وردتني عدة رسائل بعد أن نشرت مقالا عن هيمنة فلول البعث على ما يسمى بالمثلث السني واتخاذهم أبناء هذه المنطقة من العراق رهائن عندهم كما كان نظامهم المقبور يفعل بجميع العراقيين، كانت رسائل كثيرة، والأهم من ذلك هو أن جل هذه الرسائل قد وردت من إخوتنا أبناء هذه المنطقة من العراق، سواء الذين يعيشون في الداخل أم في الخارج، معظمهم كانوا يؤكدون ما جاء بالمقال، وهناك، بالتأكيد، رسائل أخرى تنفي وتكذب المعلومات جملة وتفصيلا بطريقة هتافية، وحتى إن بعضها كانت رسائل تهديد إن عدت لكتابة مثل هذه المواضيع، وهذا ما اعتبرته تأكيدا، صارخا ورسميا منهم بالذات، لمضمون المقال والحالة التي يعيشها أهلنا في هذه المنطقة تحت وطأت تلك الفلول المذعورة. المقال المشار إليه كان من حلقتين تناقش مسألة تكريس الطائفية والعنصرية من قبل حزب البعث واتخاذهم لمنطقة المثلث هذا ملاذا آمنا لهم بعد انهيار نظامهم الدموي.
مازال البعث مستمرا بسفك الدماء العراقية، أو متسببا بسفكها في كل مناطق العراق، وخصوصا في هذا المثلث في الوقت الحالي. يجد القارئ هذا المقال على موقعنا المتفرع من الحوار المتمدن، أو على موقع عراق الغد.
عنوان الموقع المتفرع من الحوار المتمدن
ملخص ما جاء في المقال:
في المقال المذكور حاولت توضيح أن ليس كما يحلوا للبعض أن يسمي تلك المنطقة من العراق بالمثلث السني، أو ما يراد له هو الإيحاء للمتلقي على إنه مثلث المقاومة السنية. ولكن في الواقع إن الأمر مختلف، حيث إن هذا المثلث يحتضن جزءا من أبناء شعبنا الأبرياء، وإن كان لا يزال يحتضن فلول البعث المهزومة، والتي تحاول بكل ما أوتيت من قوة لوقف عملية إنجاز بناء الديمقراطية وإعادة الأعمار. إن استعمال مصطلح المثلث السني تعني محاولة إعطاء أعمال ما يسمونه بالمقاومة بعدا طائفيا وربطه بالسنة العرب الذي معظمهم يرفضون مثل هذه الأعمال الإرهابية، إذ ليس جميع أبناء هذه الفئة من العراقيين يؤيدون مثل تلك الأعمال الإجرامية، بل على العكس تماما من ذلك، فالغالبية العظمى من السنة العرب لم تشترك فيها وترفضها رفضا مبدئيا.
إن معظم القتلة من فلول النظام الذين يحملون السلاح، هم جميعا متكدسون في هذه المنطقة، إما من أبناء المنطقة نفسها أو انتقلوا إليها من مناطق عراقية أخرى، كملاذ آمن لهم، وكذا للممارسة أعمالهم الإجرامية، وهؤلاء لا يتورعون عن قتل أي إنسان يقف بوجوههم من الناس المسالمين العاديين والرافضين لمثل تلك الأعمال لوقفها، أو حتى الاحتجاج عليها، خصوصا لو كان المعارض لها من أبنا المنطقة.
الإرث البعثي الذي نعرفه، كان من حيث الأساس معتمدا على أسلوب معرف جدا، وهو تصفية المعارضين تصفية جسدية، أما ذووا المعارضين فهم رهائن لدى البعث حتى يسلم المعارض نفسه، وغالبا ما كان الأهالي يكونون الضحية إن فشل البعث للوصول إلى المعارض ذات نفسه.
هكذا جاء مفهوم المثلث السني وليس فلول النظام المحصورين في منطقة جغرافية محددة، وذلك لاختلاط الحزبية وربطها بطائفة واحدة، حيث مارس الحزب من خلالها أبشع أنواع الحكم وأكثرها دموية عبر التاريخ، واليوم يستعمل نفس أساليب التحكم بالسكان التي عرفناها ولم ينساها العراقيون حتى آخر الزمان، ولكن هذه المرة لسكان هذا المثلث بالتحديد.
بقدر ما كان نظام البعث مجحفا بحق الشعب العراقي، فإنه بذات الوقت، مجحفا بحق العراقيين من السنة العرب من غير البعثيين، وهم الأكثرية من هذا الطيف العراقي، والذين يعانون الآن نوعين من الإجحاف، الأول ربطهم بابشع دكتاتورية في التاريخ، وهذا ظلم ولم يكن بمشيئة منهم، أما الثاني هو ربطهم بالأعمال الإجرامية لفلول النظام المقبور التي هم ضحيتها قبل الآخرين.
مضمون الرسائل:
كنا قد رصدنا تسميم مياه الشرب لثلاثة أحياء في الموصل، وبعد الاستفسار عن السبب وراء هذه العملية البشعة تبين إن هذه الأحياء لم تتعاون مع فلول البعثية. ورصدنا أيضا ما جرى في سمراء حين حاولت هذه الفلول الاستيلاء على النقود الجديدة المنقولة للبنوك في المدينة، تبين إن الأوغاد قد اتخذوا السكان العزل دروعا بشرية لهم أثناء تنفيذهم لهذه العملية البشعة، والتي راح ضحيتها الكثير من الأبرياء والممتلكات. بعدها بيوم واحد جاءت عمليات تنظيف منطقة الحويجة من فلول البعث ومخابئ السلاح، فأباح بعض السكان ببعض المعلومات بعد أن شعروا بشيء من الاطمئنان إثر هذه العملية، صاحب المتجر الذي مازال يعلق على واجهة متجره صور صدام وشعارات البعث ونظامه المنهار، اجاب إن تعليقها لم يكن بمشيئة منه ولكن تلك العناصر من البعثيين هي التي علقت المنشورات، ولم يكن بمقدوره نزعها، لأن العقاب سيكون عسيرا. والتمثال الذي يتوسط الميدان الرئيسي في المدينة، تم طلائه باللون الأسود، فقد أزيل عنه الطلاء، وتم تهديد الجميع كي لا يعيدوا طلائه من جديد. الأكثر من ذلك، هو الشيخ الذي أرشد عن مخابئ السلاح التي تحت أحد البيوت.
وهكذا تحدث الناس بعد كسر حاجز الخوف من تهديد عناصر البعث لهم وشعور الناس بشيء من الاطمئنان.
مضمون الرسائل التي وصلتني عبر الإنترنت من الإخوة أبناء المثلث، كانت تثني على المقال وتطلب أيضا من الجميع المشاركة بهذا الجهد من أجل إعلان الحقيقة.
إحدى الرسائل وقد جاءت من أحد أبناء سامراء يؤكد لي فيها إن الذين يشاركون بهذه الأعمال هم من أبناء الشوارع المنبوذين، أي سقط المتاع من أبناء مدينة سامراء، هم من يقومون بتلك الأعمال بتمويل وعطاء مجزي، قد يصل إلى حصول بعضهم على سيارات من تلك التي وردت توا من الأردن أو دولة الإمارات، هذا لو كانت العملية موجعة للأمريكان أو الشرطة العراقية.
رسالة أخرى كانت تحمل حقدا على البعث أكثر منه معلومات تفيد القارئ، وإن كانت تؤكد بشكل لا يقبل الشك، إن أبناء هذه المنطقة من العراق قد ضاقوا ذرعا بهؤلاء الأوغاد وما عادوا يتحملون المزيد من القتل والتخريب وهتك الأعراض والابتزاز من قبل أرذل البشر وسقط المتاع من الناس أشباه البشر، الذين يأنف العراقي حتى من التحادث معهم.
تقول لي إحدى الرسائل جاءت من أحدهم، يبدوا، والله أعلم، من أحد أبناء منطقة الرمادي، إذ إنه لم يبين بالضبط من أي منطقة هو، ولم يصرح حتى باسمه، يقول إن انتهاك حرمة المنازل ما كان ليحدث في مناطقنا لو لم يكن هؤلاء الأوغاد يقاتلون الأمريكان فيها، ويتساءل، هل حدث ذلك في الديوانية، مثلا، أو النجف؟ وهل انتهكت حرمات البيوت هناك؟ بالتأكيد لم يحدث ذلك، لأن لا يوجد من يقاتلهم هناك؟ ولم يقاتلوا، مادام القتال دفاعا عن البعث وليس دفاعا عن الوطن؟ وهذا هو السبب وراء الاتفاق الذي توصل له شيوخ العشائر، والذي يقضي بمنع تلك الفلول من العمل في محافظة الأنبار والامتناع عن توفير ملاذ آمن لهم، ومسك زمام الأمن في المنطقة بالكامل من قبل العشائر، صحيح إنهم لم ينجحوا لحد الآن بالمهمة التي أوكلوها لأنفسهم، ولكن لم يعد هناك مداهمات للبيوت من أجل البحث عن تلك العناصر التي غادرت المنطقة إلى مناطق مجاورة. لكنهم يقومون الآن بعمليات انتقامية ضد شيوخ العشائر والشرطة العراقية والسلطة المحلية في تلك المدن.
رسائل أخرى تتحدث عن بعض أساليب الترهيب للسكن أن هم قدموا أية وشاية عنهم أو امتنعوا عن استضافتهم أو إيوائهم بعد تنفيذ العمليات أو حتى مجرد الاختباء لفترة قصيرة. رسالة أخرى قد أوضحت لي إن من يرفض أن يستضيف احد المرتزقة العرب الذين يقومون بالتفجيرات الانتحارية، فإنه ولا شك كمن يحكم على نفسه وأهله بالموت المحقق.
هي ذاتها تلك الأساليب التي عرفها كل العراقيين وعانوا منها ما عانوا، ومن لم يأخذ منها نصيبا؟ فقد امتلأت الأرض بجثث الضحايا بعد دفنهم أحياء أو أموات.
رسالة أخرى من سمراء، يؤكد مرسلها إن أهالي المدينة، وحتى من البعثيين الذين كانوا مع النظام، لم يقاتلوا من أجل البعث، ومن نراهم اليوم يقومون بتلك الأعمال هم، في الغالب من خارج المنطقة أو ممن سكنوا حديثا فيها، وقليل جدا من أبناء العائلات السامرائية المعروفة يحملون السلاح.
لا أدري مدى دقة هذه المعلومات، ولكن من الواضح جدا، هي تتفق مع المنطق العلمي لاستقراء الأحداث، ولو كان العكس لكان هناك خللا في المنطق عموما.
الصحفيون متعاملون مع البعث:
ربما يتساءل المرء، لماذا لا يستطيع الصحفيون أن يأخذوا الحقيقة من أفواه الناس، وهناك العشرات من المراسلين الصحفيين يجوبون المنطقة كل يوم، ويسألون كل من تقع عليه عيونهم؟ فإن المرء يستطيع أن يعطي أسم مستعارا لنفسه ويقدم المعلومات لمطلوبة التي يمكن أن توصل لتلك العصابات المذعورة، ولكن الناس هناك يعرفون إن معظم الصحفيين من مراسلي الفضائيات والصحف العربية وحتى بعض الأجنبية منها، هم من الذين ينسقون، بل وضالعون بمعظم تلك العمليات الإجرامية، لذا فإن الجميع يخشى التحدث صراحة مع أي مراسل صحفي مهما كان بلده أو الصحيفة التي يعمل معها، تقول إحدى الرسائل إن هذه التجارة باتت رائجة هذه الأيام، وربما يجنون منها الكثير.
من يستطيع أن يأخذ الحقيقة من أفواه الناس هناك؟ ويكسر حاجز الخوف؟
وكيف يمكن الوصول إلى أساليب جديدة لاختراق الجدران العازلة التي فرضها البعثيون على أبنا أهالينا في تلك المنطقة؟