أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الاطفال والشبيبة - كاظم حبيب - المأساة والمحنة المستديمة لأطفال العراق!















المزيد.....


المأساة والمحنة المستديمة لأطفال العراق!


كاظم حبيب
(Kadhim Habib)


الحوار المتمدن-العدد: 644 - 2003 / 11 / 6 - 03:10
المحور: حقوق الاطفال والشبيبة
    


يمكن الحديث عن واقع وجود طفولتين مختلفتين في النوعية والشكل في العراق, حياة طفولة منعمة نسبياً لدى العوائل المالكة لوسائل الإنتاج والغنية والمهيمنة على السلطة, وحياة طفولة بائسة لدى العوائل لفقيرة والكادحة عموماً, حياة طفولة أكثر تنوعاً وانفتاحاً واعداً نسبياً في المدن, وحياة طفولة أقل توهجاً وغير واعدة في الريف. وكانت الفجوة بين الحالتين كبيرة جداً لصالح الأغنياء في المدينة والريف ولصالح المدينة, كما أن التمييز في التعامل إزاء البنات والأولاد, سواء أكان ذلك بالنسبة للتعامل اليومي أو الدخول إلى المدرسة, كان كبيراً وجارحاً لكرامة البنات. وكان هذا الواقع الموروث قد ساد في العهد الملكي ولم يختف بعد ثورة تموز عام 1958. ولكن في أعقاب هذه الثورة توفرت إمكانية أفضل من السابق في دخول المزيد من بنات وأبناء العوائل الفقيرة والكادحة إلى المدارس واستمرار الدراسة في الكليات والمعاهد المختلفة.
تميزت السياسات التي مارستها الدولة في العهد الملكي - الإقطاعي أو في العهد الجمهوري, فيما عدا الفترة الأولى من حكم عبد الكريم قاسم, إزاء الأطفال بأربعة اتجاهات أساسية, وهي:
1. التمييز الصارخ في العناية بين بنات وأبناء العوائل الغنية والمالكة لوسائل الإنتاج وبين بنات وأبناء العوائل الفقيرة والكادحة بشكل عام لصالح العوائل الغنية.
2. التمييز الصارخ في العناية بين المدينة والريف لصالح المدينة وإهمال حقيقي للريف والبادية أو الرعاة وسكان المناطق الجبلية النائية في كردستان العراق.
3. التمييز الكبير بين المناطق الجغرافية المختلفة, إذ لم تكن العناية بالأطفال في المدن الصغيرة والمتوسطة, كما عليها العناية ببغداد أو الموصل أو البصرة نسبياً, كما أن العناية بإقليم كردستان, وخاصة الريف, ومنطقة الجنوب كانت سيئة جداً بالقياس إلى بعض مناطق وسط العراق.
4. التمييز بين البنات والأولاد في كل شيء لصالح الأولاد. وهذه الظاهرة الاجتماعية الذكورية المتخلفة كانت عامة تشمل العوائل الغنية والفقيرة في آن واحد, ولكن كانت لها تأثيراتها السلبية ألأكثر حدة وشدة على بنات العوائل الفقيرة والكادحة.
لعبت طبيعة النظم السياسية وسياساتها والعلاقات الإنتاجية شبه الإقطاعية والموروث الاجتماعي البالي والمجتمع الذكوري, إضافة إلى الموقف السلبي لمجموعات من رجال الدين حول العديد من المسائل الاجتماعية, دورها البارز في ظهور مثل هذه التوجهات السلبية العامة.
وعندما قفز جناح ميشيل عفلق - صدام حسين لحزب البعث العربي الاشتراكي على السلطة ثانية في عام 1968, عمد إلى ممارسة السياسة التالية في مجال التلاميذ والطلاب:
1. تشكيل منظمة الطلائع في المدارس الابتدائية وممارسة حياة الفتوة على طريقة الثلاثينات من القرن العشرين التي جلبها القوميون العرب معهم إلى العراق.
2. تشكيل منظمة خاصة للشباب وأخرى للطلاب, وهما تابعتان لحزب البعث الحاكم مباشرة وتحت توجيهه وأشرافه ورقابته الفكرية والسياسية والتنظيمية, ورفض وجود أية تشكيلات تنظيمية أخرى مماثلة لقوى سياسية أخرى أم مستقلة بصورة شرعية في البلاد.
3. إجراء تدريبات شبه عسكرية للطلاب والشباب على نطاق البلاد وربط ذلك بعملية تثقيف فكري وسياسي واسعة النطاق تستند إلى الفكر البعثي القومي اليميني والشوفيني المتطرف المتسم بالاستعلاء القومي والعنصرية والاستعداد لممارسة العنف واستخدام القوة "لانتزاع الحقوق المغتصبة"!
4. تشويه المناهج الدراسية في مختلف المراحل وخاصة بالنسبة إلى مواد التاريخ والجغرافية والمجتمع والقومية. وبرز ذلك واضحاً في السياسة الفعلية التي نفذها صدام حسين تحت شعار "إعادة كتابة التاريخ" من المواقع الفكرية والسياسية لحزب البعث, والتي صدرت في مجموعات من الكتب التاريخية التي شوهت الكثير من الحقائق الثابتة كانت دفاعاً مزوراً عن العرب والعروبة. وقد عممت هذه الكتب على الدولة والمجتمع وفي التدريس أيضاً.
5. منع القوى السياسية الأخرى من العمل في صفوف الشباب والطلاب وحصر الأمر بحزب البعث ومنظماته المهنية والنقابية المرتبطة مباشرة بحزب البعث وقيادته وصدام حسين.

ولكن السؤال المشروع في هذا الصدد هو التالي: ما هو سر اهتمام الحزب المخلوع بالطلائع والشباب في العراق؟ إن المعلومات التي لدينا والسياسات الفعلية التي مارسها الحزب الحاكم بقيادة صدام حسين تشير كلها إلى الإجابة التالية عن هذا السؤال: إن تحقيق "أهداف الأمة العربية" وفق منظور حزب البعث العربي الاشتراكي يتطلب العمل وفق الاتجاهات التالية:
1. وجود حزب عقائدي ملتزم بتحقيق آمال الأمة ويعتبر الوعاء الذي تلتقي عنده إرادة ومصالح الأمة ومستقبلها, ويقود نضالها صوب أهداف الأمة والوطن العربي, إنه حزب البعث العربي الاشتراكي!
2. تأمين وصول حزب البعث إلى السلطة في إحدى الدول العربية, وهي التي تصبح المنطلق والقاعدة الفعلية للتحرك صوب الوحدة العربية. ويفترض أن تكون هذه الدولة غنية بمواردها المادية وقواها البشرية وقادرة على المساهمة في تحقيق الأهداف. وهذه الدولة هي العراق حيث تسلم حزب البعث السلطة فيه.
3. تكوين جيش عقائدي ملتزم وشبابي واسع ومسلح بأيديولوجية وسياسات البعث ومواقفه العربية والدولية ومزود بأحدث الأسلحة ومدرب أحسن تدريب ومستعد للنضال وخوض المعارك دفاعاً عن الأمة وتحقيقاً لأهدافها واستعادة حقوقها المغتصبة!
4. أن يكون للحزب والأمة قائداً ثورياً مقداماً, شجاعاً وقادراً على قيادة الأمة إلى أهدافها, قائداً يطاع من الحزب والأمة والدولة, إنه القائد الضرورة والتاريخي صدام حسين!
 
من هنا يتبين لنا بوضوح بأن البعث المخلوع وجد في العراق قاعدة أساسية لانطلاقه صوب السيطرة التدريجية على الأقطار العربية من أجل خلق دولة عربية واحدة تدين بالولاء لحزب البعث وفكره القومي. وعلى هذا الأساس انطلق لتحقيق عدة أهداف تحضيرية, من أهمها:
1. التوسع باستخراج وتصدير النفط الخام للحصول على الموارد المالية الضرورية لتنفيذ أهدافه وتأمين الأدوات الضرورية لتحقيق تلك الأهداف.
2. البدء بإنتاج الأسلحة الحديثة في داخل البلاد, إضافة إلى بناء ترسانة كبيرة للأسلحة الحديثة المستوردة من الخارج, كما بدأ العمل بإنتاج الأسلحة الكيماوية والبايولوجية والتحضير الواسع النطاق لإنتاج السلاح النووي بدعم غير مباشر وفعال من جانب غالبية الدول الغربية .
3. تكوين جيش جرار من الشبيبة العراقية التي تؤمن بفكر وسياسة حزب البعث وبقيادته وقائده صدام حسين. وقد بلغ عدد أفراد الجيش العراقي في عام 1980 حوالي مليون مقاتل, إضافة إلى الجيش الشعبي وأجهزة الشرطة والأمن والمخابرات والحرس الجمهوري ..الخ. وقد زود هذا الجيش بأحدث الأسلحة التقليدية ووسائل الاتصال ودرب تدريباً عالياً وحديثاً.
4. التثقيف بذهنية عسكرية هجومية غير مستعدة للمساومة, ذهنية قومية يمينية شوفينية مقيتة موجهة ضد جيران العراق وكل القوميات الأخرى, ذهنية شبابية كانت ما تزال مادة خام يمكن صياغتها وفق إرادة ورغبة صدام حسين.   
5. التحضير لغزو دولة مجاورة "يستعاد منها حق عربي مغتصب!", وهي إيران, لإعطاء الدفعة الكبيرة لدعم نظام صدام حسين من الجماهير العربية المتطلعة للوحدة العربية, كما يرى البعث وصدام حسين. أي أن البعث لم يكن يتطلع إلى السيطرة على الدول العربية فحسب, بل كان يطمع في السيطرة على المنطقة بأسرها ويضمن فرض سياساته عليها. 
6. ومن خلال الموارد المالية يمكن تشكيل شبكة واسعة من الأجهزة والنشاطات الإعلامية في الداخل والخارج لكسب الأصدقاء والترويج لفكر وسياسات البعث في العالم العربي على نحو خاص, وشراء الذمم دفاعاً عن ممارساته الاستبدادية في الداخل والتوسعية نحو الخارج.
واستناداً إلى كل ذلك بدأ النظام ببذل جهوده الاستثنائية للحصول على أسلحة الدمار الشامل لا لأغراض الترهيب والتهديد فحسب, بل لأغراض الاستخدام الفعلي عند الحاجة, وهو ما نفذه فعلاً في حرب الخليج الأولى ضد إيران وفي حربه ضد الشعب الكردي وحركة الأنصار وضد الأهوار.

إن السياسة التي استهدفت كسب الشباب وتوجيههم وجهة محددة وهادفة إلى الهيمنة على المنطقة, اصطدمت بالكثير من العقبات, بسبب نهج النظام السياسي والاقتصادي والعسكري والتربوي, وبسبب رغبته في الوصول إلى تلك الأهداف بسرعة وغروره الشديد وتعاليه وسلوكه المغامر, كما فضح الدكتاتور نفسه أسراره العسكرية وما حققه من تقدم في مجال إنتاج أسلحة الدمار الشامل, مما أوقع البلاد بعدد من المعارك والحروب الداخلية والإقليمية وتسبب في الحصار الاقتصادي الدولي والمآسي المفجعة التي عاشها الشعب العراقي وعانى منها الكثير, وقادت في المحصلة النهاية إلى سقوطه بعد أن وضع البلاد والشعب على حافة الهلاك. وإذا كانت محنة الرجال والنساء في العراق كبيرة ومديدة وقاسية جداً, إذ كانت ضحية الدكتاتورية وسياساتها الداخلية وحروبها الداخلية والإقليمية, فأن معاناة الأطفال من مختلف الأعمار والقوميات كانت أكبر بكثير وأكثر قساوة. 

يمكن النظر إلى معاناة أطفال العراق من زوايا عديدة, إذ أن كلا منها يفضح جانباً محدداً أو أكثر من طبيعة النظام وسياساته التي أودت في بعض جوانبها بحياة أكثر من مليون طفل عراقي خلال فترة حكم النظام البعثي-الصدامي في العراق. وما يزال ما يقرب من مليون طفل عراقي يعاني من شتى الأمراض باعتبارها من أبرز مخلفات هذا النظام المتوحش وأكثرها ظلماً وعدواناً. فالنظام العراقي خطط ونفذ حملات عسكرية واسعة ومستمرة ضد الشعب الكردي في السبعينات والثمانينات وأوائل التسعينات من القرن الماضي, من بين أبرزها الخديعة والمساومة مع شاه إيران لتصفية الحركة المسلحة للشعب الكردي في عام 1975, ثم حملات الأنفال الأكثر دموية ومجزرة الكيماوي الرهيبة في حلبجة في عام 1988 , والهجرة المليونية إلى تركيا وإيران في أعقاب ضرب انتفاضة الشعب في ربيع عام 1991, وكذلك الحملة المسعورة ضد سكان الأهوار ووسط وجنوب العراق في فترات مختلفة, التي أدت كلها إلى العواقب التالية لأطفال الشعب الكردي والأقليات القومية في كردستان العراق:
موت عدد كبير من أطفال كردستان بسبب الحروب ضد الشعب الكردي وعمليات القصف الجوي والمدفعي للقرى والأرياف الكردستانية, أو بسبب عمليات الهروب من مطاردة السلطات والقوات العسكرية والأمن في فترات مختلفة, أو عمليات التهجير القسرية إلى مناطق مختلفة دون توفير مستلزمات العيش, وكذلك انعدام الأدوية والمعالجة الطبية أو الرعاية الصحية وسوء التغذية وانتشار الكثير من الأمراض الناجمة عن استخدام مختلف الأسلحة في الحرب ضد الشعب الكردي أو أثناء الحرب ضد إيران, إضافة إلى موت الكثير من الأطفال بسبب انفجار الألغام المزروعة في المناطق الحدودية والمناطق الزراعية القريبة من الحدود تحت أقدامهم.
7. تشريد عشرات ألاف العوائل الكردية ولجوئها إلى إيران, ومعها نسبة عالية من الأطفال الذين شردوا من وطنهم.
8. تيتم نسبة مهمة من أطفال العراق بسبب سقوط أحد الأبوين أو الاثنين بسبب الحملات العسكرية واستخدام أشد أنواع القسوة في ملاحقة المناضلين الأكراد بما في ذلك حرق القرى الريفية والتي وصل عددها إلى أكثر من 4250 قرية كردستانية, أو موتهم في الحرب العراقية - الإيرانية حيث جند النظام نسبة مهمة من الرجال الأكراد وغيرهم من القادرين على القتال.
9. حرمان الكثير من أطفال كردستان من التمتع بمرحلة الطفولة أو الحصول على فرصة التعلم في المدارس الابتدائية, وكانت ظروف العوائل المشردة وأطفالهم أكثر بشاعة.
10. تسرب عدد كبير جداً من الأطفال من مدارسهم بسبب حاجة عوائلهم لعمل هؤلاء الأطفال من أجل الحصول على أجر مهما كان ضئيلاً كانت بأمس الحاجة له لسد الرمق.
11. إصابة نسبة عالية من أطفال العراق, وخاصة جنوبه, من مختلف الأعمار بأعراض أمراض نفسية وعصبية وكوابيس مرهقة أو التعويق بسب الألغام المزروعة في الأراضي العراقية.
12. الفقر الشديد الذي كانت تعاني منه نسبة عالية من السكان والذي انعكس على عدم قدرة العوائل على توفير الغذاء الضروري والمعالجة الطبية المطلوبة لأطفالها.
13. البطالة الواسعة في صفوف السكان القادرين على العمل, في وقت كان يجري تشغيل الأطفال, بسبب شدة الاستغلال الذي كان يسلط عليهم من أرباب العمل من حيث قلة الأجور المدفوعة لهم وزيادة ساعات العمل اليومي.
14. تسكع نسبة عالية من أطفال العراق في الشوارع بسبب محاولتهم الحصول على عمل أو التفتيش عن أشياء نافعة في القمامة المنتشرة في مناطق مختلفة أو حتى بيع الجسد لتأمين مورد مالي ضئيل. كما أن بعض العصابات كانت تعمل على الحصول على أعضاء معينة من أجساد الأطفال لقاء مبلغ مالي تحتاجه العائلة,  وخاصة بيع إحدى الكليتين. 
15. العثور على عدد كبير من أطفال العراق في القبور الجماعية التي اكتشفت في العراق وهم من مختلف الأعمار, وبعضهم كان ما يزال بين يدي أمه. وفي الذاكرة ما تزال صور أطفال كردستان الذين قتلوا بالكيماوي في حلبجة التي تثير الغضب والكراهية للنظام الذي ارتكب مثل هذه الجرائم.  

تشير المعلومات المتوفرة إلى أن أطفال الوسط والجنوب, وخاصة البصرة, يعانون اليوم من عواقب استخدام الأسلحة الكيماوية من جانب النظام العراقي واستخدام العتاد المشع باليورانيوم المنضب من قبل قوات التحالف الدولي, الولايات المتحدة, في حرب الخليج الثانية, ومنها أمراض السرطان والتهابات الرئة أو الجهاز الهضمي والعيون ...الخ. إن العواقب السلبية الاجتماعية التي أشرنا إلى بروزها في واقع أطفال كردستان, برزت أيضاً وبشكل صارخ على نطاق واسع في الوسط والجنوب, وبالتالي فهي ظواهر عمت العراق كله.  
قبل وأثناء شن الحرب الأخيرة ضد النظام العراقي تحدث الرئيس الأمريكي في الأمم المتحدة وفي محافل أخرى واعداً العالم بتحقيق مجموعة من الشعارات في العراق, ومنها ما يلي, بعد أن كان قد استعرض ما كان يعانيه الشعب من الدكتاتورية الغاشمة:
1. التحرر من الدكتاتورية وحصول الشعب العراقي على حريته وتمتعه بالديمقراطية.
2. استعادة العراق لاستقلاله وسيادته وتسلم شعبه قيادة بلاده على أسس دستورية وديمقراطية ومجتمع مدني, وعيشه في أمن وسلام دائمين في بلاده ومع جيرانه.
3. تحسين مستوى معيشة السكان وتمتع الأطفال بحياة أكثر بهجة وسعادة.
4. حرمان قوى الإسلام السياسي الإرهابية المتطرفة والقوة المستبدة من أي نوع كان من العودة إلى حكم العراق وضمان الوصول إلى بناء مجتمع مدني حر وديمقراطي.
وعند متابعة ما تحقق من هذه الوعود في الواقع العراقي وبعد مرور حوالي خمسة شهور على سقوط النظام, يمكننا القول بلا تردد بأن الوعد الوحيد الذي تحقق حتى الآن هو سقوط النظام الدكتاتوري. وفي الوقت الذي لا يمكن ولا يجوز التقليل من أهمية الخلاص من نظام دموي مستبد, فأن العراق ما يزال يتعثر في تحقيق المهمات الأخرى. ومتابعة ما يجري في العراق يشير إلى استمرار قتل الناس ونهب وسلب وخطف واغتصاب النساء, وإشعال الحرائق وتفجير القنابل وتخريب أنابيب نقل النفط الخام والغاز الطبيعي ...الخ, ما يعبر عن استمرار عجز سلطة وقوات الاحتلال عن معالجة الوضع السائد حالياً في العراق, إضافة إلى عجزها عن تعجيل عملية إعادة بناء البنية التحتية ...الخ, وهما قضيتان مترابطتان. وفي مثل هذه الظروف الجديدة لم تتغير حالة أطفال العراق فهي أسوأ بكثير مما كانت عليه قبل ذاك وفي مختلف المجالات إلا في مجال التطلع والأمل بوضع أفضل من السابق. وقد فسح المجال نسبياً بعد انتهاء الحرب إلى دخول المنظمات الإنسانية لتقدم المعونة الضرورية لأطفال العراق, وبشكل خاص منظمة اليونيسيف ومنظمة أطباء بلا حدود وغيرها. وكانت المجالات التي تتحرك عليها هي إعادة تعمير المدارس وجعلها صالحة نسبياً للتعليم, تأمين المعالجة الطبية للعوائل الكادحة والأطفال المرضى المحتاجين للعلاج والعناية الطبية, تأمين إعادة إعمار شبكة المياه وتوفير المياه الصالحة للاستعمال على سبيل المثال لا الحصر. ولم تحصل هذه المنظمات الدولية على رعاية وحماية كافية وضرورية من جانب سلطة وقوات الاحتلال, وكأنها جماعات غير مرغوب بها. وكانت حصيلة هذا الموقف السلبي من منظمات الأمم المتحدة أن تعرض المقر المركزي للمنظمة ببغداد إلى تفجير سيارة ملغمة أدت إلى وقوع عدد كبير من القتلى والجرحى. وفي أعقاب ذلك سحبت منظمة اليونيسيف وكذلك الأمم المتحدة عدداً كبيراً من العاملين فيها من العراق, وبالتالي توقف عملها وخاصة في جنوب العراق. وهذا يعني أن أطفال العراق سيحرمون من جديد من ذلك الدعم الذي هم بأمس الحاجة إليه. كما إن خوف الأطفال عموماً, وخاصة البنات, من الاختطاف والتغييب أو القتل في الشوارع أو الاعتداء الجنسي أو بيعهن في سوق النخاسة السري ... يجعل حياة الأطفال من مختلف الأعمار محفوفة بالمخاطر ومليئة بالمخاوف, بعد أن كانت عائلاتهم تتوقع نهاية لمعاناتهم الطويلة في ظل الدكتاتورية.
إن المهمات الراهنة التي تواجه مجلس الحكم الانتقالي والحكومة المؤقتة في مجال رعاية الطفولة وتلاميذ المدارس في فترة الانتقال الجارية تتلخص في النقاط التالية:
1. وضع برنامج يتضمن جميع المهمات التي يفترض إنجازها من جانب الحكومة المؤقتة لصالح أطفال العراق وتوزيع تلك المهمات على الوزارات المختلفة وفق اختصاصها.
2. العمل الجاد من أجل إشراك المواطنات والمواطنين في تنفيذ هذا البرنامج.
3. الطلب من السكرتير العام للأمم المتحدة عدم سحب ممثلي المنظمة الدولية أولاً, وزيادة الضغط السياسي والأدبي على الحكومة الأمريكية والحكومة البريطانية لتوافق على إصدار قرار جديد من الأمم المتحدة يقضي بتوسيع وتطوير دورها السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي والعسكري والأمني في البلاد ثانياً.
4. التعاون مع المنظمة الدولية وهيئاتها المتخصصة ومنظمات أخرى من أجل تنفيذ البرنامج الخاص برعاية الأطفال وحمايتهم ومعالجتهم من أمراض جسدية ونفسية وعصبية يعانون منها حالياً, ومنها منظمة اليونيسيف وأطباء بلا حدود أو غيرها.
5. تأمين المستوصفات الثابتة والمتنقلة التي تقدم العلاج الطبي والرعاية الصحية والنفسية المباشرة للعوائل في المدينة والريف. وكذلك الدخول في حوار مع الدول الأوروبية والعربية من أجل احتضان نسبة مهمة من الأطفال الذين يعانون من أمراض خطيرة ولكنها قابلة للشفاء أو من أمراض لا يمكن معالجتها في العراق بسبب تدهور المستوى التقني وفقدان المعدات والأجهزة الطبية الضرورية في المستشفيات العراقية. وتأمين المزيد من مستلزمات مساعدة المعوقين على العيش في ظروف طبيعية, سواء باستيرادها من الخارج أم بإعادة بناء مشروع إنتاجها في العراق.
6. تكليف معاهد علمية لدراسة طبيعة الأمراض الجديدة التي ظهرت على الولادات الجديدة في أعقاب الحروب الخليجية الثلاث في العراق وسبل معالجتها, وبشكل خاص تلك التي تسببت بها الأسلحة الكيماوية واليورانيوم المنضب. كما يمكن تكليف معاهد أخرى لدراسة الأوضاع النفسية المخربة للأطفال وسبل مساعدتهم للخلاص من الكوابيس التي يعانون منها.
7. قيام الأمم المتحدة بإعداد فريق عمل لإعداد دراسة علمية عن الأسلحة التي استخدمت في الحروب في العراق والجهات التي استخدمتها من أجل محاسبة المسؤولين عن إصدار القرارات أولاً وإصدار قرار بمنع استخدامها لاحقاً.
8. التعجيل بإعادة بناء أو ترميم المدارس من أجل ضمان عودة جميع الأطفال في سن الدراسة إلى الصفوف الدراسية وضمان عدم التسكع في الشوارع. كما يفترض تطوير وتحسين مستوى دور رعاية الأيتام من الأطفال والمحتاجين إلى مساعدة الدولة والمجتمع, والتفكير بمشروع تبني العوائل العراقية للبنات والأبناء الذين فقدوا عوائلهم كلية وحرموا من نعمة ودفء الأبوين.
9. التفكير بتشكيل فرق من المتطوعات والمتطوعين الآباء والأمهات وغيرهم ممن يمكنهم المساهمة في تسريع إنجاز تلك المهمات أو محاولة إقناع العائلات بإرسال بناتها وأولادها إلى صفوف الدراسة, مع تأكيد تنفيذ التعليم الإلزامي لتلاميذ الدارسة الابتدائية والمتوسطة ابتداءاً من سن السابعة.
9. بذل الجهود الممكنة لضمان وجبة غذاء أساسية للتلميذات والتلاميذ حتى الدراسة المتوسطة تساعد على دعم العوائل الفقيرة والكادحة ومحاولة تحسين الحالة الغذائية لهؤلاء الأطفال والصبايا والصبيان.
10. ضمان توزيع الجهود والعمل بصورة عقلانية على الصعيد الجغرافي أو الإقليمي للعراق, بحيث لا يتم التركيز على العاصمة بغداد أو المدن الرئيسية الأخرى وتهمل المدن والأرياف من تلك الخدمات الضرورية.
ويفترض أن تتم المتابعة الحقيقية للوزارات من جانب مجلس الحكم الانتقالي لمعرفة مدى الخطوات التي إيراد أو يفترض اتخاذها لتنفيذ مثل هذه الأفكار وغيرها.
11. وعلى نفس الصعيد يفترض أن يعاد النظر بشكل كامل في المناهج التعليمية والتثقيفية وإلغاء كل تلك التي وضعت من قبل النظام لتشويه التاريخ والحقائق أو تنشيط وتشجيع العنصرية البغيضة والكراهية للشعوب الأخرى ...الخ. ووضع مناهج جديدة وأمينة تستند إلى مفاهيم معمقة للحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان والتعددية السياسية والتداول السلمي والديمقراطي البرلماني للسلطة والاعتراف بالآخر واحترام الآراء والمواقف الأخرى واحترام جميع القوميات ورفض التمييز بمختلف أشكال ظهوره واحترام النظام الجمهوري الفيدرالي والمجتمع المدني الديمقراطي الحديث. 


برلين في 5/10/2003       كاظم حبيب   

 



#كاظم_حبيب (هاشتاغ)       Kadhim_Habib#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رسالة مفتوحة إلى مجلس الحكم الانتقالي والإدارة الأمريكية - م ...
- ضرورة الشفافية والمجاهرة بين مجلس الحكم الانتقالي والشعب!
- المشكلة الاقتصادية في العراق
- من أجل النقل المسؤول للسلطة إلى مجلس الحكم الانتقالي وتعزيز ...
- حوار مع السيد بريمر حول المدخل لإصلاح الاقتصاد العرقي!
- المناضلون العراقيون الأقحاح ماذا يريدون؟
- الصراع الطائفي محاولة مقيتة لتشويه وجهة الصراع الحقيقي في ال ...
- عواقب الجريمة الأكثر بشاعة التي ارتكبها صام حسين بحق الشعب ا ...
- إنها صحوة موت ولكن, ....!
- المسألة الكركوكية: التطهير العرقي فكراً وممارسة في ظل الاستب ...
- دراسة أولية مكثفة عن أوضاع الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان ...
- هل للملكية-الإقطاعية حظ من القبول في العراق؟
- نحو معالجة المشكلات الأساسية التي تواجه الشعب في المرحلة الر ...
- هل سيتعلم القطب الأوحد من دروس العراق وأفغانستان؟
- النص الكامل للحوار الصحفي مع الشرق الأوسط
- مرة أخرى مع الدعوة لإقامة الملكية في العراق!
- أحذروا الأعداء: هل يراد تحويل العراق إلى أفغانستان الفترة ا ...
- الصراع الطائفي محاولة مقيتة لتشويه وجهة الصراع الحقيقي في ال ...
- كلما تأخر تشكيل حكومة مؤقتة, اتسعت دائرة العنف والمطالبين با ...
- من أجل أن نترك وراءنا مظاهر الاستبداد والعنف والقسوة في السل ...


المزيد.....




- ماذا قالت المحكمة الجنائية الدولية لـCNN عن التقارير بشأن اح ...
- واشنطن: خمس وحدات عسكرية إسرائيلية ارتكبت -انتهاكات جسيمة لح ...
- مجددا..واشنطن تمتنع عن إصدار تأشيرة للمندوب الروسي وتعطل مشا ...
- البيت الأبيض يحث حماس على قبول صفقة تبادل الأسرى
- واشنطن -لا تؤيد- تحقيق المحكمة الجنائية الدولية بشأن إسرائيل ...
- أوامر التوقيف بحق نتنياهو.. رئيس البعثة الأممية لحقوق الإنسا ...
- السيسي وبايدن يبحثان هاتفيا التصعيد العسكري في مدينة رفح ووق ...
- واشنطن -لا تؤيد- تحقيق المحكمة الجنائية الدولية بشأن إسرائيل ...
- الخارجية الأميركية تتهم 5 وحدات إسرائيلية بانتهاكات جسيمة لح ...
- اعتقالات بتهمة -التطرف-.. حملة جديدة على الصحفيين في روسيا


المزيد.....

- نحو استراتيجية للاستثمار في حقل تعليم الطفولة المبكرة / اسراء حميد عبد الشهيد
- حقوق الطفل في التشريع الدستوري العربي - تحليل قانوني مقارن ب ... / قائد محمد طربوش ردمان
- أطفال الشوارع في اليمن / محمد النعماني
- الطفل والتسلط التربوي في الاسرة والمدرسة / شمخي جبر
- أوضاع الأطفال الفلسطينيين في المعتقلات والسجون الإسرائيلية / دنيا الأمل إسماعيل
- دور منظمات المجتمع المدني في الحد من أسوأ أشكال عمل الاطفال / محمد الفاتح عبد الوهاب العتيبي
- ماذا يجب أن نقول للأطفال؟ أطفالنا بين الحاخامات والقساوسة وا ... / غازي مسعود
- بحث في بعض إشكاليات الشباب / معتز حيسو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - حقوق الاطفال والشبيبة - كاظم حبيب - المأساة والمحنة المستديمة لأطفال العراق!