أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - كاظم حبيب - هل الديمقراطية هي السائدة حقاً في العراق, أم حرية الفوضى؟















المزيد.....


هل الديمقراطية هي السائدة حقاً في العراق, أم حرية الفوضى؟


كاظم حبيب
(Kadhim Habib)


الحوار المتمدن-العدد: 665 - 2003 / 11 / 27 - 04:30
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


كان الخلاص من النظام الاستبدادي في العراق مأثرة كبيرة سيزداد إحساس الناس بأهميتها عندما يتسنى للشعب أن يحكم نفسه بنفسه, عندما ينتخب ممثليه بكل حرية ونزاهة وصدق, وعندما يستطيع أن يعبر عن رأيه في أطر مؤسسية ديمقراطية, وعندما يكون قد تخلص أيضاً من الاحتلال الذي تسبب به النظام المخلوع, والذي لا يمكن أن يتحمله الشعب طويلاً, إذ كلما عجلنا بإنهاء الاحتلال, نكون قد حققنا النتيجة المطلوبة, وأعني بذلك استعادة الاستقلال والسيادة الوطنية. ولا يجمع العملية الديمقراطية والحرية بالاحتلال أي جامع, إذ حصل الاحتلال بسبب تلك السياسات الاستبدادية والعنصرية والعسكرية والتوسعية التي مارسها النظام طيلة عقود.
وخلال الفترة المنصرمة برزت على الساحة السياسية العراقية عدة ظواهر تستوجب التوقف والتحليل والمعالجة. وأبرز تلك الظواهر ما يلي:
• الحرية التي لم يذق طعمها العراقيات والعراقيون طيلة عقود من الزمن بسبب النظم الاستبدادية المختلفة وأخرها كان أكثرها شراسة ودموية وحقداً وكراهية للشعب وأكثرها عنصرية وعداءً للقوميات الأخرى في العراق وفي المنطقة وأكثرها استعداداً وممارسة للتل وأكثرها كتماً للأنفاس. . وهي حرية يصعب التمتع بها بشكل سليم عندما لا يعرف الإنسان طعمها جيداً, وهو ما يحصل اليوم في جميع أنحاء العراق مع الفوارق المهمة بين منطقة وأخرى.
• الفوضى العارمة التي حلت بالبلاد والناجمة عن تصميم القوى المنهارة على إشاعة الفوضى في البلاد من جهة, وعن سوء تقدير القوى المحتلة في سبل التعامل مع الوضع في أعقاب الانهيار السريع للنظام من جهة ثانية, وعن عدم تعود الشعب على الحرية والعيش في ظلها بل عانى من الكبت الرهيب الذي شمل المجتمع بأسره من جهة ثالثة, إضافة إلى تخريب القوى التي كانت في السجون وأطلق سراحها قبل ذاك بفترة وجيزة. وأخيراً إصرار القوى المحتلة على إدارة البلاد مباشرة دون الاهتمام برأي القوى السياسية العراقية بضرورة تسلم السلطة وإدارة البلاد مباشرة.
• عمليات التخريب والإرهاب الشديد الذي ساد البلاد, ومناطق معينة من العراق بشكل خاص من جانب بقايا القوى المخلوعة والقوى التي استطاعت الولوج إلى العراق للقيام بعمليات التخريب الواسعة والتي ما تزال متواصلة, وهي قوى منظمة وحققت تعاوناً وتحالفاً متعدد الجوانب والأغراض.
• الأخطاء الفادحة التي ارتكبتها قوى التحالف على مدار الأشهر المنصرمة في مختلف المجالات, إضافة إلى الخلافات التي عصفت بالقوى السياسية العراقية في بداية الأمر واستمرار وجود خلافات بينها بشأن العديد من المسائل ذات الأهمية الكبيرة لعراق المستقبل. ويرتبط بهذا استثناء قوى سياسية من التحالف في إطار مجلس الحكم الانتقالي الذي يساهم في تنشيط الأعمال المضادة للوضع القائم.
• التحسن الملموس الذي طرأ على مجالات مختلفة من الحياة العامة للمجتمع العراقي, رغم أن هذا التحسن متباين بين منطقة وأخرى وفئة وأخرى. إلا أن أبرز ما في الوضع المتحسن هو عودة التلاميذ والطلبة إلى مقاعد الدراسة في مختلف أنحاء العراق بسبب ترميم وتصليح المدارس والكليات وتوفير اللازم لها من رحلات ومقاعد وكتب وقرطاسية ...الخ. وكذلك تحسن وضع المستشفيات والمستوصفات وتوفر الأدوية, وتحسن في رواتب الناس وانخفاض أسعار السلع والخدمات وتحسن مستوى المعيشة, والتوسع في البناء, وزيادة فرص العمل, رغم وجود بطالة واسعة في البلاد, وكذلك صدور عشرات الصحف والمجلات وتأسيس الأحزاب والمنظمات غير الحكومية ...الخ.    

إن ما يؤرق الشعب العراقي في المرحلة الراهنة هي التجربة الطويلة مع الولايات المتحدة الأمريكية التي لم تكن جيدة منذ سنوات طويلة تعود إلى فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية وعلى امتداد العقود التالية. ولم تبرهن الولايات المتحدة للشعب العراقي يوما ما على أنها تريد مصلحة الشعب العراقي أو الشعوب التي تعاني من ويلات الدكتاتوريات المنتشرة في العالم, ومنها شعوب البلدان العربية, وبالأخص شعب فلسطين. كما أن في الذاكرة ما حصل في ربيع عام 1991 مع انتفاضة الشعب العراقي, أو فرض الحصار الدولي عليه وتجويعه ونشر البؤس في أوساطه مما زاد من عواقب السياسة الاقتصادية المعادية للشعب من جانب سلطة البعث. حتى الحرب الأخيرة لم تكن حباً في سواد عيون العراقيات والعراقيين بأي حال, بل سعياً وراء الأهداف الاستراتيجية والسياسة الأمريكية التي لا تغرب عن بال الشعب العراقي. كما أن تصرف الولايات المتحدة في أعقاب حرب الخليج الثالثة أو الأخيرة حتى الآن, برهنت من جديد على هذا الواقع وعلى أهداف الولايات المتحدة. ولم يكن الموقف من الأحزاب السياسية الوطنية التي ناضلت للخلاص من نظام صدام حسين سوى الإمعان في تلك السياسة الأمريكية, التي أدت ضمن ما أدت إلى ما يعيشه الشعب العراقي من فوضى جامحة في الوقت الحاضر وإلى ضعف ثقة من جانب الأوساط الواسعة من الشعب العراقي بمجلس الحكم الانتقالي.
ولكن هذه الرؤية للأهداف الأمريكية في العراق والمنطقة لا تغير من عدد من الحقائق المهمة التي يفترض وضعها نصب العينين عند البحث في الواقع العراقي الراهن, وهي:
1. أن النظام العراقي المخلوع قد جاء للحكم بقطار أمريكي - بريطاني مرتين, مرة في عام 1963 وأخرى في عام 1968.
2. إن الولايات المتحدة الأمريكية أنقذت النظام العراقي من الانهيار في ربيع عام 1991 عندما سهلت له عملية اغتيال الانتفاضة الشعبية وتسببت في موت عشرات الآلاف من العراقيات والعراقيين, إضافة إلى هجرة واسعة جداً إلى خارج الوطن,
3. وأن النظام العراقي بسياساته المعروفة قد ساعد على تسهيل مهمة الولايات المتحدة في شن الحرب الأخيرة على العراق وإسقاط الدكتاتورية وإعلان احتلال العراق إلى أجل مفتوح.
4. وأن سياسات النظام قد تسببت بفقدان العراق لاستقلاله وسيادته الوطنية منذ سنوات الحرب العراقية – الإيرانية وتعمقت تدريجاً في أعقاب حرب الخليج الثانية وتحول العراق إلى دولة منتدب عليها من الأمم المتحدة بقيادة الولايات المتحدة وبريطانيا عملياً ومن خلال جملة القرارات التي صدرت عن مجلس الأمن الدولي ومنها قرار فرض الحصار الاقتصادي الدولي وقرار النفط مقابل الغذاء. 
5. وأن الشعب العراقي قد عانى الأمرين من حكم الطاغية, مما دفع بنسبة مهمة منه إلى استهسال أمر الحرب للخلاص من الدكتاتورية البغيضة والعنصرية القاتلة.
6. وأن سياسات النظام الاستبدادية قد تسببت أيضاً في فقدان عدد كبير من الأحزاب السياسية العراقية الثقة بقدرتها على إسقاط النظام, بسبب أساليبه الدموية ومقابره الجماعية وعدم استعداده لتغيير سياساته باتجاه آخر يخدم مصالح الشعب.
إن من يزور العراق ولفترة مناسبة يخرج بانطباع واضح مفاده:
ليست الديمقراطية هي السائدة حالياً في العراق في كل الأحوال, بل حرية الفوضى وعبثية عالية المستوى. ماذا يعني ذلك؟
 لا يمكن الحديث عن وجود ديمقراطية في العراق. فالديمقراطية تعني وجود سلطة منتخبة من الشعب بكل نزاهة وحرية ووفق الأسس الدستورية, وأن هناك دستور ديمقراطي مدني مصادق عليه من الشعب ومؤسسات دستورية ديمقراطية تدير الحياة السياسية والاقتصادية في البلاد, إضافة إلى وجود معارضة سياسية تتمتع بالحرية الكاملة في مواجهة برنامج الحكومة وسياستها ومواقفها المختلفة. كل هذا غير موجود. ومجلس الحكم الانتقالي لا يتمتع بهذه الديمقراطية, إذ رفض المحتلون السماح بإقامة مجلس شعبي ينتخب ممثليه من مختلف الأحزاب والجماعات والهيئات والمحافظات, ثم ينتخب هذا المجلس الحكومة لتدير شؤون البلاد التنفيذية وتنهي فترة الانتقال, رغم أن الثقة موجودة في الكثير من أعضاء المجلس وممثلي الأحزاب السياسية الوطنية التي ناضلت طويلاًَ ضد النظام العراقي, وهي معروفة للجميع. ورغم ذلك فأن الثقة شيء والحياة الديمقراطية والرقابة على المؤسسات المختلفة شيء آخر. ومع ذلك بتطلب الوضع الراهن دعم مجلس الحكم في نشاطه العام وسعيه لإنهاء الاحتلال بسرعة وتطبيع الوضع وإنهاء الاحتلال واستعادة العراق لاستقلاله وسيادته الوطنية.
يتجلى غياب الديمقراطية في العراق في عدد كبير من السياسات والإجراءات التي تمارس اليوم في العراق, سواء أكان ذلك من قبل سلطة الاحتلال أم من مجلس الحكم أم من الوزراء. ويمكن أن يورد المتتبع للأحداث في العراق الكثير من الأمثلة, منها على سبيل المثال لا الحصر: صدور قرارات عن الحاكم المدني لسلطة الاحتلال بشأن القضايا الاقتصادية والاستثمار الأجنبي وخصخصة مشاريع الدولة الاقتصادية, أو إبقاء الملفات السياسية والأمنية والاقتصادية بيد الحاكم المدني...الخ. وسوف أعالج مسالة واحدة مهمة على صعيد مجلس الحكم الانتقالي التي تتميز بغياب الديمقراطية في التعامل, وأعني بذلك الموقف من الفضائيات العربية.
أصدر مجلس الحكم الانتقالي قراراً يقضي بوضع اليد على مكاتب الفضائية "العربية" بسبب نشرها ما يشجع على العنف في العراق. كما جرت محاولة مماثلة قبل ذاك ضد فضائية "الجزيرة". هذا الموقف مناقض للديمقراطية ويتعارض مع حرية النشر والصحافة ولا يبشر بالخير إن بدأ المجلس بمثل هذه الإجراءات وهو ما يزال لا يمتلك السلطة كاملة والعراق ما يزال يفتقد إلى الاستقلال والسيادة الوطنية ويخضع للاحتلال. لست من مؤيدي ما تنشره الفضائيات العربية من معلومات وحيدة الجانب وأخبار مثيرة للجدل ومعلومات متباينة عن الوضع في العراق وأخبار عن صدام حسين أو الرسائل البائسة التي يوجهها لأتباعه. ولكن كل محطة فضائية تعمد إلى نشر تلك الأخبار وفق السياسة التي وضعتها لنفسها ولا يمكن منع ذلك فهي حرة في ما تقوم به وما تنشره. ومن حق مجلس الحكم الانتقالي أن يمارس حقه في ثلاثة مجالات, وهي:
• أن يقوم المجلس بنشر ما لديه من حقائق تتعارض مع ما تنشره تلك المحطات بحيث يتبين الصواب من الخطأ, وعليه أن يمتلك الفضائوة الخاصة به ومحطة تلفزيون عراقية محلية  ليمارس من خلالها ذلك.
• أن يرسل المجلس احتجاجاً لهذه الفضائية أو تلك لما تنشره من معلومات يعتقد المجلس بأنها تتناقض مع الحقائق القائمة في العراق وأن الفضائية لا تمارس الحياد في النشر بل التحيز مثلاً. ويمكنه نشر هذا الاحتجاج على نطاق واسع
• أن يقوم المجلس برفع دعوى قضائية ضد هذه الفضائية أو تلك عندما تكون لديه القناعة التامة بنشر معلومات خاطئة أو متعمدة يراد منه إشاعة الفوضى والعنف في العراق, وبالتالي يمكن أن يحتكم في ذلك إلى أداة شرعية وليس إلى إجراء غير ديمقراطي لا ينسجم مع حرية الصحافة والنشر والإذاعة ...الخ.
ولست معنياً الآن بتبيان وجهة نظري بهذه الفضائيات التي فيها من الإيجابيات أكثر مما فيها من السلبيات على صعيد العالم العربي, رغم اختلافي الكامل معها في مواقفها إزاء العراق, سواء في فترة سيادة الدكتاتورية في العراق أم بعد سقوط النظام وتبنيها الكامل للقوى المخربة والإرهابية حسب تقديري. ولكن الصحف والفضائيات العربية وغير العربية ربما تركض وراء الحدث وتأمل في كسب المستمعين والمشاهدين أكثر مما تهتم بالحقائق والمعلومات المدققة. وليست هناك محطة تتمتع بالحيادية في النشر, ولن تكون المحطة الفضائية العراقية القادمة قادرة في أن تكون كذلك. لهذا أرى بأن القرار المتخذ بهذا الصدد مخالف للديمقراطية, حتى لو خرقت هذه الفضائية أو تلك قواعد الديمقراطية, فهناك المحاكم التي تفصل في هذه الأمور, وقبل ذلك مقارعة الحجة بالحجة ونشر المعلومات الصادقة. إن منع مكاتب العربية من نشاطها الاعتيادي في العراق وطلب تعهد منها بعدم نشر رسائل الدكتاتور المخلوع صدام حسين الصوتية لا يمكن أن يوصف بالديمقراطية بأي حال وأتمنى على المجلس التراجع عنه.
أصبت بصدمة شديدة وكآبة فعلية وأنا أشاهد الحوار الذي دار في ليلة الثلاثاء المصادف 25/11/2003 بين السيد فاضل الربيعي والسيد قنبر وأحاديث المشاركين في الحوار ومدير الندوة الدكتور فيصل القاسم بسبب أسلوب الحوار ومضامينه. ففي الوقت الذي عجز مدير الندوة عن الحفاظ على هدوئه وحياده المطلوب إزاء موضوع "المقاومة أو التخريب والإرهاب في العراق", فأن المتحاورين فقدا الهدوء والموضوعية والنقاش المقنع لهما وللمشاهدين. والذي حيرني في الأمر استخدام الناطق باسم مجلس الحكم الانتقالي أسلوب الاتهامات والشتائم رداً على الآخرين أو ليسمع مثلها من الآخرين. ما كانت المهاترات والشتائم الطريق الصحيح للوصول إلى الحقيقة أو إلى إقناع الناس بالقضية العادلة التي يتبنى الدفاع عنها هذا المحاور أو ذاك. والشتائم لن تخدم قضية شعبنا. لقد قدم السيد قنبر, وكذا السيد الربيعي, نموذجاً غير قدوة في الحوار السياسي العقلاني المنشود بغض النظر عن المواقف المتباينة وعمق الخلاف وشدة الصراع.
ويصعب على الإنسان أن يستوعب وقوف الناطق الرسمي باسم المجلس ليدافع عن الملكية في العراق واعتبار سقوطها النكبة الحقيقية التي حلت بالعراق, وأن العراق كان يتمتع بالديمقراطية, وهو بعيد, كما يبدو لي, عن فهم مضمون الحرية والديمقراطية. وهل أن مهمة المجلس أو الأحزاب السياسية العاملة فيه هي الدفاع عن الملكية في الوقت الحاضر؟ كل هذا لا يدل على الديمقراطية, وهو قليل من كثير.
أما في العراق فأن ما يسوده الآن فهي الفوضى, أو بتعبير أدق حرية الفوضى. فالفوضى تسود الحياة السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية والبطالة عامة وشاملة والحاكم المدني عاجز عن حكم البلاد, ومع ذلك يرفض التخلي عن الحكم لمجلس الحكم الانتقالي, ومجلس الحكم غير موحد وغير قادر حتى على توحيد كلمته بشأن انتخاب رئيس دائم للمجلس بدلاً من التبديل الشهري له, وهو تعبير عن عدم الثقة والمنافسة غير العقلانية من منطلق حزبي ضيق.
صحيح هناك أكثر من 190 صحيفة يومية وأسبوعية ومجلة شهرية وفصلية ...الخ, وصحيح أن الأحزاب لها مقرات, وهناك منظمات المجتمع المدني والنقابات وما إلى ذلك, وهذا الواقع يعبر عن جوع عتيق لكل ذلك, والكثير من تلك الأحزاب والمنظمات ليست سوى لوحة وعدد من الأشخاص, وهو مع ذلك مقبول وسليم ما دام يشبع حاجة المشاركين في ذلك. ولكن غير السليم هو سيادة الفوضى في دوائر الدولة والتصرفات الفردية للجماعات والأفراد دون مراعاة لحرية الآخرين. إن مفهوم الحرية مرتبط عضوياًُ بالديمقراطية وسيادة مبادئ حقوق الإنسان والأمن والاستقرار ودولة القانون الديمقراطي. أما اليوم فيبدو أن مفهوم الحرية لدى الفرد العراقي والجماعات هو الحق في الفوضى, الحق في أن يمس الإنسان أنف غيره, في حين أن مضمون الحرية هو أن يمد الإنسان يده حيثما يشاء شرط أن لا يمس بها أنف غيره.
لا شك في أن عدداً من العوامل يلعب دوره في استمرار هذه الفوضى والتي لا بد لنا من الإشارة إليها لمعالجتها بأسرع وقت ممكن, وأعني بها:
1. استمرار وجود السلطة بيد الإدارة الأمريكية. ولهذا يتطلب الأمر سرعة تسلم السلطة من قبل القوى السياسية والاجتماعية العراقية, وهي التي تنظم وتنفذ مهمات فترة الانتقال.
2. الدور الذي تلعبه القوات العسكرية الأجنبية في البلاد وعدم وضوح الرؤية المطلوبة حول فترة بقاء هذه القوات في البلاد. لهذا يتطلب الأمر تنظيم وجود القوات الأجنبية بقرار جديد من مجلس الأمن الدولي بما يضمن وجوده ضمن القوات الدولية ورحيلها بعد الانتهاء من فترة الانتقال واستتباب الأمن والاستقرار, ودون إقامة قواعد عسكرية في العراق. ولا يمكن المطالبة برحيل هذه القوات في وقت ما تزال القوى الإرهابية وفلول نظام صدام تعبث بأمن واستقرار البلاد وسلامة المواطنات والمواطنين, وأن القوى العراقية ما تزال غير قادرة على مواجهة أعمال التخريب والإرهاب الوحشية التي تفتك ببنات وأبناء الشعب.
3. الاختلافات والتصريحات والخطب التي تثيرها بعض القوى السياسية في البلاد, سواء تلك التي في المجلس أم خارجه, بما في ذلك محاولة انتهاك حرية الناس بفرض عدد من القواعد التي تطرحها بعض قوى الإسلام السياسي ضمن مزايدة غير معقولة في ما بينها تقود إلى سلب المجتمع حريته, مثل محاولة منع عرض بعض الأفلام أو الأغاني أو الرقص بحجة الخلاعة والفسق أو محاولة تحطيم محلات بيع المشروبات الكحولية ...الخ, أو منع رياضة النساء أو التهديد باستخدام أساليب أخرى لوضع حدٍ لهذه المظاهر, كما جاء على لسان أحد خطباء صلاة الجمعة من أعضاء المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق. إن مثل هذه التصريحات والخطب في الجوامع تشير إلى ما ينتظر المجتمع من مآسي إن وصلت مثل هذه الذهنية إلى السلطة السياسية في البلاد, في حين علينا تجنب المرور بتجربة مماثلة لتجربة إيران بأي حال.
4. إن وجود عدد مهم من القوى الاجتماعية والسياسية خارج إطار المجلس يدفع بها إلى محاولة التصرف بفوضوية عالية للتعبير عن عدم ارتياحها من وجودها خارج المجلس. وهي إشكالية كبيرة يتطلب الأمر معالجتها بسرعة فائقة.
5. إن الأحزاب والجماعات السياسية لا تبدي اهتماماً كبيراً بتوعية الناس بمبادئ الحرية والديمقراطية ومضامينها الأساسية ولا تحاول الوصول إلى  القاعدة الاجتماعية, بل منشغلة بأمور بيروقراطية داخل أحزابها مما يساهم في تعقيد وضع الجماهير ويبقى الجهل منتشراً والفوضى عامة.
6. ويبدو لي إن أعلام المجلس والقوى السياسية المختلفة ما يزال متخلفاً وبعيداً عن فتح الحوار مع الناس في كل مكان, كما أن من غير المعقول عجز المجلس عن إعادة عمل الفضائية العراقية لكي تمارس دورها في نشر الجوانب الإيجابية والسلبية في الحياة السياسية والأمنية والاقتصادية العراقية, ومحاولة التوعية الجادة للسكان, رغم قناعتي بصعوبة الاتفاق على برنامج مشترك في هذه التوعية لأسباب معروفة للجميع. ولكن هذا لا يبرر هذا التخلف في النشاط الإعلامي الداخلي والعربي والعالمي.
إن العراق بحاجة إلى وعي الحرية ومفهومها ومضامينها, إلى وعي العلاقة بين الحرية والديمقراطية وإلى سبل ممارستهما بكل حزم ومسؤولية, إلى وعي صحيح بشرعة ومبادئ حقوق الإنسان, كما انه بحاجة إلى أحزاب وقوى سياسية تعي ذلك أيضاً لكي تستطيع أن تلعب دورها في الحياة السياسية وفي تغيير الواقع العراقي من الدكتاتورية التي هيمنت عليه إلى الديمقراطية, وليس إلى إقامة دكتاتورية أخرى باسم الدين أو هذه الإيديولوجية أو تلك أو هذا الحزب أو ذاك, ونحن بحاجة إلى رؤية واعية لواقع العراق وحاجاته والتغيرات التي طرأت عليه لكي يستطيع الشعب السير قدماً لإنجاز مهمات الانتقال وبناء أسس الحرية والديمقراطية وإنهاء الاحتلال.   
ولكن الشعب بحاجة ماسة إلى المزيد من منظمات المجتمع التي تلتزم بقضايا الدفاع عن حقوق الإنسان ونشر ثقافة حقوق الإنسان في أوساط المجتمع, وإلى ملاحقة قانونية لمن يتجاوز على هذه الحقوق ويدوسها بأقدامه. إن العراق بحاجة إلى فتح دورات خاصة بالتثقيف بحقوق الإنسان وتدريسها في مختلف مراحل الدراسة, وإلى عقد اتفاقيات مع بلدان أخرى لتدريب كوادر جديدة بمبادئ وسبل ممارسة حقوق الإنسان والعلاقات الحضارية في المجتمع. إنها مهمة صعبة ويفترض التعامل معها بكل جدية. ويفترض أن تتميز قيادات هذه المنظمات بالاستقلالية الكاملة عن الأحزاب السياسية القائمة في العراق لكي تستطيع أن تؤدي دورها بكل عقلانية وحيادية ومسؤولية عالية. هذا ما نتطلع غليه وما يفترض أن يسود في العراق.
  



#كاظم_حبيب (هاشتاغ)       Kadhim_Habib#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ما المخرج من همجية فلول صدام والقوى الظلامية والسياسات الخاط ...
- نص إجابة الدكتور كاظم حبيب عن استفتاء الزمان بشأن الدستور ال ...
- الاحتلال والصراع على السلطة والمصالح في العراق 3-4 & 4-4
- مرة أخرى مع المهمات المباشرة والأساسية لقوى اليسار الديمقراط ...
- تصحيح لخطاً وقع في الحلقة الثانية من سلسلة 1-4 حول -الاحتلال ...
- الاحتلال والصراع على السلطة في العراق وسبل معالجته 2-4 حلقات
- الاحتلال والصراع على السلطة في العراق وسبل معالجتها!1-4 حلقا ...
- من أجل التحويل الديمقراطي الحقيقي في السعودية!
- كيف يمكن التعامل مع أقطاب النظام السابق لتعميق التجربة الديم ...
- لِمَ هذا الهلع المفتعل للحكومة التركية من الشعب الكردي في كر ...
- العراق ليس فيتنام, ولكن ...!
- نحو مواجهة الإشاعات بمواقف شفافة وصريحة من جانب مجلس الحكم ا ...
- من أجل تعامل صارم وعقلاني مع العناصر التي خانت أحزابها الوطن ...
- المأساة والمحنة المستديمة لأطفال العراق!
- رسالة مفتوحة إلى مجلس الحكم الانتقالي والإدارة الأمريكية - م ...
- ضرورة الشفافية والمجاهرة بين مجلس الحكم الانتقالي والشعب!
- المشكلة الاقتصادية في العراق
- من أجل النقل المسؤول للسلطة إلى مجلس الحكم الانتقالي وتعزيز ...
- حوار مع السيد بريمر حول المدخل لإصلاح الاقتصاد العرقي!
- المناضلون العراقيون الأقحاح ماذا يريدون؟


المزيد.....




- الشرطة الأسترالية تعتقل صبيا طعن أسقفا وكاهنا بسكين داخل كني ...
- السفارة الروسية: نأخذ في الاعتبار خطر ضربة إسرائيلية جوابية ...
- رئيس الوزراء الأوكراني الأسبق: زيلينسكي ضمن طرق إجلائه من أو ...
- شاهد.. فيديو لمصري في الكويت يثير جدلا واسعا والأمن يتخذ قرا ...
- الشرطة الأسترالية تعتبر جريمة طعن الأسقف في كنيسة سيدني -عمل ...
- الشرطة الأسترالية تعلن طعن الأسقف الآشوري -عملا إرهابيا-
- رئيس أركان الجيش الإسرائيلي يقول إنّ بلاده سترد على الهجوم ا ...
- زيلينسكي لحلفائه الغربيين: لماذا لا تدافعون عن أوكرانيا كما ...
- اشتباكات بريف حلب بين فصائل مسلحة وإحدى العشائر (فيديوهات)
- قافلة من 75 شاحنة.. الأردن يرسل مساعدات إنسانية جديدة إلى غز ...


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - كاظم حبيب - هل الديمقراطية هي السائدة حقاً في العراق, أم حرية الفوضى؟