أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - علي ديوب - لقاء مع د. سعد الدين ابراهيم















المزيد.....


لقاء مع د. سعد الدين ابراهيم


علي ديوب

الحوار المتمدن-العدد: 1761 - 2006 / 12 / 11 - 07:20
المحور: مقابلات و حوارات
    


الذين تتهدد مصالحهم فعلا من الديمقراطية هم الحكام المستبدون، و المستفيدون
الديمقراطية هي الإدارة السلمية للخصوصيات
نصون الديمقاطية بحكم القانون؛ و بأن نكون جزءا من شبكة الديمقراطيات في العالم.
دعونا نغير بيدنا قبل أن يفرض علينا التغيير.. و هذا امتحان للحكام: هل يحملون بقية حب لأوطانهم و شعوبهم!!!؟

كان اللقاء مع الدكتور سعد الدين ابراهيم طريفا بقد ما كان غنيا.. وجه الطرافة تمثلت في أننا كنا شخصين حذرين( ربما كنت البادئ بالحذر)، و لعل هذا ما زاد اللقاء، غنىً. إذ مثّل الحذر مصدر تحريض- يحتاجه أي حوار- أنقذنا من المحاباة، و الشد على اليد، و التوقيع على بياض... و ما إليه مما تقود إليه عادة الثقة المسبقة، أو التعاطف المطلق من قبل المحاور لضيفه، أو لأفكاره و مواقفه.
ما كان لصحفي مثلي: سوري، و من الجيل الذي أجريت عليه اختبارات التعقيد( من عقيدة و عقدة أيضا) على مدار عقود.. حتى بات اليوم لم يعد مستفيدا، ولا قادرا على الإستفادة من الإنفراجات التي تبشر بها الحرية، أو التي راحت تبزغ في عقول بعض الأجيال، أو البعض من بعض الأجيال الفتية.. و هي بشائر تعكس في نفوس أبناء جيلي- أو في نفسي على الأقل- موقفا مرتبكا من الحرية، هو مزيج من الترحيب و الخجل؛ إذ لم يعد لدي ما أقدمه لهذه العشيقة- للأسف- حتى لو قيض لنا أن نعيش من غير تدخل خارجي!
لكن حذري لم يكن ليدفن ذلك الاحترام الذي أكنه لهذا الرجل، الذي ظل منذ بدايات تعرفي إليه- عبر قراءات قومية تخوينية، أو دينية تكفيرية، أو يسارية قدحية و تبخيسية- يثير فيّ مشاعر متناقضة، أو مضطربة، و يزيد لدي شهية التعرف إليه عن قرب. و زاد في شغفي للقائه ذلك الثمن الذي كان يدفعه، بسهولة، المرة تلو المرة، من حريته و عمره و راحته و راحة أفراد أسرته.. مما دفع زوجته لأن تداعبه، خلال الاحتفال بآخر إفراج عنه( ربيع 2003- بعد سجن ثلاث سنوات، خرج منه بريئاً بحكم قضائي!)، قائلة له" وقفت معك ثلاث مرات؛ في المرّة الرابعة عليك أن تبحث عن زوجة أخرى".
و لإن وجهت إليه في آخر مرة تهمة تلقي أموال من جهة أجنبية،
عقب وقوفه الجريء في مراقبة الانتخابات، فهو اليوم يحتاج ابتكار تهمة أشد، جزاء تطاوله على التابو العربي المخلد و المحروس بجنود لم تروها؛ و اعني مقام الرئاسة- بما يعنيه ذلك من طرح تغيير الدستور، فيما يخص منصب رئيس الجمهورية، بإقامته على الانتخاب الحر بين جملة متنافسين، بدلا من تركه استفتاء على مرشح واحد وحيد هو الرئيس نفسه.
هذا اللقاء تم قبل إثارة قضية منصب الرئيس:
* أسجل سعادتي بلقائك د. سعد الدين ابراهيم، و أود بداية التعريف بالمركز- مركز ابن خلدون للدراسات- الذي اقترن اسمه بإشكالات سياسية/ ثقافية.
** هذا مركز للدراسات و للدعوى؛ للدراسات في العلوم الاجتماعية و التثقيفية، و للدعوى إلى ما ينتهي إليه عمل المركز من بحوث و اجتهادات و تحليلات.
القضايا التي نهتم بها هي قضايا المجتمع المدني، و التحاور الديمقراطي، و الإصلاح الديني ضمن الأقليات، أو الملل، أو النحل و الأعراق، في العالم العربي. و كذلك قضية التنمية؛ هذه القضايا نقوم بها عبر الدراسات أولا، حتى تتكون لدينا قاعدة معلومات، أو قاعدة معرفية، ثم بعد تراكم القاعدتين- في الموذوع الذي نتصدى له- نبدأ بالترويج لما توصلنا إليه من نتائج و ما انتهينا إليه من استخلاصات.. و ثم بعد ذلك نحاول أن نصل إلى الجماعات ذات التأثير في المجتمع، سواء كان في داخل السلطة أو خارجها.
أنشئ المركز عام 1988. و هو يعتمد على التبرعات التي تقدمها الأسرة ثم على المنح و العقود الشهرية من هيئات دولية أو وطنية أو عربية.
يصدر عن المركز مجلة شهرية تحمل اسم المجتمع المدني و التحول الديمقراطي في الوطن العربي. و تنشر بالعربية و الإنكليزية. كذلك يصدر المركز كتبا سنوية، عن حالة الديمقراطية في الوطن العربي، و عن أحوال الأقليات في عموم العالم العربي. و كما يصدر كتبا حول البرامج البحثية، و مصادر البحث التي نقوم بتنفيذها.
من نشاطات المركز اجتماع، أو لقاء أسبوعي مفتوح يحمل اسم رواق ابن خلدون، و فيه يقدم متحدث رئيسي موضوعا ما- له أهمية راهنة- ليتم التداول فيه بحرية مطلقة، بحوار مفتوح، على نمط الطاولة المستديرة، لمدة 3- 4 ساعات.. ثم يفتح النقاش في شتى الشؤون التي يود الحضور التطرق إليها.
* هذا العرض الذي تفضلتم، د. سعد، يقفز على الصورة الشائعة عن المركز، و أقصد صورة المعارضة. فمصر التي تحفل بالمراكز المشابهة، يتفرد فيها اسم مركز ابن خلدون بأخبار الصدام مع السلطة؟
** نعم، النقطة التي يبرز فيها اختلاف مركز ابن خلدون عن سواه، تتحدد بالجانب الدعوي للمركز. فعند هذا المفترق يبدأ الاصطدام أحيانا مع أصحاب المصالح الذين يستاؤون من نشر معرفة أو وجهة نظر جديدة. يستاؤون أيضا من تغيير أو محاولة أو الدعوة لتغيير الأوضاع- فهناك بلا شك من يستفيد من استمرار الحال القائمة- و نحن أو مركزنا يدعو دوما للتغيير. و في هذه الحالة يتعرض للهجوم و للتشكيك، و لأشياء كثيرة يبدو أنها تصل إلى أسماعكم، و أنك على اطلاع عليها.
* و لكن ألا يتجاوز مركزكم حدود و مهام عمل المراكز البحثية، حين يدخل في المنطقة الدعوية- و هي منطقة عمل الأحزاب؟
** لا. لا. أنت قدمت صورة أو تعريفا واحدا من تعريفات مراكز الأبحاث؛ و لكن هناك تعريفات أخرى للمراكز البحثية و لفكرة البحث العلمي.. و هناك اجتهادات.. في ستينات القرن الماضي كان يقال أن البحث العلمي الذي لا يؤسس للتغيير، أو الذي لا يهدف إليه( يضحك بهدوء)، يخون مسؤولية العالم و المفكر.
هذا منحى، و نحن أخذنا به؛ لماذا أسميناه مركز ابن خلدون؟ ذلك لأن ابن خلدون كان مؤسس العلوم الاجتماعية العربية. و لأنه أيضا كان داعية، و كان سياسيا، و كان رجل دولة. و قد قام بكل هذه الأنشطة معا، و لم يقتصر عمله على الفكر أو البحث. و نحن نتأسى بمسيرته و نحذو حذوه.
* تشهد مراكز دراسات الشرق الأوسط- في أمريكا- ضغوطاً شديد، بتهمة التشهير بالسياسة الخارجية الأمريكية. و عليه فقد أصدر الكونغرس قانونا يطالب هذه المراكز بدعم السياسة الخارجية الأمريكية، تحت طائلة حرمانها من الدعم المالي؛ ما رأيك؟
** لا. مثل هذا القانون، الذي تم التحدث عنه، لم يصدر بعد. نحن سمعنا عن هذا القانون، كما سمعت أنت، و لا نعتقد أنه سيصدر. و إذا صدر فسيتم التصدي له و مواجهته بالمحاكم، و منها المحكمة الدستورية العليا؛ لأن الأميركيين هم أحرص الناس على الحريات الأكاديمية. و لا يريدون للسلطة أو للقانون التدخل في العملية الأكاديمية؛ أنا أقول هذا بناء على معرفتي بأمريكا. فقد درست هناك، و درّست، و سأعود للتدريس.
في أمريكا مشاكل كثيرة- بلا شك- يتعرض لها المجتمع الأمريكي بشكل واضح منذ حوادث سبتمبر 2001، و لكن و لأن المجتمع هناك ديمقراطيا فإن الجدل فيه مستمر. و أما نحن، و لأننا لا ندرك ما يعنيه هذا، فترانا كلما سمعنا عن جدل هناك اعتقدنا أنه انقلاب قانوني، أو أن قانونا صدر و أنه نفّذ.. الخ.
* و لكن ما معنى أن يوافق الكونغرس عليه؟
** و ما علاقة هذا بالقانون؟ هذا لا يعني أنه أصبح قانونا. اما الإشاعة التي تقدمها لي، على أنها قانون، فليست سوى قيل عن قيل.. و أنا ضد هذا المنهج الذي أسميه" منهج العنعنات".. أعرني انتباهك- يا علي- حتى يتم هذا الحوار بيننا بشكل عقلاني و عقلي: إذا صدر القانون- و أنا لا أعتقد أنه صدر- فيجب أن يحمل رقماً و تاريخاً. و لان شيئا من هذا لم تحمله هذه العنعنات، فهذا دليل على عدم صدوره كقانون. و إنما هو مجرد مسألة موضوعة في التداول، مثل غيرها من المسائل و الأمور التي يتم الجدل العادي فيها.
و في كل الأحوال ففي حال صدر هذا القانون أو سواه في أمريكا فهذا شأنهم، و مشكلتهم هم و أكاديمييهم!
* تأسيساً على أهمية التمويل، و نظرا لما تمثله أمريكا في مجال دعم مراكز الأبحاث، فإني أجد المبرر قويا للوقوف عند مثل هذا الخبر.. و ما دامت الاتهامات تكال لكم بالتويل الأجنبي؛ فأنت أما سؤال يشكك في المصادر التي قصرت إشارتك عليها- كالأسرة؟
** قلت لا يتوقف التمويل على الأسرة فقط. هناك عقود شهرية، و منح، و .. الخ. و لكن مهلا: هل التمويل تهمة؟ هي ليست تهمة. أنا أتلقى معونات صريحة، و المنشورات عندنا دائما ترصد كل مصادر تمويل مركز ابن خلدون.
التهمة تصح فقط فيما يخالف القانون. و نحن لا نخالف القانون، لا في مصر، و لا في أي مكان آخر.
* و إذن ماذا بشأن استعداء الحكومة ضدكم، في مسألة التمويل الخارجي- كما يروج في الشارع المصري؟
** هذا تهويل، تروجه جريدة واحدة فقط في مصر، و ليس الشارع المصري، كما تنقل أنت قولها- و يبدو أنك تصدقها- و هي جريدة رخيصة، اسمها جريدة الأسبوع. و تعمل لحساب المباحث و الأجهزة الأمنية؛ و بالتالي لا بد من أن يؤخذ كلامها بألف تحفظ و تحفظ. ثم إن صاحبها رجل مدان و مشبوه، و علاقاته بالأنظمة الديكتاتورية السلطوية معروفة.
في كل الأحوال هو يقول ما يقول. و هو يقول كل ما سمعته منذ عشر سنوات. و قد دخلنا المحاكم و السجون.. و برأتنا أكبر محكمة في البلد. و لم يعد لدي وقت لتفنيد ما يقوله، هذا المأفون.
* أنتقل الان إلى بناء المجتمع: هذا الحضيض العربي الذي يشهد هيمنة العنف و التشدد.. يرى كثير من المفكرين، وبخاصة منهم القوميون، و اليساريون، أن اعتماد الديمقراطية في إصلاحه ستطلق يد المتشددين أنفسهم، و بقوة القانون هذه المرة.. ما رأيك؟
** أنا أرى ببساطة أن الذين يخافون من الديمقراطية هم أعداؤها. و الذين يعتقدون أن الديمقراطية ستهدد مصالحهم و سلطتهم و مكانتهم؛ هؤلاء لا علاج لهم إلا بالحوار و بالتجربة.
الذي أفهمه أن الذين تتهدد مصالحهم فعلا من الديمقراطية هم الحكام المستبدون، و المستفيدون منهم. فالحاكم المستبد، الأوحد، هو و مجموعته التي تحكم، و الذين لا يريدون شريكا لهم في السلطة، و لا يقبلون بتداول السلطة؛ لهؤلاء نقول: التاريخ يسير عكس ما تريدون. و بالتالي عليكم أن تبدأوا حوارا مع بقية المجتمع، و أن تجدوا صيغة تحافظون فيها على الحد المشروع لما تريدون الاحتفاظ به. و تتنازلوا عن كل ما هو غير مشروع، و احتكرتموه طوال العقود الماضية؛ هذه كلمة سواء بيننا( كلمة السلم)، للحفاظ على رقابهم. و حتى لا يحدث لهم ما حدث لصدام حسين، أو لشاوشيسكو من قبله.. و غيرهم من المستبدين في التاريخ.
* و ماذا بشأن التحذير بأن الديمقراطية ستأتي بمن هم أسوأ من الأنظمة؟ و المقصود طبعا القوى الدينية المتشددة، التي باتت هي المهيمنة على الثقافة العربية.
** هذه الحجة باتت قديمة، أنا أعرفها؛ و أقول: أيا يكن.. و ليكونوا من يكونون أولئك الذين ستأتي بهم الديمقراطية.. فلدينا باستمرار الفرصة لإزاحتهم. ثم مسألة التحذير و التحذير.. هي مسألة مغلوطة. و المثال الدائم لدى أصحابها هو ما حدث في الجزائر؛ و لكن مثالهم مغلوط، فالذي حدث في الجزائر لم يصل حد استلام الإسلاميين السلطة ثم الاستبداد بها عن سواهم.
* و لكنهم أعلنوا صراحة أنهم لا و لن يعترفون بالديمقراطية، و إن أوصلتهم إلى السلطة.
** أخي علي- أيها الأخ الكريم الآتي إلينا من سورية: المخاوف أعرفها كلها.. إنما أنا أتحدث، كعالم اجتماع، على واقع؛ الواقع في العالم العربي كله يقول أن الديمقراطية إشكالية، و ليست مثالية( الديمقراطية هي أصلا إشكالية). و لكنها رغم ذلك، أفضل ألف مرة من الديكتاتورية. هذا يعني أن فيها مشاكل كثيرة، و لكنها تبقى مع ذلك أفضل من أي نظام حكم آخر عرفه البشر.
إنما المخاوف هذه.. يقال لك: الأمية، التطرف، الفقر.. كل هذا سمعناه.. و لكن لدينا الهند أفقر منا، و فيها أمية أكثر مما عندنا. و أفريقيا جنوب الصحرا( السنغال، و غيرها)، كل هذه البلدان سارت أبعد مما سرنا نحن العرب في مضمار الديمقراطية.
و أين المشكلة؟ سوريا كانت فيها ديمقراطية معقولة- أفضل من غيرها- في الأربعينات و الخمسينات من القرن الماضي.. و مصر بالمثل.. و لكن الذي حدث أن الجيش العسكر انقضّوا عليها بالانقلابات، و أجهضوها.
* السؤال الذي يجدد نفسه: إذن، كيف نحمي الديمقراطية؟ ما هي الأدوات التي تصونها من أن توطأ و تجهض؟
** نصون الديمقاطية بحكم القانون؛ و بأن نكون جزءا من شبكة الديمقراطيات في العالم. فالعالم أصبح مترابطا، و الديمقراطيات مترابطة مع بعضها في العالم.
* اسمح لي: هل تقصد نوعا من الحكومة العالمية الديمقراطية؟
** أيا يكن؛ لسنا بحاجة لأن نفلسف المسألة الآن..
* و لكنه مصيرنا؛ هل أنت مع صياغة دستور وطني يسمح بتدخل دولي في الشؤون المحلية( الوطنية) لبلدك- في ظروف معينة؟
** أنا لا أريد أن أقول بهذا.. لأنه من جملة كلام التخويف، الذي يقول به كل أعداء الديمقراطية. فمنطقهم يعجّزك؛ يقول لك: طيب، ماذا نعمل إذا حصل كذا؟ و ماذا إذا؟ و ..الخ. و أنا أقول ليس هناك إلا القانون يصلح لحماية البشر، و الفصل في شؤونهم.
* أولم تدخل السجن في ظل قانون يفترض أن يكون شملك بحمايته، كما ينص، في أن تحاكم و أنت طليق!؟
** صحيح، و لكن نحن ضد هذا. ثم هناك ثمن لا بد أن يدفعه الإنسان، إذا وقف موقفا ما.
و رغم أن كل الناس تخاف. و أنا أخاف؛ أنا أفهمك: مانديلا، في مذكراته، يقول أنه هو أيضا كان يخاف.. و لكن المهم هو أن تواجه هذا الخوف.
إنما القضية قضية مبدأ، ممارسة، و حتى قضية مناخ عالمي؛ و المناخ العالمي الآن يشير إلى أن التاريخ يسير بهذا الاتجاه: منذ العام 1974 و حتى الآن تحولت مئة دولة إلى الديمقراطية.. نكون حذرين، نعم؛ و لكن يجب ألا ندع الخوف يجعلنا نتأخر، و نمشي خارج التاريخ.
* السلطات العربية الحاكمة، بل وحتى المجتمعية، توحدها شمولية القمع و المنع. بينما يجهد المجتمع المدني لتأسيس حرية الثقافة و السياسة و المعرفة.. الخ: هل تخشى على هذا الوليد أن يقضى عليه في المهد؟
** أنا أعرف ذلك، و أعيه. و أنا جزء من التحدي الذي تشير إليه.. و نحن نحاول- مع ذلك- و حتى لو استطعنا التقدم خمسة سنتيمترات فقط لكان علينا أن نخوض التحدي، بل و لكانت المحاولة تستحق المضي فيها. فهذا واجب نتحمله، تمليه حقوق أبنائنا و أحفادنا علينا. و لن يكون العرب، دون بقية البشر، جنسا متخلفا، و ثقافة متخلفة، لكي يظل هكذا يرزح تحت نير الاستبداد.
هذا يلزمني، كعربي، كمسلم، و كمصري، أن أحاول إزالة و تغيير الوضع السيئ القائم، و الذي يجعلنا سبّة في التاريخ المعاصر!
* و ماذا بشأن الخصوصية، حين تشهر سلاحا في وجه أي تغيير؟
** خصوصية إيه؟ و كلام فارغ إيه؟! أخواننا السودانيين يطلقون على الكلام الفارغ تسمية مهذبة، فيقولون" كلام ساكت".
كل بلد له خصوصية: الهند، ماليزيا، الفليبين، المكسيك، أمريكا، ألمانيا.. و كل هذه الدول ديمقراطية. فكلمة خصوصية هذه تستخدم كذريعة و تضليل فحسب.
ليس للديمقراطية خصوصية؛ الديمقراطية هي الإدارة السلمية للخصوصيات. فالبلد الذي يشتمل على التعدد العرقي، أو المذهبي، أو الطائفي، أو المذهبي، أو الطبقي.. كيف تدير تنوعه هذا؛ إن لم يكن بالطريقة السلمية؟ هذا هو المجتمع المدني. و تلك هي الديمقراطية التي تجنبك أن تتحول الاختلافت إلى خلافات، و الخلافات إلى صراعات، و الصراعات إلى اشتباكات مسلحة.
* ما بين العلمانية و الديمقراطية ثمة فارق أراه في إتاحة الثانية وصول حزب ديني إلى السلطة، و ذلك على النقيض من الأولى( العلمانية) التي لا تسمح، أو لا تعترف بتوسل السياسة أو السلطة السياسية عبر الدين.
** لا. اسمح لي: العلمانية، التي تتحدث عنها أنت، و تعادي الدين، هي نوع من العلمانيات. و هي العلمانية الفرنسية. و لكن تختلف عنها العلمانية الأنكلوسكسونية التي لا تعادي الدين، بدليل أن رئيس الكنائس في إنكلترا هو ملك. و الكنيسة لها اعتبار في النظام الأنكلوسكسوني الإنجيلي.. و بالتالي ليست كل العلمانيات واحدة، فيما يخص النظرة إلى الدين و الموقف منه.
و علمانيتنا نحن، التي كانت موجودة في مصر و في سورية، في الفترة الليبرالية، لم تكن تعادي الدين. و لهذا كان فارس الخوري- و هو مسيحي- أول رئيس وزارة سوري. و نحن أيضا كان لدينا في تاريخنا الليبرالي رئيس وزراء قبطي، و لثلاث مرات. لكن هذا لم يتكرر في عصر( البهوات) الذين حكموا بعد 1952.
* اسمح لي أن أذكّر بالاتهام الذي وجهه البعض إلى الحكومة العراقية لاقترافها تعيين رئيس حكومة كردي؛ معتبرين ذلك أول خطوة علنية في طريق تغيير الهوية العربية للعراق.
** و لكن ما رأي هؤلاء بالتاريخ العراقي ذاته؛ في العصر الملكي الليبرالي العراقي كان هناك رئيس وزراء كردي، و رئيس مجلس نواب كردي، و شيعي، و سني، و تركماني.. و لم يكن أحد يثير مثل هذه النعرات. ذلك لأنهم ببساطة كانوا جميعا عراقيين. و كانوا يتعايشون على قاعدة أن الوطن لكل مواطنيه.
* كأنك تؤيد القول بأن التخلف يجلب معه التنابذ و الاتهامات المتبادلة للتنصل من المسؤولية عن الخسارات.. بينما التقدم يعنى بالتمتع و قطف الثمار، و تقديم الثمن الضروري لتحسين الواقع؟
** نعم، الخسارات تجلب الخلافات و الخيبات و الشكوك و الانشقاقات.. لهذا أقول لك إن الديمقراطية هي الإدارة السلمية المتحضرة للتنوع: كل حسب اجتهاداته و إنجازاته و قدراته.. و حسب من يمثلهم.. الخ.
* فهل تؤيد برهان غليون بالقول" كما يولّى عليكم تكونوا"، أم ان الحديث الذي بني عليه هذا التعارض لا يزال صحيحا؟
** والله، مع احترامي لكل قول و قائله، أنا أرى أن لدينا دوما بدائل أفضل للواقع الذي نعيشه؛ فلنحاول بهذه البدائل، و لا نذعن لأقوال مأثورة و لا لغيره.
* و لكن على من نعوّل في تحقيق ما نصبو إليه؟
** أنا أومن بالقاعدة/ الناس. لأن المتحكم- و ما دام متحكما- فإنه لا يراني. و أما القاعدة البشرية الواسعة، فمهمتنا و دورنا التحدث باسمها، بأن نفعلها حتى تطالب بحقوقها- و هذا ما نفعله نحن في مركز ابن خلدون.
* و لكنك أنت من عول على "عمرو"، في التغيير العربي- على غرار العراق- في مقالتك" إذا لم يكن بيدي فليكن بيد عمرو"؛ هل كنت تشعر باستحالة التغيير- هناك فقط، و لزمن غير معلوم- لو لم يتدخل عمرو؟
** نعم، صحيح؛ و لكن الأهم من الخوض في الاحتمالات هو القراءة الجيدة للأحداث، و لما تؤول إليه من نتائج.. و لهذا أقول دوما أنه لا بد من التفكير بالدرس العراقي. و أكرر القول، للحكام: دعونا نغير بيدنا قبل أن يفرض علينا التغيير.
و إذا أنت قرأت مقالتي تلك( إذا لم يكن بيدي فليكن بيد عمرو)، قراءة جيدة، فستعرف حجم وجاهة تنبيهي.. هناك دول استطاعت أن تغير، دون أن يتدخل عمرو، دون أن تسفك دماء.. و ضربت أمثلة عديدة على ذلك.. و هذا امتحان للحكام: هل يحملون بقية حب لأوطانهم و شعوبهم!!!؟
أجرى الحوار: علي ديوب



#علي_ديوب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ليس حبا بالشهادة.. و لكن كرها بالحياة
- السجينان عارف دليلة(*) و سورية.. معجزة الأقزام
- قراءة متوخرة(*) للردود على رسالة العزاء
- الروائي المصري يوسف القعيّد: القدرة على الاختصار أهم من القد ...
- سليم الحص و سلاح المقاومة
- قصة موت معلن في اللاذقية!؟
- فكرة- لبنان تموت إذا استبدت به كراهية الغير-
- بالشكر تدوم النجوم


المزيد.....




- لوحة كانت مفقودة للرسام غوستاف كليمت تُباع بـ32 مليون دولار ...
- حب بين الغيوم.. طيار يتقدم للزواج من مضيفة طيران أمام الركاب ...
- جهاز كشف الكذب وإجابة -ولي عهد السعودية-.. رد أحد أشهر لاعبي ...
- السعودية.. فيديو ادعاء فتاة تعرضها لتهديد وضرب في الرياض يثي ...
- قيادي في حماس يوضح لـCNN موقف الحركة بشأن -نزع السلاح مقابل ...
- -يسرقون بيوت الله-.. غضب في السعودية بعد اكتشاف اختلاسات في ...
- -تايمز أوف إسرائيل-: تل أبيب مستعدة لتغيير مطلبها للإفراج عن ...
- الحرب الإسرائيلية على غزة في يومها الـ203.. تحذيرات عربية ود ...
- -بلومبيرغ-: السعودية تستعد لاستضافة اجتماع لمناقشة مستقبل غز ...
- هل تشيخ المجتمعات وتصبح عرضة للانهيار بمرور الوقت؟


المزيد.....

- قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي / محمد الأزرقي
- حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش. / عبدالرؤوف بطيخ
- رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ ... / رزكار عقراوي
- ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث ... / فاطمة الفلاحي
- كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي ... / مجدى عبد الهادى
- حوار مع ميشال سير / الحسن علاج
- حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع ... / حسقيل قوجمان
- المقدس متولي : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- «صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية ... / نايف حواتمة
- الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي / جلبير الأشقر


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - علي ديوب - لقاء مع د. سعد الدين ابراهيم