باسنت موسى
الحوار المتمدن-العدد: 2137 - 2007 / 12 / 22 - 12:04
المحور:
العلاقات الجنسية والاسرية
تحت عنوان" دواير " غنى الفنان اللبناني مروان خوري من ألحانه وكلمات الشاعر المصري عبد الرحمن الأبنودي قائلاً " بنلف في دواير والدنيا تلف بينا، دايماً ننتهي لمطرح ما أبتدينا طيور الفجر تايهه في عتمه المدينة بتدور ، مبنكتبش الرسايل مبنتظرش رد لحد في يوم سمعنا ولا بنسمع حد ، ساكنين في عالم يعشق الخطر فيه الطيور بتهرب من الشجر وتهرب النجوم من القمر وتهرب الوجوه من الصور، بنلف في دواير ندور على الأمان ونلقينا رجعنا تاني لنفس المكان ، نحلم ونحلم بالحياة المفرحة وأتاري أحلامنا بلا أجنحة ، ندور بجناح حزين مكسور ساعات نشوف في العتمة وساعات نتوه في النور، وساعات عيونا في الأسى تفرح وساعات وقت الفرح منوحه ، ولا ماضي ولا حاضر تروس بتلف على الفاضي، ولا فينا شباب زعلان ولا فينا شباب راضي ، مفيش غير أننا بندور ندور" تلك الأغنية بكلماتها الرائعة والأداء المميز لمروان خوري كانت الدعاية الإعلامية لفيلم " أوقات فراغ " والذي أتخذ من واقع الفئة العمرية للشباب الجامعي المادة الأساسية لمحتواه الدرامي وحقيقة كلما سمعت كلمات تلك الأغنية يتراءى أمام عيني العديد من المشاهد السيئة والمخزية لحال جيلنا من الشباب.
لو سألنا عن طبيعة الدوائر والاتجاهات التي يلجأ لها الشباب للاحتماء من قسوة الحاضر بكل مفرداته عليهم لوجدنا أنها دوائر كثيرة وكلها للأسف لا تحقق للشباب الأمان الذي ينشدونه وبالتالي يدخلون في دائرة ويخرجون منها أكثر خوفاً وشعوراً بالجراح ليدخلوا في دائرة أخرى وهكذا يسيرون دون أن يشعر أحد بهم من عالم الكبار بل أنه في أحيان ليست بالقليلة يساهم هذا العالم المكون من الكبار في تدميرهم كشباب صغير وجد في مجتمع الآباء فيه أباء بالصدفة ولدواعي الزواج فقط، كما أن قياداتهم الاجتماعية وسياسية تسعد بالخطابات الرنانة الكلمات عن التنمية والشباب والمستقبل دون أن تقدم حلول واقعية جيدة ولو بشكل جزئي للشباب المفترض بهم أن يكونوا صناع المستقبل وهم بحق سيكونوا صناع لهذا المستقبل حتى لو لم يؤهلوا لذلك الفرق أنه كلما كان التأهيل متميز كلما كان المستقبل مضيء والعكس صحيح.
الدين أحد أكثر دوائر الهروب من الواقع إقبالاً لدى الشباب وذلك لأننا أبناء مجتمعات تعتبر الدين أفيونها ومخدرها اللذيذ من قسوة الواقع، ولعل ظهور من يطلقون على أنفسهم " الدعاة الجدد" ماهو إلا استمرار أتخذ شكل أكثر تطرف لفكرتنا المغلوطة بالأساس عن الدين لذلك علينا ألا نتعجب عندما نرى فتياتنا يرتدن الخيام وشبابنا يلبسون الجلباب أو البنطلون القصير ، لقد تحول العديد من أبناء جيلي تحت سطوة تأثير الدعاة الجدد عليهم إلى أفراد متدنيين ظاهرياً وبلا أخلاق حقيقية حيث تجد شاب كاذب ومنافق وربما سارق أيضاً ويدعى الفضيلة المزيفة بملابسه التي تضفي عليه بريق من نوع خاص والحال كذلك بالنسبة للفتيات حيث تجد بعضهن ممن يرتدن الأزياء الدينية المبالغ فيها غير عفيفات الفكر والحديث يحملن كراهية كبيرة لكل ماهو مختلف عن توجهاتهم الفكرية وأحياناً تتحول تلك الكراهية لسلوك عنيف لفظياً كان أو جسدياً ضد المختلف .
اللامبالاة بأي شيء وكل شيء دائرة يلقى بنفسه داخلها من يرى أن الحياة عديمة القيمة وأوضاعها السيئة لن تتغير حتى ولو بمعجزة إلهية وربما هو لا يثق بالله ذاته لذلك يعيش غير مبالي بما حوله بل غير مبالي بما يدور داخل نفسه من أفكار قد تكون مدمرة ،وهذا النوع من الشباب لا يعتبر أن كل يوم جديد في حياته هو فرصة لإنجاز عمل مختلف وإنما يعتبره عبء تضيفه له الحياة وتتركه وحده يتحمل معاناة عيشه ،هناك بالطبع العديد من الدوائر الأخرى التي يلقى الشباب أنفسهم بداخلها للهروب من خلال دواماتها من الواقع أو على الأقل الانفصال عنه لكن برأيي أن تلك الدائرتين من أخطر ما يكون لأنها تخلق كائن متطرف يرغب في التغيير لما هو أسوأ على الإطلاق وأخر لا يكترث لمقاومته ولو حتى بأبسط الطرق وهذا معناه أن سيادة الأسوأ قادمة لو لم يفيق الصامتين اللامبالين من الشباب تحديداً الشباب لأنهم القوة الحقيقية القادرة على التغيير بأي مجتمع.
لكن قبل أن نصرخ في وجه مؤسسات المجتمع مطالبين إياها بحماية الشباب من دوائر التوهان واللغط التي يعيشونها علينا أن نخاطب الأسرة أولاً ونساعدها على إدراك مواطن إخفاقها في رعاية أبناءها ، لذلك من هنا أتوجه برسالة للكثير من الأسر وسأجمل رسالتي بمجموعة من النقاط البسيطة التي ينبغي الاهتمام بها حتى لا نساهم في تسلم أبنائنا بسهولة للذئاب الخاطفة التي تنتظر افتراسهم تحت دعاوى الدين والفضيلة .
** الحوار أثبت أنه عامل فعال في حل الخلافات والصراعات حتى بين الدول الكبرى فماذا لو أستخدمه كل أب وأم مع أبناءهم فلذات أكبادهم دون أن يتعالوا عليهم بأوامر واجبة التنفيذ ...على كل أب أن يسأل ذاته هل أنا قائد جيش حتى أتبع منطق الأوامر مع أبنائي أم أنني أب حنون يعلم بطول أناه وحب نابع من عمق القلب؟ وبناء على الإجابة سيحدد الطريقة التي ينبغي أن ينتهجها.
** أتعجب من غضب الأباء وحلولهم الكارثية لعلاج هذا الغضب خاصة إذا كان المغضوب عليه أبن ذكر حيث تجد الأب يصرخ في وجه ولده قائلاً: لقد أنفقت عليك ولم تكترث برد هذا الجميل لي ويبدو أنك ترغب في معاندتي لذلك أخرج خارج بيتي وأنظر ماذا سيفعل الشارع بك . الأب هنا يظن أن ولده هو الخاسر الوحيد وأن الشارع سيجعله أكثر التزاما في حين أن العكس يحدث في أغلب الأحيان ثم أن الأب عندما ينفق على أولاده لا يحتاج منهم رد الجميل فهو يفعل ذلك بدافع الحب الأبوي والالتزام الاجتماعي .
** الكثير من الأسر تتبع مع أبناءها نظام المراقبة والأب والأم هم مشرفين هذا النظام متصورين أن ذلك هو الحل لتقويم وتعديل سلوك الابن في حين أن المراقبة كنظام لا تخلق التزام وإنما تخلق ابتكار لأفكار كيفية الهروب من الالتزام وأتذكر الكثير من الأباء الذين خدعوا من قبل أبناءهم وكانوا يحضرون لهم المحاضرات الجامعية مكتوبة وتوحي بأن هذا الابن لم يفارق المدرج الجامعي في حين أنه لم يشاهده بالأساس، ولتفادي تلك الأخطاء يمكن للآباء أن يعتمدوا على أسلوب قبول الخطأ والإخفاق من الابن دون انتهاج أسلوب التوبيخ المستمر وهذا حتماً سيشجع الأبناء على البوح بكل أفكارهم وأخطاءهم دون انتظار التوبيخ بل التعليم.
** الأسرة يمكنها أن تنمى لدى الأبناء المفاهيم الصحيحة عن الإيمان والتدين وتلك التنمية ستساعد الأبناء على مزيد من العمق في فهم الدين ودوره في الحياة بحيث لا يقعون فريسة سهلة في أيدي من يروا الدين وسيلة جيدة لتفريغ الكراهية والعنف وبالطبع هذا يتطلب إلا تفرح الأسرة لارتداء ابنتها الإسدال الديني وكون ذلك الإسدال سيخفض تكاليف ابنتهم من الملابس وباقي أدوات التزين.
أبناءنا عطية من الله لنا فإما نحسن التعامل مع تلك العطية ونقدمها له وللمجتمع جيدة وأما أن يحدث العكس ونتركهم يدوروا وحدهم في دوائر الهروب والموت .
#باسنت_موسى (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟