أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نايف أبو عيشه - بعد لقاء المدير !















المزيد.....

بعد لقاء المدير !


نايف أبو عيشه

الحوار المتمدن-العدد: 2096 - 2007 / 11 / 11 - 09:25
المحور: الادب والفن
    


خلال الفصل الاول من العام الدراسي الجديد , بعد قرار تعيينه كمدير لاحدى المدارس الثانوية المختلطة في قرية بعيدة , كان عليه ان يثبت نفسه وجدارته ففيها كما اثبت جدارته كمعلم في المدينة لعدة سنوات بعد رجوعه من الاردن, وخاصة انها تضم هذا العدد الكبير من الطلبة, وهيئة تدريسية جديدة لا يعرف احد من اعضائها مسبقا . رغم ذلك فقد استطاع خلال فترة وجيزة ان يحظى باحترام زملائه المعلمين والطلبة والاهالي وان يكسب ثقتهم به لما راوا فيه من الجدية والاخلاص والتفاني بالعمل وخدمة المدرسة والحرص على مصلحة الطلبة وتحسين علاقتهم بالهيئة التدريسية . مع بدايةالفصل الثاني تكرر غياب احدى طالبات التوجيهي العلمي , وحين سال عن السبب , اخبروه انها ستتزوج وتسافر لامريكا . فوجيء بالامر , وفكر ان يكتب لولي امرها رسالة يقنعه فيها بعدم التسرع بقراره وان يسمح لابنته ان تنهي العام الدراسي وبعدها تتزوج لانها متفوقة بامتياز , الا انه تردد كثيرا عندما علم ان والدها متوفى , واخوتها صغار السن واخواتها متزوجات , وان القرار بيد امها . اخيرا قرر كتابة رسالة لامها , وارسلها مع احد اخوتها الصغار . في اليوم التالي جاءه الرد :" المدير المحترم . اشكرك كثيرا على اهتمامك بمستقبل ابنتي ومصلحتها , ولكن فرصة الزواج من رجل غني مغترب في امريكا لا تعوض في هذه الظروف القاسية . ويعلم الله كم تحملت وعانيت لاوفر لاولادي مصاريف الدراسة وغيرها من احتياجات الحياة. ولكن من يده في النار ليس كمن يده في الماء البارد , والسلام عليكم " . قرا المدير رسالة الام اكثر من مرة , وبقدر ما تعاطف معها بقدر ما شعر انها ستظلم ابنتها بحرمانها من تكملة عامها الدراسي الذي بدا فصله الثاني, مما يوفر لها فرصة الدراسة الجامعية في أي وقت تسمح لها الظروف بذلك, فهي لا تعرف ماذا يخبيء المستقبل لفتاة كهذه ستتزوج وتسافر الى امريكا . لقد سمع العديد من القصص التي انتهت فيها تجربة زواج كهذا بالفشل . فكر كثيرا , بعد ان قرأ الرسالة , وتشاور مع احد المعلمين من ذات القرية بالموضوع , الذي اسف هو الاخر كباقي زملائه , لقرار الام بتزويج ابنتها قبل ان تنهي العام الدراسي , لكنه يعرف ان قرارها لا رجعة عنه . اقترح المدير ان يدعوها للمدرسة ويحاول اقناعها للمرة الاخيرة فربما تغير رايها .في اليوم التالي جاءت الام, وعقدت المفاجاة لسان المدير, وكاد يفقد صوابه , ووجد نفسه امام امراة غير الزمن ملامحها الرقيقة الهادئة, وارتسمت عليها قسوته ومرارته, وظهر خطان من التجاعيد على طرف خديها, وذبل جمالها الاخاذ , واطلت امواج الحزن والهم من عينيها الواسعتين اللوزيتين , وشعيرات مموجة بالشيب من تحت منديلها . تبادلت نظرة عميقة مطولة معه , وارتبكت لوجود المعلم الاخر في الغرفة , وكادت تبكي لرؤية المدير بعد كل هذه السنين , وكادت تصرخ بوجهه , وتلقي براسها على كتفه وتضمه بحرارة الى صدرها وتمسد شعره الذي صبغه الشيب هو الاخر , وتعاتبه على كل السنين التي غاب فيها دون ان تعرف مصيره او اخباره , ولكنها لم تقدر . بل اكتفت بالتحديق الى ملامحه التي تغيرت ايضا عما كانت تعرفها . ولاحظت ارتباكه وهو يشعل سيجارته بعصبية. بدد المعلم الصمت الثقيل والمخيف الذي تكاد تسمع فيه دقات متسارعة عنيفة من قلبيهما اللذان فصل بينهما مسافة طويلة من الزمن ويفصل بينهما الان مكتب المدير ووجوده معهما وهو لا يعرف ولا يعي ما يدور في دوامة الافكار المتصارعة في راسيهما وعيونهما التي تتلاقى بنظرات متسائلة ومتلهفة وسرعان ما تهرب نحو الاشياء المتناثرة على الطاولة امامها ,وتغيم وراء الخيوط الرمادية المتصاعدة من سيجارته " هاي حضرة المدير . بده يحكي معاكي بخصوص البنت عشان تركت المدرسة ..." ساد الصمت لحظات كانه دهر بحاله . قالت وهي تتامل المدير بنظرات لها الف معنى ," نعم تفضل حضرة المدير . احكي " . رد المدير بنبرة هادئة حاول من خلالها السيطرة على انفعاله وارتباكه امام نظراتها المسلطة على ملامحه المرتبكة" كنت اقول للاستاذ , ان البنت متفوقة في الدراسة وبقي لها بضعة شهور وتحصل على شهادة التوجيهي وبعدها يمكن ان تتزوج او تكمل الجامعة " ساد صمت ثقيل قبل ان ترد " حضرة المدير . كل ما تقوله صحيح . ولكن لدي اطفال صغار بعد يحتاجون لمصاريف واحتياجات كثيرة , ومعاش التقاعد بالكاد يكفي وزوجي لم يترك لنا ما يساعد على مواجهة صعوبات الحياة , لذا انا مضطرة ان ازوجها لاخفف العبء عني بعض الشيء رغم قناعتي بضرورة تعليمها كاخوتها الباقين "رد بنبرة حائرة وهو يتبادل مع المعلم الاخر نظرة ذات معنى " وان قلنا ان مشكلة مصاريف البنت محلولة حتى اخر السنة ؟" سالته بنبرة حزينة " حضرة المدير . انا لا اقبل منة من احد , حتى من اعمامها , فكيف ستحل المشكلة ؟" قال في نفسه " ما زال لديها ذات الكبرياء وعزة النفس التي يعرفها " رد بعد لحظة " ليس منة من احد , ليكون الامر دين مسترد " ردت وهي ترنو اليه وتستذكر ملامحه الشابة " طبعي يقول اني لا اقبل الدين من أي كان . وعلى قدر فراشك مد رجليك " .ساد الصمت للحظات قبل ان يتدخل المعلم " المدير يقصد انه يمكن حل مشكلة مصاريف البنت لاخر السنة , وهو يتكفل بذلك سواء بمساعدة شخصية منه او اعتبار ذلك دين مسترد " ردت دون ان تنظر ناحية المعلم " استاذي . انا فاهمة منيح كلام المدير المحترم , واشكره على حرصه واهتمامه بمستقبل ابنتي , وهي بمكانة ابنته طبعا , لكن ..." قاطعها المعلم " كلنا نعيش ظروف قاسية , مع الازمة المالية للحكومة , وانتي تعرفين خلال السنة الماضية كيف مرت علينا , والقصد ان مربية اجيال مثلك وام ايضا تحملت كل هذه المسؤولية والاعباء طول حياتها , تستسلم ويصيبها الياس وتدمر مستقبل ابنتها وتدفنها في بيت الزواج مبكرا وهي بهذه السن, والادهى من ذلك ترسلينها لامريكا ". ساد الصمت مجددا. اطرقت براسها تفكر , في حين تابع المدير وهو يتامل ملامحها التي غيرها الزمن وترك بصماته واضحة عليها , خلال السنين التي فرقت بينهما . لقد صعقتهما المفاجاة , فهو لم يعرف انها تزوجت في هذه القرية وهي لم تعرف انه هو المدير الجديد للمدرسة , وسرح كل منهما بذاكرته للوراء ايام دراستهما في الكلية وقصة الحب التي جمعت بينهما , الا انه رضخ لقرار اهله عندما خطبوا له ابنة عمه الوحيدة وخشيتهم ان يذهب ميراثه لشخص اخر .لم يذهب كي يودعها او يخبرها سبب غيابه ورحيله المفاجيء الى الاردن حيث عرفت لاحقا من زملائه ماحدث .اما هي فقد تاخرت بالزواج وكاد قطاره ان يفوتها حتىجاء نصيبها مع احد تجار هذه القرية الذي غرق بالديون ومات بسكتة قلبية تاركا لها اربعة بنات وثلاثة اولاد صغار . قطع المعلم الصمت الثقيل سائلا اياها " المهم كمان راي البنت , بدها تكمل التعليم والا موافقة على الزواج ؟" ردت المراة وهي تتنهد مقهورة " بدها تكمل التعليم ومش موافقة وانا بحاول اقنعها , والعريس مستعجل بده يسافر خلال اسبوع" علق المدير وهو يشعل سيجارة اخرى ويبادلها نظرة سريعة "صحيح ان الظروف قاسية , ولكن لماذا تعاقبين البنت المتفوقة وتضيعين مستقبلها . ابنتك قد تصير طبيبة او مهندسة ...." نهضت فجاة وهي تقول بنبرة ودية " شكرا لاهتمامك حضرة المدير. على اية حال سافكر بالموضوع " عندما غادرت الغرفة مسرعة وهي تكاد تتعثر بخطواتها وقد غامت الاشياء في عينيها , ولم تعد قادرة على البقاء اكثر. نفث المدير دخان سيجارته , ونهض خارجا الى ساحة المدرسة هو الاخر, محاولا السيطرة على اضطرابه وافكاره ومشاعره التي تلاطمت فجاة كامواج البحر في يوم عاصف .وظل يسال نفسه " ما اغرب الحياة , وما اصغر العالم , وما اصعب الظروف , وما اقسى البشر !" . حين ارتفع رنين الجرس متواصلا يعلن انتهاء الحصة الثالثة , تدفق الطلبة الى الساحة متراكضين نحو الكافتيريا كان المدير يتاملهم بصمت وحزن واعجاب , ولم يلبث ان انضم اليه مجموعة من المعلمين , وكل منهم يعلق بملاحظاته الخاصة , وهو يستمع اليهم بصمت , وبدا يرتشف الشاي الساخن معهم وهم يسيرون بين الطلبة المتراكضين في الساحة , تبادل مع زملائه اطراف الحديث باقتضاب , ومع انتها ء وقت الفسحة , وخلال ترتيب الطوابير المتناثرة دون انتظام من قبل المعلم المناوب , التفت الجميع نحو البوابة الرئيسية للساحة , حيث عبرت اليها زميلتهم فجأة وهي ترتدي مريولها المدرسي وتحمل حقيبتها الملاى بالكتب , فاندفعت اليها زميلاتها بحرارة وذرفت هي دموع الفرحة , ولم يلاحظ احد ان المدير هو الاخر كان يمسح عينيه بظاهر كفه ويبتسم مع باقي المعلمين ولكنه شعر بحزن عميق في نفسه , واشعل سيجارة اخرى !

بقلم : نايف أبو عيشه
10/11/2007



#نايف_أبو_عيشه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- يوم الاضراب الشامل !
- حكاية شعبية- الجنرال والسمكات !
- سقط السيف وترجل الفارس !
- -حكاية شعبية- الفرس من خيالها !
- ابو المقالب(2) !
- حسبوني مختار !
- -حكاية شعبية- حلها ابن المجنونة !
- من غير كلمة وداع !
- يا بصير هيك, يا كل شيء بدار اصحابه !
- -حكاية شعبية- الفرارات !
- ..في اليوم العاشر !
- -كل عام وانتم بخير - ...من واقع العيد !
- -حكاية شعبية- عائلة الطرشان !
- مكافأة عيد العمال !
- ضبع النقارة !
- الاسطبل والباشا !
- - حكاية شعبية- الراعي والقطروز !
- عند حاجز الارتباط !
- عند الحاجز !
- وانهزم ابو النبوت !


المزيد.....




- تابع الحلقة 162 قيامة عثمان.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 162 ...
- شاهد.. الرئيس الايراني الشهيد بريشة فنان فلسطيني
- أقوى أفلام الكرتون.. تردد قناة توم وجيري عبر أقمار العرب سات ...
- بخطىً ثابتة.. -جائزة سليماني- تكرّس حضورها في قلب المشهد الأ ...
- 300 صالة سينما فرنسية تعيد عرض -إنقاذ الجندي رايان- في ذكرى ...
- تفاعل كبير مع ظهور الشيف بوراك في مهرجان -كان-: ماعلاقة الكب ...
- فيلم -بوب مارلي: حب واحد-.. محاولة متواضعة لتجسيد أيقونة موس ...
- -دانشمند- لأحمد فال الدين.. في حضرة وجوه أخرى للإمام الغزالي ...
- الجامعة العربية: دور محوري للجنة الفنية لمجلس وزراء الإعلام ...
- تَابع Salah Addin 26 مسلسل صلاح الدين الايوبي الحلقة 26 مترج ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نايف أبو عيشه - بعد لقاء المدير !