سهيل أحمد بهجت
باحث مختص بتاريخ الأديان و خصوصا المسيحية الأولى و الإسلام إلى جانب اختصاصات أخر
(Sohel Bahjat)
الحوار المتمدن-العدد: 2131 - 2007 / 12 / 16 - 11:24
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
خط حزب الله و "عقدة الشعور بالنقص"
الحقيقة ، أن ظاهرة ما يسمى بـ"حــزب الله" أو "خطّ الإمام" ـ أي الخميني ـ يمثل الخط الأكثر "تطرفا" في الإسلام الشيعي ، و هذا الخط يرفض تقبل الرأي الآخر ـ حتى داخل المذهب الشيعي ـ و هم يرفضون الخط الشيعي في جانبه السياسي "الشبه علماني" ، الممتد من غيبة الإمام الثاني عشر "محمد بن الحسن" المهدي و الذي اختفى منذ القرن الثالث الهجري ، بمعنى أنهم نقلوا التشيع نحو خطوة متطرفة ، من اعتزال الفقيه للسياسة إلى حكم الفقيه و استبداده بكل شيء.
يرى الباحث "إيلي كارمن" في بحثه المعنون ‘
" FIGHT ON ALL FRONTS’:
Hizballah, the War on Terror,
and the War in Iraq
و المنشور عام 2003 م ، بأن حزب الله لم يختلف في طبيعته العدوانية منذ تأسيسه خلال الثمانينات "قام حزب الله بعدة عمليات إنتحارية ضد القوات الأمريكية و الفرنسية في لبنان 1983 و 1984 م " و هو الأمر الذي نتج عنه اعتباره "أحد أخطر التنظيمات الإرهابية" من قبل الولايات المتحدة و وكالة المخابرات المركزية الـسي أي أي.
إن التطرف خطأ ، سواء في الموقف الأول "اعتزال السياسة" أو نقيضه "التحكم في السياسة" ، إن خط حزب الله و الذي قام في إيران ، و اشتهر إعلاميا في لبنان ، هو حالة خاصة أستطيع بأنها أقرب إلى "ردّ الفعل" ، فعندما رأى رجال الحوزة انجرار مجموعة كبيرة من المعممين نحو تملق السلطات و الحكومة "السنة عموما معروفون بذلك بينما هذه الظاهرة أضيق بين الشيعة" كان ردّ الفعل هو "ولاية الفقيه" ، و عندما اتهم السنة الشيعة بأن الأخيرين هم "عملاء إسرائيل و الصهيونية" ، خصوصا و أن السنة اختلقوا شخصية "عبد الله بن سبأ" ـ و هي شخصية أُسطورية اختلقها سيف بن عمر التميمي و نسب إليها كل أحداث صدر الإسلام و أيضا تأسيس المذهب الشيعي : وعاظ السلاطين للدكتور علي الوردي و عبد الله بن سبأ و أساطير أخرى للمحقق مرتضى العسكري ـ و لأن الشيعة متهمون من قبل أعدائهم التاريخيين أيضا و منذ مئات السنين بأنهم استدعوا "المغول" لهدم حكم بني العباس ، كل هذا خلق "عقدة الشعور بالنقص" لدى عموم الشيعة ، و بالذات "حزب الله" الذي يظن أنه و بفعل تبنيه لبرنامج "المقاومة" و عداء اليهود و "الصهيونية"!! و مقاومة "الاستعمار الغربي" كما يصطلحون عليه ، سيطوي هذه الصفحة.
بل بلغت هذه "العقدة" حدا في أن تيار "حزب الله" تنازل عن كل برنامجه العقائدي و الذي كان قد تمخض عن صراع "إيران الإسلامية" مع "عراق البعث العربي و صدام" ، بحيث أصبح هذا الحزب أشبه بالخلطة العجيبة من "التشيع الإنساني" إلى "الماركسية الأممية" و "حزب البعث العربي" و "الوطنية" ، من هنا فإن هزيمة "الأيدولوجية القومية العربية" على يد اللبراليين الإنسانيين في الشرق الأوسط و بدعم من الغرب الديمقراطي ، سيكون الصفعة الأهم التي سيستفيق على أثرها من عقدة "النقص" التي يعيشها هذا الخط الثيوقراطي.
إن الأصولية الشيعية ، و رغم كل عيوبها ، إلا أنها أفضل من "الأصولية السنية" ، فالأصولية السنية "القاعدة و الإخوان المسلمون و الحركة الوهابية" مجمعون على "تكفير كل من يؤمن بالديمقراطية أو يمارسها" ، بينما الأصولية "الشيعية" تتعامل مع "قواعد الممارسة الديمقراطية" بشكل أكثر انفتاحا و هم ينتقدون جوانب معينة من الممارسات الاجتماعية في ظل الديمقراطية "كالزواج المثلي" مثلا.
من هنا فإن من الممكن ـ بمعنى أنه ليس مستحيلا ـ إيجاد حركة إصلاح في الوسط الشيعي ، تدفع باتجاه الممارسة الديمقراطية ، و حتى إيران الإسلامية تزعم أنها نظام "انتخابي" رغم تحفظنا على قواعد هذا الانتخاب ، بينما أنظمة كـ"المملكة السعودية" و "إمارة طالبان في أفغانستان سابقا" ترفض الانتخاب جملة و تفصيلا.
لكننا نعود إلى القول بأن "حزب الله" أو "خط الإمام" يبقى ـ ككل حركة أيدولوجية ـ منغلقا و عدائيا في الوقت نفسه ، و متابعة بسيطة لأطروحات الزعيم الروحي لحزب الله في لبنان "محمد حسين فضل الله" و التي يمكن الاطلاع عليها على موقعه الشخصي على الإنترنت "بينات دوت أورغ" ، ستجد المرشد يتحدث بمصطلحات متعددة "إسلامية", "عروبية", "ماركسية", مما يعني أنه ما من هدف واضح لهذا الحزب ، و غالبا ما يكون نقده للعلاقة مع "الغرب" نقدا انتقائيا و عاطفيا ، و ليس واقعيا سياسيا ، و كأن مكوّن العلاقة هو "نحن" فقط ، بينما الغرب و مصالحه و ثقافته هو مجرد "شبح".
فهو يقول عن هذه العلاقة:
اتخذت العلاقة بين الإسلام و الغرب أوجها متعددة ، و اتسمت غالب الأحيان بالحدة و التوتر ، و لا سيّما بعد انهيار الاتحاد السوفيتي ، ولكنها أصبحت أكثر تعقيدا في الأونة الأخيرة ، و تحديدا بعد أحداث 11 من أيلول ، حيث أفصح الغرب عن طبيعته العدوانية ، و اتهم الإسلام بأنه يختزن في صلب تشريعاته الإرهاب و العنف ، فأضحى الإرهاب سمة كل عربي و مسلم ..إلخ"
لاحظ معي كيف أن هذا الخط لم ينتقد "جريمة 11 سبتمبر" و لم ينتقد تنظيم "القاعدة" و عملياته الإرهابية ، بل النقد ، كل النقد ، يوجّه للغرب و فقط للغرب ، إن الحقيقة الواضحة هي أن التيارات الإسلامية "بما فيها حزب الله" ينطلق من نرجسية حادة تقوم على عبادة الذات و الأنا المنتشية.
و يحاول فضل الله أن يفصل بين "الإدارات الغربية" و "الشعوب الغربية" في إشارة أو تلميح ضد "الديمقراطية الغربية" ، و كأن أنظمة الشرق الإسلامي المعروفة بدكتاتوريتها هي أنظمة شرعية و وطنية ، من الواضح أن هذه متاجرة سافرة بمذهب التشيع و الإسلام و الدين عموما.
و المشكلة الكبرى التي يعانيها الشيعة الآن و بفعل هذا الخط المنغلق و المتطرف داخل "الحوزة" هو تحولهم نحو تبني "الأيدولوجية القومية العربية" و متابعة بسيطة للإعلام الإيراني و تلفزيون "المنار" التابع لحزب الله ، تدرك مدى تغلغل الحس القومي "العروبي" و الفاشية العربية داخل منظومات التطرف الشيعي ، و هي حقا مصيبة أن يتبنى خط "يزعم الدفاع عن مظلومية آل محمد و يزعم إعادة الحس الإنساني الأممي في الإسلام" منهجا قوميا عربيا حول الإسلام و الدين إلى سلاح بوجه الديمقراطية و أنصارها ، بل إن هيئة دينية كـ"المجلس الشيعي الأعلى في لبنان" يردد كلمات "العروبة" و "الإستعمار" و "الأمة العربية" أكثر من حزب البعث و التيارات القومية و الناصرية .
إذا فقد أصبح "الإسلام الشيعي" حاله حال "الإسلام السني" ، مريضا بألف عاهة و عاهة و وسيلة أخرى لنشر الكراهية و إلغاء الآخرين و ابتلاع حقوقهم ، إن هذا التطرف سيسيء إلى المذهب الشيعي أكثر مما تعرض له طوال 1400 عام ، من الحتمي إذا ، و تلك مصيبة إن لم تحصل ، أن يولد الإصلاح و التغير من رحم المذهب نفسه ، و هو أمر ينطوي على كثير من التعقيد ، و كل ما شهده التشيع من محاولات إصلاح لم يكن إلا حركات خجولة لا تضرب في العمق ، إذ أن حلقة المعصومين امتدت من الأئمة الاثني عشر لتشمل "المراجع" و من ثُم الوكلاء و حتى الأطفال أصبحوا "يُقتدى" بهم.
#سهيل_أحمد_بهجت (هاشتاغ)
Sohel_Bahjat#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟