت استخدام ...
- بروكسل تعتزم استثمار نحو 3 مليارات يورو من الفوائد على الأصو ...
- فيديو يظهر صعود دخان ورماد فوق جبل روانغ في إندونيسيا تزامنا ...
- اعتصام أمام مقر الأنروا في بيروت
- إصابة طفلتين طعنا قرب مدرستهما شرق فرنسا
- بِكر والديها وأول أحفاد العائلة.. الاحتلال يحرم الطفلة جوري ...
- ما النخالية المبرقشة؟


المزيد.....

- فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال ... / المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
- الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري ... / صالح ياسر
- نشرة اخبارية العدد 27 / الحزب الشيوعي العراقي
- مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح ... / أحمد سليمان
- السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية ... / أحمد سليمان
- صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل ... / أحمد سليمان
- الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م ... / امال الحسين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - محيي هادي - لن يغرق العراقيون مرة أخرى