أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي ديوب - سنتان و 500 متر















المزيد.....

سنتان و 500 متر


علي ديوب

الحوار المتمدن-العدد: 2156 - 2008 / 1 / 10 - 10:25
المحور: الادب والفن
    


ظننت أن محتويات منزلنا لا تزيد عن عدة حقائب. ثم أسفت لاستغنائي عن عروض مساعدة لنقلها إلى البيت الجديد. كان صديقي السكوتشي ديفيد، بحنكته الستينية، أكثر واقعية مني في إدراك حجم الكارثة، حين عرض علي استخدام سيارة الصالون الكبيرة، التي اقتناها مؤخراً لخدمة إعادة بناء الإسطبل بيتا لابنه الأصغر؛ تاركاً، على مدخل المنزل الضخم، هيكلا شبحيا قديما لسيارة تاكسي يصعب تحديد نوعها، خلف قناع خيوط العناكب، و أعشاب رطوبة الشمال السكوتلندي، التي تعرش حتى على الرخام المصقول. فتبدو جزءاً أصيلا من مكان ينتمي للقرون الغابرة، بأعداد التماثيل المتنوعة الحجوم والأنواع (واقعية لبشر، أو لحيوانات، أو لطيور، وأخرى متخيلة لكائنات خرافية تجمع بين اثنين أو أكثر من هذه العناصر)، والتي تتوزع على نحو مستور، ومفاجئ في أنحاء الحديقة الفيكتورية، بأعداد لا نهائية، كما لو انها تتخلق للتو؛ فتضفي هالة أسطورية، لا سيما في الأجزاء غير المشذبة من الحديقة ـ الغابة، وتحديدا في الأيام المضببة والملتبسة، حيث تصل أشعة الشمس خلسة وعلى نحو مائل، مثل أبيال في أيدي لصوص يجوسون العتمة.
ابن بلدي بهاء، أيضا، كان عرض عليّ سيارته، علاوة على عضلاته. وهو مارد حقيقي، لا يملك سببا مقنعا لركوب ما يدب أو يهب أو يسير على عجلات. وبررت رفضي للعرض، ببساطة المهمة: المسافة قصيرة ـ لا تتعدى الخمسمئة متر. وحاجاتنا قليلة، يمكن لمتجول بين القرى أن يحملها بمفرده.
500 متر وسنتان
مبالغة في الاستخفاف، رحت أحسّ بفظاظتها وأنا أسحب نفسي وأشيائي. لم أكن أحسب أن سنتين كافيتان لتهديدي بكل هذا الالتصاق. أنا من الصنف الذي لا يكترث بالانتماء: سواء للبيت، أو للعقيدة، أو حتى للوطن. و لقد كنت أعلم سلفاً أن وجودنا في ذلك البيت مؤقت، عبر استئجار نسميه في سوريا بالسياحي.
حملت في نهارات أسبوع بطوله أثقالا، دهشت لكبر حجمها، من البيت القديم إلى البيت الجديد. وكان الفراغ الذي يتحصل في هذا البيت، عبر التخفف من الإشغالات، يعيد جمال اللقاء الأول. هذا ما لمسته لدى زوجتي و ولدي أيضا. بينما الإشغالات ذاتها، تحد من جمال المكان الجديد. للأشياء سلطتها على الكائن، عبر الاشتراطات (الإشغالات) التي تدخلها على الحرية المتآلفة مع الفراغ. اجتاحت زوجتي موجة زهد، خالطها رفض وحزن وجودي مبنيان على الرؤية الصوفية الشهيرة "الإنسان عبد ما يملك". و تمنت عليّ تصريف ما يمكنني من الحوائج غير الضرورية. أما أنا فكنت أرزح تحت ثقل تأمل التناقض الذي يحكم حياتنا؛ والذي يشكل عليّ المفاضلة بين أن أمتلك منتجات توفر وقتا أكثر وجهدا أكبر وعذاباً أبهظ، ولكنها تلغي الحرية البدائية كليا، وبين أن أتحرر من الملكية ـ والتي منها في النهاية البيت المكيف و المؤثث ـ فأربح راحة ارتباطاتي العبودية بمستلزمات العناية بها وصيانتها واستبدال التلف منها..الخ؟
ولم أكن أملّ من تأمل سعادة طفلتنا التي كانت تحبو بغبطة وحيوية فائضتين، في كل اتجاه، كخروف منفلت في الربيع. مالئة المكان بصرخات المتعة، متلذذة بصفع أرضية خشبية ملساء، لا تمتص صدى حركاتها، كما كانت الأرضية المفروشة بالموكيت، في البيت السابق.
حقائب الحروف
سأكون طفلا غير مهذب، في آخر أسبوع لي هنا. سأكتب شيئا غير مفهوم، لمجهول سيسكن في مكاني، ويرث عني عرش النافذة.. التي تشبه قمرة قبطان السفينة، ببروزها، وتطل على فراغ يتسع إلى الجهة اليسرى، مخيّلاً لي نهر النيل، من جهة الأوبرا. بل سأكتب لمواضيع الرصد، للمرصودات والمرصودين. لزرافات الفتيات الحاجّات إلى مقدسات الموسيقى والرقص والشراب، في أماسي السبوتات والآحاد وأطراف الأيام الأخرى. سأتملى قاماتهن الجامحة، بمساحات الانكشاف الوافرة، في طريق الذهاب، وتلك الأوفر انكشافا والأقل جموحاً وتوازنا، في طريق الإياب، وأتوقف عند أقدامهن العاريات. سأخاطب أناسا غير موجودين؛ سأشكلهم على نحو غامض. كما تعودت أن ألتاث بتجسيد عشيقاتي (ربات الخدور السبع)، اللواتي زينَتْهن لي تربيتي الصوفية على أنهن صورٌ بشرية لجواهر علوية منزهة. بعيدا عن النافذة ـ القمرة ـ المرصد ـ المنارة، في عزلة خالصة، سوف أستبطنهن. بخيبة تنتصر لفشلها، سأحاول عبثا، و بمضاضة، أن أصل ما انقطع من حلمي اللذيذ.
يحق له، حين أرغم على وداع بيروت، أن ينعي العرب الراحلين من الأندلس. لقد أضاع هناك ملكا. لا. بل حلما؛ لقد كان محمود درويش أبلغ أثراً في العبارة منه في المعركة. جملة واحدة، من قصيدة ( بيروت)، تخاطب مجهولين، أتذكرها مجزوءة على هذا النحو: كم تركنا ـ أو سفحنا ـ على نوافذكم من الشهوات! ثمة أطراف أربعة، هنا: نحن، أنتم ـ ن، النوافذ والشهوات. أرى أن الحدين الأخيرين هما الجديران بحمل أل التعريف، ذلك أنهما يحملان الكينونة المكنونة في السر.. أما الحدان الأولان فينتسبان إلى قائمة النكرات، التي تبذلها الحياة بلا انتباه أو تأنّ. أنا، نحن، أنت، أنتما، أنتم، أنتن، هي، هو، هما، هم، هن..الخ كلها ضمائر تحضر وتغيب. وقد لا تحمل أية قيمة أو أهمية؛ لكن النافذة إذ تحضر، والشهوة إذ تنبجس.. فتلك هي الثغرة الدالة، في هذه العتمة الأبدية والعماء المطلق. الثغرة التي يسيل منها المعنى.
حقائب الضوء
نجر حقائبنا خلفنا، فتحدث أثلاما في رطوبة أرصفة أبردين. و تترك أثرا خجلا لعابرين غرباء. ثم تختفي، مثل مذنبات الغبار في إثر النجوم التي تجهل مصيرها إذ تهوي إلى حتفها.
من أين جاءت كل هذه الأغراض؟ لم تطل بي الإقامة هنا ما يكفي لمراكمة أشياء، هي أثقال أكثر مما هي لوازم؛ ربما هو الخوف ـ خوفي المشرقي ـ من الوقوع في الحاجة. والخوف من الوقوع في المكاره أشد وطأة منها. أجر حقائب النهار لوحدي: واحدة على الظهر، واثنتان في اليدين. السماعتان في الأذنين، و الغناء رفيق يعينني، دون أن يحمل شيئا. وفي المساء، حين تعود زوجتي من عملها، نجر ضعف الحمل الأول. هكذا نخلق آيتي النهار والليل، كما يحسن بنا أن نفعل.
حقائب العري
كيف سأحملهما؟ بيننا رصيفان، شارع، وبضع شجيرات.. لكن المسافة كافية لكي تبدو ملامحها على النحو المطلوب، أي عبر تقاسيم الجسد، فلا أهمية لتفاصيل الوجه. كانت تتخطف شرودي العريض المديد، وتركزه على حركاتها البرقية. أكانت تتباهى أمامي أنا؟ نافذتها تطل على صف من البنايات، نافذتي مجرد ثغرة في إحداها. عداك عن الشارع و نهر الحركة التي تمور بين ضفتيه.. لكني كنت أظنها تخصني أنا، يوميا، بخطاب جسدها العاري. متلاصقا، وأحيانا متعاركا بلطف مع جسد قرينها الفارع، كتمرينات تحمية¬ وقوفا¬ قبل أن يغيبا خلف عتمة الستائر، تاركين لشموع الجسد أن تراقص مخيلتي، التي تثقفت على خيال الظل! قصيدة، أو لوحة فاتنة، لم تكتمل، تلك الفتاة التي سابقت البلوغ لتشارك العيش شابا يحرص على الظهور برأس حليق، ربما لكي يتحايل على صلع مبكر نشب في الصدغين. الصدمة المبهجة لعرض التعري اليومي باتت مؤسية، بل تحولت إلى صدمة موجعة.. بما تحمل من انكشاف لعري أجيالنا، التي التهمها الهرم المبكر بكاملها، وهي لم تزل تزحف مخوّضة في فضلات الحياة!
حقائب الزجاج
أتأمل المارة. يستوقفني دائماً مشهد التشابه بين الحيوانات الأليفة ـ وهي هنا كلاب من كل الأنواع¬ وبين أصحابها. أدقق جيدا في الوجوه، ونادراً في الهيئة العامة، والتي تأخذ حركة واحدة بين الطرفين. طالما أثارني هذا الأمر، منذ طفولتي: لقد كانت الحمير سباقة لحمل التشابهات مع أصحابها. وكنت أضحك في سرّي إذ كنت أتعرف في الحمار على صاحبه. هذا الحمار البليد لفلان. ذاك العنيد. وذلك المتوجس، الحذر، يتلفت في كل اتجاه، كلص مريب. أو في بلدات أخرى كسياسيّ يعمل في الأحزاب السرّية؛ ترى هل هي العشرة المريرة، الأليفة، المكثفة.. سواء طالت أم قصرت؟ القياس يستدعي بقوة طرح السؤال عن التشابه بين السجان والسجين!
السنة الأخيرة شهدت تغيرا في سحنة المشاة على أرصفة مدينة صغيرة، كأبردين، يزيدها اللون الأسود لحجارتها البازلتية إحساسا بمزيد من الصغر، و ذلك من خلال الزيادة في أعداد البولنديين (خمسة ملايين بولندي تدفقوا إلى بريطانيا، مع أول سنة للانفتاح على بولندا، إثر دخولها الاتحاد الأوروبي ـ وهذا الرقم يساوي سكان سكوتلندا بكاملها). اليوم لا تستوقفني الملامح الأوربية الشرقية. لقد نقلتني حقائبي للتفكير في حقائب المارة. أو لقراءة المارة من حقائبهم. هل تمتلئ حقائبهم بصور التنقل و ذكريات الرحيل؟ ماذا تطوي ظلمات تلك الحاويات الصغيرة، التي تسير على عجلات جنية دقيقة؟
مثلما يحد العمل الروتيني من الحرية الجسدية، فإنه يفتح لحرية المخيلة. ذلك أنه لا يتطلب أي مستوى من الانتباه. و لا بأس أن تقع في الخطأ. حتى أنه يمكنك أن تشطح، أو أن تلتفت في أي اتجاه. أن تقف، أو أن تحدث نفسك. أن تسمع ما يدور حولك، أو أن تستمع باهتمام إلى زفرات أعماقك التي تعوّدت أن تهملها في زحمة الانشدادات الخارجية الجوفاء والمجانية. وحتى يمكنك أن تنصرف عن كل ما له قوام أو قيمة، وتهز رأسك مطلقا الصفير في الهواء ـ تماما كما يفعل العاطل عن العمل؛ لولا أن سهوك في مثل حالتي، يمكن أن يعرضك لارتطام غير محسوب. تخمن حالة الزجاج في داخل الحقيبة.. مجرد انعكاس سطوح الزجاج قد يبدد شيئاً من ظلال الشمال المائلة. بالمناسبة، أشعر أن جل البشر هنا أشبه بدمى زجاجية، لا تنطوي على أعماق معتمة. فالناس هنا ما أن تلتقي عيناك بأعينهم حتى يشعّون بابتسامة مغرية، تجمع الاحتفاء والخجل بالتهذيب والود. أتذكر تشبيه زياد الرحباني لأحدهم بالخسة: نفسية جوه نفسية، جوه نفسية! ويأخذني التداعي لمغص في المعدة؛ إذ أتخيل سحنات أبناء بلدي؛ التي حفر الخوف والقهر والكبت والظلم والحذر.. خرائط العبوس والعدوانية المصطنعة سلاحاً دفاعياً، خطوط التقطيب بين العيون وأثلام المذلة على الجبهات، وعلامات المكر في القامات الملتوية، وأمارات الشك والريبة في العيون التي لا تعرف الاستقرار، والقلوب التي لا تألف السكينة، والخواطر التي لم تذق الطمأنينة. كم كانت تغريني وتؤلمني مراقبة قسماتهم، في الشوارع المكتظة، والحافلات الخانقة. لم يكونوا رؤوساً متراصفة من الخس أو القرنبيط؛ كانوا صورا لسجناء، يعيشون بالإكراه في سجنهم المحروس.
حقائب الأفلاك
أشبه بمباريات صغيرة، تلك الأحمال المسائية، التي كنا نشترك فيها جميع الأسرة.
نسير أربعة، أو بالأصح ثلاثة. الربّة ـ ربّة الأسرة ـ تسبقنا، تحمل حقيبة كتف، وتجر حقيبةً بيد، وباليد الثانية تدفع عربة طفلتنا، الوحيدة التي كانت متعتها خالصة، بهذه الدورة الفلكية المسلية. فهي محضونة على الأدراج ، محمولة على الطرقات! إلى جانب أمه يسير ابننا كنان، ذو السنوات التسع والنصف، يتشبه برجولة أبيه الزائفة، مبالغاً في تحميل جسده الناحل ما يجعله في اليوم التالي يشكو من عرج في المشي! وبعيداً، إلى الخلف، على آخر مدارات مجموعتنا الفلكية، يمكنك أن تشاهد ربّا عتيقاً متهالكاً، هو أنا؛ أجرجر نفسي وحقائبي.. ولكي أغطي على ضعفي، أوجه اللوم لهم. لأنهم سبقوني بالانطلاق، وتركوني لوحدي. كما لو انني أنا الطفل بينهم. أو ربما لشعوري بحاجة جاذبية أكبر، تنقذني من الانفلات من ذيل المجرة.
حقائب الصوت
هل من صلة، تتصف بالاتساق، بين اسم المسكن وبين احد معاني السكون: الصمت؟ وهل يمكن العيش في مسكن بلا صوت؟ وهل يمكن ألا يكون الصوت لمغن يشدو بلغتك، وينوح بذاكرتك، ويلوب بأشواقك؟ كان يشغلني وزوجتي سؤال الصوت. ومن غير كلام فصيح جرتنا آذاننا إلى قرار بسيط: سيرحل الصوت معنا، ليس من المكان القديم إلى الجديد، في آخر المطاف، بل وسيرافقنا في الطريق أيضاً. فكانت حبال الصوت، المتدلية من حواف رؤوسنا، وسيلة ناجعة لتأمين تدفق الغناء ـ المصل المضاد لفقر الدم والروح. في البدء كان الصوت. سبحان الحي الدائم الباقي. وكانت شرفات الأخوين رحباني، وخمرة صوت فيروز، ومشتقاته من عصارات الوجد والتوله، وسحر الحنو وألفة البساطة.. تكشف لنا كم نحن أغنياء بالأصوات.
ينعت العرب بأنهم ظاهرة صوتية ـ بمعنى يتصل بمقاربة عبورهم المجاني للحياة¬ ألا ليتهم كانوا حتى ظاهرة صوتية!
لا أعرف إن كنا عمدنا إلى اختيار صوت بذاته، وأغنية بعينها، على مدى الفترة التي انتوينا فيها أن نزرع طفلنا القادم، بل طفلتنا¬ أمنيتنا التي تحققت ـ والتي سميناها دفا؛ لكني أتذكر جيدا أني كنت أختار كلاما محدداً آنئذ. ومن ثم أغان بعينها ـ باستجابة سعيدة من زوجتي ـ في فترة الحمل. أكنت أردد رخامة وديع: دخلك بعز البرد يا كانون دفي حبيبي مليح! نحن لسنا وحدنا بحال: ثمة عائلة نحسد عليها، تقطن معنا. هي عائلة كبيرة، ومفتوحة على المزيد. لا بد سيذهلك بعض أفرادها كوديع الصافي وصباح فخري، اللذان يعاندان الفناء، وتهزك أطياف لشباب خطفهم لغز الرحيل، مثل رياض أحمد أو حسن الشريف، فتركوا لنا حياتهم، قبل أن يبلّوا ريقهم من مائها. ويصطادك طريد مثل فؤاد سالم، في آهة واحدة، كما تأسرك بشهقةٍ مترددة، فتاةٌ جارحة خجولة مثل عفاف راضي (بإبداع بليغ حمدي). ولا بد أن تلتاث برغبة اصطحاب كوكب حمزة وسعدون جابر، للسهر عند قبر ممدوح عدوان، في محاولة لإغوائه، بلحن طيورهم الطائرة عرق ضيعته الآسرة، بأن ينهض إلى مائدتهم! وستفتنك متعة التنقل بين نعومة ورقة سلامات حسين نعمة وبين ثمل وقلق آهات أم كلثوم.. أو بين حيوية كاظم الساهر وبين نواحيات ياس خضر، الذي يشيع روحك الهائمة في كل مكان!
هي رحلة مهيبة وممتعة، أيها الأعزاء. ولعل توزيع زياد الرحباني، قبل كلماته، سيجعلها حفية بأن ترتقي هارموني الكون العظيم.
حقائب السَّهَرْ
كل شيء بات هنا. ما عدا الهناك. لقد بقي الهناك هناك. وحده. بيجاماتنا معنا، وأحذيتنا. كاميراتنا، معنا. حكاياتنا. لوحات أصلية مهداة من صداقات عابرة، كما هي الحياة على هذه الجزيرة الباردة، ولوحات منسوخة (نجهل معظم رساميها)، كتب بأعداد قليلة بالعربية أو بالانكليزية تسمح بها الإقامة المؤقتة، وشيوع الإنترنيت. مشروباتنا المفضلة (المتة البرازيلية، مخلوطة بالزهورات البرية، والقهوة العربية لسحر ولي، والعرق السوري لي ولسحر، الشوكولا لكنان، والحليب لدفا)، حتى مجموعة البط الخزفية بحركاتهن المتعددة.. التلفزيونان، البلاي ستيشن، السيديات وأفلام الفيديو، ما تبقى من ألبومات الصور التي سبقت فن الديجيتال.. ألعاب دفا، وسريرها الكبير، دراجاتنا الثلاثة، بل وحتى لوحة الدلافين التي لم أكشف عنها بعد لسحر: أترقب أن أثير لديها لحظة من السعادة، في عيد ميلادها القادم ـ فهي تحب الدلافين.
كل شيء لنا بات هنا. ما عدا الهناك. لقد بقي ذاك الهناك هناك. ذلك الهناك الذي هو لنا، أو هو في جزء منه لنا، كيف يمكننا أن نأتي به؟
لا حيلة البتة! لا سبيل إلى رغبات لا تناسب العقل الذي بناه الإنسان خلال كامل مسيرة اشتغاله على ذاته وعلى محيطه. ترى أيكمن جوهر الصراع البشري في النزاع بين الرغبة وبين المشروع؟ لن أماحك في احتكاك هذه العبارة، من الداخل، بالعبارة الماركسية عن صراع الطبقات؛ وأترك المحمولات المتضمنة في تساؤلي، عظيمة كانت أم تافهة.. أترك هذه السطور، وأترك حتى راحة الاستواء على العرش.
سأكافئ نفسي ببعض الهناك، لبعض الوقت. أظنني جدير بهذه الرغبة البسيطة. ولا يهمني كثيرا مدى مخالفتها للمشروع.
هناك، على لا شيء، أمدد جسداً فائضاً بالرغبة، أحيطه بي. أنبطح على بطني، كطفل ينجز واجبه المدرسي، أسند ذقني على راحتي كفي، وأسفح الشهوة على النافذة ـ في هذا السَّهْرِ الحرام.



#علي_ديوب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حكاية ابن العشيرة الواهم الذي يتقبّل التهاني عن الرئيس
- مسودة تضامن مع الشاعر المتهم سلفا
- شعراء مصر العصاة ينافحون رقابة مثلثة الرؤوس
- بين استئساد الأخوة الحمساويين على الفئران و النصر الإلهي الأ ...
- المثلية الجهادية لثام الحيرة و حواجب الهداية في سؤال الثائر ...
- سوري يتلصص على الحرية
- جائزة عربية للرواية ذات سوية عالمية
- إلى سعد الله ونوس في عقد رحيله الأول.. محكومون بإعدام الأمل. ...
- كتّاب جاؤوا من رعب الديكتاتوريات.. رحل مهرجان أدنبرة وبقوا
- لا تجعلو من صوت فيروز سجنا
- قوة الخروج على القانون
- ميشيل كيلو تجربة أبعد من تجريب
- لقاء مع د. سعد الدين ابراهيم
- ليس حبا بالشهادة.. و لكن كرها بالحياة
- السجينان عارف دليلة(*) و سورية.. معجزة الأقزام
- قراءة متوخرة(*) للردود على رسالة العزاء
- الروائي المصري يوسف القعيّد: القدرة على الاختصار أهم من القد ...
- سليم الحص و سلاح المقاومة
- قصة موت معلن في اللاذقية!؟
- فكرة- لبنان تموت إذا استبدت به كراهية الغير-


المزيد.....




- منها متحف اللوفر..نظرة على المشهد الفني والثقافي المزدهر في ...
- مصر.. الفنانة غادة عبد الرازق تصدم مذيعة على الهواء: أنا مري ...
- شاهد: فيل هارب من السيرك يعرقل حركة المرور في ولاية مونتانا ...
- تردد القنوات الناقلة لمسلسل قيامة عثمان الحلقة 156 Kurulus O ...
- مايكل دوغلاس يطلب قتله في فيلم -الرجل النملة والدبور: كوانتم ...
- تسارع وتيرة محاكمة ترمب في قضية -الممثلة الإباحية-
- فيديو يحبس الأنفاس لفيل ضخم هارب من السيرك يتجول بشوارع إحدى ...
- بعد تكذيب الرواية الإسرائيلية.. ماذا نعرف عن الطفلة الفلسطين ...
- ترامب يثير جدلا بطلب غير عادى في قضية الممثلة الإباحية
- فنان مصري مشهور ينفعل على شخص في عزاء شيرين سيف النصر


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي ديوب - سنتان و 500 متر