أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد مضيه - نظام شمولي محكم يسود الولايات المتحدة الأمريكية















المزيد.....

نظام شمولي محكم يسود الولايات المتحدة الأمريكية


سعيد مضيه

الحوار المتمدن-العدد: 2097 - 2007 / 11 / 12 - 12:26
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


حرضت السياسة الأمريكية إسرائيل للعدوان الهمجي على لبنان بسبب خطف جنديين، بينما طالبت تركيا ب "ضبط النفس" إثر مقتل عدد اكبر من جنودها وخطف ثمانية. مصلحة أمريكية واحدة حكمت الموقفين المتناقضين. قديما كان يقال "مصلحة الولايات المتحدة هي مصلحة جنرال موتورز"، وحاليا يقال مصلحة امريكا هي مصلحة جنرال ديناميكس" . والاسم يخص احد احتكارات التجمع الصناعي العسكري في الولايات المتحدة، هذا الذي يهيمن على ويوجه السياسات الاقتصادية والثقافية – التعليمية ومجمل أنشطة الهيئات المنتخبة والسياسة الدولية. اما الانتخابات فتلقي الضوء على دور الكذب السياسي في الولايات المتحدة وكيف تزور إرادة الجمهور الناخب. الحزب الديمقراطي نجح ببرنامج معارض لسياسة بوش؛ ولما كانت سياسة بوش تلتزم بمصالح التجمع الصناعي - العسكري، فقد انضبط الحزب الديمقراطي من جديد ، مؤيدا بقاء جيش الاحتلال في العراق ومواصلة تخريب البلد وتثبيت القواعد العسكرية الأمريكية فيه. وخذل الحزب ناخبيه.
لاحظ هذه الحقيقة نورمان سولومون، الصحفي الأمريكي صاحب مؤسسة " النزاهة والدقة". فهو يتتبع النشاط الإعلامي الأمريكي، ويعرض بين الحين والآخر نتائج متابعاته. في أحد تقييماته كتب مقالا نشرته المجلة الإليكترونية الأمريكية كاونتر بانش قال فيه : " قبل عقود قليلة خلت حذر دوايت أيزنهاور من ’ التجمع العسكري ـ الصناعي‘، وكان آخر رئيس أمريكي يقر بوجود هذا الكائن. فكلما ازدادت قدرته يتضاءل الإقرار بوجوده في الميديا والسياسة." وفي مقال آخر ذكر أن " العديد من الناس يبدون اعتقادهم بأن ميديا الأخبار قد تحولت ضد صناع الحروب في واشنطون. غير أن واقع الحال عكس ذلك. فالتاريخ الحقيقي ينبغي أن يحذرنا من تصديق احتمال وقوف الصحافة في مناوأة العسكرة".
وأوضح سولومون نمطاً من انتقائية النشاط الإعلامي الأمريكي بالمثال التالي: "قدر عدد المتظاهرين في مدن واشنطون ولوس انجلوس وسان فرنسسكو وغيرها من المدن في الولايات المتحدة الأمريكية ضد الحرب في العراق بربع مليون شخص. ومع نهاية الأسبوع لم يشاهد جمهور التلفزيون سوى القليل وربما لا شيء إطلاقاً من هذه المظاهرات".
لم توطد ديمقراطية الأغلبية مواقع لها داخل المجتمع الأمريكي. قد يعود ذلك إلى ترسبات ممارسات الحملات الاقتلاعية الشرسة ضد سكان البلاد الأصليين، وكذلك ضراوة التنافس على ثروات العالم الجديد، وهيمنة قيم السطو والنهب التي وجهت خطوات المغامرين خلف الذهب والثروات الباطنية والأراضي البكر. القانون الأميركي يجيز اغتصاب أراضي الغير إذا كان ذلك يزيد خصوبتها وإنتاجها. لم توطد رأسمالية المنافسة الحرة قيمها في المجتمع الأمريكي قبل نشوء الاحتكارات. الفكر السياسي الأمريكي لم يعرف المنافسة الحرة وسيادة الأغلبية، حتى ولا نظرية العقد الاجتماعي. يبدو ان الاحتكارات لم تتشكل نتيجة تراكم طبيعي للثروات، بقدر ما استندت إلى تشريعات وقرارات فوقية. إذ يحفل التشريع الأمريكي بتغليب مصلحة الأقلية: نجد جون جاي، كبير قضاة المحكمة العليا في عهد الاستقلال يقرر أن "الناس الذين يملكون البلد يجب أن يحكموه". اما جيمس ماديسون، أحد مؤ سسي الحزب الجمهوري ورئيس الولايات المتحدة خلال السنوات الأولى من القرن التاسع عشر فكان يردد "أن مسئولية الحكومة الأساس هي حماية الأقلية الثرية من الأكثرية".
في ظروف اتساع الممارسة الديمقراطية برزت الحاجة لنمط من تزوفي المجتمع الأمريكي الديمقراطية حكر لفئة قليلة من أصحاب الاحتكاراتير الوعي، تطوع "العلم" لا بتكاره. برزت مقولة "هندسة الموافقة" على يد ادوارد بيرنز، واضع الكتاب الإرشادي لصناعة العلاقات العامة المعاصرة، حيث يقول "إن التلاعب الواعي والذكي بالعادات والآراء المنظمة للجماهير هو عنصر هام في المجتمع الديمقراطي". فرجل الميديا " مهندس عقول". طبقا لتلك الهندسة من حق الأقلية الذكية (النخبة) الادعاء بمعرفة مصالح الجمهور ورسم السياسة وتشكيل "رأي عام سديد". باتت العلاقات العامة صناعة الموافقة، وصياغة الرأي العام ، ونمط من الحرب النفسية " هجوم على المراكز الأمامية للمواجهة" . وطبقاً لهذه الفلسفة انبرى السفير الأمريكي في البرازيل، كينيدي لينكولن، يشيد بالانقلاب الفاشي عام 1964 ضد حكومة غواو غولارد المنتخبة، فأطلق على الانقلاب صفة "ثورة ديمقراطية" مؤكداً أن "انتصار الحرية هذا لا بد أن يخلق جوا أفضل بكثير بالنسبة للاستثمارات الخاصة". أما روبرت مكنمارا، وزير الدفاع الذي رصد التداعيات وفق معايير المصالح الاستراتيجي فقد عبر عن الرضى من أن الانقلاب "أوجد نفوذاً عسكرياً طاغياً للولايات المتحدة الأمريكية". وبنفس المعايير ينصب الرئيس بوش نفسه وصياً على شعوب العالم، وينوب عنها وعن حكام البلدان الأخرى في تقرير ما يلائمها وما لا يلائمها.
هندسة العقول مبدأ توجيهي للميديا لشحن مشاعر الكراهية أو الولاء من أجل التطويع والتطبيع. يجري التنسيق بين توجهات قنوات الميديا حيال أحداث العالم، وكأنها اوركسترا تتبع إشارات مايسترو واحد . ربما تنشأ فروقات تقتضيها مصداقية الميديا ومزاعم حرية التعبير؛ لكن الخلافات لا تخرج بتاتا عن مبدأ الاتفاق على الجوهر. نتأمل المثال التالي: لاحظ ديف ليندورف مؤلف كتاب "قضية سحب الثقة " بالاشتراك مع باربارا أولشانسكي أن صحيفة نيويورك تايمز كررت معارضتها مرارا في ركن الأخبار لغزو العراق، لكنها لم تقدم ولو مرة على مناقشة الموضوع في مقالات هيئة التحرير. وليت الأمر توقف عند هذا التقصير، فيواصل الكتابة: "تنضم صحيفة نيويورك تايمز إلى بقية كوربوريشن الميديا في مسعى مخجل جديد ، لإغراق الشعب الأميركي بحملة سياسية جديدة لترويج أفكار مضللة، فُتقرر سلفا قبل الانتخابات التمهيدية (برايمريز) أي المرشحين يستحقون تغطيتهم إعلاميا، وأي الأفكار والقضايا مقبولة للنقاش العام. وفي الكونغرس ظل كوزينيتس أكثر النواب الديمقراطيين ثباتا ومبدئية في معارضة الحرب العراقية، وضد المساعي لمهاجمة إيران؛ وحسب اعتراف الجميع، أكثر من طرح إصلاح العناية الطبية الحقيقية والأكثر ثباتا في الدفاع عن الدستور، والأشد حماسا في الدفاع عن الشغيلة الأمريكيين وعن الفقراء من بين النواب الديمقراطيين، لكنه ببساطة لا يلقى التغطية من صحيفة نيويورك تايمز، وحاليا يجري شطبه واستبعاده من بين المرشحين المقبولين . فأي عرض خال من الضمير، وأي إهانة للقراء!" ويمضي إلى القول "وهذا يساعدني لمعرفة لماذا لم يجر أي عرض للكتاب الذي ألفته باربارا اولشانسكي بمشاركتي حول " قضية سحب الثقة" (من ديك تشيني ا، نائب الرئيس) "، أو أي من الكتب الممتازة التي ناقشت الموضوع خلال السنتين الماضيتين.
هنا نجد الإعلام الأمريكي يقيم أداء النواب بما يتناقض مع صدقهم السياسي وإخلاصهم لناخبيهم. وسلفا تشن حملة تضليل للتأثير على مواقف الناخبين، بما يلائم مصالح الشركات الكبرى، وبالذات احتكارات التجمع الصناعي -العسكري.
وينقل يوري أفنيري ، رجل السلام الإسرائيلي، المطلع على خفايا العلاقة الأمريكية ـ الإسرائيلية، في شهادة حول الإعلام الأمريكي أوردها في مقال بعنوان " من الكلب ومن الذيل؟" على أثر صدور وثيقة البروفيسورين الأمريكيين ، وولت وميرشايمر بصدد دور اللوبي الإسرائيلي في صنع السياسات الأمريكية فقال: " لقد هب تشومسكي وآخرون ضد هذه المقولة. إنهم لا ينفون مقولة البروفيسورين الثبوتية، بل ينفون الاستنتاج. لا يبلور اللوبي اليهودي السياسة الأمريكية، كما يدعيان، بل يجسد مصلحة أصحاب رأس المال والنفوذ في أمريكا، الذين يدفعون بالإمبريالية الأمريكية ويستغلون إسرائيل لأهدافهم العكرة".
التفتيش عن المصلحة تجاه الحشد العسكري التركي يكشف شبكة تحالفات تكيد لإيران، رأس حربتها حزب من أكراد إيران، يدعمه حزب العمال في كردستان العراق ، ويحظى بالدعم من جانب الولايات المتحدة، ومتحالف مع الحكومة في كردستان العراق. للولايات المتحدة الأمريكية مصالح مدعاة في كل بقاع الأرض، ومصالحها مقدمة ومفضلة على مصالح المواطنين في أي بلد؛ وبالطبع تنحاز لمصالحها عندما تتحيز لأحد أطراف الصراع في أي منطقة. المصالح المهيمنة هي مصالح التجمع الصناعي –العسكري وحلفائه احتكارات النفط واحتكارات الإنشاء واحتكارات الميديا. التيار الرئيس للميديا منحاز للاحتكارات عابرة الجنسية ، بل هو مندمج عضويا بها، ويصوغ التقارير الصحفية والتعليقات والتحليلات بما يبرر المواقف السياسية للهيئات التنفيذية، يشيطن او يقدس، باختصار يفرض الموافقة على السياسات والاستراتيجيات. والرئيس الأمريكي ديكتاتور بحكم المنصب.
وبذا فكلمة " ميديا " أكثر تطابقاُ من كلمة "إعلام" على منطق عمل منظومة أدوات الثقافة في الولايات المتحدة وأجهزتها. المفهوم الأول من أصل لاهوتي، بمعنى الوسيط او ناقل الرسالة، مطابق للتوجه الديني في الثقافة الأمريكية، و مطابق للوظيفة التي تنهض بها قنوات الإعلام في الولايات المتحدة وكل البلدان الرأسمالية المتقدمة. إنها الوسيط الذي ينقل رسالة المؤسسة إلى الجمهور، وليست أداة تنوير. رسالة الميديا هندسة العقول، تصوغ لها تقييماتها للأحداث والظواهر والشخصيات العامة. تؤدي ادوار قطعات عسكرية، إذ تمارس الحرب النفسية. واستجابة للدور الأميركي في قيادة العالم لا تكتفي الولايات المتحدة بالاعتماد على ماكينتها العسكرية وحاملات طائراتها وشبكات قواعدها على الأرض وفي الماء والفضاء، كما لا تعتمد على إنتاجها الكبير الزراعي والصناعي، منتجها الثقافي يهندس العقول ويبتز الموافقة ويصوغ مواقف ملايين البشر. إنه يُخضع لسطوته شبكات الإعلام في العالم ويسعى جاهداً لتنميط البشرية ومختلف الثقافات في مثال ثقافي واحد تتولى الثقافة الأمريكية تصميمه وصياغته وفرضه عبر القنوات الثقافية في شتى الأقطار. وهذا المنتج الثقافي يكتسح في طريقه مؤسسات وشركات وثقافات دول ذات تاريخ وأدوار في تطوير الحضارة.
وحسب تقديرات العالم الأمريكي تشومسكي "ثمة عوامل عديدة تدفع بالمجتمع العولمي إلى مستقبل يتسم بانخفاض الأجور وانخفاض النمو وارتفاع الأرباح مع زيادة في الاستقطاب والتفكك الاجتماعي. والنتيجة الأخرى هي تلاشي العمليات الديمقراطية ذات القيمة، إذ يجري تحويل اتخاذ القرار إلى مؤسسات خاصة وهياكل شبه حكومية تجمع حولها ما تطلق عليه صحيفة فايننشيال تايمز اسم ’حكومة عالمية فعلية‘ تعمل في السر ودون مساءلة". وللتستر على الواقع الفاضح تتكثف الدعاية لحقوق الإنسان في نسيج العلاقات العامة الأمريكية.
الغزو والاحتلال يشوهان الطبيعة البشرية نظراً لما يصحبهما من قهر وإذلال للمقهورين، ويدمران النزعات الإنسانية لدى البشر ممن يمارسون القهر ولدى المقهورين كذلك. وفي كتاب "السؤال" الذي صدر في مطلع ستينات القرن الماضي ذكر أحد المناضلين الفرنسيين في صفوف الثورة الجزائرية، وأظن اسمه هنري اوليغ، أساليب التعذيب التي مورست ضده، مركزا على تحول زملاء له في النضال ضد الاحتلال الألماني، مناضلون ضد الفاشية، مسخوا جلادين ساديين عندما عملوا مع قوات الاحتلال الفرنسي. الاحتلال بطبيعته عامل تشويه وإفساد للنفس البشرية. وكما في عاصمة العراق حدث أثناء قيادة رامسفيلد لوزارة الحرب الأمريكية في كابول ممارسات التعذيب والقتل وإرهاب المواطنين وإتلاف المواد الغذائية.
وكما يتم التستر على انتهاكات حقوق الإنسان بإفراط الثرثرة حول حقوق الإنسان، كذلك يجري التستر على انتهاك حرية التعبير بمزيد من اللغو في حرية التعبير.
"قيم الحضارة الأمريكية"، متجذرة في حروب الغزو الأمريكية، وتمظهرت في أكثر من موقع وطأته البساطير الأمريكية. في شهر تشرين أول الماضي تعرض حشد من المتفرجين على مباراة كرة القدم في ملعب أبو دشير إحدى ضواحي بغداد لهجوم طائرتي هيليوكبتر أمركيتين بالصواريخ، أتبعتها صليات الرشاشات على الهاربين. وأحصى سيد مالك عبادي رئيس لجنة أمن المنطقة، الذي حضر بعد سماع أصوات النيران جثث ثمانية أشخاص ومزقا عديدة لأشلاء. اما الناطق العسكري للجيش الأمريكي فادعى أن شخصا أطلق قذائف مورتر على الجمهور فاستدعيت الطائرات. وهو يأسف إذا لحق الضرر بعض المدنيين. العلاقات العامة تخفي حقيقة الجرائم المقترفة . وظيفة العلاقات العامة ، كما قررها إيديولوجيو الحقبة،"السيطرة على عقل العامة".
وفي يوم الثلاثاء 18 أيلول أطلقت القوات الأمريكية النار على رئيس المهندسين في حقول شركة نفط الجنوب طالب ناجي بينما كان عائدا من العمل، ومات صبيحة اليوم التالي بسبب الجراح البليغة. وقال فالح عبود عمارة نائب رئيس المجلس المركزي لنقابات النفط العراقية أن المهندس المغدور أعلن معارضته لقانون النفط المراد فرضه على العراق، وطالب بالتحقيق. اما العقيد ركن السابق في الجيش العراقي ا.ع الدليمي، فقد تعرض لمحاولة تصفية على أيدي وحدات امن تابعة لوزير الداخلية السابق صولاغ ، ولكن أهل الحي تصدوا للمهاجمين واضطروهم للفرار وغنموا منهم معدات وقوائم أسماء يبدو أنها كانت معدة للاغتيال. لكن الدكتور محمد العتاني، الباحث في معهد التاريخ الطبيعي لم يجد من ينقذه من الأيدي المجرمة، إذ اختطف من أمام بيته وعثر على جثته تحمل آثار تعذيب وعدة طلقات نارية.
وقيل أن لدى السيد يونس إسماعيل، المقيم في عمان قائمة تضم 383 عراقيا من أساتذة الجامعات والعلماء والاختصاصيين قتلوا في ظروف غامضة. إلى جانب تدمير العراق ونهب ثروته النفطية يراد حرمانه من الكفاءات البشرية التي قد تساهم مستقبلاً في إعادة بنائه
لنقارن هذه الجرائم بما كتبه تشومسكي عن معاناة شعب الفيليبين بسبب الاحتلال الأمريكي. أحلت صحافة ذلك الزمن "ذبح السكان المحليين بأسلوب انجليزي حتى تتمكن المخلوقات المضللة التي تعارضنا احترام أسلحتنا على الأقل وتقرر فيما بعد أننا نريد لها الحرية والسعادة". فالعسكرية الأمريكية تستقي توجيهاتها من ذات " القيم الحضارية". الميديا الأمريكية متحيزة، ولا يمكن أن تلتزم الحياد. ويثير التحيز الصارخ غضب مثقفين أمريكيين كبار. الصحافة تتولى دور العلاقات العامة، تلطف الجرائم وتكسوها ملامح إنسانية، بينما ينهض العلم بدور تبريري كذلك. ينقل عن هنري جيدينجر واضع أسس علم السوسيولوجيا الذي عاش ما بين 1855 و1931 فرضية عجيبة تشرّع التحايل والالتفاف على كل القيم لتبرير غزو الآخرين، فيقول: "إذا حدث في السنوات اللاحقة ورأى وأقر (الشعب الذي تم غزوه) بأن العلاقة موضع النزاع كانت من اجل أسمى المصالح فيمكن حينئذ الإيمان أن السلطة التي فرضت كانت بموافقة المحكوم". في دراسات أكاديمية كتلك التي يطلع بها بين الحين والأخر برنارد ليويس وكنعان مكية وفؤاد عجمي ودانييل بايبس، وكذلك التلاميذ الجدد امثال ديفيد هوروفيتس من فوكس نيوز وألان ديرشوفيتز أستاذ القانون الدولي بجامعة هارفارد ومن أقطاب المحافظين الجدد.. وكلهم من أتباع المسيحية الأصولية نجد نفس التوجه. وليويس صاحب دراسات في التاريخ الإسلامي تنطلق من ذاتية متحيزة تبدأ من العداء العربي وتغفل النهب الضاري للثروات العربية والتنكر للطموحات الوطنية. موقف نال بسببه الشهرة والمكانة لدى أصحاب القرار. وفي عهد إدارة بوش الابن بات ليويس موضع حفاوة في الأوساط الأكاديمية والسياسية والعسكرية ، ولدى اللوبي الإسرائيلي بالذات.

الميديا في الغرب، وفي الولايات المتحدة على وجه الخصوص ، غير معنية بنشر الحقيقة ، ولا تحترم حق الجمهور في المعرفة الموضوعية. فرسالتها تبريرية تسند وتدعم ذرائع الهياكل الاقتصادية والمؤسسات السياسية المتنفذة واستراتيجيها الدولية. انتقائية لدى تناول الأحداث وتقييمها تتلاعب بالعقول وتنتزع موافقتها على النهج المعتمد. يورد يوري إفنيري، رجل السلام اليهودي حكاية محاضرة ألقاها بواشنطون "حضرها جمهور كثيف وددت أن أرى كيف ستنعكس الأمور في وسائل الإعلام. وبالفعل كان رد الفعل مثيرا جدا: لم تُنشر حتى ولو كلمة واحدة في عشرات الصحف، محطات الراديو والتلفزيون التي كانت ممثلة. أي منها لم ينشر...على الأقل ولو فكرة. وقبل ثلاث سنوات عُقد لي مؤتمر صحفي آخر، كان المؤتمر في هذه المرة في الكونغرس في واشنطن. تكرر المشهد بحذافيره: الاكتظاظ، الفضول والصحافيون، واستغرق المؤتمر وقتا أطول من المعتاد – ولم تذكر أي كلمة عنه في وسائل الإعلام".
بالنتيحة نجد جمهوراً محاصرا باجماع قنوات المعرفة ، سواء نشد المعرفة في أفلام سينمائية او دراسات أكاديمية او حقائب إخبارية وصحافة وتلفزة او مراكز أبحاث وبنوك معلومات. وفي مواسم الانتخابات ولحشد الجمهور خلف سياسات الإدارة تبذل الميديا أقصى الجهود في هندسة العقول. ونظرا لما للشرق الأوسط من أهمية فائقة في تطلعات الهيمنة الأميركية، حيث بات الفناء الخلفي للولايات المتحدة في مرحلة يلعب الشرق الأوسط دوراً حاسما في حرب عالمية ثالثة، فإن للميديا موقف تاريخي ثابت يحتاج إلى مقاربة خاصة.



#سعيد_مضيه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المحافظون الجدد ينتهكون حرمة الحياة الأكاديمية
- تمويه سياسات التوحش بالتبذل الإيديولوجي
- حكم القانون
- من المتآمر في تفجيرات نيويورك
- اكتوبر شمس لا تغيب - مبادئ أكتوبر شبكة الإنقاذ من وحشية العو ...
- ثقافة الديمقراطية ـ ديمقراطية الثقافة


المزيد.....




- أثار مخاوف من استخدامه -سلاح حرب-.. كلب آلي ينفث اللهب حوالي ...
- كاميرا CNN داخل قاعات مخبّأة منذ فترة طويلة في -القصر الكبير ...
- جهاز التلقين وما قرأه بايدن خلال خطاب يثير تفاعلا
- الأثر الليبي في نشيد مشاة البحرية الأمريكية!
- الفاشر، مدينة محاصرة وتحذيرات من كارثة وشيكة
- احتجاجات حرب غزة: ماذا تعني الانتفاضة؟
- شاهد: دمار في إحدى محطات الطاقة الأوكرانية بسبب القصف الروسي ...
- نفوق 26 حوتا على الساحل الغربي لأستراليا
- تركيا .. ثاني أكبر جيش في الناتو ولا يمكن التنبؤ بها
- الجيش الأمريكي يختبر مسيّرة على هيئة طائرة تزود برشاشات سريع ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد مضيه - نظام شمولي محكم يسود الولايات المتحدة الأمريكية