أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - باسنت موسى - الشاعرة الكُردية فينوس فائق















المزيد.....



الشاعرة الكُردية فينوس فائق


باسنت موسى

الحوار المتمدن-العدد: 2157 - 2008 / 1 / 11 - 11:08
المحور: مقابلات و حوارات
    


الأنظمة العربية تبتكر وسائل لقمع شعوبها

المرأة هي الخاسر الأكبر أثناء وبعد الحروب

"أتمنى لو أعود إلى رحم أمي وتحملني تسعة أشهر أخرى... ويتغزل بها أبي وتركض بي معه.. بين جنائن العشق حافية... ويطير شعرها مع النسيم... وتسقط بي في حضن أبي كالفراشة".
كلمات رائعة تحمل إحساسا عميقا من إبداع ضيفتنا اليوم الشاعرة والكاتبة الكـُردية المقيمة بهولندا فينوس فائق والتي رغم بعدها عن وطنها إلا أنها تعمل على خدمته من بلدها الثاني كما تحب أن تسميه "هولندا" حيث تعمل كناشطة مستقلة لتعريف المجتمع الدولي بالجرائم التي ارتكبت بحق الشعب الكـُردي في عهد صدام حسين كما شاركت في مؤتمر الدستور في لندن الذي أقيم قبيل سن الدستور العراقي الدائم و قدمت فيه محاضرة مطولة عن وضع المرأة العراقية بين فقرات الدستور العراقي لتعرفوا المزيد عن ضيفتنا وأرائها في السياسة والإبداع المرأة تابعوا الحوار...

*** أسوأ ما تصاب به الأمم هو اتحاد الدين مع الاستبداد وتحالف الطغاة مع الكهنة بحيث يستند الدين إلى قوة البوليس ويستند الاستبداد لأساطير الدين في هذا الإطار هل يمكننا القول أن النظم في كثير من الدول العربية خاضت هذا التحالف؟؟؟ وما هي برأيك نتائج تأثير هذا التحالف على واقع تلك المجتمعات وفئات كالمرأة والأقليات بكافة أنواعها؟؟

الأنظمة الحاكمة في كل الدول العربية بدون استثناء سارت وما زالت تسير منذ بدأ تأسيس الدولة العربية على هذا النهج ، وهي تجد مصلحتها في ذلك (الحديث هنا بطبيعة الحال عن الحكومات العربية كأنظمة حاكمة وليس كشعوب، لأن الشعوب ليست مسؤولية عن ممارسات الحكومات العربية)، أسوء ما تنتهجه هذه الدول هو النظام القمعي من أجل البقاء، القمع من أجل القمع، القمع بمعنى تحويل مؤسسات الدولة من مؤسسات خدمية إلى مؤسسات قمعية، هدفها في النهاية خدمة الرأس الحاكم، لا أقول السلطة الحاكمة أو الحزب الحاكم، لأنكي لو ألقيت نظرة عاجلة على كل الأنظمة العربية ، فهي أنظمة فردية، أسوء نموذج كان نظام صدام حسين الذي ظل يحكم بلداً كبيراً وغنياً مثل العراق، غني بالثروات الطبيعية والبشرية والثقافية وبلد الحضارات، حكمها ثمانية وثلاثين عاماَ بقبضة من حديد ونار وعاث فيها دماراً، ماذا جنى في النهاية؟ لم يجني سوى كسر رقبته بتلك الطريقة المشينة، وغالبية الأنظمة العربية الأخرى هي شبيه نظام صدام حسين بشكل أو بآخر... نتائج هذه السياسات واضحة و نجد آثارها بشكل واضح، نتائجها هي أن الشعب في وادي والسلطة الحاكمة في واد آخر، إنقسام البلد الواحد إلى جبهتين، سلطة ضد شعب و شعب في خندق ضد السلطة.. هذه الأنظمة تكرس كل فنونها في ابتكار أبشع الوسائل لكبت الأصوات و قمع الشعب... في الغرب ولى زمن المعارضة المسلحة والقمع وما إلى ذلك إلى الأبد... فمن أهم وأعظم نتاج النظام الديمقراطي هو إفساح المجال أمام كل شرائح واتجاهات وألوان المجتمع لكي تشارك بالتناوب على كرسي الحكم وتحكم البلد كل في مدة زمنية معينة وبعد ذلك يفسح المجال أمام حزب آخر لكي يحكم البلد.. من أهم مظاهر النظام الديمقراطي هو الإنتخابات الحكومية الحرة والعلنية، بحيث يفسح أكبر مجال لأكبر فئة من فئات الشعب لكي يشاركوا في الترشيح والإنتخاب، وبالتالي التداول السلمي للسلطة في أجواء سلمية مرنة.. بحيث يحققوا أكبر قدر من الإستقرار السياسي ويضمنوا القدر الأكبر من الرفاهية لشعوبهم، مما يؤدي كتحصيل حاصل إلى بروز ونشوء أجيال صحية ومبدعة في جميع مجالات الحياة السياسية والأدبية والعلمية وكل المجالات الأخرى..
كل شيء في الغرب قابل للتغيير، لكن في الشرق كل شيء سار نحو الجمود، فالدول العربية سباقون وطليعيون في العودة إلى الوراء، لأن مثل هذه الدول يكمن سر بقاءها في بقاء شعوبها مقهورة و مقموعة، فهو الضمان الأقوى لبقائهم على كرسي الحكم..

*** صدام حسين نموذج لأكثر الطغاة من الحكام عرب شهرة في العصر الحالي وعلى الرغم من وضوح جرائمه إلا أن هناك قنوات وصحف عربية تعاطفت معه فما هو تفسيرك لهذا التعاطف؟؟ وكيف تقيمي موقف الرؤساء العرب تجاهه وخاصة الرئيس الليبي الذي أعلن الحداد عند تنفيذ الإعدام بحق صدام؟

للأسف الشديد تلك الأيام وقعت الكثير من الأقنعة، وليس النظام الليبي فقط وإنما الكثير من الأنظمة، اليمن وغيرهم كثيرون.. بالنسبة للنظام الليبي لا أنسى دعمه للحركة الكـُردية المسلحة إبان كفاحها ضد النظام الدكتاتوري في فترة من فترات نضالها المسلح، غير أنني حتى في ذلك الوقت ورغم صغر سني لم أكن أثق بمساعدته تلك، لأن من يدعي العدالة خارج بلده، يجب أن يكون قد حققها أولاً مع شعبه، فانظري إلى وضع (البربر) في ليبيا، لا يحق لهم حتى تسمية أبناءهم بأسماء أمازيغية، وليست لهم أية حقوق إنسانية طبيعية، خصوصاً الحقوق التي تمنحهم صفة المواطنة، مثل استخدام اللغة، الحقوق الثقافية والمشاركة في السلطة وغيرها من الحقوق، فلو صحيح أن القذافي عادل لكان الأجدر به أن يحقق بعض هذه العدالة بين أبناء شعبه.. مع ذلك أعود وأقول الطيب يبكي الطيب و السيئ يبكي السيئ، ألا يقول المثل شبيه الشيء ينجذب إليه؟
أنظري إلى مواقفهم من القضية الكـُردية أثناء نظام صدام حسين وبعده، التعتيم الإعلامي على جرائمه وعدم ذكر الجرائم التي أرتكبها ضد الشعب الكوردي، التي هي أبشع الجرائم التي ارتكبت في التاريخ الحديث ضد شعب مسالم، كل جريمته قوميته، أنظري إلى تجاوب وسائل الإعلام العربية وتعاطيها مع عقوبة الإعدام وأثناء إعدامه.. وحتى الإهتمام الذي كانوا يولونه لمراحل محاكمته، كيف قل وإنعدم بعد إعدامه، وهذا بطبيعة الحال شيء متوقع، لأنهم فقدوا شبيهاً لهم..

*** ماذا تطلقين على يوم دخول القوات الأمريكية العراق؟ يوم التحرير أم يوم الغزو وهل برأيك أحوال العراقيين بكافة فصائلهم ومنهم تحديدا الأكراد أصبحت أفضل حالا بعد هذا اليوم أم كان حالهم وقت صدام أفضل؟؟

إشكالية هذه التسميات ظهرت مع ظهور التوتر السياسي وعدم الاستقرار الذي يعم البلد، بعد سقوط نظام صدام الدموي ودخول القوات الأمريكية وقوات التحالف إلى بغداد وباقي مناطق العراق، فهذه الظواهر أجدها ظواهر طبيعية وهي تصاحب حالة الفوضى السياسية والبلبلة التي خلقتها زمر الإرهاب ومصلحة دول الجوار في بقاء الوضع المتأزم في العراق على ما هو عليه.. القوات الأمريكية و احتلال العراق هي الشماعة التي يعلقون عليها أخطاءهم ، و يصرفون بهذه التسميات العالم عن حماقاتهم، وأخطاء الحكومة العراقية الحالية.. لا أدعي أو لا أدافع عن القوات الأمريكية ، فقد ارتكبت القوات الأمركية أخطاء كان بإمكانها تجنبها ، لكن لا يعني أو لا يبرر هذا أخطاء الحكومة العراقية و لا أخطاء و تدخلات دول الجوار ، و في الأخير لا تسمعين منهم سوى أسطوانة مشروخة ، هي إلقاء اللوم و العتب في النهاية دائماً على القوات الأمريكية..
عن نفسي لا أسمي وجود القوت الأمريكية في العراق قوات محتلة ، و إن كان الاحتلال واقع لا مفر منه ، لأن وجود هذه القوات أصبح ضرورة في الوقت الحالي ، كما كان ضرورياً إزاحة أعتى نظام في العصر الحديث ، فتصوري خروج هذه القوات و في هذا الوقت بالذات و العراق يتمرغ في طين الإرهاب ، بحجة أنها قوات احتلال ، صدقيني ستسيل أنهار دم ، ستندلع الحرب الأهلية في أبشع صورها ، صحيح هناك صراع مذهبي الآن ، لكن هناك قوى توازن الوضع و تحقق الموازنة بعض الشيء ، لكن خروج القوات الأمريكية الآن سيترك المجال واسعاً للإرهابيين لكي يحولوا العراق إلى ساحة محروقة خالية من البشر...
فالمشكلة لا تكمن في التسميات بقدر ما تكمن في حالة التذمر والتضاد على كل الأصعدة بين جميع فئات الشعب الواحد ، فما يرضيك أصبح يزعجني ، و ما يعجبك أرفضه ، و ما يرضيني ترفضه ، فما تسميه أنت احتلال أسميه أنا قوات خلاص.. و الكثيرون لا يعرفون لماذا هم قوات احتلال و لماذا يجب أن يغادروا ، لو سألتي كل عراقي عن هذه القوات ، ربما أجمعت الغالبية على أنها قوات احتلال ، لكن لو سألتيهم رأيهم بأن يغادروا ، سيجيبوا إما بالسكوت أو بلا.. لأنهم يعلمون جيداً أن خروجها يعني حدوث كوارث..
أنظري إلى أعضاء الحكومة العراقية ، أغلبهم يدير شبكات إرهابية ، و آخرون يدعمون الإرهاب سراً و علناً ، و البعض يغذي الإرهاب بأفكاره المريضة و الأخرون يقوونه بعدم المبالاة و عدم رفضه..
المشكلة ليست في التسميات ، المشكلة في الإرهاب نفسه ، فلو قطعنا دابر الإرهاب ، لقطعنا حجة الأمريكان في البقاء في العراق ، و خرجوا إلى غير رجعة.. و تنتهي بذلك حكاية هذه التسميات..

*** بعض المحللين السياسيين يرون أن العراق متعدد المذاهب والأعراق لذلك يحتاج لديكتاتورية حكم ويد قوية حتى لأتحدث فوضى كما هو الأن .... كيف ترى تلك الرؤية ؟؟

ليس صحيح، وهذه ليست نظرية صحية نهائياً ، أنظري إلى الغرب ، أضرب لك هولندا كمثال التي أعيش فيها ، فهي تفتخر بالتنوع العرقي و التنوع الثقافي ، أنظري كم من الأجانب وصل إلى مناصب حكومية بارزة بين المغاربة و مؤخراً من العراقيين أيضاً ممن تجنسوا ، و حتى العائلة المالكة أصلهم ليس هولندي ، مع ذلك يتفاخرون أنهم متحدون في خدمة بلد واحد اسمها هولندا.. هذه نظرية هؤلاء الذين ينظُرون للنظام الدكتاتوري و يغذونه بشكل غير مباشر.. بالعكس تماماً من تلك الآراء و التوجهات التي ترسخ النظريات الدكتاتورية ، فإن التنوع العرقي هو عامل قوة و ليس عامل ضعف.. ثم من قال أن الأعراق المتنوعة في بلد واحد إذا اجتمعوا يحتاجون إلى دكتاتور؟ هل هم بمثابة الولد العاق؟ ثم الفوضى لا تحدث نتيجة التنوع العرقي و المذهبي ، الفوضى تأتي دائماً من الخارج..
و إذا كان القصد من الفوضى محاولات الانفصال ، فهذه لا تسمى بالفوضى و هي لا تحتاج إلى يد قوية لقمعهم ، بالعكس تحتاج إلى حوار حضاري و تفاهم ، فحتى الانفصال و الاستقلال السياسي هو حق و ليس جريمة.. أنظري إلى الدول الصغيرة التي هي أصغر من الكردستان مساحة و نفوساً ، مثل الكويت ، أرمينيا ، جمهورية الجبل الأسود ، أريتيريا التي نالت استقلالها عام 1991.. الحالة العراقية حالة أخرى ، تحتاج إلى مجابهة أخرى ، ثم أن زمن الدكتاتوريات قد ولى ، كما ولى معه زمن القمع و الحكم بالحديد و النار ، فطفل يبكي في فلسطين بالإمكان سماع صوته من أوروبا ، بفضل التكنولوجيا و الإنترنت الذي حول العالم إلى قرية صغيرة ، كانت الأنظمة الدكتاتورية تستغل التخلف و الجهل في جميع الميادين في إنتهاج سياساتهم القمعية و كبت شعوبها ، لأن قبل الآن لم تكن التكنلوجيا قد وصلت هذه المرحلة ، بحيث أن الخبر يصل في لحظات ، فلم يعد هناك مجال لاستمرار الأنظمة الدكتاتورية في سياساتهم العدوانية و قهر شعوبهم.. لذلك تلك ليست نظرية و إنما اجتهاد غاشم يغذي الأفكار المتخلفة و الأفكار الشوفينية من أجل المزيد من الدمار و إراقة الدماء.. يد من حديد هي من ابتكار الأنظمة الدكتاتورية التي لا و لم تؤمن يوماً بالتنوع العرقي و كانت تبيد شعوبها على أساس الجنس ، فلو كان صدام حسين يعامل شعبه معاملة حضارية و ديمقراطية ، من كان سيفكر في الانتفاضة و الانفصال؟ صدام حسين و الأنظمة الحاكمة هي التي تأتي بنظرية أن تعدد المذاهب يعني الكبت و القمع.. و ماذا يعني أن يحتاج العراق إلى يد من حديد مثل صدام حسين ، أن يبيدهم بالغازات السامة و السلاح الكيماوي لمجرد أنهم أكراد ، حتى لا تحدث فوضى؟ هل يعني أن يبيدهم جماعياً و يدفنهم في مقابر جماعية ، و يؤنفلهم و يحرق قراهم و يهتك أعراضهم بحجة أن لا تحدث فوضى؟ و من يأتي بالفوضى أصلاً؟ ألا تأتي الفوضى نتيجة لمثل هذه الممارسات العدوانية ضد المدنيين العزل؟ ألم يكن صدام حسين يؤسس لدولة عربية واحدة ذات رسالة خالدة ، دولة عربية واحدة في بلد متعدد الثقافات و الأعراق؟ و أين ذهب الشعب الكـُردي و باقي الأطياف و القوميات الأخرى؟ من الذي يؤسس لثقافة الإبادة و ثقافة القمع و ثقافة الفوضى ، الشعب أم النظام الحاكم؟ هل كونك كـُردية يساوي قتلك بتلك الصور البشعة حتى لا تحدث فوضى؟؟ بالعكس تماماً العالم الآن يخطوا نحو المزيد من الانفتاح و ظهور المزيد من الظواهر الحضارية التي تخدم البشرية بمساعدة التطور التكنولوجي..و بلد مثل العراق متعدد المذاهب و القوميات يحتاج إلى نظام ديمقراطي قائم على أسس من احترام حقوق الإنسان و التسامح ، بلد مثل العراق يحتاج إلى نظام فيدرالي ، فهو النظام الحضاري الأنسب المتبع في غالبية الدول المتقدمة في العالم المتحضر ، و ليس إلى قمع.. على سبيل المثال هل ممكن أن تديري مدرسة فيها طلاب من مختلف الأعمار و من الجنسين بالهراوات و الضرب و التخويف حتى لا تحدث فوضى أم أن مهمتك كمديرة و مدرسة و مربية هي التربية ، من أجل تنشئة جيل صحي و معافى من الأمراض الإحتماعية الخبيثة.

*** المرأة دائما هي الفئة الاجتماعية الأضعف وبالتالي الضرر الذي يقع عليها وقت الحروب مضاعف هناك من يرى ذلك .... ماهى أكثر الخسائر التي ألمت برأيك بالمرأة العراقية منذ 9 أبريل 2003؟

المرأة هي الخاسر الأكبر أثناء و بعد الحروب و هي التي تدفع القسط الأكبر من ضريبة الحرب و من ضريبة السلم أيضا..المرأة العراقية إن كانت قد خسرت فهي لم تخسر أكثر مما كانت تخسره على مدار الساعة في ظل النظام الصدامي الشوفيني ، ما تدفعه الآن يختلف فهي تدفع ضريبة الإرهاب الآتي من دول الجوار ، ضريبة إرهاب يساوم على رؤوس الأبرياء باسم الدين ، تدفع ضريبة قد تبدوا باهظة لكنها مرحلة و ستزول مع استقرار الوضع السياسي في العراق ، فهي تدفع ضريبة ظهور الحركات الدينية المتخلفة التي كانت مختبئة في الجحور أيام النظام الفاشي الصدامي ، و خرجت الآن لكي تعيد عجلة الحضارة آلاف السنين إلى الوراء..
المرأة العراقية كانت تدفع الضريبة في ظل نظام صدام حسين من كرامتها و دمها و دم أبناءها..كانت تدفعها ثلاث و أربع مرات أكثر مما تدفعها الآن ، أعرف أن الوضع الآن في العراق سيء و مقرف ، لكن للعراقيين أنفسهم أيضاً اليد في ذلك ، أقصد من يحكم العراق بطبيعة الحال.. ماذا عمل هؤلاء السياسيين الذين كانوا في أوروبا و رجعوا بعد سقوط الطاغية إلى العراق ليستلموا الحكم؟ ماذا قدموا للعراق سوى الدمار ، هم أيضاً ليسوا جادين في تغيير العراق و مساعدة العراقيين في تخطي هذه الأزمة.. إن كنت تتحدثين عن المرأة ، فهي ضحية حتى في أفضل الظروف ، يكفي أن تكوني جزءاً من المنظومة الحياتية في الشرق الأوسط و تحديداً من مجتمع مثل المجتمع العراقي لكي تكوني ضحية الاقتتال الطائفي و التمزق و الدمار و سيلان الدم..
أكثر الخسائر التي تحز في نفسي هي تلك الخسائر التي أجد للمرأة نفسها فيها يد ، كأن تطالب بتطبيق نظام ديني على غرار النظام الإيراني ، أن تطالب هي بتطبيق الشريعة الإسلامية في هذا العصر المتطور و في ظل كل هذا التطور و التمدن الذي يشهده العالم ، فتأتي هي (كعضوة برلمان) و، تضع على رأسها الحجاب و تعزل المرأة العراقية عن التقدم و التطور و تطالب بأن يكون الدين أساس التشريع في بلد عانى أبشع أنواع الظلم و الاستبداد على مدى حكم النظام الصدامي ، تأتي لكي تدعوا إلى ما يسلبها المزيد من الحقوق ، بدلاً من أن تستفيد من تجربة الخلاص من الدكتاتورية و أن تخطوا خطوات جدية و تتقدم نحو المزيد من التحرر و الانفتاح على العالم المتمدن و المتطور في الخارج و أن تبني جسور من العلم و التبادل التكنولوجي و الاستفادة من تجارب الغرب في الديمقراطية و الحرية حقوق الإنسان و حقوق المرأة.. هذه أكبر خسارة تحز في نفسي فيما يخص وضع المرأة في العراق..

*** كتبت فى إحدى مقالاتك أنك لا تحبذين أو ترفضين عبارة "قضية المرأة" لكن ألا تعتقدى أن حجم وكم مشكلات المرأة العربية لدينا يحتاج لأن نطلق على أزمتها قضية ؟؟

صحيح ، وما زلت أؤمن أنه ليس هناك قضية اسمها (قضية المرأة) هذه تسمية ترسخ الفكر الذكوري و الأبوي في المجتمع ، للأسف الشديد هذا أحد الأخطاء اللغوية التي وقعنا بها منذ البدء ، فهناك قضية اسمها مثلاً مشكلة البيئة ، القضية الكـُردية ، قضية فضائحية، أو قضية تبت فيها أمام المحكمة ، كقضية جريمة قتل أو قضية شرف ، أو قضية مشكلة شحة المياه ، قضية سياسية في بلد ما ، و قضايا تخص المجتمع بطرفيه النسوي و الرجولي ، مثل قضايا أطفال الشوارع ، قضية الأطفال الذين يخضعونهم أولياء أمورهم إلى العمل في سن مبكرة ، و قضية العنف الأسري...الخ و غير هذا كله من مشاكل تخص الجنسين في المجتمع ، إضافة إلى ذلك هناك مشكلة العقلية المتخلفة عند المجتمع الأبوي و المجتمعات القائمة على نظام ديني و أفكار دينية متخلفة ، أو مشكلة نظرة المجتمع التحقيرية للمرأة ، فهنا نحن بصدد الحديث عن مشكلة على مستوى المجتمع البشري ، و ليس على مستوي نصف المجتمع ، فلو قلنا مشكلة المرأة ، نحصر المشكلة في كائن اسمه المرأة ، فمن غير الممكن أن يكون نصف المجتمع بأسره قضية أ, مشكلة ، من غير الممكن أن نقول مشكلة المرأة و ربما مشكلة الرجل ، فهذه تشبه تسمية (الأدب النسوي) ، فلو قلنا بوجود أدب باسم (الأدب النسوي) كان لزاماً علينا أ، نقول (الأدب الرجولي) أيضاً ، عليه نكون قد قسمنا الأدب الإنساني إلى ذكوري و أنثوي ، و هذا غير منطقي و غير مقبول.. تماماً نفس الشيء عندما نتحدث عن المشاكل التي تعاني منها المرأة.. و هذه بالمناسبة عبارة عن مسألة تعويد يستفيد منها الرجل ، فحتى الرجال الذين يتحدثون عن المرأة و حقوقها و المشاكل التي تعاني منها ، يتحدثون و هم مستفيدون من هذه المسألة ، يتحدثون عنها و هم خارج كونهم جزء من المشكلة أو القضية..فلو ثبتنا تسمية "قضية المرأة" ، نكون قد أعطيناها قالب معين و حصرناها في جنس واحد و في جزء من المجتمع و في النهاية نكون نصغر معاناة المرأة و مشاكلها..لكننا لو سميناها قضية حقوق المرأة في المجتمع التي أساسها قضية أساسية هي العقلية المتخلفة للمجتمع..
فحتى مثلاً القضايا التي يتحدث عنها البعض و يسميها بالنسوية ، هي ليست كذلك ، مثل قضية العنف الأسري ، فهي ليست قضية تخص المرأة فقط ، فلو قلنا أنها قضية تخص المرأة ، نؤكد على صغر حجم القضية بحيث نحصرها في دائرة جنس واحد هي المرأة ، في حين هي قضية مجتمع بأسره ، و المجتمع مسئول برجاله و نساءه عن معالجته ، و تحمل نتائجه ، فالعنف لا يقع على المرأة فقط ، الأطفال أيضاً يقع عليهم العنف و هم المتضررون الأكبر ، لكن المرأة تدفع القسط الأكبر من ضريبة العنف المنزلي ، و هي الكائن الذي يقع عليه الجزء الأكبر من هذا العنف.. عليه يحب أن نكون علميين في طرح مثل هذه القضايا ، مع أنها أخطاء لغوية تعودنا عليها.

*** ما زلنا نتحدث عن أراء وردت بمقالاتك الصحفية حيث ذكرت أنك لا تسعدين أو لا تشعرين بمصداقية رجل كاتب يتحدث عن مشكلات المرأة وتؤكدى بأن هذا الكاتب ليس من المستبعد أن يكون في بيته زوجه تحمل كل المشكلات التي ينادى هو بحلها برأيك لماذا نجد كثير من المثقفين يحملون هذا التناقض والانفصال بين ما يكتبون وطبيعة حياتهم هل يمكننا القول أن المثقف يبنى مقالاته وإنتاجه ولا يبنى شخصيته هو؟؟

الجواب على هذا السؤال يلتقي مع جوابي على السؤال السابق ، كما قلت أكرر أن الرجال يستفيدون و عن قصد من بعض الأخطاء غير المقصودة ، مثل بعض الاستخدامات اللغوية ، مثل مصطلح (قضية المرأة) ، ربما أكون مخطئة لو تحدثت هكذا بالمطلق ، و أحكم على كل الرجال ، لكنني لست متفائلة كثيراً إزاء كتابات البعض من الكتاب الرجال ، فغالباً لا تعرفي المرأة التي في حياة رجل مشهور أو كاتب مشهور ، بما يدافع بقوة عن حقوق المرأة ، في حين أن المرأة الكاتبة ، الكل يعرف الرجل الذي في حياتها ، بكلمات أخرى أنا كامرأة لا أضع الرجل الذي يقاسمني حياتي في الظل ، و إنما يحتل هو بطبيعة الحال مكانه في النور و أمام المجتمع ، ليس لشيء و إنما لكي يلحقون بي تهمة أن وراء كل امرأة مشهورة أو مبدعة رجل عظيم ، ساعدها و أخذ بيدها و فسح لها المجال و بدونه لما كانت في المكانة هذه ، هذه التهمة و هذه النظرة المتخلفة لمجتمع لا يعترف بإبداع المرأة.. لكن بالمقابل نجد أن الرجل المبدع و المشهور ، كاتب مثلاً ، لا تجدين أثراً لأي امرأة في حياته ، و لا حتى للمرأة التي تقاسمه حياته ، و لا حتى من أجل أن يثبت للعالم أنه مؤمن بحقوق المرأة كما يدافع عنها في مقالاته. نجد دائماً المرأة في حياة مثل هؤلاء الرجال يقطنن في الظل ، قلة قليلة جداً يؤمن بما يكتب ، لكن الأغلبية يحمل الشعارات لكي يزين به نفسه خارج المنزل ، لكي يبدوا حضارياً أمام كل نساء العالم و في نظر المجتمع ، لكن عندما يصل إلى باب الدار ، يخلع ثوب الرجل المدافع عن حقوق المرأة و يخلع الشعارات التي يطلقها في مقالاته و من على المنابر ، و يطويهما معاً خلف باب الدار ، و يدخل بثوب سي السيد.. فهو يطالب بحقوق المرأة لكل نساء العالم ما عدا النساء القريبات منه ، كأمه و أخته و زوجته و ابنته..الخ..
هذا ليس تشاؤم ، لكنه حقيقة ، و لا أطلقها كما قلت على كل الرجال بشكل مطلق ، لكن الغالبية هم كذلك..
هؤلاء الرجال هم ضحية تربية اجتماعية و ثقافية و دينية متخلفة ، هم يحتاجون إلى المطالبة بحقوقهم قبل الحديث عن حقوق النساء في تلك المجتمعات ، هذه نتائج ممارسات العقلية الاجتماعية و الدينية المتخلفة التي توقع أسوء و أقسى الممارسات عليهم باسم العادات و التقاليد ، فتقييد المرأة يعني تقييد الرجل ، فكيف سيمارس الرجل حريته لو كان نصف المجتمع مكبلاً و مقيداً ، إذا هو مكبل و يتحدث فقط عن المرأة باعتبارها مكبلة و مقيدة ، في حين لا يعترف بالقيود التي تكبله ، و لا يحاول حلها ، على الرجل أن يعالج المشكلة من شقيها و من طرفيها ، و لا أن يبتكر حلولاً لقضية يسميها (قضية المرأة) و كأن تحرر المرأة كفيل بتحرر المجتمع.. فلن تنال المرأة التحرر و لن تنال حقوقها الإنسانية كاملة مالم تتحرر العقلية الاجتماعية المتخلفة و ما لم تتحرر تلك المجتمعات من العقلية الدينية المتخلفة التي تريدنا أن نعود آلاف السنين إلى الوراء..
و بالمناسبة الفكر الذكوري ، فكر لا يحمله الرجال فقط ، نسبة إلى التسمية.. لكنه فكر تحمله النساء كما يحمله الرجال و الداهية الكبرى هي أن المرأة تجتهد فيها ، و تبدع في تطبيقها.. كمثل النساء اللائي على سبيل المثال حرمن من أحد حقوقهن ، و عندما كبرن و تزوجن حرمن بناتهن أيضاً من نفس الحقوق ، و أورثن هذه الفكرة لبناتهن ، و المشكلة أن ولا واحدة من تلك النسوة يسألن لماذا حرمن من تلك الحقوق ، فبذلك يحققن مرام و مبتغى الرجل في أن تبقى المرأة كائن مهمش و في الظل..

*** يقول د / سعد الدين إبراهيم أستاذ الاجتماع المصري: المرأة لا تحتاج لأن يجمع الرجال على إعطاءها حقوقها الإنسانية لأن الله منحها هذه الحقوق هل يمكننا القول أن المرأة لا تحتاج لمساندة الرجل لها لتحصل على حقوقها كأنسانة كاملة الأهلية في مجتمعات الذكورة وسلطة الدين الخاطئة ؟؟

تحتاج المرأة بطبيعة الحال إلى مساندة المجتمع بأسره ، لكنها تحتاج إلى نفسها بالدرجة الأساس ، و إلى رغبتها الحقيقية و إدراكها لأهمية تحررها ...فماذا يعني أن تكون المرأة متحررة ، ما فائدة أن تمدين يد العون إلى شخص هو ليس مقتنع بما تقدمينه له من مساعدة .. هذا من ناحية ، من ناحية أخرى ، أكرر ما ذكرته في سياق جوابي على السؤال السابق ، أن الرجل هو يحتاج أولاً لأن يتحرر ، نحتاج إلى تحرير عقلية المجتمع من ترسبات التربية الدينية الخاطئة و سلطة العقلية الدينية الخاطئة كما أسميتها..
إذا تحتاج المرأة بالدرجة الأهم إلى نفسها و إلى تصميم وجداني و حقيقي منها بضرورة أن تتحرر ، فهي تملك كل مستلزمات التحرر ، هي ولدت أصلاً محرر ، و كبلها المجتمع بمجموعة من القيود ، لكن عليها هي أن ترفض ، أن تقول لا ، أن تخطوا الخطوة الأهم و هي إعلان الرفض ، بعد ذلك يأتي دور الرجل..

*** الحكومات هل يجب أن تساند نساء مجتمعاتها من خلال منحهن امتيازات بعينها في الوظائف الهامة والإنتخابات؟؟؟

من الطبيعي أن إي مجتمع متمدن و متحضر و أي نظام سياسي حضاري قائم على المساواة بين كل فئات المجتمع و قائم على أسس من العدالة و المساواة في حقوق المواطنة ، أي حكومة منتخبة على أساس ديمقراطي مؤمن بقدرات جميع فئات و شرائح و مكونات المجتمع برجاله و نساءه ، هي بطبيعة الحال حكومات أدركت بالتدريج أهمية أن يكون المجتمع بجزئية الذكوري و الأنثوي محرراً و له الحق الكامل في تولي وظائف حكومية و مناصب سياسية بشكل متساوي.. و هذه الحكومات لا تحتاج بالمناسبة لكي تصرخ و تقول أنها تساند حقوق المرأة و هي تنوي فسح المجال أمام المرأة لكي تنتخب و ترشح نفسها ، و هي لا تحتاج أيضاً لتضع بنود محددة في الدستور تذكر فيها حقوق المرأة و نصيبها في المشاركة السياسية ، هذه الدول قائمة أساساً على أيدي الرجال و النساء بشكل متساوي..
لكن حكومات على شاكلة الحكومات الشرق أوسطية و الحكومات العربية و الفارسية و حتى الكـُردية يتكلمون عن حقوق المرأة في خطاباتهم السياسية لأنهم لا يوفرون هذه الحقوق أصلاً ، يتحدثون عن أنهم سيوفرون مجالاً للمشاركة النسوية في الحياة السياسية لأنهم لا يفسحون المجال أصلاً لمشاركتها في الحياة السياسية و لا أثر لها بشكل فعال في أي منصب من المناصب الحكومية ، هم يتحدثون عن شيء لا وجود له ، و إلا لما كانوا بحاجة لأن يتحدثوا عنها و يعلنون مساندتها بالقول فقط، و هم من أجل ذلك يضعون بنوداً في دساتيرهم أنهم يسمحون بنسب معينة للمشاركة النسوية في البرلمان و المشاركة السياسية في الحكومة لأنهم يريدون حصرها في نسب معينة ، و لأنهم لا يريدونها أن تشارك أصلا ، لأنهم لا يفسحون المجال.. فمن بمقدوره أن يعطي شيئاً لا يتحدث عنه ، و الحكومة التي تدرك أهمية تحرر أبناء المجتمع بشكل متساوي لا تدخل ذلك في قراراتها السياسية و تبقيه حبر على ورق ، فحقوق المرأة في تلك البلدان مازالت حبر على ورق ، مازالت مشاريع دعائية إنتخابية يستفيد منها الرجال للصعود إلى مناصب حكومية عالية.. ليس لكي تنال المرأة حقوقها بشكل كامل و متساوي ، و إنما من أجل الفوز بجولاتهم الإنتخابية و منع النساء من صعود السلطة..فإن كنت تسألينني عما إذا كانت المرأة تحتاج هذا الدعم و المساندة من الحكومات ، أقول لكي نعم ، لكن أسألك أنا: و هل تؤمن هذه الحكومات بهذه الحقوق حتى تساند المرأة فيها بشكل جاد؟ إذ لابد من عزم المرأة و جرأتها في تخطي الخطوط الحمراء و في اقتحام عالم الرجال بقوة و بدون تردد..حتى تقتنع الحكومات أن المرأة كفء و قادرة على أن تحكم مثلها مثل الرجل و أن تخدم في كافة المجالات بدون استثناء..

*** عملت فترة طويلة كمقدمة برامج ومحررة بإذاعة الأجانب بمدينة روتردام هولندا وأنتي الأن عضوة مجلس إدارة إذاعة و تلفزيون رايزفايك ، كيف ترى معنى الحرية في التعبير التي يجب أن تتاح للإعلام؟؟ وهل تتفقي مع من يرون أنه في إطار حرية التعبير من الجائز وغير المستبعد استخدام الشتائم ؟؟؟

عن نفسي لا أحب الشتائم و توجيه عبارات غير لائقة ، لأن هذه الممارسات تدخل ضمن حدود التربية الشخصية و التركيبة الشخصية للشخص نفسه ، هذه تعكس الجانب الأخلاقي للشخص.. في الغرب تتوفر كل مقومات الحريات بكل أنواعها ، لكن هذه المقومات و العوامل لا تدعم و لا تساند العمل الشائن ، فهم ينتقدون بسخرية لاذعة.. فعلى سبيل المثال هناك برنامج يذاع أسبوعياً على إحدى القنوات الهولندية ، تنتقد أحياناً العائلة المالكة و حتى الحكومة ، أتذكر أنني شاهدت قبل سنوات حلقة من البرنامج تناولت الجوانب السلبية في حياة أفراد العائلة المالكة في هولندا ، و عملت منهم دمى (أرجوزات) و عرض البرنامج و شاهده الكل ، وقتها استغربت مما رأيت ، ففكرت في الحال في الحكومات في الشرق و في الوطن العربي ، و كيف لو أن هذا البرنامج يذاع هناك ماذا سيكون مصير مقدم البرنامج و كادر التلفزيون كله؟..
هناك حريات و هناك مطبوعات في الغرب شغلها الشاغل كشف أسرار حياة الفنانين و الساسة و المشهورين في المجتمع في جميع المجالات ، و هي تركض وراء الفضائح ، تسمى بجرائد أو مجلات الفضائح.. لكن لنكون واقعيين ، هذه الممارسات و الحريات تتطور بشكل متوازي لتطور العقلية الاجتماعية ، بعكس ما يحدث في الشرق ، يتطور الظاهر ، و تتطور ممارسات البشر من أجل المزيد من الحريات على الشارع ، لكن العقلية و تقبل الآخر مازال متخلفاً بمئات السنين ، فانظري إلى الموضة و الإنترنت و التكنلوجيا ، و أنزلي الشارع ، سترين الاختلاف واضح جداً بين الظاهر و العقل.. هناك مناطق في العراق إذا تسيرين فيها تقتلين لأنكي لا ترتدين الحجاب ، مع ذلك الكل يحمل بدل الموبايل اثنان ، و يتابع أخبار العالم من خلال شبكة الإنترنت التي هي نتاج التطور التكنولوجي و يتابعون أخبار الموضة و حياة الفنانين الأجانب.. في الشرق لم نفلح بعد في فصل الدين عن الدولة و التأسيس لنظام سيكولار ، علماني يؤمن بكل الحريات المجتمعية لكل أفراد المجتمع بدون أي استثناءات..نحن لم نؤسس بعد لثقافة قبول الآخر و قبول الرأي المضاد..
المهم و حسب تجربتي في العمل الصحفي في هولندا ، هناك حريات واسعة و لا حدود أصلاً للحريات ، لكن هناك أيضا أعراف و ضوابط صحفية على الصحفي الأكاديمي و المتزن الذي يمارس الصحافة عن مسؤولية و بشكل هادف أن يتمسك بها و أن يتحرك ضمنها..

** كنت تلمحين والدك وانتى صغيرة يتحدث هامسا لوالدتك أو لأصدقائه عن السياسة وتذكرين أنكِ لن تنسي أول ضربة تلقيتها من يد ضابط عسكري في مظاهرة طلابية عفوية وأنت صغيرة.... لماذا برأيك السياسة وممارستها في مجتمعاتنا أمر خطير ثمن الخوض به غالي؟؟ وهل يمكننا القول أنه من كثرة خوفنا من السياسة افتقدنا قدرتنا حتى على التعبير بما تئن به قلوبنا من أوجاع وعقولنا من تساؤلات؟؟

في ظل الأنظمة الاستبدادية هناك ثلاثة محذورات لم يكن مسموح لنا أن نقترب منها أو أن نخوض فيها حتى في سرنا.. هذه المحذورات الثلاثة هي: الدين ، السياسة و الجنس.. اليوم في العراق ، أصبح الكل يتحدث في السياسة ، بل أصبح الكل سياسيون ، لكن ما زال الدين محذوراً و لطالما يبقى الدين في عداد المحذورات ، كتحصيل حاصل سيبقى الجنس أيضاً من المحذورات..
لكن صحيح ففي ظل الأنظمة الدكتاتورية و الاستبدادية هناك خوف من كل شيء ، خوف إلى درجة الضعف ، لأن جل ما تسخر هذه الأنظمة قوتها فيه و تركز عليه هو إضعاف الشعب و سلبه الإرادة و كبت صوته و تجويعه ، بحيث لا يجد لا الوقت و لا القدرة و لا المزاج و لا الحاجة لكي يتحدث في الأمور السياسية ، أو حتى أن يلتفت إليها ، فينشغل في كيفية تأمين قوت يومه.. في بلد غني مثل العراق ، كان أبشع ما ينتهجه النظام الفاشي هو تجويع الشعب حتى يصرف أنظاره عن المشاكل السياسية و لكي ينهكه و يضعفه بحيث لا يقوى على المعارضة و الوقوف بوجهه ، لسبب ثالث هو القضاء عليه و قتله.. فانتهج سياسة التجويع و الإفقار في كردستان بوحشية ، بحيث عزل في فترة ارتكابه جرائم (الأنفال) مناطق كثيرة و أخضعهم إلى حصار اقتصادي قاسي ، و منعهم حتى عن المشاركة في التعداد السكاني لكي عندما يقضي عليهم في جرائم الإبادة البشرية يكونون بشراً لا وجود لهم في سجلات التعداد السكاني و لا وجود لأساميهم ضمن مواطني العراق في سجلات الأحوال الشخصية..
بهذه الطريقة كان المواطن منهك القوى بحيث لا يقدر أن يرفع صوته ، و من يخوض في السياسة و لحد الآن في الكثير من البلاد العربية يدفع ضريبة باهضة ، قد تكلفه حياته.. فهذه سياسة القمع والتخويف و الإرهاب ، إرهاب الدولة ضد الشعب بهدف القمع وبقاءهم في السلطة.. الحكومات في الغرب لا ينتهجون هذه السياسات لأنهم يعتبرون أنفسهم أحد أبناء المجتمع ، و يعتبرون أنفسهم نواب الشعب الحقيقيون ، و لأنهم وصلوا مروراً بعملية إنتخابية ديمقراطية سليمة ، و لا يخافون من صوت الشعب ، لأن السلطة الحقيقية أصلا بيد الشعب..
لكن في المشرق السلطة الحقيقية غائبة ، و السلطة الحاكمة هي الظلم و التخويف و القهر و القمع..لذلك تجدين المواطن الشرقي ، و العربي تحديداً ملامح وجهه دائماً قاسية و طباعة حامية و يتناقش بصوت عالي ، و يسقط كل الظلم الذي يقع عليه على محيطه ، بحيث يمنع الأب ابنه من الخوض في السياسة لأنه هو محروم من هذا الحق ، بالتالي لم يتعلم كيفية الممارسة الديمقراطية ، لا يستطيع تعليم أبناءه مباديء الديمقراطية و حرية الرأي و الرأي الآخر..

*** الشعر وكتابته ماذا يعنى لك أستاذه فينوس ؟؟ وهل تعتمدين عندما تكتبيه على ذات الرغبة في الوضوح كما هو الحال بمقالاتك ؟؟ أم ترى أنه من الأفضل جعل كلماتك الشعرية نوافذ للقارىء ليخرج من خلالها خياله الخاص ؟؟

لدي في بعض الأحيان مشكلة من نوع آخر مع اللغة ، أكتب الشعر باللغتين الكـُردية والعربية، وبنفس الإحساس، لكن كثيراً ما أبدأ بكتابة القصيدة الواحدة بالكـُردية مثلاً و أكملها بالعربية ، أو بالعكس، وبعد ذلك أعيد صياغة القصيدة بإحساس ممزوج باللغة التي أرغب.. أما كتابة المقال لا تشكل عندي مشكلة كبيرة ، وكثيراً ما أكتب المقال بروح الشاعرة ، أمزج الإحساس كثيراً في تفاصيل المقال..أعتمد كثيراً على الخيال و الفنتازيا.. القصيدة أرض خصبة لولادة الأحاسيس و التعبير الذي يلامس الوجدان ، أما المقال فلا روح له ، جامد ، لذلك ألجأ كثيراً إلى إضفاء البعض من الرتوش الشعرية على مقالاتي..الشعر و كتابة الشعر عندي حالة أخرى تماماً تختلف عن الحالة التي أكون فيها أثناء كتابة المقال ، مع كتابة القصيدة أتحول تدريجياً إلى كائن آخر ، كائن يختلف عن البشر ، تشكل القصيدة الكثير من ملامحه.. مع كتابة القصيدة أغوص في عالم آخر يحمل خصائص أخرى ، يصعب علي تعريف هذا الكائن و هذا العالم ، و من غير الممكن أن أحدد ملامحهما ، لكنني أعيشهما ، إنه نوع من الهوس ، الجنون ، السكر..مع القصيدة أكتب نفسي و أكتب الآخر من خلال نفسي.. لكن مع المقالة أخاطب الآخر و أكتب عن الآخر.. عن الصدق و نسبته ، الصدق موجود في الحالتين ، و الوضوح أيضا ، لكن الشعر به بعض الشفرات و الطلاسم التي لا يفكها إلا من تتمكن القصيدة من ملامسه وجدانه ، القصيدة تشبه لوحة سوريالية ، حتى القاريء يستمتع مع عملية قراءة رموزها.. مع القصيدة تنقل الإحساس كما هو.. مع المقالة تنقل الحدث و التحليل و الرأي ، و الوضوح مطلوب و مهم في كلتا الحالتين..لأنني أكره الشخصيات الغامضة ، و أحب أن أكون مقروءة من قبل الآخر بسهولة..

*** ماذا تعنى لك تلك الكلمات في عبارة واحدة لكل منهم

كردستان الجنوبية:- فكردستان الجنوبية ، تعني لي مستقبل أحلم به و يحلم به كل كـُردي ينتمي إلى تلك الأرض، كردستان محررة بكيان سياسي و حكومي مستقل.

العراق: البلد الذي أكن له مشاعر كبيرة وعظيمة من الاحترام والحب، العراق ذكريات الطفولة التي لا تنسى.

هولندا: بلدي الثاني التي منحتني ما لم أحصل عليه في العراق خصوصاً في عهد صدام حسين.

الموت: لا أخافه، لأنني لا أفكر به أصلاً ففكرة موت الجسد لا تخيف بقدر ما تخيفني موت مشاعر الحب و المودة والإخلاص والصداقات الحقيقية..

القهر: عشته لذلك أعرف كيف يشعر الإنسان المقهور، لذلك أستطيع أن أتحدث عنه، لكنني لا أحب أن أستعيد ذكريات مؤلمة..



#باسنت_موسى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رجل مهزوم
- إلى ماذا يهدف منهج المواد الفلسفية بالثانوية العامة المصرية؟ ...
- بين الحب والكراهية
- قراءة في كتاب الرجل والجنس للدكتورة نوال السعداوي
- الحياة بلا أطفال كيف تسير؟؟ 3-3
- الحياة بلا أطفال كيف تسير؟؟ 2-3
- الحياة بلا أطفال كيف تسير؟؟ 1-3
- لا ليس حب
- الحب بين الحاجة والحقيقة
- كاتبات في محنة
- يسعدني البقاء وحيدة
- قراءة في كتاب - هؤلاء علموني - للراحل سلامة موسى
- الأغتصاب جريمة خرق الكيان الإنساني
- قراءة في كتاب الشخصية الناجعة للراحل سلامة موسى
- جسد المرأة رمز للعار وإثارة الغرائز 2-2
- جسد المرأة رمز للعار وإثارة الغرائز 1-2
- الشخصية المصرية بين الدين والتطرف
- الشباب ودوائر البحث عن الأمان
- سلامة موسى وجانب أخر من حياته
- حوار مع الكاتب المهاجر د/شريف مليكة


المزيد.....




- روسيا تعلن احتجاز نائب وزير الدفاع تيمور ايفانوف وتكشف السبب ...
- مظهر أبو عبيدة وما قاله عن ضربة إيران لإسرائيل بآخر فيديو يث ...
- -نوفوستي-: عميلة الأمن الأوكراني زارت بريطانيا قبيل تفجير سي ...
- إصابة 9 أوكرانيين بينهم 4 أطفال في قصف روسي على مدينة أوديسا ...
- ما تفاصيل خطة بريطانيا لترحيل طالبي لجوء إلى رواندا؟
- هدية أردنية -رفيعة- لأمير الكويت
- واشنطن تفرض عقوبات جديدة على أفراد وكيانات مرتبطة بالحرس الث ...
- شقيقة الزعيم الكوري الشمالي تنتقد التدريبات المشتركة بين كور ...
- الصين تدعو الولايات المتحدة إلى وقف تسليح تايوان
- هل يؤثر الفيتو الأميركي على مساعي إسبانيا للاعتراف بفلسطين؟ ...


المزيد.....

- قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي / محمد الأزرقي
- حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش. / عبدالرؤوف بطيخ
- رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ ... / رزكار عقراوي
- ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث ... / فاطمة الفلاحي
- كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي ... / مجدى عبد الهادى
- حوار مع ميشال سير / الحسن علاج
- حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع ... / حسقيل قوجمان
- المقدس متولي : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- «صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية ... / نايف حواتمة
- الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي / جلبير الأشقر


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - باسنت موسى - الشاعرة الكُردية فينوس فائق