أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - رنا جعفر ياسين - الاعظمية و صباح فواح برائحة القيمة و الهريسة














المزيد.....

الاعظمية و صباح فواح برائحة القيمة و الهريسة


رنا جعفر ياسين

الحوار المتمدن-العدد: 2168 - 2008 / 1 / 22 - 12:16
المحور: سيرة ذاتية
    


لم أعرف غيرها أبوماً مطرزاً بالصور و الذكريات , صباحها المفعم بالحب يضاهي مساءها المغسول بعبير دجلة , الناس فيها بألوان و أعراق شتى , يتعاونون , و يتشاركون الافراح و الاحزان , يغمرونها بالطيب فتغمرهم هي بالاحتواء , عودتنا الكرم و علمتنا حب الناس , تفرش قلبها فرحا بالضيوف و الزائرين ... هكذا كانت الاعظمية و لصيقتها راغبة خاتون .
تضج بالاحتفالات بحنو آخاذ يحتضن الوافدين , كما و تحزن مع كل مناسبة يغلف فيها الحزن قلوب البشر , من مولد النبي المحتفل به في جامع ابي حنيفة النعمان و المناطق المجاورة له حتى جسر الائمة , وصور النساء المفترشات الارض في حلقات تحيط بالدولمة و البرياني و مايجود به ( نفس أم البيت ) من المأكولات العراقية , يطعمن اطفالهن ورجالهن و يتبادلن الاطعمة مع الغير في طقس لا يخلومن اشعال الشموع لتتعالى النذور و الادعية و البركات , الى مشهد اخر يتسابق فيه رجال و نساء و أطفال مشيا للوصول الى مقام الامام الكاظم (عليه السلام ) في ذكرى وفاته , أفرادا و جماعات يملأون الشوارع و الطرقات التي لا تخلو من الخيرين و هم يزروعونها بالمأكل و المشرب لخدمة هؤلاء الزوار دون جوع أو عطش خلال يوم أو يومين يقضونها مشيا بغية الوصول الى المقام الشريف .
صورتان كبرتا معي بعد عامي الخامس حين أخذتني والدتي للمرة الأولى مع خالاتي و جارتنا و بناتها الى مولد النبي .. و كانت المرة الأولى التي ارى فيها حشدا كبيرا من البشر يفوقونني طولا و حجما , يمشون , يفترشون الارصفة و يتناعمون في تبادل الاطعمة و المشروبات , اطفالهم يلعبون و يركضون , كنت في سري اود اللعب معهم , لكن امي كانت تخاف علي كثيرا لذا لم ابتعد عنها و اقنعتني بطبق دولمة احبه كانت جارتنا قد اعدته وفاءاً لنذرها بطلب الولد , ثم و للمرة الاولى أشعل شمعة كما فعلن بنات جارتنا الاكبر مني سنا .. و قلن لي ( اطلبي مراد ) .. كنت صغيرة , ولم افهم , ضحكن و قلن ( تمني ) , كانت امنيتي بسيطة .. دراجة بلا عجلتين جانبيتين .
و في نفس العام ايضا أتذكر المسيرة الطويلة ذات صباح منعش و الناس الذين يملؤون الشوارع حينما كانت والدتي تأخذني للروضة في راغبة خاتون لأعرف منها ان هؤلاء الرجال و النساء الغارقات في السواد مع اطفالهن يقطعون شارع روضتي للوصول الى منطقة الكاظمية لاحياء ذكرى وفاة الامام الكاظم ( عليه السلام ) في تقليد سنوي تتوزع فيه عربات الطعام و الشراب المجاني على طول تلك الطرقات و من ضمنها شارع بيتنا و شارع روضتي الحبيبة
كبرت معي هاتان الصورتان .. تتكرران سنويا و نكبر معها , فأفهمهما تدريجيا ً... و الاعظمية تتسعُ للجميع .
كانت أمي تقول اني طفلة مزعجة في الطعام , لا أحب اي شئ , و لا أكل اي شئ , و لكني أتذكر مواسم تأتينا فيها ( القيمة و التمن ) أو ( الهريسة ) و مواسم أخرى تغرد فيها ( الزردة ) , لم أكن أحبهم , لذا لم أكن أميز تلك المواسم , و لم أكن أميز من يطبخ ( القيمة و التمن ) و ( الهريسة ) و من يطبخ ( الزردة ) , و لكن عندما كبرت بدأت شهيتي تتهذب نوعا ما , فبدأت أحب ( القيمة و التمن ) و ( الزردة ) .. و لم أحب حتى اليوم طعم ( الهريسة ) , و لكنني عرفت مواسم طبخهم , و عرفت أيضا من يطبخهم , و كانت الاعظمية معطاءة خلال المناسبتين , فتارة يطرق الباب جارك حاملاً قدراً ( للقيمة ) و قدراً ( للتمن ) أو صحناً مترفاً بالـ ( هريسة ) , و تارة أخرى و في وقت أخر يطرق بابك الجار الاخر حاملاً صحن ( الزردة ) و هي تلمع يطرزها الدارسين ببراعة , و شوارع طفولتي و صباي و شبابي لا تعرف الفرق بين ثوابين مختلفين , البيوت جميعها تتنتظر ( الزردة ) و جميعها تنتظر ( القيمة و التمن ) و( الهريسة ) , يطلبون مرادهم دائما و يتضرعون لله , و يشارك الجميع في تقليب القدور و تقديم النذور .. و الاصوات تتعالى ( ان شاء الله مرادك حاصل ) .
سنواتنا تنقضي الان , و كل منطقة خصصها مجهولون لطعام واحد , و أنا أشتاق ( لزردة ) جارتنا الخالة فوزية , و أشتاق لل ( القيمة و التمن ) التي كانت تحضرها لنا جارتنا الاخرى الخالة أم محمد , و خالتي معي ربما تشتاق ل( هريسة ) بيت أبو سرمد , جارنا الاخر .
و اعرف جيدا ً أن الاعظمية و راغبة خاتون تشتاقان لكل هذا , و الأهم منه , تشتاقان لنا بألواننا و أعراقنا المختلفة .



#رنا_جعفر_ياسين (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فوبيا بغداد .. الموت على مشارف الحلم / الولادة خارج اطار الذ ...
- خاطفٌ أطلقني في وجه الرحيل
- جدارية
- جريمة ُشرف
- أطوار بهجت ... عزاء أبيض
- نصب الحرية
- رثاء الزهور
- رأسُ السنةِ الحربية
- هذيان يشبه الموت
- خديعة
- صناعات
- لعشق سيولد في بلاد الموت
- بعيداً عن طفولتهم .. قريباً من مسارات الغضب
- البطالة .. طريق معبد للارهاب
- الشرعية في التمثيل السياسي
- مُختنقينَ من تبديل ِ الوجوه
- رسالة الى طارق حربي
- حوارُ أم
- كتبتها سراً .. أبعثها علناً
- همسُ الليلك ِ


المزيد.....




- نتنياهو يتهم زعماء بريطانيا وفرنسا وكندا بـ-تقديم جائزة ضخمة ...
- -هو أنا لسه عايش؟-.. كاتب صحفي مصري يروي تفاصيل إيقاف معاشه ...
- بوتين وترامب.. توافق لإنهاء حرب أوكرانيا
- نتنياهو: موقف لندن وأوتاوا وباريس بشأن غزة سيؤدي إلى هجمات إ ...
- ترامب: لن أفرض عقوبات على روسيا لأن هناك فرصة للتوصل إلى تسو ...
- مجلس الأمة الجزائري يزكي رئيسا جديدا
- عاجل | ترامب: الحرب في أوكرانيا ليست حربي وأنا فقط أحاول الم ...
- مقرر أممي: خطط إسرائيل لتوزيع الغذاء بغزة سياسية لا إنسانية ...
- محللون: احتلال غزة لن يكون سهلا وواشنطن محبطة وتريد وقف الحر ...
- ما دلالة تزايد أعمال المقاومة وفشل عملية الاحتلال؟ الدويري ي ...


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - رنا جعفر ياسين - الاعظمية و صباح فواح برائحة القيمة و الهريسة