فريد حداد
الحوار المتمدن-العدد: 2153 - 2008 / 1 / 7 - 11:29
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
دأبت الأنظمة الأستبدادية الشمولية في العالم عامة , والعالم العربي خاصة , وفي سورية مركز اهتمامنا دائماً . على توجيه تهمة " التعامل مع الخارج " الى معارضيها السياسيين , في كل مرة يتجرأون فيها على المطالبة باي شيء يحد من عدوانية النظام على شعبه , أو التقليل من أمتيازاته وحجم نهبه .
والخارج في مفهوم النظام , متغير ومتبدل , تغير الظروف والمصالح السياسية الآنية للنظام . فتارةً , تمثل أمريكا هذا الخارج , بينما في انضمام قوات من الجيش السوري الى حفر الباطن ومحاربة جيش عربي تحت قيادة امريكية , أصبحت هذه الأمريكا داخل بالنسبة للنظام في حينها - وهذا ما يُغمض عنه الكثير من متملقي النظام أعينهم -, وتعرض الكثير من النشطاء والمثقفين يومها للأستدعاءات والأعتقال والتضييق , لأنهم تجرأوا وانتقدوا ذلك التعاون اللاوطني بين النظام وقوات الغزو الأمريكي للمنطقة العربية . وتمثل اسرائيل تارة أخرى هذا الخارج , بينما أصبح رئيسها داخلاً بالنسبة للنظام في تشيع جثمان البابا يوحنا بولس الثاني , حيث كان لابد من أظهار الود والتعبير عن الشكر والأمتنان لدعم شارون للنظام أمام جورج بوش, اثناء تهديداته للنظام بعد غزوه للعراق . كما تمثل المنظمات الحقوقية الدولية خارجاً بأغلب الأحيان . وقد يكون الخارج نظاماً عربياً آخراً مع شعبه وجيشه , على الرغم من شعارات النفاق في ( الأمة العربية الواحدة ) , ومن كان البارحة وطنيا قوميا وحليفاً , يصبح اليوم خارجاً معادياً , ويُحكم على من قدم عزاءً له باغتيال رفيقه , بالسجن ثلاث سنوات , بتهمة التعامل مع الخارج كما حدث لعضو الأمانة المركزية لحزب الشعب الديمقراطي السوري الرفيق فائق المير . وقد يتوسع الخارج ليشمل سوريين يعيشوا في الخارج هرباً من بطش النظام , ويُعتقل الكاتب علي العبدالله على خلفية علاقته بهذا الخارج , لمجرد قراءته لرسالة موقعة باسم المراقب العام للأخوان المسلمين السوريين المنفي للخارج . والذي هوعربي سوري أباً عن جد .
كيف تكونّت هذه التهمة التي تنفرد بها أنظمة الأستبداد في توجيهها لمعارضيها؟؟؟
بعد استيلاء المؤسسة العسكرية على السلطة في انقلاب سُمي " بثورة " الثامن من آذار . قامت بجملة أجراءات سياسية وأقتصادية هدفت الى تدعيم سلطتها . فحلت الأحزاب السياسية , بحجة أنها أحزاب البورجوازية البائدة . كما منعت الأحزاب الأخرى من العمل على الرغم من انها ليست أحزاب ( البورجوازية , كما فعلت مع الحزب الشيوعي والقوى الناصرية بعد حركة 17 تموز من عام 1963 .
كما استولت على أملاك وثروات الفئات الأجتماعية التي كانت في السلطة , والتي كانت قريبة منها , تحت شعار تأميم أدوات الأنتاج , ونقل ( ملكية أدوات الأنتاج ) من الملاّك الكبار والأقطاعيين الى طبقة العمال والفلاحين , كما ( اعادة الثروات المنهوبة الى الشعب ) . وبغض النظر عما آل اليه ذاك التأميم من سرقة ونهب لتلك الممتلكات وغيرها لصالح رجال السلطة الجدد , وتدمير للعملية الأنتاجية الصناعية والزراعية . فبعد ان استتبت الأوضاع لصالح الفئة العسكرية الجديدة , كان الوصف العقائدي والسياسي للتدمير السياسي والأجتماعي والأقتصادي الذي جرى لسورية , بانه ( انجازات للثورة ) فقد تم ( تدمير القوى الأقطاعية والبورجوازية ) في الداخل , و لم يبق منهم الا فلول لجأت للخارج , و( تحالفت مع أعداء الشعب والثورة ) في الخارج لأعادة سلطتها المنهارة ,
ولابد ليد " الثورة الطولى" من أن تطالهم لأنزال ( حكم ) الشعب فيهم . من هنا بدأ وضع المداميك الأولى في بناء السور ( الوطني ) بين الداخل والخارج , لمنع ( الرجعية ) وحلفاؤها من ( التسلل ) الى الداخل مجدداً . هذا الجدارالذي سيزداد ارتفاعاً مع الزمن , وتتعدد وظائفه .
لم يكن العزل الذي مارسته السلطة على الداخل بهدف منع الرجعية من العودة الى الوطن , بل كان عزلاً معرفياً للشعب , عما يستجد في العالم من تطور سياسي وحقوقي , كما كان عزلاً لأخبار ممارسات النظام القمعية بحق الشعب , عن دعاة الحرية وحقوق الأنسان في الخارج .
وحتى الآن مازالت أجهزة السلطة ( الأمنية ) تتسلح بمقولة العلاقة مع الخارج , لتلقيها في وجه كل من لايحلو لها نقده , أو نشاطه .
أسئلة كثيرة أصبح مطلوباً منّا أن نحدد أجوبتها بدقة وبدون مواربة ومنها :
- هل العلاقات التي هي تجسيد لتبادل المنافع , أو تعبر عن وحدة هدف , أو رؤية , أو طموح , بين أفراد , أو منظمات , أو دول , هي علاقات مشروعة أم لا .؟
- متى تكون العلاقات بين طرفين أو أكثر صح أم خطأ . ؟
من يقرر أن العلاقة صح أم خطأ ؟ وطنية أم خيانية ؟ ودية أم تآمرية . ؟ هل هو الحاكم الفرد , المستبد , متقلب المزاج , والأهواء . ؟ أم مدراء أجهزته الأجرامية . ؟ أم القانون الموضوع من قِبل فقهاء وبعد مناقشات عامة ومطولة , واقرارها بعد ذلك في مؤسسات تشريعية مُنتخبة من الناس . ؟
من يحق له الأتصال بالخارج , وبناء علاقات المنفعة , والتحالف , والتعاون متعدد الوجوه ؟ هل هي السلطة فقط . ؟ اذا كان الجواب بالايجاب , فهل حقها هذا مطلق حتى لو باعت الوطن ووضعت ثمنه في بنوك المشترين . ؟ أليس هناك من مصلحة لقوى المعارضة لبناء صداقاتها وعلاقاتها الحوارية ام التحالفية مع قوى ومنظمات خارجية , مدنية أم حقوقية أم سياسية , في السلطة أو خارجها , أو حتى دول بحد ذاتها تشاطرها الرأي في موضوع دولي أو أقليمي أو حتى داخلي . ؟
اذا كان بعرف النظام أن العلاقات مع الخارج هي من مهمة الحاكم فقط وعلى المعارضة ان تبتعد عن تلك العلاقات , فهل يعني ذلك أن للمعارضة الحق في أن تتصل ببعضها البعض وبشعبها من دون أية عقبات . ؟ اذا كان الجواب بالايجاب , فلماذا كل هذا الحصار على نشاط المعارضين وملاحقتهم حتى الى مكاتبهم ومنعهم من الألتقاء . ؟ واذا كان الجواب بالنفي , ألا يعني ذلك أن أعتقال النشطاء بذريعة العلاقة مع الخارج هي كذبة كبيرة . وهي حجة فقط للنيل من سمعتهم , ومنعهم من العمل السياسي . ؟ واذا كان الجواب لا هذا ولا ذاك فهل تتفضل السلطة باصدار لوائح تحدد فيها حقوق المعارضين بوضوح ومن دون مواربة . ؟
ألم يقل الله تعالى في كتابه العزيز " وخلقناكم أمم وشعوب لتعارفوا " . ؟ هل حدد الله تعالى في قوله هذا مهمة التعارف بالحكام فقط . ؟ وألم يقل السيد المسيح " أحبوا بعضكم بعضا " من دون أن يحدد " ك " المخاطب تلك , بشعب محدد أو أمة محددة, أو حزب أو حاكم . ؟ الم تكن تلك الدعوات للتعارف والمحبة دعوات شاملة لكل شعوب الأرض وأممها . ؟ وهل يمكن للتعارف والمحبة أن يكونا من دون علاقات . ؟
لماذا أطحتم ايها المستبدون بكل تلك التعاليم الجميلة لتُبعدوا السوريون عن باقي الأمم وتحاصروهم بجدار ( وطنيتكم ) الكاذب , لتعودوا مجدداً وتمزقوا وحدتهم الوطنية ونسيجهم الأجتماعي بزنازينكم وارهابكم خلف ذاك الجدار. ؟
اذا كان سبب أعتقال أفاضل أعلان دمشق , أو أفاضل أعلان دمشق – بيروت , بيروت – دمشق , أو باقي النشطاء هو كما تدّعون علاقتهم بالخارج !!!! فهل بالضرورة أن تكون هذه العلاقة مسيئة لمصالح الوطن . ؟ ألا يوجد أي أحتمال أن تكون العلاقة مفيدة للشعب والوطن . ؟ أذا كان جوابكم ايها المستعمرون المستبدون بالنفي !! فهل تعتقدون أن علاقاتهم مع الخارج هي بخطورة تلك العلاقة التي نجم عنها تسليم الجولان لأسرائيل ؟ والتنازل رسمياً لتركيا عن لواء أسكندرون وشطبه من خارطة الوطن . ؟ أم هي بمستوى العلاقة التي نجم عنها وضع تشكيلات مقاتلة للجيش السوري تحت قيادة أمريكية لمحاربة جيش العراق ( بغض النظر هنا عن جرائم صدام بحق العراق والكويت ) .
اذا كانت علاقة الأفاضل مع الخارج خطرة على الوطن كما تزعمون , فلماذا لانذهب الى محكمة علنية تُبث مباشرة على الهواء , ويحضرها صحفيون من كل دول العالم , وليقدّم كل طرف حججه وبراهينه ووثائقه على الملأ, ولنرى من هو صاحب العلاقات الخارجية التي جرت على البلاد الويلات . والأفاضل المعتقلون في زنازينكم أبتداءً من عارف دليلة وانتهاء بفايز سارة وصطوف هم ممثلوننا . ؟
اني أعتقد جازماً , بأنه من حق أي فرد في سورية , أن يبني علاقاته مع اي فرد أو جماعة من أي بقعة على وجه الأرض , يرى في علاقته تلك منفعة له أو لبلده .
ومن حق المعارضة السورية , لابل من واجبها الملّح , بناء علاقاتها الخارجية مع أية دولة أو حزب أو فرد , تجد في علاقتها تلك , منفعة لذاتها كمعارضة , أو لشعبها ووطنها. وأؤكد على " من واجبها " لأن أستفراد النظام في علاقات البلد الخارجية خلال الأربعين سنة الماضية , قد أساء اساءات بالغة للبلد برمته , بوضع سورية في عين عواصف لاطاقة لها على تحمّلها , كما تشويه صورة سورية والسوريين , حيث بدا للعالم أن السوريين ارهابيين على شاكلة نظامهم القاتل . كما أساء بتكبيله سورية بقيود هائلة , الى ركائز التخلف السياسية , والأجتماعية , والعلمية . وهذا ما يلقي على المعارضة مسئولية أكبر, لأعادة سورية الى السكة الصحيحة للحاق بركب الحضارة .
ان الجهة الوحيدة المخولة للحكم على نتائج بناء أي كان لعلاقاته مع الخارج , هو الشعب وحده وعبر صناديق الأنتخاب . فمن يُصيب في بناء علاقات خارجية تنفع البلد , يصوت له الشعب ويفوضه في قيادة البلاد , ومن يفشل , يقيله الشعب وينهي تفويضه .
أيها المستبدون الفاسدون الملتصقون على كرسي السلطة في دمشق , أنتم آخر من يحق له تقييم وطنية الآخرين وأتهامهم , لأنكم عبدة مال وسلطة , ومن يعبد المال , أو السلطة , يفقد كل القيم الأنسانية السليمة , الوطنية والأجتماعية , ولم يعد مخولاً للحكم على الآخرين . فما بالكم وأنتم تعبدون الأثنين .
#فريد_حداد (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟