صادق إطيمش
الحوار المتمدن-العدد: 2115 - 2007 / 11 / 30 - 11:02
المحور:
ملف مفتوح : نحو مشاركة واسعة في تقييم وتقويم النشاط الفكري والإعلامي للحوار المتمدن في الذكرى السادسة لتأسيسه 9-12-2007
منذ أن برز الحوا ر المتمدن كموقع إعلامي ديمقراطي يستوعب التيارات الديمقراطية العراقية العلمانية ويعمل على تفاعلها مع بعضها البعض , ساعيآ إلى جعل الحوار الثقافي العلمي المبدأي إحدى سماته ألأساسية التي أفرزت له موقعآ قياديآ متميزآ بين المواقع الإعلامية العربية عامة والعراقية على وجه الخصوص , منذ ذلك الوقت والقوى الديمقراطية العراقية تتطلع إلى أن يحتل هذا الميدان ألمتميز دورآ يمكنه من خلق الساحة التي يلتقي فيها اليسار العراقي لينطلق في أجواء الوطن باعثآ ألأمل في نفوس أهل العراق الذين أوصل بعضهم ألإسلام السياسي بشعاراته الزائفة إلى حالة اليأس والإحباط لإستمرار معاناتهم , وساعيآ إلى تقديم البديل الديمقراطي التحرري الذي يفتش عنه الشعب العراقي الآن كمنقذ لما آل إليه الوضع الآني , خاصة وإن الكثيرمن أبناء وبنات الشعب العراقي يتطلعون ألآن إلى ألإنتخابات القادمة التي يُعبر عنها البعض بمقولة " لا يُلدغ المؤمن من جحر مرتين "
لقد أفرز سقوط البعثفاشية في وطننا معطيات جديدة على الساحة السياسية العراقية تشابكت فيها ألإنتماءات القومية مع ألإصطفافات المذهبية والقناعات السياسية , فتبلورت من خلال هذا الإشتباك أمام المواطن العراقي ردود فعل آنية لا تنسجم وواقع الشارع السياسي ألذي ألِفَه المواطن منذ أمد بعيد والذي تمَثَل بصياغة الموقف السياسي من خلال القناعة ببرنامج هذا الحزب أو ذاك دون أن يكون هناك توَجه عاطفي أو كسب مصلحي ذاتي يؤثر على هذا الموقف , بل بالعكس إذ طالما كانت مثل هذه القناعات السياسية سببآ مباشرآ للقمع والإضطهاد والتشرد . وبالرغم من ألشذوذ عن هذه القاعدة بشكل واضح أثناء التسلط البعثفاشي , ولكل قاعدة شواذ كما هو معروف علميآ , وخاصة في العقدين ألأخيرين من عمر النظام المقبور, إذ أصبح ألإنتماء الرسمي للحزب الحاكم لا يشترط القناعة لدى المنتمي فصار حصيلة حاصل يومي لكل مواطن يريد العيش بين أهله وذويه بأمان بعيدآ عن الملاحقات اليومية والإستفسارات الدائمية التي كان جلاوزة البعث يثقلون كاهل المواطن بها في كل مجال من مجالات حياته الخاصة والعامة . نقول بالرغم من ذلك فقد ظل الشارع السياسي العراقي يتطلع إلى يوم الخلاص المقترن بقناعة سياسية حيث يشير إلى ذلك اليوم , بوضوح أحيانآ وبصمت أحيانآ أخرى, ذلك الرفض الذي كان يواجهه النظام البعثفاشي بين فترة وأخرى تجلى في المحاولات الثورية الرافضة التي قمعتها عصابات النظام وجيوشه بوحشية وهمجية .
وتحققت آمال الشعب العراقي وجاء يوم الخلاص فعلآ وإنطلق المارد العراقي فورآ مُعبرآ عما كان يكبته لسنين عديدة عن طريق التجمعات والأحزاب والصحافة ووسائل الأعلام الألكترونية التي ربطته فورآ بالعالم أجمع وأنفتحت آفاق جديدة مملوءة بالأمل بحياة افضل وبمستقبل واعد . ولعبت ألأحزاب والقوى السياسية التي قارعت البعثفاشية داخل وخارج الوطن دورآ فاعلآ في ألأحداث المستجدة , إنطلاقآ من قناعاتها السياسية التي بلورتها من خلال لقاءاتها ومؤتمراتها السرية والعلنية داخل الوطن وخارجه حول تصوراتها المستقبلية للوطن بعد سقوط البعثفاشية . وتحققت فعلآ بعض ألآمال التي كان المواطن يصبو لتحقيقها متمثلة بحرية الرأي وحرية الصحافة وحرية التجمع والتظاهر وإنعدام ألأجهزة المخابراتية التي كانت تلاحق المواطن أينما حلَّ وإلى أين إرتحل , وكثيرآ من المكاسب الأخرى التي جاءت وكأنها نتيجة طبيعية لإنهيار نظام دكتاتوري مقيت . وأصبح المواطن ينظر لتحقيق إنجازات أكثر في ظل هذا الوضع الجديد الذي إنعكس فيه المشروع السياسي , قبل أن تُضيف بعض القوى السياسية عاملآ أو عوامل أخرى جديدة على برامجها الحزبية الجديدة التي عكست من خلالها توجهات لم يُستشف منها التوجه السياسي المُعلن قبل السقوط فعلآ , بل أُضيفت إلى ذلك قناعات جديدة تصدرت النشاط الجديد , وضعت ألإنتماء القومي والمذهبي أمام ألإنتماء العراقي . لقد جرى التشديد على هذا ألإتجاه الجديد من قِبَل بعض ألأحزاب والتجمعات حتى أصبح ألإنتماء القومي وألإصطفاف المذهبي السمة الغالبة على الشارع العراقي وموضوع الجدل والنقاش بين الناس . لقد قاد تراجع القناعات السياسية أمام التعصب القومي والإصطفاف المذهبي ألذي إتخذ أشكالآ طائفية في حالات كثيرة إلى ألإزدواجية في الموقف . فالقناعة السياسية أمر مبدئي لا يستطيع ألإنسان الإستغناء عنه بسهولة, إلا أن الفرز الجديد خلق إنتماءات قومية ومذهبية جديدة أصبحت حديث الساعة الذي لا يمكن تجاهله أو حتى رفضه في أحيان كثيرة . لقد أظهرت نتائج ألإنتخابات العراقية الديمقراطية ألأولى في الوطن , بالرغم من كثير من النواقص والإختراقات أللاديمقراطية التي رافقتها, مدى خطر مثل هذه ألإصطفافات الجديدة على الشارع السياسي العراقي والنتيجة التي أدّتْ وستؤدي إليها لو إستمرت فعلآ على هذا المنوال لفترات إنتخابية أخرى . كما أوضحت نتائج هذه ألإنتخابات أيضآ أن القوى الديمقراطية العَلمانية هي القوى الوحيدة المتضررة من هكذا توجهات وإصطفافات لسبب واحد بسيط يتلخص بأن هذه القوى ظلت تعمل حسب قناعاتها السياسية بالدرجة ألأولى وإستنادآ إلى برامجها المُعلنة قبل سقوط البعثفاشية وبعده . إضافة إلى ذلك فإن كثيرآ من الديمقراطين العلمانيين تأثروا , كأشخاص , بالفرز القومي المذهبي الجديد على أرض الوطن والذي لم يكن معروفآ سابقآ بهدا الشكل الذي حَوَلَ مثل هؤلاء ألأشخاص إلى وضع الفكر الديمقراطي العلماني جانبآ لوقت ما والتوجه نحو تشكيل تنظيمات ترعى الإهتمام بشؤون هذه القومية أو تلك او مصالح هذا المذهب أو ذاك .
لقد أدى كل ذلك إلى : 1. ممارسة القوى التي تراهن على ألإصطفافات القومية والمذهبية تأثيرآ عاطفيآ آنيآ على قطاعات جماهيرية واسعة من خلال تخليها عن جزء من برامجها السياسية التي كانت تنادي بها قبل سقوط البعثفاشية وتحولها إلى التركيز على المشاعر القومية والمذهبية حيث أدى ذلك إلى أن تعيش الساحة السياسية العراقية أجواءً لم تكن معروفة مسبقآ لدى المواطن الذي أصبح يتعامل مع مفردات جديدة تتردد على ألسنة الناس وكأنها أصبحت العلامة الفارقة الجديدة للمواطن العراقي .
2. تشتُت القوى الديمقراطية العلمانية التي لا تزال تمارس نشاطها السياسي من خلال برامجها السياسية التي تبنتها قبل سقوط البعثفاشية وبعده . لقد تبلور هذا التشتت من خلال التوجه الجديد لتشكيل تنظيمات جديدة تتعامل مع الواقع الجديد الذي إتسم ببروز الإنتماءات القومية والطائفية على حساب القناعات السياسية . فانخرطت قوى سياسية ديمقراطية , على شكل أفراد أو جماعات , في خضم هذه ألإصطفافات تماشيآ مع الوضع القائم الجديد وتحقيقآ لتطلعات أتباع هذا المذهب أو ذاك أو هذه القومية او تلك .
إن الخطر الناجم عن إستمرار هذا التشتت للقوى الديمقراطية العلمانية يكمن في إمكانية ديمومة التوجه القومي الطائفي السائد ألآن وإتخاذه موقعآ ثابتآ على الساحة السياسية العراقية كبديلٍ عن القناعات السياسية . فما ألعمل إذن...؟ لا طريق سوى وحدة ألتيار الديمقراطي العلماني العراقي على برنامج سياسي يضع المواطنة العراقية في المقدمة وقبل كل شيئ ....... إن ألقومية والطائفة والمذهب أنتماء ذاتي ثانوي والعراقية إنتماء عام أساسي ومركزي يجب ان تكون له ألصدارة في العمل السياسي . ولا يمكن تحقيق هذا ألإنتماء بكل مفاصله إذا لم يقترن ذلك بالعمل الديمقراطي الذي يجعل من العراق وطنآ لأهله مهما كثُر عدد قومياتهم أو أديانهم او قََلَّ , ومهما تنوعت مشاربهم السياسية وتباينت مواقعهم ألإجتماعية . وحدة التيار الديمقراطي العراقي مهمة لابد من تحقيقها لإبعاد شبح الطائفية الرهيبة والتعصب القومي العنصري . وحدة التيار الديمقراطي العراقي لا تعني التفريط بحقوق ألأديان والقوميات والطوائف , بل بالعكس تؤكد على إحترامها وإزالة كافة العراقيل التي تُعيق ممارستها او تحول دون نموها وتطورها بالشكل الذي يضمنها للجميع دون إستثناء وبالشكل الذي يستوعبها ضمن الكيان العراقي الواحد . وحدة التيار الديمقراطي العراقي يجب ان تكون المهمة ألآنية . إذ بدون هذه الوحدة ستتبعثر أصوات الديمقراطين العلمانيين بين طوائفهم ومذاهبهم وقومياتهم , وسوف لن يستفيد من هذا التشتت سوى أولئك الذين يراهنون ويعملون على تحويل العمل السياسي بالعراق إلى صراع بين ألطوائف والمذاهب والقوميات .
إنطلاقآ من هذه القناعة بوحدة التيار العراقي الديمقراطي العلماني , ينبغي العمل على إيجاد الساحة التي يلتقي عليها هذا التيار الذي يفتقر لحد ألآن إلى الدور الذي يجعله البديل الحقيقي والأساسي للقوى الطائفية والقومية الشوفينية التي سوف لن تتوانى عن لبس هذا الزي في الإنتخابات القادمة . ومنذ تأسيس موقع الحوار المتمدن والقوى الديمقراطية العراقية تسعى لإيصال أفكارها والتحاور فيما بينها عبر هذا ألمنبر ألإعلامي المتميز, إلا أن هذه المرحلة يجب أن تتطور إلى مرحلة أكثر تقدمآ , تتجاوز الكتابة والحوار إلى مرحلة العمل الجماعي المُبرمج المُنظم كبديل تنظيمي سياسي ديمقراطي علماني يجد فيه الناخب العراقي ما يتجاوب وأمانيه ويتناغم مع تطلعاته في حياة خالية من ألإرهاب ألأسود والطائفية المقيتة ومحاصصاتها البدائية . وهنا لابد لموقع الحوار المتمدن أن يلعب الدور أللائق به كميدان للتجمع الديمقراطي العلماني الجديد .
#صادق_إطيمش (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟