أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - وديع شامخ - ابواب الدخول الى غابة الشعر















المزيد.....

ابواب الدخول الى غابة الشعر


وديع شامخ

الحوار المتمدن-العدد: 2155 - 2008 / 1 / 9 - 06:35
المحور: الادب والفن
    



قراءة في مختارات شعرية لنوري الجراح

عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر صدرت مختارات من شعر نوري الجراح، إختارها وقدّم لها الكاتب العراقي علي بدر. تناول علي بدر فيها تجربة الجراح الشعرية الممتدة من عام 1982 الى عام 2004 عبر تسع مجموعات صدرت في هذه الفترة الزمنية. تصدّرت المختارات مقدمة منهجية عامة لمعاينة منجز الشاعر الكلي، حاول فيها علي بدر ان يرصد أولا، إشكالية الآلية المعقدة التي يتبعها الجراح في إصدار دواوينه (ان القصائد هنا لا تدخل دواوينه طبقا الى سنوات كتابتها، إنما يصمم نوري الجراح دواوينه من فكرة ما، او شكل ما، يتم فيه بعد برمجة القصائد الداخلة الى الديوان على ضوء هذه الفكرة ، او على ضوء هذا الشكل).
وبما ان الاستعارة هي الرئة التي تنفّس بها الشعر الحديث بطريقة خاصة،فكانت الاستعارة لدى الشاعر حسب علي بدر (تتعدى حدود الإبدال ،إبدال الحقيقة بالمجاز او المشابهة بالوهم حسب) كما يحفل الحقل الشعري بهكذا مفهوم للاستعارة، يؤكد علي بدر الى ان الاستعارة في شعر نوري الجراح هي ( أداة كشف وعملية خلق، أداة تحليل وتأويل، ان يجعل منها أداة اختراق … أداة جذب ،…. ان يجعل منها بنية متنافرة ، ووحدة مفارقة ومتعالية توفق بين صور مختلفة ومتنوعة ، أنها حركة في التعبير ترجئ كل ما هو يقيني لكي تنفلت من حتمية الحضور والتطابق) ( الاستعارة هنا ليست مقتصرة على منحى استطيقي جمالي او شكلي إنما تتضمن كذلك قيما شعورية ومعرفية وفكرية وذهنية أيضا). ومن خلال الشعر بالاستعارة يستدل علي بدر في مقدمته ، ان نوري الجراح يذهب بالشعر بوصفه ممارسة حياتية. إنها حوار مع الآخر كتجربة مبنية على التجريب ، بمعنى ان التجريب ليس لعبة شكلية ،( هذا الكلام الذي يخلد الى مغامرة دلالية ورمزية وتأويلية ، هو الكلام الذي يستنطق تجربة كونية) وتساوقا مع الوتيرة المنهجية في القراءة الكلية لشعر الجراح سنجد علي بدر يقترح خلاصات لقراءة نوري الجراح( تتحول التجربة الحياتية في شعر نوري الجراح وبنوع من الحتمية الى تجربة وجودية ، فعبر الاستعارة والصورة والمجاز يتحول فهم الحياة الى تجربة وجودية مستقلة عن الحياة، تعمل الكتابة عل صياغة وجود مستقل للأشياء…)( ان قصائد نوري الجراح هي حكايات شعبية … ان ما يمنح السرد الشعري قوته في قصائد نوري الجراح هو هذا التدمير النابض والحي لكل الثنائيات: شعر/ نثر، مذكر / مؤنث، شكل /مضمون……) وحتى يختزل علي بدر مفهوم الشعر لدى نوري الجراح بكونه يريد الوصول الى الشعر المستحيل ( الذي يُعّرفه ازرا باوند بشعر الحقيقية الملومسة)، كما هو( الخميرة الحية عند والت ويتمان…. ) كما ان شعر الجراح هو( الريبورتاج الكوني.. .حسب ملارميه). وهو تجربة انخطاف صوفية (نوع من الذوبان العاري في الآخر) . ان الإحساس بالغياب ، هو توق للحضور .الكتابة (طرس ينعلن ككتابة وكأمحاء). وفي موضع تلمس مرحلة النضج في تجربة الجراح يرى علي بدر ( لقد تجاوز نوري الجراح بسرعة هائلة المؤثرات المهددة التي علقت بشعر جيله ، وقدم صوتا خاصا يمكنك التعرف إليه بسهولة)، ولو عدنا الى السطور التي سبقت هذا الجزم من المقدمة نفسها سنجد علي بدر يربكنا في مفهوم السرعة الهائلة التي استطاع الشاعر بها التخلص من مؤثرات الآخرين إذ يقول( طرح نوري الجراح تجربة شعرية متميزة ،منذ ديوانه الثاني- مجاراة الصوت ورجل تذكاري،1988-…). فإذا علمنا ان ديوانه الاول ( الصبي) قد صدر عام 19820 وهو باعتراف علي بدر يحمل تأثيرات واضحة لشعر محمد الماغوط، فهل كانت السنوات الست التي تفصل بين المجموعتين هي سرعة هائلة وكافية لتجاوز اثر تجارب الآخرين للوصول الى صوت خاص ومتميز وفريد ؟

نرى ان علي بدر بتقديمه المنهجي المكتنز لتجربة الجراح الكلية والتي امتدت الى ممكنات المنهج الجمالي والمعرفي في القراءة لكشف مغاليق التجربة الشعرية وتقديم اقتراحات ومفاتيح لقراءتها. لكنها لم تنج من السقوط في فخ التذوق الشخصي المحض والانسياق وراء اطلاقات عامة لا يقرها الدرس النقدي الحديث في القراءة المنتجة –إعادة قراءة الأثر- كاقتراح وليس خلاصة نهائية سيما وان هذا الأمر سيساهم في تأطير قراءة المختارات بمفتاح واحد. ومن الأمثلة على اطلاقات علي بدر ( طرح نوري الجراح تجربة شعرية فريدة ومتميزة)، ( طوّر تجربته بصورة مذهلة) ( ابتكر معجما شعريا مختلفا)، (صوت نوري الجراح صوت خاص ، منفرد، صوت طوب هذيانات الحب بغنائية عالية، صوت قل ان يكون له نظير او شبيه…. انه يقلب بكلمة واحدة كل شيء…..).


-أبواب لدخول الشعر-

خلافا للكثير من المختارات الشعرية التي تُعنى بمعاينة تجربة شعرية وتقديم لها والتي تكتفي عادة بمقدمة فقط . وضع علي بدر اقترحا آخر يسعى الى تقصي المهيمنات النصية في تجربة نوري الجراح الكلية ، تخصيصا آخر يبتعد عن وفرة التجربة وتشظيها . قنص متعين لطرائد باذخة. اقترح علي بدر أبوابا ( هذه الأبواب هي دلالات تجريدية وتعيينة في آن واحد ، تجريدية لأنها مفروضة من خارج الشعر وموقعة عليه، وتعيينية لأنها متضمنة فيه ومتكلمة منه ..) وهو إجراء لا يخلو من الخطورة والجرأة في تقديم مختارات شعرية. بمعنى انه يرى الباب( ليس صورة ، انه نواة الصورة التي تتشظى خياليا وجماليا… وعند النفاذ إليها عبر اقتطاعها وتنسيقها وترتيبها وتبويبها نصل الى شبكة من التأثيرات وانعكاسها على المخيلة، وعلى الكتابة أيضا.. ) ولكي لا يقع علي بدر بتهمة سرقة الشعر وتصنيفه وراء أبواب محددة ، يسعى الى التشبث بمعنى الشعر (وإذا كان المعنى معنى متخيرا، ف-المعنى المتخير – لا يزيح المعنى الثابت إنما يضعه في حركة تأو ليلية متجددة ، ويفتح النص على رموز واشارات من داخله وخارجه، ويضعه بالتجاور مع نصوص اخرى ومعان جديدة ، ويفتحه على قراءات متعددة)ووفق هذا المنطلق يقسم علي بدر تجربة الجراح الى سبعة أبواب (الفكرة، النوم ،المرأة ، العالم ،و الدهشة ، الحب ، الفتنة) وعلى عكس منهجية في المقدمة ،يقترح علي بدر قراءة مخصوصة للأبواب (أما هنا في الأبواب … فهي خاضعة لقراءة تأملية ، وستكون هذه القراءة مستمرة وليست مغلقة على نفسها… وهذا ما يقودنا الى الغبطة الجمالية التي نقتنصها من الشعر).

علي بدر أعاد قراءة نوري الجراح ثانية وفق رؤية خاصة استندت الى دور القارئ الحديث في الرسالة الأدبية بوصفه مساهما فاعلا يقف على دكة واحدة مع المنتج ان لم يكن قد أزاحه من خلال تعريف القراءة بوصفها( تحدد دون شك هوية المعنى ، بل هي المبدأ الناظم للمعنى … فالمعنى في الديوان هو معنى خاضع لقراءات تجريبية …) أبواب علي بدر تؤدي وظيفة إثراء الدلالات والمعاني ( ان تكون زعما جماليا وليس اختياريا منوطا بالفاعل ، إنما يستند على معرفة تعيد ترميز النصوص وفق وعي خارجي … أنها خبرة جديدة تدخل الوعي بهيئة نظام، ولا تمر هذه الخبرة تلقائيا … هي بحث يتطلب الذوق والخبرة الجمالية النقدية، وهي إعادة اكتشاف للإسناد الجوهري في لغة وشعر نوري الجراح).

عبر سبعة أبواب مقترحة ، استطاع علي بدر الإمساك بمفاصل التجربة الشعرية لنوري الجراح.ولكن على طريقته الخاصة. فلكل باب وضع علي بدر مفتاحا. وهذا المفتاح ليس سوى القراءة او توليد الدلالات (أنما يستند على معرفة تعيد ترميز النصوص وفق وعي خارجي، وتعيد تنظيم دوافع الشاعر عل نحو اكثر تكثيفا مع المعنى الجديد المسند إليها ، فهي ترميز واعادة ترميز للقصائد وفق تسلسل تجريبي ، ومن ثم تسلسل تأملي وتعيد موضعة القصائد في إطار جديد يتجاوز المعنى الملموس الى المعرفة التاملية …)

لكنه مفتاح يحاول علي بدر ان يجعله (key master) يفرضه على مفاصل دقيقة يختارها من شعر الجراح بطريقة ذوقية تأملية ماكرة وماهرة، ليكون باب النوم مثلا هو استقصاء إحصائي بنيوي توليدي طريف لموضوعة النوم في تجربة شعرية (ليس هنالك من شاعر افرد للنوم مكانا في شعره كما افرد له نوري الجراح في شعره..) وعلى هذه الشاكلة في التقصي ، انتج علي بدر سبعة أبواب مختارة لتصنيف وتبويب تجربة نوري الجراح. لانه حمل كل مشارط الاختيار ،الذوقية والتأملية .

علي بدر قدّم تجربة شعرية حديثة ملتبسة على صعيد التلقى ،فكان الشعر الفاعل الوحيد بها، إذ لم يكن نوري الجراح فاعلا وخالقا وشاعرا وحيدا. علي بدر استقصى التجربة وشذبها من ذيولها.اختار الشعر ليكون معيارا لاكتشاف قوانين القراءة او المعرفة القرائية بكل حدودها المنهجية والجمالية والذوقية.

نستطيع ان نقول ان تجربة المختارات هذه لم تنزع – في كل ما حملت من اطلاقات شخصية-إلا للانتصار للشعر وحده، كانت مغامرة معرفية جمالية لتقديم الشعر دون سطوة الفاعل الوحيد. ان المختارات التي قدّم لها علي بدر واختارها، تُشكل في تقديري إنجازا مغايرا لتقديم تجربة شعرية لا تمتلك من سطوة إلا بكونها متحققة فقط، وقابلة للفحص والمعاينة.كما أنها – -المختارات- قدّمت نوري الجراح في أرقى نضوج شعري له ، دون ان يتورط علي بدر في الاستقصاء التاريخي لمنجز الشاعر، والتي لا تمتلك أيّ أهمية إبداعية، إلا بوصفها تنتمي لتاريخ الأدب فقط .ولا يمكن لأي دارس ان يأخذ تجربة نوري الجراح بوصفها وثيقة تاريخية جازمة لأغراض خارج إبداعية. لان الشاعر غير معنيّ بهذه أصلا .

قدّم نوري الجراح تجربة شعرية تقترح قراءات متعددة، ولعل قراءة علي بدر واحدة من القراءات المهمة التي طرحت سؤال الشعر أولا.كما ان هذه المختارات قد تبدو في ظاهرها الشكلي، منتمية لتقسيم مسبق لأغراض شعرية عفا عليها الشعر. أبواب نوري الجراح لم تطاوع علي بدر في أحيان كثيرة، لان الشعر لاباب له ، وبقدر ما امتلك بدر من سلطة قرائية، فان الشعر أضاف مهيمنة عصيّة على طارق الباب. الشعر هو التنافذ في الآخر دون قصد مسبق . الشعر فعالية طرح السؤال، والقراءة هي الذهاب بالسؤال الى أقصى تخومه.



#وديع_شامخ (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رأس السنة وثعالب التقاويم
- دموع الجنرال
- دموع اجنرال
- بغداد أمنا .. لا تهالك على بابكِ الغرماء
- بغداد أُمنا ..لا تهافت على بابك الغرماء
- عرقيون .. ولكن بعد هذا الفاصل
- نص في الأزمة
- الكونغرس الأمريكي .. هل وحّد ساسة العراق أم فَضَحهم
- علي السوداني ومحنة البحث عن الحياة الآمنة
- الشاعر العراقي وديع شامخ.....الشعر تجربة انسانية وجمالية.لا ...
- الرئيس بوش في ضيافة ابو ريشة
- جال في خاطري أن أغني قبل التدوين
- الدم الأمريكي .. خط أحمر
- الدم الامريكي.. خطّ أحمر!!
- 33شمعة تضيء تجربة الشاعر أديب كمال الدين
- المشهداني وراتب التقاعد الأريحاني
- اتذكرك كحمى طازجة واهذي
- برلمان العراق في إجازة دائمة
- عمائم إيران وأحلام الامبراطوريات
- - الصابئة المندائيون -عراقيون ولكن بعد هذا الفاصل


المزيد.....




- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...
- افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-
- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - وديع شامخ - ابواب الدخول الى غابة الشعر