أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - قاسم حسين صالح - العراقيون وسيكزلوجيا التطير















المزيد.....


العراقيون وسيكزلوجيا التطير


قاسم حسين صالح
(Qassim Hussein Salih)


الحوار المتمدن-العدد: 2116 - 2007 / 12 / 1 - 11:23
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


رئيس الجمعية النفسية العراقية
توطئة في التوقع

ينفرد الإنسان بأنه المخلوق الوحيد الذي يمتلك القدرة على التوقع، و نقصد بالتوقع تفسير الإنسان لما سيقع له من أحداث وما يظهر عليه من تصرّف قبل وقوعها . غير أن الناس يختلفون في طريقة تفسيرهم لما سيقع من أحداث، وفي نوع المعنى الذي يضفونه على تلك الأحداث، ومدى تأثيرها فيه أو في الآخرين .
ويمكنك تصنيف التوقع على أنواع : خير وشر ، صح وخطأ ، توقع عقلاني مقابل توقع غير عقلاني ... ولك أن تضيف أنواعا" أخرى .
وبخلاف العديد من النظريات النفسية ( لاسيما الفرويدية ) التي ترى أن خبرات الماضي هي التي تحدد سلوك الحاضر ، فأن التوقع يبنى على فرضية مفادها : إن الأحداث التي ستقع في المستقبل ، وليس الخبرة التي اكتسبها في الماضي ، هي التي تقرر نوع السلوك الذي يتصرف به الإنسان في زمنه الحاضر . وأن تباين الناس في سلوكهم لا يعود بالدرجة الأولى إلى تباينهم فيما اكتسبوه من خبرات وتعلمات إنما يعود إلى تباينهم في تصنيف طبيعة الأحداث التي يتوقعونها، وطريقة تفسيرهم لها ونوع المعنى الذي يضفونه عليها .
ولا يقتصر تأثير التوقع على سلوكهم وتصرفاتهم بل يتعداه إلى ما يصيبهم من أمراض أو اضطرابات نفسية ، بمعنى أن هنالك امراضا" نفسية تصيب الإنسان ليس سببها وراثي ( جينات ) أو صدمات أو خبرات في الماضي، إنما ( التوقعات ) بالمعنى الذي اوضحناه.

التطيّر

لقد مهدنا للتطير بتوطئة عن التوقع ، لأن التطير هو طريقة أو أسلوب في التفكير يتعلق بما سيقع للفرد من أحداث . هذا يعني أن البعد الزمني للتطير هو المستقبل، غير أن تأثيره في السلوك يظهر في الحاضر . فإذا توقعت مثلا" ، أن صديقك الحميم الغائب عنك من عشر سنين سيأتي غدا"، فأن مزاج الفرح يظهر عليك اليوم ، وإذا توقعت أن صديقك الراقد في المستشفى سيموت غدا" ، فأن انفعال الحزن يظهر عليك اليوم .
والتطير حالة سيكولوجية خالصة، من حيث إن مضمونها الرئيسي هو القلق الناجم عن احتمالات متناقضة واحيانا حادة ، بين خوف من شرّ مرتقب وبين خير وفير آت .
ولان التطير ينتمي إلى التفكير الخرافي، عليه يفضّل أن نعرف ما هو علمي عن هذا النوع من التفكير لتكتمل عندك الصورة .

التفكير الخرافي

إن التفكير عند الإنسان كان في الأصل خرافيا"، ونقصد بالتفكير الخرافي تفسير الظاهرة بغير اسبابها الحقيقية العلّية، أو عزو نتائج عمل معين أو حادث إلى غير مسبباته الفعلية. ويميل الرأي إلى الاعتقاد بأن الظواهر الطبيعية التي تقع خارج سيطرة الإنسان من قبيل : الاعاصير ، الزلازل ، الطوفان ، الرعد والبرق .. كان يجري تفسيرها في البدء على إنها تحدث بفعل قوى غير طبيعية ، وكان " اختلال " عقل الإنسان أو أصابته بالجنون يخضع للتفسير نفسه . فالجماجم التي وجدت فيها ثقوب صغيرة جرى تفسيرها على إنها تعود لاشخاص اصيبوا بامراض عقلية . وان أسلافنا الاولين كانوا " يعالجون " هؤلاء بفتح ثقوب في جماجمهم لأعتقادهم بوجود ارواح شريرة في داخلها ، وان فتح هذه الثقوب يساعد على طرد الارواح الشريرة من ادمغتهم. وكان البابليون ينظرون إلى الإنسان " المخبول " على انه مبتلى بعفريت هو سبب مرضه ، وان هنالك روحا" أو عفريتا لكل مرض . ومثل هذا الاعتقاد كان موجودا" لدى الصينين والاغريقيين ، الذين كانوا يعزون " الجنون " أو الشذوذ في السلوك، إلى أن الشخص تمتلكه روح شريرة بعد أن يسحب عنه الآله حمايته له.
وكانت مثل هذه الاعتقادات والخرافات شائعة حتى في اوربا في القرنين الخامس عشر والسادس عشر ، وانتشر السحر والسحرة فيها حتى القرن الثامن عشر ، وهي حالة حتمية بسبب الحروب والمجاعة والاوبئة التي شهدتها اوربا في تلك العصور.
كان ذلك حال الناس قبل نشوء العلم ، وهم معذورون عن تفكيرهم الخرافي ، لكن العذر يكون باهتا" لمن يعيش في عصر العلم وما يزل يؤمن بالخرافه .. بل انك ترى " اكاديميين " بينهم حملة دكتوراه لديهم خرافاتهم التي يعتقدون بها . وقد يعزى السبب إلى أن خلايا دماغ الإنسان كانت قد تدربت أو تقولبت عبر ملايين السنين على التفكير الخرافي ، وأن فيها من " الترسبات " ما لايستطيع العلم الحديث محوه ، أو لأن مصدر الخرافة في الأصل كان عقيدة شبه دينية ، على ما يرى الباحثان ( انجلش وانجلش ) ، أو لأنها فلكلور شعبي يحبه الناس على ما يرى الباحث " هل " ، أو إنها اعتقاد راسخ في القوى فوق الطبيعة وفي الاجراءات السحرية المخدّره من التفكير الخيالي وصارت مقبولة اجتماعيا على ما يرى " كارل يونغ " ،أو لمعاناة القهر التي يعيشها الانسان المعاصر لاسيما في الشعوب المتخلفة التي تحكمها سلطات غير عادلة وعدم وجود حلول لمشكلاته الحياتية وتضافر وسائل الاتصال الحديثة مع وسائل الفكر الشعبي في ترويج الخرافة كما نعتقد نحن.
وسواء كانت الخرافة اعتقادا أو فكرة .. ذات مصدر ديني أو شعبي أو سحري .. فأن المهم في الأمر أن الخرافة طريقة في التفكير يعتمدها الفرد في تفسير ما حدث له أو ما سيحدث بغير أسبابه الحقيقية ، وبشكل مخالف أو مناقض للتفسير العلمي لها، على وفق مقاييس العقل والمنطق والموضوعية .
والحقيقة أن آلية التفكير الخرافي لا تختلف عن آلية التفكير العلمي من حيث أن كليهما يهدف إلى تفسير ظاهرة غامضة ، غير أنهما يختلفان من حيث أن التفكير العلمي يتوصل إلى معرفة الأسباب العلّية الفعلية للظاهرة ، فيما يعزوها التفكير الخرافي إلى أسباب لا علاقة لها بالظاهرة .
والخرافة بهذا المعنى تختلف عن الاعتقاد الخاطيء من حيث ديمومتها وتمّسك الفرد " واحيانا" المجتمع " بها ، فيما الاعتقاد الخاطيء يكون طارئا" يتراجع الفرد عنه حين يثبت له العكس. كما تختلف الخرافة عن الشائعة التي تظهر في أوقات الحروب عادة لأنها تختفي سريعا" ، فيما الخرافة تظل مستمرة سواء على مستوى الفرد أو المجتمع.
ومع أن الفروق لا تبدو واضحة بين الخرافة والاسطورة ، ووجود تداخل بينهما ، إلا إن الاسطورة تحمل شيئا" من القداسة ونوعا" من الإيمان المطلق بها.
والملاحظ إن انتشار الخرافات يكثر في أوقات الأزمات الاجتماعية والاقتصادية والنفسية ، وتعرّض المجتمع إلى أخطار مثل حدوث حرب أو توقع حدوثها . وهنالك علاقة طردية بين انتشار أو شيوع الخرافة وبين تعرّض الفرد أو الناس إلى الخوف أو القلق، وبينها " الخرافة " وبين التخلف والجهل وتدني المستوى الثقافي ، وبينها وبين إدراك الفرد أو المجتمع بعجزه عن حل مشكلة حياتية يتوجب عليه حلّها.

سيكولوجيا التطيّر

اشرنا إلى أن التطير يتعلق بالتوقع، أي بطبيعة الأحداث التي ستقع في المستقبل. أما الحالة السيكولوجية التي تتحكم بالانسان المتطير فهي التناقض الانفعالي بين التشاؤم والتفاؤل: توقع الشر والنحس والخطر والمرض وقلة الرزق أحيانا" ، وتوقع الخير والسعد والامن والصحة ووفرة الرزق أحيانا" أخرى،في حالة تنقل بينهما تشبه رقّاص الساعة .
ولأن الجهاز العصبي للأنسان لا يتحمل حالة قلق مستديمة فأنه لا بد أن يبحث عن وسائل لخفض هذا القلق. ولأن الإنسان المتطير لا يمتلك سيطرة عملية وعلمية ويشعر بالعجز في السيطرة على مصيره ، وان الواقع لايقدّم له حلولا" لمشكلاته الحياتية ،( ونعني بالواقع هنا :النظام السياسي والاجتماعي والسلطة الدينية تحديدا")، فأن العقل الواعي " الشعور " يتعطل لديه ويكف عن التفكير في خفض قلقه وايجاد رأس خيط شرنقة الغموض التي تلفه ، فيتولى " اللاشعور " هذه المهمة بأن يسعفه بحيلة أو آلية نفسية هي " الإسقاط " ، ونعني به ترحيل مخاوفه وقلقه على أشياء أو رموز لها دلالات تبدو له مقنعة ، مثل القدر والحظ والنصيب ... أو باضفاء قدرة على قوة خارجية أو سماوية ، أو رمز معين ، تولّد لديه الطمأنية بأنها ستحل له المشكلة أو تحقق له المرام .

وسائل التطير عند العراقيين

تتنوع وسائل التطير عند العراقيين وفيها ما يبدو لطيفا" وفيها ما يبدو سخيفا"، وسنركز في الآتي على ما هو اكثرها شيوعا" ، ويمكن تصنيفها على نوعين :
أولا / النذور .
تعد النذور وسائل لجلب التفاؤل وخفض القلق ، ومن أكثرها شيوعا بين العراقيين ، هي :
1. خبز العباس : وهي ارغفة من الخبز ملفوف بداخلها خضروات ( كرفس ، كراث ، معدنوس ، رشّاد ...) وتعمد الأسرة ميسورة الحال إلى إضافة جبن مالح من النوع " الكردي " اذا ارادت توزيعها على بيوت كثيرة . وينذر خبز العباس ( نسبة الى الامام العباس ) في حالة شخص مفقود، فتقوم الام بعمله وتوزعه على الجيران وبيوت الطرف اذا عاد ابنها . كما ينذرفي حالة نجاح الولد أو البنت في الامتحان وما شابه ذلك.
2. حلاّل المشاكل : وهو خليط من سبع مكسرات بينها :( حب أحمر ، زبيب ، فستق،حمّص ... ) ويستعمل في حل مشكلة مستعصية نوعا" ما ، ويوزع في ساحات مراقد الائمة و الرجال الصالحين . والشائع في بغداد نذر حلال المشاكل الى الامام الكاظم في حي الكاظمية الذي يدخلون الى صحنه من باب يسمونه ( باب المراد او باب الحوائج - أي قضاء أو تلبية الحاجة ) . وهناك من يرى ان توزيعها يكون على النساء فقط دون الرجال .
3. النقود : وترمى هذه النقود في داخل اضرحة الائمة والرجال الصالحين في حالات شفاء مريض أو عودة غائب عزيز او تحقيق أمنية.
ومن اجمل النذور ما نذرته شاعرة شعبية من الناصرية ضمنته في بيت من الدارمي يقول :
( نذر الك سيد ادخيل نوط ابو الميه ،، من أفز والكي اهواي غافي على اديه )
وترجمته: لك ياسيد ادخيل ــ وهو مرقد رجل صالح قريب من الناصرية ــ صك بمائة دينار اذا استيقظت من النوم ووجدت حبيبي نائما" بين يديّ ! .
ولأن الامنية عزيزة، فأن سعر نذرها غال، فمائة دينار عراقي في اربيعينات القرن الماضي تساوي ملايين بقيمته الآن . فراتب الشرطي أيامها كان دينارين وراتب المعلم " الافندي " كان ستة دنانير ، ولك أن تحسبها وتترحم على دينار أيام زمان .
4. نذر الكاروك : شراء كاروك لنوم الطفل ، تنذره الزوجة التي ترزق بطفل بعد طول انتظار والذهاب به إلى اضرحة الائمة وخاصة الامام ( السيد محمد ) في قضاء بلد حيث يكثر في ضريحه كواريك الأطفال القادمة من بغداد ومناطق أخرى . وتنذر بعض الزوجات شراء ( زناجل من الذهب ) تلبسها لطفل تمنت أن ترزق به وتضعها برجليه في داخل مرقد الامام ثم ترميها بداخل الضريح .
5. نذور الحيوانات : وتكون بذبح حيوان والشائع منها ( ديك ، خروف ، ثور ) واحد أو اكثر بالنسبة للمتمكن ، واقامة وليمة غداء عامرة يدعى لها الأقارب والأصدقاء والجيران والمعارف، أو يوزع لحما نيئا . وتكون عادة" عندما تحل مشكلة كبيرة كعودة اسير كان يحسب بعداد المفقودين ، أو شفاء مريض من مرض خطير كالسرطان مثلا" .
والملاحظ أن معظم نذور الشيعة تكون للأئمة ، ومعظم نذور السنّة تكون في مناسبة المولد النبوي ، ولك أن ترى ألوانها في منطقة الأعظمية ببغداد التي تزدحم بالزائرين لمرقد الأمام الأعظم .
وينذر العامة من أهل أربيل ( هولير كما يفضلّون ) ألوان الطعام وأشياء أخرى يأخذونها لزيارة مرقد ( سلطان مظفر ) في مناسبة المولد النبوي ويطلبون المراد . ويذهب آخرون منهم لزيارة مرقد (شيراسور ) وينذزون له ( لو نيسك لو جيسك ) أي لو عدس لو نعجه ، اذا تحقق المرام .
ومن " جميل " ما رأيت في مكان قريب من شقلاوة ، شجرة قريبة من مرقد ( الشيخ بايز ) يأتيها من لديه مشكلة فيعقد بغصنها خيطا أو وصلة من قماش ويمضي ، وعلى القادم الآخر أن يحل الخيط أو الوصلة وعندها ستنحل مشكلة من كان عقدها .
6 . صواني زكريا وشموع العذراء . تعمل العراقيات بمناسبة مولد النبي زكريا حلويات متنوعة ومكسرات وتمر يضعنه في صواني مزينة بالشموع الملونه وأوراق الياس الخضر ، ويتوجهن عصر يوم المولد إلى النهر ، كما يحصل للبغداديات حيث يتجهن اسرابا وفرادى إلى نهر دجلة ، وبعد أن تطلب كل واحدة أمنيتها وتأكل ما تشتهي من الحلوى والمكسرات تضع الصينية برفق على سطح الماء الجاري محملة بالرجاء في تحقيق المرام .
وتنذر الكثير من النساء المسلمات ، لاسيما اللواتي ليس لديهن اطفال ، الشموع والحلوى للسيدة مريم العذراء ويزرن الكنائس أيام الآحاد ويطلبن منها أن يرزقن بطفل بجاهها عند الله الذي خصها بمعجزة ابنها السيد المسيح .
7 .قراءة الأبراج . تقوم قراءة الأبراج على فرضية مفادها أن خصائص شخصية الإنسان ومزاجه وما يقع له من أحداث يحددها البرج الذي يكون موجودا" في فلك الارض ساعة ولادته.
وتفرد اغلب الصحف والمجلات مساحات يومية ثابتة للابراج لقراءة الحظ ومعظمها يحمل توقعات تفاؤلية . وتنتشر قراءة الأبراج بين الموظفات وطالبات الجامعة ، ومع أن كثيرات منهن يقرأنها للتسلية إلا إن بعضهن يعتقدن بما تقوله الأبراج . وقد زاد الإقبال على الأبراج بعد أن خصصت قنوات فضائية عراقية وعربية برامج لها يقدمها اختصاصيون في علوم الفلك أو الفيزياء أو الهندسة! .. اومن صارت لديهم خبرة فيها ، يضفون عليها صفة العلم باستعمالهم أجهزة الكومبيوتر في تحليل شخصية الإنسان ومزاجه وتركيبته الفسلجية واختلافها من شخص إلى اخر تبعا" للبرج المولود فيه .
ويبدو أن قراءة الأبراج ، التي يقوم عليها رجال في الغالب، قد ادت إلى تراجع قراءة الفنجان التي تقوم علها النساء في الغالب .

ثانيا/ وسائل السيطرة على التشاؤم

نعني بالتشاؤم هنا توقع الشر أو الخطر أو النحس او المرض أو الحسد، وكل ما يثير التطير لدى الإنسان من أحداث سيئة قد يخبؤها المستقبل، وعليه فأنه يحتاط لها بوسائل تؤدي إلى خفض القلق لديه، وتبعث في داخله حالة الشعور بالسيطرة على مصيره.
وتتنوع وسائل السيطرة على التشاؤم لدى العراقيين ، ومن اكثرها شيوعا" لديهم :
1 . الحروز. يتضمن الحرز أشكالا وطلاسم وحروفا متناثرة وآيات قرآنية ، ويكتب بماء الزعفران ذي اللون الذهبي ، ويكون عرض ورقة الحرز بحدود 5سم وطولها يتراوح بين طول ورقة واحدة الى أكثر من متر ، ويلف بشكل محكم بقطعة قماش ناعم يفضل أن يكون من الحرير الأحمر ، ويحمل في الزند أو في قلادة أو يوضع في الجيب أو داخل وسادة النوم أو في الشيء المراد حمايته، ويقوم بكتابة الحروز الرجال عادة : (سيد ، أو شيخ ، أو ملاّ...).
ومع أن الوظيفة الأساسية للحرز هي منح صاحبه الشعور بالأمان للوقاية من العين والمرض والخطر ( والحرز لغة يعني التعويذة والمكان الحصين ) ، إلا أنه يستعمل أيضا " للجاهل " الذي يفز من نومه، و للمحبة مثل فتاة تريد أن يحبها شاب معجبة به، أو العكس، أو الزوجة التي تشك في أمر زوجها ، كما يستعمل " الحرز " لجلب الرزق أحيانا" .
ومن طريف ما حصل لي أنني اشتريت سيارة تويوتا جديدة من الشركة! موديل 1981، وذهبت بها لزيارة صديق لي لديه اهتمام بكتابة الحروز لا سيما للبنات اللواتي يردن الزواج، أو الزوجات اللواتي بدأ ازواجهن يضوجون منهن. وعندما ركبت سيارتي مودعا" ، فتح صاحبي " الجقمقجة ــ الحافظة " داخل السيارة ووضع شيئا" صغيرا" بكبر الشخاطة ملفوفا" بقطعة حمراء ، فسألته : ما هذا ؟ . اجابني : حرز ... يحمي سيارتك ويهنيك الله بها . والأطرف من ذلك .. انني احتفظت بالحرز في داخل سيارتي ! .
والمدهش في صاحبي هذا أنه كان يفك عقدة الرجل المصاب بالعنّة النفسية التي تحصل للعريس في ليلة عرسه . وأذكر أنه جاءه مرة موظف بدرجة مدير قاصدا اياه من بغداد ، وهو في قرية قريبة من مدينة الشطرة ، مصاب بهذه العقدة التي فشل في علاجه منها أطباء بغداد ،على ما ذكر، فقام صاحبي بكتابة حرز ليضعه تحت الوسادة و آيات قرآنية كتبها بماء الزعفران ومرد اوراقها بالماء وامره ان يغتسل به هو وزوجته التي كانت معه ، وبعد أن خرجا من الحمّام أجلسهما معا ووضع يده اليمنى على رأس الزوج واليسرى على رأس الزوجة وأخذ يقرأ عليهما آيات قرآنية ثم أدخلهما الى غرفة خاصة ليناما فيها ..وفي الصباح كانت الهلهوله!!
كان ذلك في الثمانينات ( وأدعو لصاحبي الطيب بطول العمر ان كان حيا )ولم أكن حينها أعرف تفسيرا علميا لها ثم فهمت أن أسباب العقدة هذه تكون نفسية خالصة وليس بمقدور اختصاصي بالطب العام أن يعالجها وأحيانا يفشل في علاجها حتى الطبيب النفسي ، لأنها تقوم على مسألتين نفسيتين الأولى : الايحاء ، والثانية ايمان المصاب بها بقدرة المقابل على حلّها ، وكلتاهما قد حصل ، فصاحبي كان يجيد بالفطرة فن الايحاء ( بالمناسبة ، ما كان يشترط مالا بل يتركه لكرم الشخص) ، وأن شهرته التي وصلت من الشطرة الى بغداد تولّد الشعور بالايمان لدى المصاب بالعقدة بأن حلّها سيكون على يدي هذا الرجل الذي من أجله قطع المسافات .

2 .التبخير بالحرمل . وذلك بحرق بذور الحرمل في البيت وقت المغرب عادة ، وتستخدم لتوقي الإصابة بالحسد وابعاد الشر . أما لماذا وقت المغرب، فأظن إنها تتعلق بالاعتقاد بأن الجن يأوي إلى البيوت مع غياب الشمس، وهذا يعني أن التبخير بالحرمل يستعمل لطرد الأرواح الشريرة. وتعمد بعض الأمهات في حالة مرض ابنها فجأة إلى أن " اطكله حرمل " اعتقادا" منها بأن الروح الشريرة " الجني أوالعفريت " سيهرب منه إذا اشتم رائحة الحرمل ، أو أن المحسود سيذهب عنه شرّ حاسده .
3 .لبس المحابس . يضع بعض العراقيين في أصابع أيديهم ( بينهم متعلمون ) محابس بلون شذري أو بخرزة زرقاء أو بفص من العقيق إما للتبرك أو لتوقي الإصابة بالعين. وتضع الأمهات هلالا فيه خرزة زرقاء يثّبت في خصلة شعر تتدلى على جبين الطفل تقيه من عيون الحاسدات .

4. الآيات القرآنية . يكثر العراقيون من وضع الآيات القرآنية في بيوتهم، لاسيما المعوذتين وآية الكرسي، ويفضلون أن تكون مكتوبة باللون الشذري، وغالبا" ما يعلقونها في غرف الاستقبال، أو في مدخل البيت . ويبدو أن الغرض السيكولوجي منها هو الوقاية من حسد الزائرين، ودفع الشر عن أهل البيت ، وليس للتبرك كما يقول البعض، إذ لو كان الأمر كذلك لوضعوا آيات أخرى من القرآن، لكن هذه الايات بالذات تستعيذ بالله من الحسد ومن كل مخلوق مجبول على إيذاء الآخرين أو تمني السؤ لهم .
5. نعيق الغراب وصوت الططوه. يتطير العراقيون من نعيق الغراب لا سيما إذا كان اسودا" ويرمونه بالحجر إذا نعق قريبا" من الدار لاعتقادهم بأنه نذير شؤم. ويتطيرون أيضا" من صوت طائر صغير يسمونه " ططوه" له صوت مزعج كما لو كان صراخ امرأة مفجوعة يحملهم على الاعتقاد بأن هذا الطائر يحمل لهم خبرا" بأن أحد أفراد البيت سيموت أو انه معرض للخطر ، ولهذا تردد العراقيات الشعبيات حين يسمعن صوتها عبارة ( سجينه وملح ) لتخويف الطير بالهرب والنجاة بريشه.
***
ان الجميل في العراقيين أن معظم الذين يعتقدون بالخرافات ووسائل التطير ، لا يؤمنون بها بل أن كثيرين منهم يسخرون منها في داخلهم أو في نكاتهم ، واعتقد أن ذلك يعود لسببين رئيسين ، الأول : إن الدين في الحضارات العراقية القديمة لم يكن قويا موازنة بالحضارة المصرية مثلا .، ولنا في ذلك شاهدان : ملحمة جلجامش الذي تحدى الآلهة ، والتوجّه العلمي للحضارتين السومرية والبابلية ومنجزات الحضارات العراقية المدهشة . والسبب الثاني : إن المحن التي أصابت العراقيين كثيرة ومتنوعة وقاسية اضطرتهم اللجوء إلى الخرافة وأساليب التطير ، ولما لم يجدوا نفعا منها بالخلاص من مصائبهم قلّ إيمانهم بها .
والمفارقة أن خرافات التطير انتشرت بين العراقيين في الألفية الثالثة أكثر مما كانت عليه منتصف الألفية الثانية . والسبب الرئيسي يعود إلى توالي المحن على العراقيين لأكثر من 27 سنة دون التقاط الأنفاس ، وانعدام وجود سلطة قادرة على حل مشكلاتهم والتخفيف من معاناتهم الحياتية ، فضلا عن ظهور قنوات فضائية عراقية ( أكثر من خمسين قناة ) معظمها تبث برامج فيها ما يروج سيكولوجيا التطير لاسيما برامج الأبراج . ويبدو أن الاحتراب الطائفي يوفر الفرصة للأشخاص الذين لهم سلطة دينية أو اجتماعية أو سياسية- دينية على بث معتقدات خرافية يزداد شيوعها بين الناس في أوقات الأزمات وفقا لمبدأ العدوى النفسية .
والأجمل في العراقيين أنهم حين يجتازون أزمة فأنهم يغتسلون من متعلقاتها الخرافية اغتسال المتسخ بالأوساخ بماء دجلة .




#قاسم_حسين_صالح (هاشتاغ)       Qassim_Hussein_Salih#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المرأة ..والعراف
- العراقي ..وسيكولوجيا الهوس السياسي
- مركز دراسات المجتمع العراقي من الفكرة الى التأسيس
- سلطة الرمز الديني في لاوعي الشخصية العراقية
- النفاق والازدواج في الشخصية العراقية( القسم الثاني :ازدواج ا ...
- دعوة لتبني مشروع دراسة المجتمع العراقي(استجابات )
- النفاق والازدواج في الشخصية العراقية ( القسم الأول)
- دعوة لتبني مشروع دراسة المجتمع العراقي
- الجميل والقبيح في الشعب العراقي (دراسة استطلاعية )
- نعمتان ابتلي بهما العراقيون ..النفط والثقافة !
- اغسلوا أيديكم من العراق ..لربع قرن فقط!
- هل صحيح مات محمد صكر؟!
- السادية والماسوشية في الشخصية العراقية
- الدافعية نحو العلم والتعليم الجامعي
- ظاهرة النهب والسلب والفرهود في مدينة بغداد بعد سقوط نظام الح ...
- المثقفون الكبار ... وتضخّم الأنا
- ظاهرة النهب والسلب والفرهود في مدينة بغداد بعد سقوط النظام
- ظاهرة النهب والسلب في مدينة بغداد بعد سقوط نظام الحكم في الع ...
- الفصام ( الشيزوفرينيا )( 4 4 )
- سيكولوجيا البحث عن الخلاص ..بزيارة الأئمة والأولياء القسم ال ...


المزيد.....




- لاكروا: هكذا عززت الأنظمة العسكرية رقابتها على المعلومة في م ...
- توقيف مساعد لنائب ألماني بالبرلمان الأوروبي بشبهة التجسس لصا ...
- برلين تحذر من مخاطر التجسس من قبل طلاب صينيين
- مجلس الوزراء الألماني يقر تعديل قانون الاستخبارات الخارجية
- أمريكا تنفي -ازدواجية المعايير- إزاء انتهاكات إسرائيلية مزعو ...
- وزير أوكراني يواجه تهمة الاحتيال في بلاده
- الصين ترفض الاتهامات الألمانية بالتجسس على البرلمان الأوروبي ...
- تحذيرات من استغلال المتحرشين للأطفال بتقنيات الذكاء الاصطناع ...
- -بلّغ محمد بن سلمان-.. الأمن السعودي يقبض على مقيم لمخالفته ...
- باتروشيف يلتقي رئيس جمهورية صرب البوسنة


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - قاسم حسين صالح - العراقيون وسيكزلوجيا التطير