|
حكم الشوكة والأمن القومي
سعيد مضيه
الحوار المتمدن-العدد: 2162 - 2008 / 1 / 16 - 11:06
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ملا يين المتفرجين لم يردعوه؛ فكيف بمتهم يوقعه الحظ العاثر بين يديه داخل أربعة جدران؟ أمام ملايين المشاهدين والشهود غلب الطبع التطبع؟ يكاد الضابط ينقض على رجل حقوق الإنسان، ومدير البرنامج لم يعترض ولم يحفظ للحوار حرمته. مدير البرنامج سمع ورأى ولم يشاهد. لم يطلب من المتجني التزام حدود أدب الحوار.ولو!على الأقل واجب تضامن المثقفين، أم تركه يمضي مع غريزته ليبرهن بتصرفه ما حاول دحضه بالقول ؟ ولكن هل من المعقول والواقعي أن الحاكم بأمره يعرف التحاور ويقر بتكافؤ موقفه امام محاور آخر؟ هل بمكنة الحاكم بأمره أن يتقن فن الإقناع؟ جميع الديكتاتوريين من الشرق والغرب اعتادوا فرض الآراء والمواقف على علاتها؛ ولم يعتادوا السهر على الرأي وإنضاجه كي يأتي مقنعا للمتلقين. في ظني نجح البرنامج في إثبات التهمةعلى رجل الأمن بالقرائن ، وامسك ملايين المشاهدين ضابط الأمن جاهلا بأصول الحوار وأدواته وآدابه، يفرض موقفه بالشوكة. الحقيقة اننا في العالم العربي لا نتقن الحوار؛ ببساطه لأننا لا نمارسه. بالعدوى انتقل القهر والخضوع علاقة اجتماعية بين مختلف المراتب الاجتماعية. فتياننا يشبون علىالزجر والردع،ويعتادون التطبيع والتكييف والتلقين، يمارسون إثبات الشخصية الطفولية من خلال التحايل والمراوغة وتحدي الأصول والقوانين؛ يعبرون فترة المراهقة، وهم يستخفون بالقيم والتقاليد ليصلوا مرحلة الإدراك وقد أيقنوا عبثية المعارضة والاختلاف. يضعون رؤوسهم بين الرؤوس... الحوار ثقافة الديمقراطية لا تدرس - للأسف الشديد- في المدارس أو الجامعات. ليس الحوار مبارزة ولا مصارعة ينتصر فيها الأقوى بالضربة القاضية أو بالنقاط. إنما الحوار يقتضي التعود على الاستخلاص والاستنتاج والإبداع؛ حيث المدرسة مستنبت للتفكير والمبادرة وتحمل المسئولية ، و الالتزام بمبادئ وقوانين والاستناد إلى الحقائق والمعطيات الواقعية. أدوات الحوار معلومات والتزام بالقواعد والأصول المتفق عليها وأفق ممتد يستوعب وتسامح حيال الرأي المخالف؛ ثم استهداف قضية مشتركة ينزع إليها المتحاورون بصدق وأمانة. وقبل هذا وذاك يقتضي الحوار التفكير الهادئ المتزن، لا التهويش والمبادرة بالتخوين والتكفير. التخوين والتكفير أداتان يلوذ بهما العاجز لفرض الرأي والموقف . نحن محرومون من ممارسة الحوار ، مع أن للحوار حيز في التاريخ العربي الإسلامي. أبداً ليس الإسلام عامل طارد للحوار من حياتنا. في التاريخ العربي –الإسلامي تزامن حضور أربعة أئمة كلٌّ ذهب مذهبا في الاجتهاد . تباين القوم واختلفوا في الجزئيات وفي القضايا الثانوية؛ كل استند إلى أسانيد من الكتاب والسنة؛ لكن الخلاف لم يسفّ لدرجة الاستعانة بالتكفير. لم يكن المشهد مجرد سجايا أقطاب الاجتهاد ؛ إنما هو عصر امتاز بالتفتح وسعة الأفق وانتعاش التفكير والتسامح وجسارة الاجتهاد. عصر شهد الإقدام على علوم الغير وأفكارهم وطرق إدارتهم وتنظيماتهم. رعى علم الكلام وفرخت فيه فسائل الفلسفة، توهج بازدهار العلوم والفلسفة وبات فيه العقل سيدا. لم يجد أبو حنيفة النعمان ما يخيفه إذ قال أن الافتراء على الرسول يقتضي أن نزن كل شيء بمعيار العقل. وغربت شمس العصر؛ انقض الطغيان بسيفه يمنع التناظر ويسفّه الفلسفة ويكفر العقل. نزلت الأوامر السلطانية تحظر وتحجر، تسحق وتسلب وتقهر، وبات الملك العضوض يُنتزع بالشوكة. اكتنفت المخاطر كل اجتهاد؛ فآثر الجميع السلامة وانشغلوا بالنقل والتقليد والتعليق على التعليق؛ والتزم المثقفون بأوامر السلطان وصاروا بعض حاشيته . هبط الظلام بصقيعه الجليدي يجمد الحياة. غدا من يحكم يطاع والمعارض خارج على الجماعة، والطاغية هو الجماعة والجموع كتلة بكماء. بهذه الثقافة واجهنا الزحف الكولنيالي ، وكان لابد من ان تنشأ لنا معه علاقة تبعية، يعمق من خلالها تخلفنا . وبذهنية الاستلاب والانسحاق والقهر مضينا نبني مجتمع الاستقلال والحرية وفشلت برامج البناء وانتهت مشاريع التنمية إلى كوارث اقتصادية. بات الأمن الوطني مستباحا وثغوره فالتة. الأمن الوطني لا تنجزه قوى الأمن المسلطة على الشعب؛ إنما تنجزه الثقافة الإنسانية، تستنبت الرجال المؤهلين بالكرامة والعزة وإرادة العمل. الثقافة الإنسانية هي التي تبني الاقتصاد وتجهز الجيوش ، وتبدد ثقافة القهر والاستلاب والانسحاق كي تنبت الديمقراطية وتنمو وتعطر الحياة . الأمن الوطني جماع مشاريع تنمية للثقافة والاقتصاد والسياسة والقوة العسكرية والعلاقات الاجتماعية. وفي الجوهر من هذه البنى او البناء المتماسك الإرادة البشرية المزودة بالعقل والحرية والاعتزاز الوطني والقومي، حيث تتنوع الآراء والاجتهادات والاتجاهات الفكرية والسياسية ، تتحاور لتخصب، وتتنوع لتثري . إن ما شاهده الملايين في برنامج الاتجاه المعاكس ليلة السابع من يناير الجاري تطبيق عملي على الطبيعية لذهنية العصر الوسيط ، الترهيب بتهم التخوين، والتهديد بالفتك والتمزيق والغلبة بالشوكة. نجحت هذه الذهنية في تثبيت أمن الأنظمة؛ لكنها فشلت في إرساء قواعد الكرامة القومية. في ظل هذه الذهنية بات العالم العربي في المؤخرة في كل نواحي الحياة. الوطن العربي يمرح فيه الفساد وسرقة المال العام ؛ المكان الوحيد الذي يتعلق شرف الرجال بامرأة، وتعربد ظلامية الطائفية في شوارع المدن، وأحيائها. العالم العربي مسرح لعربدة الطامعين في ثرواته وموقعه الاستراتيجي، بحجة أنه قاصر ينبغي إخضاعه لوصاية الغير. حكم الشوكة هيأ لنفسه المناخات ، لكنه فتح الثغور لكل مستبيح لأمنه القومي. أودى بمجتمعاته في حضيض الكارثة.
#سعيد_مضيه (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
صوت التوحش المتقحم من أدغال الليبرالية الجديدة
-
هل تدشن زيارة بوش مرحلة تفكيك المستوطنات؟
-
فهلوة مرتجلة
-
جردة حساب عام ينقضي
-
بؤرة التخلف الاجتماعي
-
العجز عن الارتقاء
-
منبرللتنوير والديمقراطية ومناهضة العولمة
-
أخلاقية النضال التحرري وتحديث الحياة العربية
-
إشهار أخلاقية النضال التحرري وتحديث الحياة العربية
-
بعض ظاهرات الإعاقة في الحياة العربية
-
إسرائيل : وقائع التاريخ تنقض الإيديولوجيا
-
نظام شمولي محكم يسود الولايات المتحدة الأمريكية
-
المحافظون الجدد ينتهكون حرمة الحياة الأكاديمية
-
تمويه سياسات التوحش بالتبذل الإيديولوجي
-
حكم القانون
-
من المتآمر في تفجيرات نيويورك
-
اكتوبر شمس لا تغيب - مبادئ أكتوبر شبكة الإنقاذ من وحشية العو
...
-
ثقافة الديمقراطية ـ ديمقراطية الثقافة
المزيد.....
-
إيران توجه تهديدا لأي -طرف ثالث- يعتزم التدخل في الصراع مع إ
...
-
كيف تجهل عدد سكان بلد تريد الإطاحة بحكومته؟-.. جدال حاد بين
...
-
بيسكوف: الكرملين لا يعدل أجندته لتناسب الغرب
-
الجيش الإسرائيلي يعلن اغتيال قائد وحدة الصواريخ المضادة للد
...
-
نتنياهو يعلق على تأجيل حفل زفاف ابنه
-
ترامب: تعطيل منشأة -فوردو- الإيرانية أمر ضروري
-
إيران تعلن تفكيك شبكة جواسيس إسرائيلية تشغل طائرات مسيرة في
...
-
مقتل 76 فلسطينيا جراء الغارات الإسرائيلية المستمرة على قطاع
...
-
-ميتا- تستقطب علماء الذكاء الاصطناعي من المنافسين
-
أمنستي تناشد الهند وقف عمليات الترحيل غير القانونية للاجئي ا
...
المزيد.....
-
كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف
/ اكرم طربوش
-
كذبة الناسخ والمنسوخ
/ اكرم طربوش
-
الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر
...
/ عبدو اللهبي
-
في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك
/ عبد الرحمان النوضة
-
الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول
/ رسلان جادالله عامر
-
أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب
...
/ بشير الحامدي
-
الحرب الأهليةحرب على الدولة
/ محمد علي مقلد
-
خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية
/ احمد صالح سلوم
-
دونالد ترامب - النص الكامل
/ جيلاني الهمامي
-
حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4
/ عبد الرحمان النوضة
المزيد.....
|