أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - علي ديوب - لا تجعلو من صوت فيروز سجنا














المزيد.....

لا تجعلو من صوت فيروز سجنا


علي ديوب

الحوار المتمدن-العدد: 1913 - 2007 / 5 / 12 - 13:47
المحور: المجتمع المدني
    


الشكر واجب سلفا للجهة التي قررت فرض صوت فيروز على الباعة الجوالين في طرطوس، بديلا عن صخب الأصوات المتداخلة والزعيق والبعيق والجعير والنفير وما إليه من الثنائيات المكافئة للمقصود، الذي أين منه الأجواء المتخيلة لحروب داحس والغبراء (اختيار راجع لوقع التسمية)؛ أما الشكر المقدم فمربوط بالنوايا الحسنة التي أنتجت هذا التعميم القرقوشي العجيب! والنوايا الحسنة قد تفضي إلى الجحيم، كما يفيد القول الدارج.
أثارني، ولا يزال، تحليل دقيق قرأته عن أسباب وعوامل انفراط الاتحاد السوفياتي السابق، والذي منها ـ وقد يكون أهمها ـ الشعور الجمعي/ والفردي الرهيب بالأبدية المقرونة بالواحدية، الذي يفرضه النظام الشمولي عادة على المشمولين بنعمه المقيمة. والكاتب لا ينكر أو يقر بالنعم التي ربما كانت موفورة لدى شعوب الاتحاد السوفياتي، هو يرى أن هذا لا يغير شيئا من مشاعر الحصر وجنون الشعور بوطأة الأبدية!
وعليه أتصور حالي، قبل سواي، فيما لو أخضعت لقرار إطلاق صوت فيروز، تحت طائلة العقوبة للمخالف (وعملي بائع جوال، وربما بائع أشرطة كاسيت)، أو لسماع هذا الصوت الذي تفيض روعته عن الروح إلى ما بعدها، حين أكون عابرا بين عابرين للوطن أو فيه!!! في ظني سيكون وقع صوت فيروز أكثر أذى حتى من صوت السجان، في أدبيات السجن التي نقرأها. ذلك على الأقل للفارق الدلالي بين المكانين: ففي السجن الصغير، وطرداً مع شدة صغر المكان (في المنفردة بخاصة) تتحول رموز الحياة، و التي منها صوت السجان الرهيب، إلى حالة مؤنسة تستدعيها وحشة الوحدة. أما في السجن الكبير فتأخذ رموز الحياة اليومية دلالتها من وسطها المعيوش، وبالتالي تصبح أداة من أدوات القهر و الإذلال و الإخضاع. ولنا في العبارات والمصطلحات الإنسانية التي انعكست رعبا وتطيرا ونفورا فاستعداءً في ذاكرة البشر، في ظل الأنظمة الشمولية نفسها التي حاولت أن تتجمل بها، فتبنتها واستعملتها ودمجتها في صورتها البشعة حتى غدت واحدة من دلالاتها. وقرينة يستدعي حضور هذه صورة تلك، كما يستدعي صوت الجرس صورة الطعام، في تجربة بافلوف الشهيرة.
على أن عبقرية الحاكم التي تهفو للتحكم بالوجود وتصبو للخلود، في وقت واحد، فإنها تحاول ألا تغادر صغيرة ولا كبيرة؛ ومن هذا محاولتها جعل رواية جورج أورويل الشهيرة باسم (عين السلطة، أو 1948)، أمرا واقعا. أي المطابقة بين صورتها في مخيلة الرعية مع تصور هذه عن الله الحامي والحاني في آن، صورة تستند إلى تراثنا الخصب في ثقافة الاستبداد! وهذا يتحقق عبر أمثولة السجن الانفرادي العبقرية. فحين يقيض لها أن تجعل من السجن الكبير (الوطن) محض سجن انفرادي (زنزانة)، عبر تقطيع أواصر العلاقات بين أفراد المجتمع، فإنها تجعل من نفسها الطرف الثاني الحصري والوحيد. أي المؤنس الذي يختزل في شخصه قيمة الوجود، ومصدر هذه القيمة.
صحيح اني أكتب على هدهدة صوت فيروز، وبمعونته. وقد يكون هذا من دواعي الصفاء النفسي الذي هو بدوره من دواعي النتاج المتعلق بالفكر أو الحس.. ولكني لا أتصور نفسي مصغيا لصوت فيروز في أحوال لا تستدعيه إلا لكي تقتله، مما تحفل به جحيم شوارع مدننا وعاصمتنا(؟) بالأخص. ما يجعل من صوت فيروز، كواحد من اللطائف التي نحميها ونحتمي بها، شيئا أقرب إلى جوهر وجود ودلالة أكيدة من علامات الحياة في أمة، هي محض التباس بين جدث وجسد.
هذه اللطائف، هل نحسن صنعا إن نحن نزلنا بها إلى ميدان الحرب اليومية الدائرة؟ حيث الحشر ليس يوماً موعوداً بعد الموت بل هو موت يومي في شوارع محتلة من عصابات الأكشاك، الموكولين عسكرتاريا بتقديم براشيم الرحمة عبر كل مسامات التلقي للشعب المضطرب بين جنبات شوارع مقسمة بين العربات والموت، أشبه بسمك تجف من حوله المياه (الصورة الشعرية هنا لممدوح عدوان)؛ مقابل تنظيف جيوبهم من أدران الدنيا (المال)، احتسابا وتحسبا لأي انتقال فجائي محتمل إلى السماء، المآل النهائي، بل المفاز الوحيد الذي أبقت عليه الحكومات الحكيمة مفتوحا. عملا بالنصيحة الإنكليزية الباردة: لا تحاصر من أربع جهات.
أي عقلية هي تلك التي تتهيأ لها أخيلة من هذا القبيل على أنها دواء ناجع للواقع؟ وهل يعالج الواقع بالغناء! الغناء يزيد الجمال غنى، لكنه لن يجعل القبيح جميلا. لا يخلق الغناء العشاق، ولكن هؤلاء يخلقون الغناء. إن لم يصبح الواقع وسطا مستنبتا لصوت كصوت فيروز، بصورة طبيعية، فإن محاولة استنباته صناعيا (والأردأ بقرارات جبرية) ستحيله إلى جسد غريب. ولن يكون مصيره غير اللفظ، إثر استنفار مقاومة الجسد لمواجهته، بوصفه العدو المشترك.
لم يترك على أحلامنا من لحم الأسرار الحميمة سوى الجلد، وصوت فيروز هو الطبقة الحية من جلدنا، فلا تجلدوها بالقرارات.



#علي_ديوب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قوة الخروج على القانون
- ميشيل كيلو تجربة أبعد من تجريب
- لقاء مع د. سعد الدين ابراهيم
- ليس حبا بالشهادة.. و لكن كرها بالحياة
- السجينان عارف دليلة(*) و سورية.. معجزة الأقزام
- قراءة متوخرة(*) للردود على رسالة العزاء
- الروائي المصري يوسف القعيّد: القدرة على الاختصار أهم من القد ...
- سليم الحص و سلاح المقاومة
- قصة موت معلن في اللاذقية!؟
- فكرة- لبنان تموت إذا استبدت به كراهية الغير-
- بالشكر تدوم النجوم


المزيد.....




- لازاريني: لن يتم حل الأونروا إلا عندما تصبح فلسطين دولة كامل ...
- مميزات كتييير..استعلام كارت الخدمات بالرقم القومي لذوي الاحت ...
- تقاذف الاتهامات في إسرائيل يبلغ مستوى غير معهود والأسرى وعمل ...
- غورغييفا: 800 مليون شخص حول العالم يعانون من المجاعة حاليا
- الأمن السعودي يعلن اعتقال مقيم هندي لتحرشه بفتاة ويشهر باسمه ...
- اعتقال مئات الطلاب الجامعيين في الولايات المتحدة مع استمرار ...
- كيف تفاعل مغردون مع صورة اعتقال الشرطة الأميركية تمثال الحري ...
- بسبب حرب غزة.. مذكرات الاعتقال الدولية ترعب نتنياهو وقادة جي ...
- مفوض الأونروا يحذر من خطط إسرائيل لحل الوكالة: تقوض قيام دول ...
- الأونروا: أنباء عن وفاة طفلين على الأقل بسبب الحر في غزة


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - علي ديوب - لا تجعلو من صوت فيروز سجنا