أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سهيل أحمد بهجت - نقد العقل المسلم ح 30















المزيد.....

نقد العقل المسلم ح 30


سهيل أحمد بهجت
باحث مختص بتاريخ الأديان و خصوصا المسيحية الأولى و الإسلام إلى جانب اختصاصات أخر

(Sohel Bahjat)


الحوار المتمدن-العدد: 2165 - 2008 / 1 / 19 - 11:14
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ففي ظل رفض "الفكر الإسلامي" في أغلبه لمفاهيم الحرية الحديثة و حظ المسلمين على قتل "المرتد" أو الذي ينكر ثابتا دينيا و منع المسلمة من الزواج بغير المسلم و ثقافة العنف ، كل هذه الأمور تجعل الدين يقف موقفا سلبيا من مفاهيم الحريّة الإنسانية و من كرامة الفرد الّتي لا تعني في الجماعة إلا تشابه الصورة بينما هي متجسّدة في الفرد و لا حقيقة لها بدون الفرد ، و ما دام الفرد لا يمتلكها فالجماعة لا تملك أي كرامة إذ لا قيمة لمكونها ألا و هو الفرد.
فلننظر إلى بعض آراء الشهيد الصدر:
" والهدف الحقيقي للفرد ـ يتحدث هنا عن النظام الرأسمالي الديمقراطي ـ في عمله ونشاطه, هي خير ضمان للمصلحة الاجتماعية العامة
وإن التنافس الذي يقوم في السوق الحرة, نتيجة لتساوي
المنتجين والمتجرين في حقهم من الحرية الاقتصادية, يكفي وحده لتحقيق روح
العدل والإنصاف, في شتى الاتفاقات والمعاملات. فالقوانين الطبيعية للاقتصاد
تتدخل ـ مثلاً ـ في حفظ المستوى الطبيعي للثمن, بصورة تكاد أن تكون آلية,
وذلك أن الثمن إذا ارتفع عن حدوده الطبيعية العادلة, انخفض الطلب
بحكم القانون الطبيعي الذي يحكم بأن ارتفاع الثمن يؤثر في انخفاض
الطلب, وانخفاض الطب بدوره يقوم بتخفيض الثمن, تحقيقاً لقانون طبيعي
آخر, ولا يتركه حتى ينخفض به إلى مستواه السابق ويزول الشذوذ بذلك.
والمصلحة الشخصية تفرض على الفرد دائماً التفكير في كيفية ازادة الإنتاج وتحسينه,
مع تقليل مصاريفه ونفقاته. وذلك يحقق مصلحة المجتمع, في نفس
الوقت الذي يعتبر مسالة خاصة بالفرد أيضاً.
والتنافس يقتضي ـ بصورة طبيعية ـ تحديد أثمان البضائع وأجور العمال والمستخدمين
بشكل عادل, لا ظلم فيه ولا إجحاف. لأن كل بائع أو منتج
يخشى من رفع أثمان بضائعه, أو تخفيض أجور عماله, بسبب منافسة
الآخرين له من البائعين والمنتجين" فلسفتنا .
من الملاحظ أنّ النظام الديمقراطي الرأسمالي الّذي يورد السيد الصدر نظرياته بصيغة التّشكيك ، كما فعل مع النظرية الماركسيّة و إن كان نقده للماركسيّة أقوى و أكثر صرامة ، قد نجحت هذه الديمقراطيّات فعلا و على أرض الواقع في خلق مجتمعات تتسم بالحرية و رخص الأسعار و خفض مستويات الفقر و الحالة هذه فإن النظرية الرأسمالية الديمقراطيّة لن تعاني من أي نكسة "دوغماتية" عقائدية كونها لا تحاول تفسير كل شيء ، كما فعلت النظريّة الشّيوعيّة أو الإسلاميّة ، فالديمقراطية و لأنها نسبيّة تضع أمامها احتمالات الخطأ و الشطط لأنها أصلا قائمة على عقليّة نقديّة لا تستبعد أي احتمال أو نظريّة من البحث و التحقيق و هي ليست نظريّة قائمة على "مقدّس" تتقوم بنجاحه أو فشله فالنظرية الإسلاميّة و الماركسيّة كلاهما تحويان "مقدسات" إذا ما شكّ فيها العقل البشري تهاوت النظرية من الأساس ، بينما الديمقراطية لديها مقدسات بسيطة تتلائم حتّى مع جوهر الأديان كقدسيّة الإنسان "و نصوص تكريم بني آدم لا حصر لها في الكتب المقدّسة" و قدسيّة الحريّة و حق التعبير عن الرأي بدون خوف.
" ... والحرية الفكرية تعني أن يعيش الناس أحراراً في عقائدهم وأفكارهم.
يفكرون حسب ما يتراءى لهم ويحلو لعقولهم, ويعتقدون ما يصل إليه
اجتهادهم أو ما توحيه إليهم مشتهياتهم وأهواؤهم بدون عائق من السلطة.
والإعلان عن أفكاره ومعتقداته, والدفاع عن وجهات نظره واجتهاده.
والحرية الشخصية تعبر عن تحرر الإنسان في سلوكه الخاص من مختلف
ألوان الضغط والتحديد. فهو يملك إرادته وتطويرها وفقاً لرغباته الخاصة, مهما
نجم عن استعماله لسيطرته هذه على سلوكه الخاص من مضاعفات ونتائج,
ما لم تصطدم بسيطرة الآخرين على سلوكهم. فالحد النهائي الذي تقف عنده
الحرية الشخصية لكل فرد: حرية الآخرين. فما لم يمسها الفرد بسوء فلا جناح
عليه أن يكيف حياته باللون الذي يحلو له ويتبع مختلف العادات والتقاليد
والشعائر والطقوس التي يستذوقها, لأن ذلك مسالة خاصة تتصل بكيانه
وحاضره ومستقبله, وما دام يملك هذا الكيان فهو قادر على التصرف فيه كما
يشاء." فلسفتنا
سبق لنا و أن ناقشنا موضوع الفرد في الإسلام و مقارنته بالفرد في النظام الرأسمالي الديمقراطي ، لكن الإشكال الّذي يطرحه الصدر اتجاه "حرية الفرد" في النظام الغربي ليس إشكالا قويا أصيلا ، بقدر ما يمثل في جوهره اختلافا في نظرة الدين إلى الفرد ، فالحريّة الفرديّة الغربيّة هي أيضا نتاج ديني ، بمعنى أن المسيحيّة استوعبت هذه المساحة الهائلة من الحريّة الفرديّة كونها لا تمتلك شريعة مفصّلة بينما الإسلام يُمثّل في شريعته المفصّلة و الّتي أُضيف إليها تراكم تراثي هائل ، لا يسمح بوجود حريّة كبيرة للفرد ، من هنا فإنّ هذه النمطيّة الغربيّة ليست ضدّ الدين بقدر ما هي تجسيد لمساحات فراغ كبيرة تركتها المسيحيّة للعقل لكي يملأه ، يضيف السيد الصدر:
" .. وليست الحرية الدينية ـ في رأي الرأسمالية التي تنادي بها ـ إلا تعبيراً عن الحرية
الفكرية في جانبها العقائدي, وعن الحرية الشخصية في الجانب
العملي, الذي يتصل بالشعائر والسلوك.
ويتلخص من هذا العرض أن الخط الفكري العريض لهذا النظام ـ كما
المحنا إليه ـ هو: أن مصالح المجتمع بمصالح الأفراد. فالفرد هو القاعدة التي
يجب أن يرتكز عليها النظام الاجتماعي, والدولة الصالحة هي الجهاز الذي
يسخر لخدمة الفرد وحسابه, والإدارة القوية لحفظ مصالحه وحمايتها.
هذه هي الديمقراطية الرأسمالية في ركائزها الأساسية, التي قامت من
اجلها جملة من الثورات, وجاهد في سبيلها كثير من الشعوب والأمم. في ظل
قادة كانوا حين يعبرون عن هذا النظام الجديد ويعدونهم بمحاسنه, يصفون
الجنة في نعيمها وسعادتها, وما تحفل به من انطلاق وهناء وكرامة وثراء. وقد أجريت
عليها بعد ذلك عدة من التعديلات, غير أنها لم تمس جوهرها
بالصميم, بل بقيت محتفظة بأهم ركائزها وأسسها". فلسفتنا.
حتى آخر كلمة بقي نقد السّيّد الصدر للحرية الفرديّة الغربيّة نقدا "نظريا" لا ينطبق على التطبيق الواقعي الموجود على الأرض ، و كان من الأفضل ـ و ليته فعل ـ لو أنه قام ببحث فلسفي نقدي عن "الفرد و الحرية في الإسلام" حيث أنّ إشكاليّة الفرد مقابل الدولة هي أحد ركائز الفوضى العقلية و السياسية الّتي يعيشها العالم المسلم الآن ، فمقابل الدولة يضع الفرد المسلم نفسه كبديل لها ، و المفارقة هي أن هذا يحدث في الوقت عينه حين تقوم الدولة بإلغاء الفرد كوجود فعّال و مهم ، و الخطير في الموضوع هو أنّ الفرد "المسلم" ينظر دوما إلى الدولة على أنها "شرّ" و "عدو" يجب الحذر منه ، و هذا يرجع إلى طبيعة تكوين الفرد "المسلم" في الشرق الأوسط تحديدا بسبب البيئة و الثقافة البدوية ، و هي نقيض الدولة و تنتمي إلى عقلية "ما قبل الدّولة" ، خصوصا و أن هذه الدّولة الّتي تشكلت فيما بعد عهد الاستعمار أو هيمنة الغرب رفعت شعار "الدّولة العلمانيّة" و في الوقت نفسه أبقت الأفراد يعانون من الكثير من القيود الأخلاقية و السّياسيّة ، ممّا تسبّب في خلق قطيعة بين هذا الفرد الّذي أخذ يعاني اغترابا في وطنه و انفصاما نكدا بينه و بين الدولة التي تحكمه.
إشكالية الفرد و المجتمع و الدولة في شرقنا "المسلم" تكمن في أنّه قد تمّ تكييف كُلّ شيء ليتلائم مع عقليتنا "البدوية" ، "العشائرية و القبلية" ، و مراجعة بسيطة لأبحاث الدكتور المرحوم "علي الوردي" و أبحاث "محمد عابد الجابري" في نقده "العقل العربي" تظهر ذلك بوضوح ، مع ملاحظة أن المسألة تتعدى العرب لتشمل "الأكراد" و "التركمان" و "الفرس" و غيرهم ، بل إن الدّين نفسه تكيّف أو كُيِّفَ ليصبح ملائما لثقافة "التّنازع" الّتي تجسّد قمة البداوة القائمة على صراع البقاء ، و من الطبيعي في بيئة كهذه أن تسود الأنظمة القوميّة العنصرية الّتي لا تفكِّر إلا بمنطق الصراع و إبادة الآخر ، من هنا كان من المهم أن نحلّ هذه الإشكالية الخطيرة و الّتي تمثّل المعضلة الأساسية لتخلفنا.
إن ثنائية "الدّين" و "القومية" تمثل السّرطانين الّذين ينهشان عقل الشرقي "المسلم" ، فالدّين بدلا من أن يُنبّه الفرد إلى أن يكون حذرا في أن لا يقبل بهيمنة أحد على حريّته الفكريّة و الاقتصادية و حتى الاجتماعية ، حال إلى سبب آخر من الأسباب الكثيرة الّتي ألغت طابع "الفردانيّة" في المسلم ، و بالتّالي أصبح لازما على الفرد "المسلم" أن يُلغي ذاته في سبيل الآخرين ، و حينما يُلغي كلّ فرد نفسه تكون النتيجة أنّنا نلغي المجتمع الّذي يقوم أساسا على الأفراد ، كما أنّ النزعة القومية "و هو الأمر الّذي لا يتوقف على العرب وحدهم" تلغي كل القضايا الفردية و الاجتماعية في سبيل القضايا الّتي تهمّ الحاكم "الطاغية" و حثالته ، فالنزعة القومية هي نزعة "حيوانية" قديمة تعود إلى أيام كان الإنسان يتصارع مع الطبيعة و الأناس الآخرين من أجل البقاء ، بمعنى آخر أنها تمثّل إحدى طرق التفكير الّتي تعود إلى عصر "ما قبل الدّولة"! و لكنها خلقت من نفسها مظهرا حداثيّا ، كما في التجربتين النازيّة في ألمانيا و البعثيّة في العراق ، فمن خلال منطق تفكيكي بسيط نستطيع أن نستنتج أنّ "القومية" هي نزعة تقف بالضّد من مفهوم "المواطنة" في الدّولة الحديثة.
إنّ منطق الإسلاميين في نقدهم للمفهوم الغربي لحقوق الفرد يضعهم في مأزق حقيقي ، فمن جهة حين يرفض المفكّرون الإسلاميون ـ و التقاطع هنا يقع بشكل مباشر على الإسلاميين الّذين لا يفصلون بين الدّين و السّياسة و السّيّد الصدر واحد منهم ـ المفهوم الغربي للحريّة ، يقعون في مواجهة حقيقيّة أخرى مع المفهوم الماركسي الشّيوعي للفرد و المجتمع و الّذي يُلغي بدوره الفرد كلّيّا ، بل إنّ الفرد في الماركسيّة هو "عدو" الطبقة العمّاليّة و الفردانيّة هي نزعة تخدم أعداء الطبقة الكادحة ، و هذا الأمر اضطر الإسلاميين ، كما فعل الصدر ، إلى أن ينتقدوا موقف الماركسية من الفرد ، يقول السّيّد الصّدر:
" وأما من الناحية السياسية, فالشيوعية تستهدف في نهاية شوطها الطويل
إلى محو الدولة من المجتمع, حين تتحقق المعجزة وتعم العقلية الجماعية كل
البشر, فلا يفكر الجميع إلا في المصلحة المادية للمجموع وأما قبل ذلك, ما
دامت المعجزة غير محققة, وما دام البشر غير موحدين في طبقة, والمجتمع
ينقسم إلى قوى رأسمالية وعمالية... فاللازم أن يكون الحكم عماليا
خالصا, فهو حكم ديمقراطي في حدود دائرة العمال, وديكتاتوري بالنسبة إلى العموم. وقد
عللوا ذلك بأن الديكتاتورية العمالية في الحكم ضرورية في كل المراحل, التي تطويها
الانسانية بالعقلية الفردية, وذلك حماية لمصالح الطبقة
العاملة, وخنقا لأنفاس الرأسمالية, ومنعا لها عن البروز إلى الميدان من
جديد" فلسفتنا.
فهذه "العقلية الجماعية" الّتي طرحها الماركسيّون لا تختلف إلا قليلا و من النّاحية "الطّوباويّة" فقط عمّا يطرحه الإسلاميّون عن "الفرد المدجَّن" و الّذي لا يُفكر في ذاته ، و هذا الأمر واضح مما طرحه السّيّد الصدر في كتابه "اقتصادنا" ، حيث يقول:
" ومن مظاهر النقصان البارزة في الفرضية الماركسية، تناسي العوامل
الفيزيولوجية والسيكولوجية والفيزيائية، وإهمال دورها في التاريخ، مع
أنها قد تكون في بعض الأحايين ذات تأثير كبير في حياة المجتمع وكيانه
العام، لأنها هي التي تحدد للفرد اتجاهاته العلمية، وعواطفه وكفاءاته
الخاصة، تبعاً لما تتحفه به من تركيب عضوي خاص، وهذه الاتجاهات
والعواطف والكفاءات، التي تختلف في الأفراد وفقاً لتلك العوامل، وتساهم
في صنع التاريخ، وتقوم بأدوار إيجابية متفاوتة في حياة المجتمع" ـ اقتصادنا.
فإذا كانت "الماركسيّة" قد ترنّحت كفلسفة شموليّة بفعل هذا الخلل الفلسفي و لكننا أيضا سنُعقّب على أُطروحات السّيّد الصّدر لاحقا فيما يتعلق بأمثِلته على ما أسماه "دور الفرد" في نقده الممتاز للشيوعية ، فحينما نعترف كمفكّرين بدور الفرد في المجتمع لا يعود لنا حينها و بعد أن نسفنا النظرية الماركسيّة أن نضع خطوطا حمراء أمام حريّة الفرد دون أن تكون هذه الخطوط قائمة على أُسس منطقية تمثل ضرورات عقليّة ، و حينما نسمح بوضع قيود مجددا على الحريّة الفرديّة ، نكون قد فتحنا الباب لنظريّة شموليّة أُخرى لتحِل محل الماركسيّة و القوميّة ، من هنا نتفق مع الغرب في أن مساويء الحريات الفردية هي أقلّ بكثير من مساويء خنق الحريّات و تقييدها بقيود دينية أو قومية أو نظريّة أُخرى.
ثم يُضيف السيد الصدر:
" فكلنا نعلم بالدور التاريخي، الذي لعبته مواهب نابليون العسكرية،
وشجاعته الفريدة، في حياة أوروبا.
وكلنا نعلم بميوعة لويس الخامس عشر، وآثارها التاريخية خلال حرب
السنوات السبع، التي خاضتها فرنسا إلى جانب النمسا. فقد استطاعت امرأة
واحدة، كمدام(بومبادور)، أن تملك إرادة الملك، وبالتالي أن تدفع
فرنسا للاشتراك مع النمسا في حربها، وتحمّل العواقب الوخيمة التي أسفرت
عنها.
وكلنا نعلم بالدور التاريخي، الذي نجم عن حادثة غرام خاصة، في
حياة ملك انجليزي كهنري، إذ أدت تلك الحادثة إلى انفصال العائلة المالكة،
وبالتالي انكلترا كلها، عن المذهب الكاثوليكي.
وكلنا نعلم ما فعلته عاطفة الأبوة، التي دفعت بمعاوية بن أبي سفيان،
إلى اتخاذ كل الأساليب الممكنة، لأخذ البيعة لإبنه يزيد، الأمر الذي عبّر
في وقته عن تحوّل حاسم، في المجرى السياسي العام.
فهل كان التاريخ سيتم بنفس الصورة التي وجدت فعلاً، لو لم يكن
نابليون رجلاً عسكرياً حديدياً، ولم يكن لويس ذائباً مستسلماً لمحظياته،
ولم يعشق هنري(آن بولين)، ولم تسيطر عاطفة خاصة على معاوية بن أبي
سفيان." اقتصادنا.
الأمثلة الّتي طرحها السّيّد الصّدر هنا صحيحة و تتفق مع ما ذهب إليه من أهمّيّة "الفرد" في حركة التاريخ ، لكنها كلّها ذات سمة واحدة و هي أنّ كل هؤلاء الّذين استشهد بهم هم "حُكّام" و ليسوا ممن تنطبق عليهم صفتهم "الشعبيّة" خصوصا و أن أفراد المجتمع هم أهم من أفراد الطبقات الحاكمة أو الحزبيّة ، لقد كان الحاكم الفرد مهما و محوريا في الغرب إلى أن بزغت الديمقراطية و طرحت نفسها كبديل عن الطغيان و أصبح صوت المواطن "الفرد" مهما في نظام يقوم أساسا على أهمية الصوت الواحد في أي انتخاب.
لكن الفرد المستبد لا يزال مهيمنا في شرقنا المسلم ، و نتج عن الإسلام السياسي تجارب سيئة و فاشلة كالتجربة الإيرانية و طالبان أفغانستان و النظام الوراثي السعودي ، و لكن الأهم في أي بحث هو أن ننظر إلى قيمة الفرد في التجربة الإيرانية "الإسلامية"! دون تلك السّعودية ، لأن السعودية ليس لها أي نظريّة فلسفية للحكم اللهم إلا "حكم العائلة" و هيمنة العرف القبلي ، بينما النظام الإيراني يطرح نفسه على أنه مشروع "ديمقراطية إسلامية" قائمة على "فقه" ديني كعذر لخلق تجربة تمتلك لنفسها جذورا في هذا المجتمع الّذي يضطر دائما أن يكون متديّنا ، و لا أدري من أي نظرية يستمد الإسلاميون هذا الطرح بأن "الشرقي" متدين أصلا ، و ليت شِعري هل أن "الشرقي" يرِثُ التديُّن مع مورِّات الآباء و الأجداد! أم أنّه يرثها وراثة بيئية عبر التقاليد و العادات و التّلقين الإجباري.
من هنا فنحن لا نجد الشرقي مختلفا كثيرا عن أخيه الغربي أو الأمريكي الجنوبي أو إبن شرق آسيا ، و لو سنحت له الظروف المناسبة فإنه سينتج من الإبداع و النظم الديمقراطية و الاجتماعية ما لا يقل عن أي نظام متطور آخر ، بالتالي فإننا كباحثين لو قبلنا بنظرية الإسلاميين بـأن "الشّرقي المسلم" هو متديِّن اضطرارا و حتما فسنحصل مرة أُخرى على فلسفة "عنصرية" تقسِّم الشعوب إلى طبائع و أخلاق تستمدُّ نفسها من المورثات الجينية و روابط الدّم ، و هذا ما سيرفضه الإسلاميون قبل غيرهم لأن هناك نصوصا دينيّة صريحة ضد العنصرية و التفاضل على أساس الدّم و الّلون أو العرق ، كما أن هذا العذر نفسه سبب كاف في أن نقول أن الديمقراطية ستناسبنا أكثر من الغربيين لأن المتدين في شرقنا سيكون متدينا في ظل نظام ديمقراطي ، أم ربما تعني كلمة "متدين" معنى آخر! كأن نقول : أن الشّرقي "دكتاتور متدين"! فهذا أمر آخر.
من هنا فليس من الغريب أن نجد السّيّد الصّدر يدافع عن نظريته في حكم "الدّين" و البدء بتحقيق ذلك عبر نقد أنظمة الحكم الماركسيّة و الاشتراكية و الديمقراطيّة الرّأسماليّة ، و حسنا فعل بنقده الماركسيّة كونها فلسفة تقف بالضّد من الإنسانيّة و الحُريّة ، لكنه كان مجحفا في نقده التجربة الغربية "ذات الطابع المسيحي" عبر مفاهيم و مصطلحات "إسلامية" لا علاقة لها بالمفهوم المسيحي للعلاقة بين الفرد و المجتمع و الدولة ، فبينما تفصل كلمات المسيح بين السّلطة الدّينيّة و الدّنيوية بعبارات صريحة : ما لله لله و ما لقيصر لقيصر"! و هي عبارات طالما سخر منها الإسلاميون ، تقوم الفكرة الإسلامية على دمج الدّين و الحكومة أو الدّولة في نسيج واحد ، كتجربة الخلافة عند "الإسلاميين السُّنّة" و ولاية الفقيه عند "الإسلاميين الشّيعة" ، فهي دمج للدّين و الدولة ، و يبدو لي أن هذه المجتمعات المتخلفة لن تتخلى عن هاتين النظريتين إلا بعد أن تذوق منها الويلات.



#سهيل_أحمد_بهجت (هاشتاغ)       Sohel_Bahjat#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نقد العقل المسلم ح 29
- نقد العقل المسلم ح 28 الفرد و الدّولة
- نقد العقل المسلم ح 27
- نقد العقل المسلم ح 26
- نقد العقل المسلم ح 25
- نقد العقل المسلم ح 24
- نقد العقل المسلم ح 23
- نقد العقل المسلم ح 22
- نقد العقل المسلم الحلقة الحادية و العشرون
- نقد العقل المسلم الحلقة العشرون
- نقد العقل المسلم الحلقة التاسعة عشرة
- نقد العقل المسلم الحلقة الثامنة عشرة
- نقد العقل المسلم الحلقة السابعة عشرة
- نقد العقل المسلم الحلقة السادسة عشرة
- نقد العقل المسلم الحلقة الخامسة عشرة
- نقد العقل المسلم الحلقة الرابعة عشرة الإسلام و الإرهاب .. ...
- نقد العقل المسلم الحلقة الثالثة عشرة
- نقد العقل المسلم الحلقة الثانية عشرة
- نقد العقل المسلم الحلقة الحادية عشرة
- نقد العقل المسلم الحلقة العاشرة


المزيد.....




- مسؤول إسرائيلي لـCNN: إسرائيل لم تقبل مقترح مصر بشأن صفقة ال ...
- رغد صدام حسين تبدأ نشر مذكرات والدها الخاصة في -المعتقل الأم ...
- وزير الخارجية الأردني: لو كان إلغاء اتفاقية السلام مع إسرائي ...
- بلينكن يزور السعودية وحماس تبث فيديو لرهينتين
- بعد بن غفير.. تحطم سيارة وزير إسرائيلي في حادث سير بالقدس (ف ...
- روبرت كينيدي يدعو ترامب للمناظرة
- لماذا يخشى الغرب تمدد احتجاجات الجامعات الأمريكية لأوروبا؟
- كمبوديا تعلن مقتل 20 جنديا وجرح آخرين في انفجار بقاعدة عسكري ...
- إلقاء القبض على شخصين كانا يخططان لشن هجمات إرهابية في مدينة ...
- شرطي تركي يطلق النار على رئيس مركز الشرطة ورئيس مديرية الأمن ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سهيل أحمد بهجت - نقد العقل المسلم ح 30