محمود جلبوط
الحوار المتمدن-العدد: 2119 - 2007 / 12 / 4 - 08:11
المحور:
الادب والفن
5_حبا رطبا
عندما التقاها في حلمها قال لها أنه لا يستطيع ولوج الليل هكذا على أطراف أصابع اليقظة لألاّ يوقظ حلمها فيها , فابتسمت.... ولما سألها لأي شيء تبتسم لم تجبه واكتفت بأن نظرت للمدى وأغمضت عينيها عليه وعادت تحلم..
ترى , أي ظل يمشي فيها ذاك اللذي جبينه يشبه الكنعاني وملمس وجهه نرجس ؟
كان خائفا جدا عليها مما تراه وخائفا أكثر مما يدور في خلدها بدون كلمات تخرج من فمها , وتساءل متململا , ترى لماذا لا تفتح عينيها وتنظر إليه ؟ لتفعل دون إبطاء فإن الزمن يمر سريعا ولا يعطي فرصة لاستعاضة ما يفوت من اليقظة , لكزها لتنهض من حلمها ونهرها أن تستدرك ما تسرق منه من يقظة وسماوات قضى إسراءات كثيرة حتى ابتدعها لها وفاءا لوعد خسر ما أدى إلى إعراجه لمملكة يشق عليه بعدها مغادرة أحلامها .
إنها تحلم زمنا آخر قد يبدل كل الحدود , ويتغير فيه الإنسان حتى يبيت لكأنه يملك قدرة الله لتغيير التاريخ الكنعاني .
زمن لا يصلح إلا لكتابة الأحداث التاريخية العظيمة , والرواية الطويلة , وليس القصص القصيرة جدا التي لا تتسع إلا لحدث قصير يضل في وكر العقارب .
عندما لم تعر لكزه اهتماما أهملها لحلمها , وسرح في عالم كيف يمكنه أن يتجاوز فيه فكرة العيش معها .
يسير وراء شموس قد عرفها من قبل , وصحارى واسعة تمشي تحت قدميه تحول بعض رمالها بين يديه نجوما .
وأفعى لم تتقن طوال عيشه معها سوى بثه سمومها الخفية , ووجدانا سيئا وغشا وطاعونا لا يحد من الظنون .
وكأن صوتها يأتيه من زمن آخر , تخونه في هذه المرة قدرة قراءة الأسرار الإلهية التي كانت فيه ترقى وترقى وتسمح له أن يستمر في الحياة على هذي الرمال الجافة .
يتحسس حلقه الجاف ويكتشف أنها حبا رطبا يسكنه .
يدرك فيما بعد هروبها إلى حلمها أنها تريد أن تعيش حيث لا شيء مما كان قد توطن فيهما .
قد كتب القدر عليهما أن يكون الوجود فيهما آخر , وأن يتمزق ضباب الحاضر فيهما على شكل آخر , وأن يأتي العدل على أيدي أنبياء كذبة , وأن يصبحا قربانا على مذابح مقلوبة لتضحيات الآخر , فتصير للحياة ألوان أخرى , ويصبح الموت هو الأوسع , والألم هو التجربة الأخيرة , ويصير الشر كل شيء آخر .
يقطع سرحانه تقطع أنينها وهي تتقلب على مخدتها , تساءل : أين تشق طريقا لذاتها من دونه , أم أنها كما دائما ترحل وتنسى ؟ حتى أنها أحيانا تنسى أنه يحبها .
حاول إنهاضها علّ الحلم يهجر أهدابها , ولما فتحت عينيها رأى في خضمها بحرا بلا شطآن .
علّه يستطيع أن يستحم في مياهها فيغسل همومه وهمومها .
#محمود_جلبوط (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟