أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - محمود جابر - السعودية وامريكا من تقديس النفط الى امتهان الاسلام















المزيد.....



السعودية وامريكا من تقديس النفط الى امتهان الاسلام


محمود جابر

الحوار المتمدن-العدد: 2082 - 2007 / 10 / 28 - 11:21
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


مقدمة
في جلسة ثقافية في أحد منتديات محافظة الشرقية بمدينة الزقازيق- محل إقامتي- والذي احرص على حضوره والمشاركة فيه .هاجمني أحد الحضور وقال لقد اطلعت لك على عدة مشاركات وأبحاث في "موقع إلكتروني " يسمى "مركز المقدسات" ووجدت منك حملة شعواء على المملكة العربية السعودية وعلى نظامها السياسي وأنها انتهكت وهدمت العديد من الأماكن الاثارية الإسلامية ،وقد زرت السعودية عدة مرات للعمرة والحج ووجدت اهتماما غير عادى بأعمار الحرمين الشريفين ،ثم بدا صوته يعلو ويحتد في حديثه حتى تدخل العديد من الزملاء والأصدقاء لتهدئة الموقف وتقدم أحدهم باقتراح وهو أن ألقى بنظره سريعة عن هذا الموضوع وأهدافه وتوضيح الأمر وقد أعجبني هذا الأمر وبعد انتهاء الجلسة حول الموضوع محل النقاش بدأت في توضيح وجهة نظري .
قلت: ما من عربي واسلامي يراقب حركة نظام آل سعود في شبه الجزيرة العربي إلا ويحتار في أمر هذا النظام ، الذي جاء في ضوء عملية تزاوجية بين حركة دينية(الحركة الوهابية التي أسسها محمد بن عبد الوهاب بمساعد العميل المخابراتى "همفر") وقوة مسلحة كانت على هيئة عصابة غزو وقتل وتدمير وتأمر ب(قيادة محمد بن سعود)، استطاعت أن تلحق بها كل مناطق شبه الجزيرة بعد ان قضت على النفوذ الهاشمي في منطقة الحجاز ، وبعد أن انتهت وعود الإنجليز للشريف حسين إلي سايكس بيكو ووعد بلفور ، وتم إجهاض المشروع الوحدوي العربي ، تربع آل سعود على مقاليد السلطة في شبه الجزيرة العربية بدون منافس ، وبدأت ممارستهم الخيانية التي ُوجدوا لتنفيذها على الأرض العربية خدمة لأسيادهم الإمبرياليين الغربيين والصهاينة ، وقد ساهمت الثروة النفطية في استخدام المال لشراء الذمم والضمائر العميلة والدنيئة وجاءت كل ممارستهم في الاتجاه المضاد لأي مشروع قومي عربي وضد أي حركة نهضوية ، يضاف إلي ذلك انهم مارسوا العدوان على كل ما وصلت إليه أياديهم القذرة .
إن الحكم السعودي هو المنبع الأول و الرئيسي لتصدير الإرهاب الوهابي، ففي أراضي شبه الجزيرة ولدت الوهابية، و ترعرع الفكر الإجرامي لمحمد عبد الوهاب فوق رمالها، و منها خرج أسامة بن لادن، و بدعم مباشر و قوي مستمر من هذا الحكم الظلامي لا يزال الإرهابيون يخرجون إلى كافة أنحاء العالم ليشيعوا فيه إجرامهم و ينشرون همجيتهم.
و لم يقف الإرهابيون عند اغتيال الناس في أماكن تجمعهم و في محلات عبادتهم، بل استمروا ليطيل فعلهم الهمجي الآثار التاريخية و الحضارية لبلدان متعددة، فتفجيرهم لتمثال بوذا في أفغانستان(محمود جابر التدويل بين الجغرافيا والتاريخ)، لم يكن فعلهم الشنيع الأول ضد الحضارة و التاريخ بل هو استمرار لسوابق همجية على أراضي شبه الجزيرة العربية ولم و لن تقف أفعالهم الهمجية بتفجيرهم الأخير لمرقدي الإمامين علي الهادي و الحسن العسكري (ع) في سامراء العراقية. إنهم يريدون أن يمحوا الذاكرة التاريخية للشعوب.
لقد نالت أيادي الوهابيين الهمج آثارا إسلامية كبيرة و عظيمة، وما تزال ذاكرة التاريخ حافة بجرائمهم التي قاموا بـها في ارض الحجاز:
1) تهديم البيت الذي ولد فيه النبي محمد (ص) بشِعب الهواشم بمكة.
2) تهديم بيت خديجة بنت خويلد زوجة النبي الأولى و أول امرأة آمنت بالدين الإسلامي.
3) تهديم بيت أبي بكر الخليفة الأول الذي يقع في محلة المسفلة بمكة.
4) تهديم بيت حمزة بن عبد المطلب عم النبي و أول شهيد في الإسلام، و هذا البيت يقع أيضا في محلة المسفلة في مكة.
5) تهديم بيت الأرقم أول بيت تكونت فيه الخلايا الثورية الإسلامية، و فيه كان الرسول يجتمع سرا مع أصحابه، و في هذا البيت تمت أول مقابلة، بعد عداء شرس، بين النبي و عمر بن الخطاب... كما تمت في هذا البيت أول مقابلة للنبي مع أبي ذر الغفاري، خامس واحد في الإسلام. و يقع هذا البيت بجوار الصفا بمكة، و في مكان البيت شُيِّد قصرا أُعطي لتاجر الفتاوى الظلامية، عبد الملك بن إبراهيم(أحد شيوخ الوهابية).
6) تهديم قبور الشهداء الواقعة في المعلى بأعلى مكة و بعثرة رفاتهم.
7) تهديم قبور الشهداء في بدر و كذلك تهديم مكان العريش التاريخي الذي نصب للنبي محمد و هو يشرف و يقود المعركة ضد أغنياء قريش.
8) تهديم البيت الذي ولد فيه علي بن أبي طالب و الحسن و الحسين (ع).
9) سرقة الذهب الموجود في القبة الخضراء.
10) تدمير بقيع المدينة المنورة حيث يرقد المهاجرون و الأنصار من صحابة النبي و بعثرة رفاتهم.
11) محاولة تدمير القبة التي تظلل و تضم جثمان صاحب الرسالة الإسلامية، النبي محمد، و نبش ضريحه. لكن الوهابيون توقفوا حينما وقف الشعب و بعض رجال الدين الصالحين من الشعب العربي و من كافة البلاد الإسلامية، فحدثت ضجة كبرى ضدهم فارتدوا على أعقابهم خاسئين.
12) تهديم وتدمير قبور البقيع التي تضم قبور آل بيت رسول الله وكثيرا من صحابته الكرام.و قد أشار الدكتور علي الوردي في ملحق الجزء السادس من كتابه –لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث- إلى الهمجية التي قام بها الوهابيون في تهديم قبور البقيع فكتب عن البقيع بأنه كان مقبرة المدينة في عهد النبي (ص) و ما بعده، و لهذا دفن فيه العباس عمه، و الخليفة عثمان، و زوجات النبي، و الكثير من الصحابة و التابعين، كما دُفن فيه أربعة من أئمة أهل البيت، وهم : الحسن بن علي، و زين العابدين علي بن الحسين، و محمد بن علي الباقر، و جعفر بن محمد الصادق،(ع). و قد صنع الشيعة لقبور هؤلاء الأربعة ضريحا باهرا يشبه الأضرحة المعروفة في العراق و إيران.لقد ظلت هذه القبور سليمة في عهد ابن سعود لأكثر من أربعة أشهر دون أن يمسها أحد بسوء، إلا أن تذمر الأخوان الوهابيين و انتقادهم لابن سعود جعله، في أواسط نيسان 1926، يرسل إلى المدينة الشيخ عبد الله بلهيد، كبير رجال الدين في نجد، للعمل على تهديم القبور. فأصدر هذا الشيخ فتواه بتهديمها، فشرع الجنود الوهابيون بنهب جميع ما تحتويه المراقد قبل أن يبدأوا بالهدم ليؤكدوا للعالم أنهم ما زالوا على طباعهم البدوية الهمجية: سرقة و قتل و هدم، و أنه لا فن و لا حضارة و لا ذوق لهم. وحتى يعي المواطن العربي أهمية الدور الخياني لهذا النظام فليتمعن في دعوته الأخيرة بدفع من أسياده الأمريكان لاجل إرسال قوات عربية واسلامية للعراق لحماية التواجد الأمريكي على الأرض العراقية والذي بدأت فيه قوات المار ينز تعاني في مواجهة قوى المقاومة العراقية ما بدى لها أن خيار الانسحاب أجدى بكثير من خيار الهزيمة ، حتى جاءت الدعوة السعودية المشبوهة لإنقاذ ماء الوجه الأمريكي من جهة وحرمان أبطال العراق من تحقيق النصر المؤزر على قوى البغي والعدوان بزمن قياسي يفوق كل تصورات كل الإمبرياليين والصهاينة وعملائهم . ليس بغريب على آل سعود هذا الدور الخياني لانه ديدانهم ووظيفتهم التي احترفوها في كل الأوقات وكل الأماكن ومما يجدر التذكير به ببعض من هذه الممارسات الخيانية :
ـ ليس هناك من دولة من دول ما يسمى بدول مجلس التعاون إلا وقام نظام آل سعود بالاعتداء عليه وقضم من أرضه ما يحلو له .
ـ قام نظام العمالة والخيانة في شبه الجزيرة العربية بالاعتداء على اليمن فاغتصب الأرض ووقف ضد التطلعات والاماني الوحدوية وقاوم توجهاته التقدمية .
ـ تنازل هذا النظام المشبوه طوعا عن الحدود التي تربطه بأرض فلسطين حتى لا يكون من دول المواجهة مع الكيان الصهيوني ، وعلى مدى اكثر من خمسين عاما من عمر الصراع العربي الصهيوني لم يشارك بطلقة واحدة ولا بجندي واحد ، ومع هذا لم تسلم فلسطين من مؤامراته الخيانية .
ـ وقف نظام الخيانة لآل سعود ضد الوحدة السورية المصرية ، وقام بتمويل عملية الانفصال ، وقد هرب كل قادة الانفصال للالتجاء إليه بعد قيام حركة الثامن من آذار/مارس 1958 .
ـ قام بتمويل نظام الإمامة الفاسد في اليمن والحرب بين أنصار الإمام وقوات الثورة اليمنية.
ـ تلاعب بسلاح النفط الذي كان يمكن ان يكون رافدا قويا في حرب تحرير الأرض العربية في تشرين من عام 1973 .
قدم فهد ـ الأمير ـالمشروع الاستسلامي للتصالح مع العدو الصهيوني ، والذي سمي فيما بعد بمشروع فاس عام 1982 .
ـ على مدار الثمانينات من القرن الماضي مول النظام السعودي الصراع الدائر في أفغانستان ضد الاتحاد السوفييتي تحت يافطة الجهاد ، ودفع ما يقارب أل عشرين مليار في سبيل ذلك ، ليس من اجل الجهاد بل لخدمة أسيادهم الأمريكان ، وعلى مدار نفس الفترة لم يدفع آل سعود دولارا واحدا لتمويل الثورة الفلسطينية ، وكل الأموال التي كانت تصل منظمة التحرير كانت أموال تجبى من العاملين الفلسطينيين على ارض شبه الجزيرة العربية .
ـ شارك في غزو العراق بتقديم الأرض والماء والسماء والمال لتدمير العراق تحت يافطة تحرير الكويت .
ـ قدم مشروع عبد الله للصلح مع الكيان الصهيوني سمي بالمشروع العربي للسلام في قمة بيروت ، ويبدو ان آل سعود يتنافس أمراؤهم وملوكهم على تسجيل أسمائهم في سجلات الخيانة ، فمن مشروع فهد إلى مشروع عبدالله .
ـ شارك في غزو العراق عام 2003 ، وقدم كل التسهيلات للقوات الأمريكية الغازية .
ـ يبادر اليوم نظام الخيانة في شبه الجزيرة العربية بتقديم مبادرة لإرسال قوات عربية واسلامية لحماية قوات الاحتلال الأمريكي في العراق بدفع من أسيادهم الأمريكان الذين يعيشون مأزق الاحتلال .
-الدور الخيانى الأخير الذي لعبته السعودية وقت العدوان الإسرائيلي على لبنان وظهور فتوى دينية لاحد مشايخ الوهابية ويدعى (ابن جبرين )والذي تحدث فيه عن عدم دعم حزب الله الشيعي ،ثم التصريحات السعودية الرسمية التى اتهمت حزب الله بأنه قام بمغامرة يجب ان يتحملها وهذا شكل من أشكال دعم العدوان الصهيوني على لبنان .
وعلى ما يبدو أن نظام آل سعود الذي فقد صوابه لانه فقد القدرة على حفظ الأمن في أراضى شبه الجزيرة العربية بفضل هجمات القاعدة يسعى لتصدير أزمته ، ولم يجد ساحة غير الساحة العراقية يظن خائبا ان ذلك سيخفف عنه الضغط ولم يع ان ذلك سيكون وبالا عليه ،لان البقية الباقية الذين لم ينضموا بعد لتأييد عمليات القاعدة سيجدون مبرر هم لتأييد القاعدة ، حيث من غير المعقول إرسال ابنائهم إلي ارض العراق لحماية المار ينز الذين يرتعدون خوفا من المقاومة العراقية الباسلة .
إن التآمر الخياني من عائلة آل سعود ليس بجديد، فهذه العائلة وجدت من اجل تنفيذ كل ما يخدم أعداء العروبة والإسلام تحت يافطة الإسلام ، فأي إسلام الذي يدفع بقوات عربية واسلامية لحماية قوى البغي والعدوان لتثبيت أقدامهم على ارض العراق المحتل ، بعد ان زلزلت الأرض من تحت هذه الأقدام النجسة والتي تبدو في نجاستها كما هي نجاسة نظام آل سعود.
آل سعود نظام ردة منحرف ومن لم يكن في صف القاعدة ضد هذا النظام العميل، فما عليه إلا أن ينحاز إلي صف القاعدة الشعبية والفكرية والنهضوية للخلاص من هذا الدرن الفاسد الذي يطفو على جزيرة العرب ، قاعدة انطلاق الدعوة الإسلامية دعوة التحرر من الذل والعبودية ، حيث أعاد آل سعود الذل والعبودية للأرض والإنسان التي تنسمت عطر الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة ، فتبا لهؤلاء الذين لم يرعوا لا ذمة ولا دين ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم....

" السعودية وأمريكا تقديس النفط وامتهان المقدسات"

وفى هذا البحث المعنون ب "السعودية وأمريكا تقديس النفط وامتهان المقدسات" دراسة تفصيلية حول أسرة "آل سعود" التي تحتل موقعا بارزا كأحد أهم المراكز على ارض نجد والحجاز وسائر مناطق الجزيرة العربية ، حيث تقيم هذه الأسرة المهترئة إقطاعية سياسية دينية خاصة معادية للحرية والتقدم والعدالة الإنسانية، ومقاومة لجميع محاولات التحرر من الاستعمار ، وقمع كل الحركات المناضلة ، و لتتمكن هذه الأسرة من أداء مهمتها بنجاح فقد استغلت كل شئ يمكن استغلاله بداية من النفط ،وانتهاء بالعروبة مرورا بالإسلام ومقدساته .
فقد اعتدى أفراد أسرة( آل سعود) على حرمات الله في مكة والمدينة ، واعتبروها ملكا خاصا ووقفا شخصيا يخصهم وحدهم دون المؤمنين ، فسعوا في نشر الفساد وزيفوا نصوص الشرع الإسلامي الحنيف ، وشوهوا العقائد ، واستبدوا بالمسلمين ومنعوهم من حرية أداء الفرائض في المساجد ،ورغم ذلك فان أسرة الفسق والفجور هذه فرضت طغيانها على المقدسات في الجزيرة العربية من سن شروط وإتاوات على راغبى الزيارة والاعتمار إلي بيت الله الحرام و الأماكن المقدسة واداء الفريضة من المؤمنين.
لقد وجدت هذه الأسرة الاستبدادية إن الأماكن المقدسة هي مواقع روحيه يمكنهم استغلالها واستخدامها في المعركة الإقطاعية المعادية للحياة والحرية وقهر الإرادة الثورية المستنهضة دفاعا عن مصالح وحرية الأمة ، سواء في الجزيرة العربية أو سائر الوطن العربى .
هذه الأسرة التي أقامت نظاما كهنوتيا مزيفا ومصطنعا عملت منذ البداية على امتهان المقدسات الإسلامية بالدجل والنفاق والترهات وفرض طغيانهم على ضيوف الرحمن وحجاج بيت الله الحرام وزرع الشر والتفرقة بين المسلمين وحبك الدسائس ونسج خيوط المؤامرات الدينية – على سبيل المثال الدور الذي لعبته في الحرب العراقية الإيرانية واستخدام الدعاية الدينية لدعم العراق استجابة على الأوامر الأمريكية واتهام الإيرانيين بأنهم شيعة وانهم غير مسلمين يتحركون بوازع وثنى مجوسي-، وادخلوا إليها(المملكة العربية السعودية ) أعداء الله واعداء المسلمين فأصبحت الجزيرة العربية مسرحا للغزاة وبوابة انطلاق لتنفيذ مخططات التآمر واحتلال الأرض العربية على غرار ما حدث للعراق الذي كان السبب فيه شيوخ العمالة من" آل سعود" ذات السلالة الاستعمارية .
وانطلاقا مما سبق فأننا سوف نجرى بحثا هذا (بإذن الله )عبر محور رئيس حتى نقدم للقارئ الكريم كيف اقدم آل سعود بالتعاون مع الإمبريالية الغربية –إنجلترا –أمريكا-على تقديس البترول وامتهان المقدسات الشريفة
هذا المحور ُيأصل الدور الاستعماري في صناعة الوهابية ومنشئها ودور أسرة" آل سعود" ، ثم الدور الذي لعبته إنجلترا لاحكام السيطرة على هذه المملكة وتوظيفها في خدمة أغراضها الاستعمارية ،ثم الدور الأمريكي الاستعماري المكمل وكيف استطاع الأمريكان أن يجعلوا من هذه المملكة مقاطعة أمريكية وفق اتفاقات وبروتوكولات ليصبح فيها النفط سلعة مقدسة ، ويستخدم فيها المقدسات لتبرير السلوك السعودي المنحرف وكيف استطاع جيش العملاء الذي عمل في المملكة كمستشارين ورجالات دولة أن يساهموا في بيع الأرض والتراث والهوية من اجل حفنة من المال القليل وخدمة للذين أتوا بهم، كما يتناول البحث بشيء من التفصيل ماذا أحدثت الشركات الأمريكية العملاقة في البناء القيمى للمجتمع العربى السعودي من تشوهات أخلاقية واجتماعية وكيف استطاعت أن تدمر الوجدان العربى من اجل خدمة الأهداف الاستعمارية حتى أنها قدست النفط وقدمته على المقدسات وجعلته فوق كل طاولة طعام وطاولة الأوراق (!!)، و أجهضت كل احتمالات ثورية عربية تعيد المجد للامة وتعيد القيمة الحضارية والقيمية الأخلاقية للبلد الحرام مهد الرسالة المحمدية .

و إذا كان الإرهاب السعودي الأمريكي استطاع أن يكبتهم ويقهرهم لبعض الوقت لكنه لن يستطيع ان يكون دائما كذلك وسوف تتبدد ممالك الظلم والطغيان والعمالة وان طال الزمن .





المؤلف




الصناعة الاستعمارية والتخطيط الإستراتيجي


من خلال مطالعتنا لثلاثة كتب للتدليل على دور الإنجليز في تهيئة ونشأت محمد بن عبد الوهاب ثم الإيعاز له بإعلان آرائه مذهبا جديدا ومجددا للإسلام(!!) ثم إنشاء التحالف السعودي (محمد بن سعود ) الوهابي (محمد بن عبد الوهاب ) لاستكمال عملية القضاء على الرجل المريض(الدولة العثمانية )، غير ان هذه الأهداف تغيرت وتبددت بعدما ظهر النفط لتبدأ دورة من المؤامرات والمخططات الجديدة التى كان الولايات المتحدة الأمريكية لاعبا أساسيا وجوهريا فيها استطاعت بمساعدة" آل سعود" أن تحول هذا الزيت - النفط - من سلعة استراتيجية إلي سلعة مقدسة وان تجعل" آل سعود" في المقابل ُيهينون أي شئ حتى وان كانت مقدسات المسلمين(!!).

في البدء كان همفرى:

في كتاب اعترافات جاسوس وهو كتاب صادر عن دار الحقيقة في استانبول بتركيا عام 1971م .يحدثنا همفرى (الجاسوس الإنجليزي) ان دولة بريطانيا العظمى كانت دولة كبيرة لا يغيب عنها الشمس ، ولم تكن غافلة عن إمكانية تطور المنطقة العربية الإسلامية في المستقبل ،ولذا كانوا يضعون الخطط طويلة الأمد لاجل سيطرة الجهل والفقر والتفرقة بين المسلمين، وحتى انتشار الأمراض.
حيث أن هذه البلاد كانت تقلق بالهم رغم انهم عقدوا مع الرجل المريض المعاهدات التى في صالحهم ،وكانت تقديرات خبراء وزارة المستعمرات تقول ان الرجل (الدولة العثمانية ) يلفظ أنفاسه الأخيرة،وعلى الرغم انهم زرعوا في البلاد العديد من العملاء ورجال الإدارة والدولة الذين أفسدوها بالرشاوى والأخلاق الرذيلة ،إلا انهم لم يكونوا يثقون في هذه النتائج لاسباب هي :
1- قوة الإسلام في نفوس أبنائه .
2- أن الإسلام دين حياة وان المسلمين سادوا العالم ومن الصعب أن تقول للسادة انتم عبيد ولم يكن بإمكاننا غير تزيف التاريخ لاقناع المسلمين أن السيادة التي حققوها كانت بفعل الظروف وقد ذهبت إلي غير رجعه.
3- لم نكن نأمن جانب العثمانيين من أن يتحرك وعيهم بما يوجب فشل خططنا مع الأخذ في الاعتبار أن هذه الدولة دولة مركزية بيدها السلاح والمال والسيادة .
4- الخوف الشديد من علماء المسلمين خاصة علماء استانبول ومصر (الأزهر) والشام والعراق.
يقول همفرى: أوفدتني وزارة المستعمرات عام 1122ه/1710م.إلي مصر فالعراق ثم طهران والحجاز فالأستانة ، لجمع المعلومات الكافية من اجل بذر بذور الفرقة والشقاق بين المسلمين، وفى نفس الوقت بعثت تسعة آخرون من خيرة الموظفين لدى الوزارة ممن تكمل فيهم الحيوية والنشاط والتحمس ووفرت لنا الوزارة الأموال اللازمة والمعلومات الكافية من خرائط و أسماء حكام وعلماء ورؤساء قبائل وفى هذه البلاد تسميت باسم (محمد)وتظاهرت بأنني من أهالي اغدير في تركيا وأنني من تلامذة الشيخ احمد في الأستانة .
في العراق ذهبت إلي البصرة وبعد مدة التقيت بمحمد النجدي(محمد بن عبد الوهاب)الذي وجدت فيه ضالتي المنشودة وعبر مناقشات ومحاورات أصبح تربطنا ببعضنا البعض الصلات والصداقة ونظرا لطموحه وجموحه استطعت ان أقنعه انه اكثر موهبتا من (على وعمر)وان الرسول لو كان حاضرا لاختارك خليفة له دونهما ، وكنت أقول له دائما (آمل أن تجدد الإسلام وان تنشره في العالم اجمع).استطعت ان أنمي فيه الانفلات وعدم الانضباط مع قواعد العلم عند المسلمين من الرجوع إلي فهم أصحاب المذاهب والرواة ، وشحذت همته حتى يتزعم مذهبا جديدا .تطورت خطة وزارة المستعمرات وكان الرأي أن نجعل محمد بن عبد الوهاب أمير لامارة نجد وتم رسم الخطط التى يجب ان يسير عليها وهى .
1-تكفير المسلمين و إباحة قتلهم وسلب أموالهم وهتك أعراضهم وبيعهم في أسواق النخاسة وجعل أولادهم عبيد ونساءهم جوار(قارن هذا بما يقوله أمراء الجماعات المتشددة اليوم).
2- السعي إلي خلع الخليفة والإغراء لمحاربته وتجهيز الجيوش لذلك ، ومحاربة أشراف الجزيرة بكل الوسائل والتقليل من شانهم ونفوذهم.

3-دفعهم إلي تدنيس المقدسات وهدمها على ان تبدأ بهدم القباب والأضرحة والأماكن المقدسة عند المسلمين في مكة والمدينة والتي يمكن أن يدعوا أنها وثنيه ومن آثار الشرك حتى نصل إلي الوثن الأكبر الكعبة أن أمكن.
4-نشر الفوضى والظلم والإرهاب في سائر بقاع الجزيرة العربية لينتقل كعدوا إلي سائر بلاد الإسلام .
في سنة 1143ه/1730م. بدا محمد بن عبد الوهاب في نشر دعوته ومده همفرى بالمال اللازم والسلاح حتى زاد عدد اتباعه ودخل في حروب مع الإمارات المحيطة ، وكلما ضعف عزمه يقول له همفرى ان (محمد النبي) رأى اكثر من ذلك وان هذا هو طريق المجد وان كل مصلح لابد ان يلقى العنت والإرهاق.
بعد سنوات من العمل تمكنت الوزارة من جلب (محمد بن سعود )[أمير الدرعية] إلي جانب محمد بن عبد الوهاب وقد زودتهما الوزارة بالمال والسلاح واحد عشر عبدا مدربا على أعمال الحرب والتخطيط (وهم رجال المخابرات البريطانية ) وبدأ (المحمدان )يسيران على نهج وخطط همفرى وما تراه وزارة المستعمرات البريطانية.
والكتاب الثاني هو كتاب "خلاصة الكلام في بيان أمراء البلد الحرام "والثالث "الدٌررُ السنية في الرد على الوهابية" للسيد احمد بن زيني دحلان المكي الشافعي المتوفى سنة 1304ه/1886م.والصادران عن دار الشفقة استانبول تركيا 2002م.
والكتاب الأول رحلة من التأريخ الممتع الذي يسرد فيه كاتبه بدء فتنة الوهابية في نجد ونصرة محمد بن سعود أمير الدرعية بلاد مسيلمة الكذاب ،وكيف انهم لما أرادوا أن يحجوا إلي البيت الحرام أرسلوا إلي شريف مكة مسعود بن سعيد بن سعد بن زيد وقد أرسلوا في ذلك ثلاثين من علمائهم وعرضوا الأمر على الشريف وعرضوا عليه نظير ذلك مبلغا من المال ، ثم ان الشريف أراد أن يقف على حقيقة أمرهم فجعل العلماء المكيين يناظرونهم(حسب رواية الكتاب الثالث) ، فوجدوهم ضحكة مسخرة كحمر مستنفرة فرت من كسورة ، فأمر الشريف القاضي أن يكتب حجة بكفرهم الظاهر ليعلم به الأول والآخر وأمر بسجنهم، وبعد زهاء سبعون عاما من الحروب بين شريف مكة من قبل السلطان العثماني وآل سعود عقد صلحا بينهم نظرا لقلة العون من قبل الدولة العثمانية وزيادة الدعم ووفرته من قبل الإنجليز لابن سعود استطاع ان يصل إلي مشارف مكة حتى عقد ت مصالحه بينهم ولما وقف ابن سعود على درج الصفا نادى: أهل مكة يا أهل مكة احمد الله الذي هداكم للإسلام أنقذكم من الشرك وأنا أدعوكم أن تعبدوا الله وحده وتقلعوا عن الشرك الذي كنتم عليه واطلبوا منكم أن تبايعوني على دين الله ورسوله وتوالون من ولاه وتعادون من عاداه في السراء والضراء والسمع والطاعة .
ثم انه في عصر اليوم أمرهم بهدم قباب الصالحين وقبة ميلاد الرسول( صلى الله عليه وعلى آله) وهدم قبور الصحابة وآل البيت وامر ان لا تتكرر الجماعة في المسجد الحرام .
ولم تستطع الدولة العثمانية المريضة ولا فتاها القوى محمد على وولداه طوسون و وإبراهيم من القضاء على الوهابية وال سعود حتى بعد ان قبض على "محمد بن سعود " وهدمت الدرعية عاصمة الوهابية كل هذا الصمود من بضعة عشر رجل في أحد أقاليم الجزيرة التابعة للدولة العثمانية ما كان له ليحدث لولا الدعم الإنجليزي الذي ابقوا على ابن سعود كمشروع دولة مستقبلية تحمل داخلها بذرة تفرقة للمسلمين على النحو الذي أوضحه (همفرى ) في اعترافاته وكأحد الأذرع التي سوف تساعد في القضاء على الدولة العثمانية ثم خلق إسلاما وفق القيم الأجنبية ومعاييرها.

النفط في ميزان الصراع:

كان دوافع البريطانيين منذ القرن السابع عشر هو تقطيع أواصل الدولة العثمانية وبناء واستكمال إمبراطوريتها فوق جسده ، فقد تمتع الخليج العربي بأهمية وميزة إضافية وهى موقعه الإستراتيجي الممتاز بين القارات الثلاث آسيا وأوربا وأفريقيا، ونقطة التقاء طرق التجارة المختلفة. ولعل هذه الميزة تبدو أكثر أهمية بالنسبة لبريطانيا ومصالحها في القارة الهندية، حيث يعتبر الخليج أبرز الطرق التجارية المؤدية لآسيا والهند التي تعد أغنى الممتلكات البريطانية حينذاك. وقد اكتسب الخليج العربي بحكم هذا الموقع الإستراتيجي أهمية عسكرية، وصار منطقة لإقامة القواعد البحرية والجوية فيه ومركز للرقابة والاستطلاع في الشرق الأوسط.
واذا كانت هذه هي الدوافع الأساسية لتمسك بريطانيا بنفوذها في الخليج العربي منذ القرن الثامن عشر وحتى مطلع القرن العشرين، فان اكتشاف النفط في هذه المنطقة في هذه الفترة غطى على تلك الدوافع وأصبح السمة البارزة لأهمية الخليج العربي الأمر الذي دفع ببريطانيا مضاعفة جهودها للتمسك بالمنطقة والانفراد بها كما تم لها في السابق، وأصبح لزاماً عليها مواجهة التغلغل الأميركي في الخليج العربي الذي أخذ بالتزايد خلال النصف الأول من القرن العشرين.
ان المراحل التي مرت بها أهمية الخليج العربي، كانت تسير جنبا إلى جنب مع تطور النفوذ البريطاني وترسيخه فيه، وقد تم ذلك عبر سلسلة من السياسات التي عمدت بريطانيا إلى تنفيذها لفرض سيطرتها على الخليج العربي، فكان عليها ان تخوض صراعاً مع الدول التي كانت تمارس نشاطها في هذه المنطقة، فتمكنت من أن تسهم إلى جانب هولندا من القضاء على النفوذ البرتغالي في بداية القرن السابع عشر. ودخلت في نزاع مع الهولنديين وكان لها الدور الرئيس في إضعافه وإبعاده في العقد السادس من القرن الثامن عشر. ثم واجهت النفوذ الفرنسي المتزايد في القرن التاسع عشر وتمكنت من إضعافه وتحديده بعد نزاع استمر حتى بدايات القرن الحالي. واستطاعت بريطانيا من الحفاظ على مكانتها في الخليج العربي، والتصدي للنشاط المتزايد للعثمانيين والروس والألمان طيلة العقود الثلاثة الأخيرة من القرن التاسع عشر وحتى بداية الحرب العالمية الأولى التي حسمت الموقف نهائياً لصالح بريطانيا.
وبينما كانت بريطانيا تسعى جاهدة لإبعاد أي منافس دولي آخر على منطقة الخليج العربي، كانت تعمل من جهة أخرى على دعم سيطرتها على سكان المنطقة وحملهم على الانصياع لإرادتها. ولأجل تحقيق ذلك حاولت بريطانيا ربط شيوخ المنطقة بعدة معاهدات تضمن من خلالها الحفاظ على أمن المنطقة والامتناع عما يضر بمصالحها التجارية، وإخضاع علاقاتهم الخارجية لسياستها، ومنعهم من بيع أو تأجير أو أشغال أي جزء من أراضيهم لأي دولة كانت دون موافقة الحكومة البريطانية. وبكلمة أخرى إبعاد كل ما من شأنه فسح المجال للنفوذ الأجنبي في الخليج العربي باستثناء النفوذ البريطاني.(1)
وبالرغم من الجهود المبذولة لربط المنطقة بالسياسة البريطانية، فإن الحكومة البريطانية كثيراً ما لجأت لاستخدام القوة ضد مقاومة القبائل العربية التي رفضت الرضوخ للسيطرة البريطانية. ولعل أبرز دليل على ذلك المعارك التي خاضتها قبائل القواسم في ساحل عمان ضد السيطرة البريطانية منذ مطلع القرن التاسع عشر.(2)
لقد تمكنت بريطانيا خلال القرن التاسع عشر من تثبيت دعائم نفوذها في الخليج العربي، وواصلت هذه السياسة في القرن الحالي دون توقف، بما صاحب ذلك من اهتمام واضح لدعم مصالحها الاقتصادية في المنطقة، فعمدت خلال العقدين الأول والثاني من هذا القرن إلى إنشاء المراكز والخطوط البريدية في جهات مختلفة من الخليج العربي، وتمكنت من احتكار الامتيازات الأساسية والمتمثلة بامتيازات استخراج اللؤلؤ والإسفنج.(3) ومن ثم النفط الذي يعتبر أهم تلك الثروات التي تمكنت بريطانيا من ضمان احتكاره لصالحها في المستقبل.

وفي 26 كانون الأول 1915 تعهد ابن سعود بموجب معاهدة (دارين) بأن لا يتنازل عن أي شبر من أراضيه بأي حال من الأحوال أو أن يقيم علاقة مع أية دولة ما إلاّ بموافقة بريطانيا على ذلك.(4)
وقد استمر تفوق النفوذ البريطاني في الخليج العربي وازداد رسوخاً بعد انتهاء الحرب العالمية، حيث أقفل باب التنافس الأوروبي بعد اندحار تركيا وألمانيا في الحرب، وانهماك روسيا بأوضاعها الداخلية بعد ثورة أكتوبر 1917. وللحفاظ على نفوذها المتميز في المنطقة فإن بريطانيا اتجهت بعد الحرب إلى إيجاد حالة من الاستقرار في المنطقة، فتميزت سنوات ما بعد الحرب باتجاه بريطانيا لضمان هذه الحالة. فقامت بتسوية النزاع الدائر بين إمامة عمان وسلطنة مسقط بموجب معاهدة "السيب" التي عقدت بين طرفي النزاع عام 1920. كما تمكنت من تسوية الخلافات القائمة على الحدود بين السعودية من جهة، والكويت والعراق من جهة أخرى وذلك في مؤتمر العقيرة عام 1922. ( 5 )
كما أشرفت بريطانيا على مؤتمر الكويت الذي عقد في عام 1923 / 1924 لتثبيت نفوذها من خلال تسوية النزاع بين ابن سعود والهاشميين. وقد فشل هذا المؤتمر في إنهاء النزاع، وأعقب ذلك قيام ابن سعود في احتلال الحجاز وابعاد الشريف حسين وعائلته في 1925، إلاّ ان ذلك لم يكن عائقاً في طريق السياسة البريطانية ان لم يكن بتدبير منها، إذ سرعان ما اتفقت مع ابن سعود على عقد معاهدة جديدة بعد سيطرته على الحجاز، تلك هي معاهدة جدة في مايس 1927 التي نظمت فيها علاقتها الجديدة مع ابن سعود وضمنت مصالحها معه.(6)
أن السياسة التي كانت وراء التفوق البريطاني في الخليج العربي، تمت عبر دراسات مكثفة وعمل مخابراتي إستراتيجي وبعد اكتشاف النفط قامت بإعداد معاهدات ذات شقين "مانعة" و "أبدية". إذ أنها تنطوي جميعها على مادة تمنع الشيخ الموقع على المعاهدة من ان يتخلى أو يؤجر أو يرهن على أي شكل من الأشكال أو لأي سبب من الأسباب قسماً من أراضيه إلاّ بإذن بريطانيا الدولة الوصية التي تقدم مقابل ذلك حمايتها لإمارات الخليج العربي. وهذه المعاهدات بالإضافة إلى ذلك ليست مقيدة بوقت معين ولذلك يمكن اعتبارها أبدية. وهاتان الصفتان الملازمتان للمعاهدات البريطانية أتاحتا لممثلي بريطانيا من التدخل بنجاح للإبقاء على حصة الأسد لإمبراطوريتهم من خيرات الخليج العربي .(7)

وكانت ظروف الحرب العالمية الأولى ومتطلباتها العسكرية من أبرز العوامل التي دفعت بريطانيا لزيادة دعم بابن سعود وضمان موقفه . إذ كانت تسعى إلى دفع الأخير لضرب "ابن الرشيد" حاكم إمارة حايل الذي كان يعيق المواصلات العسكرية البريطانية مع العراق بحكم تحالفه مع الأتراك . كما كانت تهدف من وراء ذلك أن يقوم ابن سعود بالمحافظة على الأمن في الخليج العربي وسلامة مواصلاتها أيضا، فضلا عما يعنيه تحالف مثل هذا الحاكم القوي من أهمية بالنسبة للسياسة البريطانية في الجزيرة العربية وسعيها لاحلال التوازن بين قوى الصراع الرئيسية التي كان يمثل ابن سعود
أحد أطرافها ويمتثل الشريف حسين طرفها الآخر . والحقيقة أن النقطة الأخيرة كانت تمثل أبرز مظاهر هذه السياسة خلال سنوات الحرب العالمية الأولى .
ولا نعدو الحقيقة إذا قلنا أن الحكومة البريطانية بعد انتهاء الحرب استفادت من الخلافات القائمة بين نجد والحجاز وسعت إلى استثمار ذلك لصالحها وتحريض ابن سعود ضد الشريف حسين وإخضاع هذا الأخير لسياستها حينذاك . وقد أتبعت بريطانيا هذه السياسة بعد أن عمد الشريف حسين إلى مطالبتها بالوعد التي كانت قد قطعتها للعرب قبيل اندلاع الحرب، ومواقفه التي أخذت تتعارض مع سياستها في المشرق العربي، ففتحت الباب على مصراعيه أمام ابن سعود ليسوي مشاكله مع الشريف حسين فتم مساعدته لاحتلال الحجاز كاملة وإسقاط حكومة الشريف حسين عام 1925، وامتد بحدوده إلى البحر الأحمر وبدا صار المرشح الرئيس لقيادة الجزيرة العربية .(8)
كان على بريطانيا بعد التغير السياسي الأخير أن تعيد النظر في علاقاتها مع ابن سعود وذلك من خلال معاهدة جديدة تحدد فيها علاقة الطرفين وتضمن مصالحها في الجزيرة. وقد حققت ذلك في معاهدة جدة التي تم التوقيع عليها في 20 مايس 1927 بين كل من الأمير فيصل نجل "ابن سعود" ونائبه على الحجاز والسير "كلبرت كلايتون Clyton " عن الجانب البريطاني . وكان أبرز ما اتفق عليه في هذه المعاهدة هو تعهد كلا الجانبين بالمحافظة على حسن العلاقات بين الطرفين والسعي بمختلف الوسائل لمنع استخدام بلادهما قاعدة ضد الطرف الآخر إضافة إلى تعهد ابن سعود بالمحافظة على علاقات حسن الجوار مع الكويت والبحرين ومشايخ قطر والساحل العماني الذين لهم معاهدات خاصة مع الحكومة البريطانية ، كما نصت المعاهدة على اعتراف بريطانيا باستقلال نجد والحجاز التام . هذا إضافة إلى المواد الجانبية الأخرى والمتعلقة بالالتزامات ذات العلاقة برعايا كلا البلدين والاتفاق على محاربة تجارة الرقيق، والاعتراف المتبادل بجنسية رعايا بعضها للبعض الآخر.(9)
استقرت العلاقات البريطانية السعودية على ما نصت عليه هذه المعاهدة وبقيت على حالها دون وقوع تبدل كبير أو واضح في علاقة الطرفين، وظلت بريطانيا تحتفظ بمكانتها ونفوذها في السعودية دون منازع ، حتى بداية تغلغل المصالح الأميركية وتثبت الشركات الأميركية لهذه المصالح هناك منذ عام 1933 حيث بدأت بريطانيا تعمل لمواجهة هذه المصالح ، باعتبارها الخطوات التمهيدية الأساسية لترسيخ النفوذ الأمريكي. الأمر الذي يقتضي تتبع خطوات الاتصال الأميركي بالسعودية قبل ظهور هذه المصالح .
الاتصالات الأميركية ـ السعودية الرسمية ـ الأولى:
ترجع بداية الاتصالات الرسمية الأميركية ـ السعودية إلى عام 1928 حين بعث "فؤاد حمزة" نائب مدير الشؤون الخارجية في مملكة الحجاز وملحقاتها في 29 أيلول 1928 برسالة إلى وزير الخارجية الأميركية تضمنت طلبا رسميا يدعو الولايات المتحدة الأميركية إلى الاعتراف بالمملكة العربية السعودية، وارفق مع الرسالة ملحقا يحتوي على معلومات للتعريف بالسعودية وأوضاعها المختلفة .
وتلت هذه الدعوة دعوة أخرى، بعثت به الحكومة السعودية إلى وزارة الخارجية الأميركية عبر القنصلية الأميركية في عدن في 13 تشرين الأول 1928 . وكان أهم ما تضمنته هذه الرسالة التقرير المقدم من قبل "فلبي Philby " مستشار ابن سعود إلى هذه القنصلية ، والذي يعد بمثابة دعوة ملحة للأميركيين بالدخول إلى السعودية. فقد بين فيه أهمية اعتراف أميركا بالسعودية، إذ أن هذه الخطوة ـ وبالرغم مما فيها من دعم للسعودية ـ ستفتح الباب واسعا أمام الولايات المتحدة الأميركية لاستثمار أموالها والحصول على الامتيازات داخل السعودية وتنبأ «فلبي بما سيكون لهذه البلاد من أهمية ، ونبه الأميركيين إلى ذلك لأنة واثق على حد قوله "بأنه سيكون لها شأن عظيم في المستقبل وستقود يوما الإسلام كما هو الحال بالنسبة لتركيا في السابق" .
أما الدوائر الرسمية الأميركية فلم تكن مندفعة في الاستجابة لهذه الدعوة، ويتضح ذلك من دراسة التقرير الذي أعده قسم شؤون الشرق الأدنى في 25 تشرين الأول 1928 عن تاريخ السعودية والمصالح الأميركية فيها إضافة إلى المعلومات الأخرى وبين فيه عدم وجود ممتلكات أميركية في الحجاز أو نجد، إضافة إلى عدم وجود إحصائيات كافية بشأن التجارة الأميركية مع الحجاز، واختتمه بما ينم عن عدم الميل للاعتراف بابن سعود لضآلة الأهمية التجارية مع السعودية ، ولقلة المصالح الأميركية فيها ، وضعف احتمال توسع العلاقات مع الحجاز وفضلا عن ذلك فان مثل هذا الاعتراف قد يدفع أمام اليمن للمطالبة بمثله أسوة بابن سعود . على أن هذه التحفظات لم تمنع من إقرار الأميركيين بالسيطرة التي فرضها ابن سعود على أجزاء دولته ، وصعوبة التنبؤ بسقوط في المستقبل ، أمام قوة معادية أخرى
وبالرغم من عدم استجابة الحكومة الأميركية للطلب السعودي فقد واصل السعوديون عرض رغبتهم مرارا أمام المفوضية الأميركية في القاهرة سواء من قبل الوكيل الحجازي هناك، أومن قبل فلبي الذي يعمل بصحبة أبن سعود . وقد دفعت هذه الرغبة المستمرة ـ كما يبدو ـ الوزير الأميركي في القاهرة إلى إبداء رغبته هو الآخر لاعادة النظر في موقف حكومته من قضية الاعتراف بالحكومة السعودية، ففي رسالته التي بعثها إلى وزارة الخارجية الأميركية 11/1/1930 أعرب الوزير الأميركي عن رأيه بأن الوقت قد حان لاتخاذ إجراء إيجابي إزاء طلب الحكومة السعودية . غير أن وزارة الخارجية أبدت عدم رغبتها مجددا للنظر في هذه القضية ، وتمسكت بحجتها السابقة في كون الاعتراف بابن سعود في الوقت الحاضر يتطلب الاعتراف بإمام اليمن ، وأعربت عن عدم عزمها على القيام بهذه الخطوة حتى تتقرر
طبيعة التمثيل الأميركي في العراق ، أضافت أن القرار الخاص بالقضية الأخيرة لا يمكن اتخاذه إلا بعد التصديق على الميثاق الثلاثي الموقع في لندن في 9 كانون الثاني 1930 بين بريطانيا والعراق والولايات المتحدة .

غير أن وزارة الخارجية الأمريكية أعادت النظر في قضية الاعتراف بابن سعود وقامت بدراستها دراسة كافية، ووجدت إنه ليس هناك سبب يدفعها إلى عدم الاعتراف بحكومة ابن سعود . ولعل هذا الموقف ينبع انسجاما من اهتمامات المصالح الأميركية بمنطقة الخليج العربي التي أخذت بالتزايد بعد أن وضعت قدمها الأولى في البحرين منذ عام 1928 . وانتباه هذه المصالح للثروات المحتملة في هذه المنطقة وسعيها للحصول عليها كما تبين .
وعلى أية حال فقد أقترح قيام أحد أعضاء السفارة الأميركية في لندن بمقابلة "حافظ وهبه " الوزير السعودي هناك وابلاغه برغبة حكومته في النظر بتفهم وتعاطف إزاء قضية الاعتراف التي تقدمت بها الحكومة السعودية في مذكرتها المؤرخة في 29 أيلول 1928 . وان يستفسر عن موقف الحكومة السعودية ومدى استعداها للدخول في معاهدة صداقة وتجارة وملاحه . كما طلبت الحكومة الأميركية في الوقت ذاته بعض المعلومات المتعلقة بقوانين الحجاز ونجد الخاصة بالقضايا المدنية والتجارية والجنائية والأمور التي تتعلق بالمقيمين الأجانب .
وأبدت وزارة الخارجية الأميركية رغبتها أيضا في الحصول على هذه المعلومات من وزارة الخارجية البريطانية ، وابلاغها باهتمام الحكومة الأميركية بدراسة قضية الاعتراف بابن سعود .
قام "رأي أثرتون R.Atherton " القنصل الأميركي في لندن بتسليم هذه المقترحات إلى " حافظ وهبه" في 5 آذار 1931 ، وجاء جواب الحكومة السعودية بالموافقة عليها6، ثم أعقبتها بمذكرة إيضاحية عن الاستفسارات الأميركية عبرت فيها عن شكرها للموقف الأميركي الجديد ورغبتها في الاتفاق على معاهدة صداقة وتجارة وملاحة مع الحكومة الأميركية ، وتعهدها بتوفير المعاملة اللازمة للرعايا الأميركيين كما هو الحال بالنسبة للدول الأخرى . هذا وتضمنت المذكرة المعلومات المتعلقة بالقوانين المحلية التي طبقتها الحكومة الأميركية .
كانت هذه هي الخطوة الأولى في مسيرة العلاقات بين البلدين ، وقد أعقبتها خطوات أكثر فاعلية وتقدما بما يتناسب حسب أهمية المصالح الأميركية في السعودية ونموها ، بعد حصول شركة نفط الكاليفورنيا على الامتياز نفط الاحساء في مايس 1933 ، وما أعقبه من تطورات للتفاوض بشأن معاهدة التجارة بين الجانبين.
تغلغل المصالح النفطية الأميركية في المملكة العربية السعودية
1ـ امتياز « هولمز »
يعود أول اهتمام بالنفط السعودي إلى عام 1922 ، حينما حاول "فرانك هولمز" الحصول على امتياز للنفط في منطقة الاحساء للشركة الشرقية العامة التي كان يمثل مصالحها في الخليج العربي ، وقد فاتح هولمز "ابن سعود" بهذا الأمر أثناء انعقاد مؤتمر العقير في تشرين الثاني 1922 ، وتمكن في آب/أغسطس 1923 من الحصول على موافقته بمنح الامتياز ، بعد أن استشيرت الجهات البريطانية بذلك.
ـ التمهيد لدخول المصالح الأميركية إلى السعودية:
بدأ اهتمام الأميركيين بمنطقة الشرق الأوسط والخليج العربي منذ القرن التاسع عشر كما تقدم واتخذ ذلك أساليب وسبل متعددة كالتبشير(المسيحي) ، التجارة ، الاهتمامات التربوية والأثرية(الأماكن المقدسة ) ، وأخيرا النفط الذي حظي باهتمامهم منذ مطلع القرن العشرين ، وهم بذلك لا يهدفون إلى تثبيت مصالحهم الاقتصادية في المنطقة فحسب ، وانما التمهيد لنفوذهم على المدى البعيد والذي يمكن تبريره من خلال تلك المصالح . وبالرغم من سياسة العزلة التي أقرتها الحكومة الأميركية في أعقاب الحرب العالمية الأولى فان ملامح التغلغل الأميركي في الخليج العربي أخذت بالظهور ، وتمثلت في نشاط بعض رسلها إلى المنطقة الذين أصبحوا فيما بعد من المقربين لأبن سعود ، أمثال الرحالة العربي الأصل أمين الريحاني والمستر كرين Crane وفلبي .(10) فقد كانت للأول جولات في منطقة الجزيرة العربية والخليج العربي عام 1922 ، وكان يحظى باحترام وزارة الخارجية الأميركية كمصدر في الشؤون العربية وقد كرس نفسه للربط بين مصالح الوطن الذي تبناه وموطنه الأصلي ، لاعتقاده بأهمية المنافع المترتبة على إدخال الرأسمال الأميركي للبلاد العربية ، وللدلالة على هذا فانه وقف إلى جانب "هولمز" في مؤتمر العقير حينما طالب بامتياز الاحساء فقد كتب في 27 تشرين الأول 1923 إلى وزارة الخارجية قائلا "إن كاتب هذه السطور ضد احتكار عبادان وقد نجح في إقناع السلطان (أي ابن سعود) بأن من مصلحته منح الامتياز إلى شركة مستقلة لا علاقة لها بالحكومة البريطانية11"
وجاء بعد الريحاني "كرين" بدعوى القيام ببعض الأعمال الخيرية للسكان العرب في الجزيرة العربية فزار المنطقة عام 1926 ، وكانت مدينة جده من المناطق التي نزل فيها حيث طلب مقابلة ابن سعود الذي كان في "المدينة المنورة" آنذاك إلا انه لم يحظ بالمقابلة فتركها متوجها إلى اليمن لاستكمال زيارته12 . . غير أن هذه الرغبة لم تمت بل تجددت في سنة 1931
حينما كان "كرين" في إحدى جولاته "الخيرية" في المنطقة في وقت كانت فيه السعودية أحوج من أي وقت مضى للدعم الاقتصادي والمشورة الخارجية13. إذ كانت البلاد تعاني من أزمة اقتصادية حادة جراء تضعضع المورد المالي المترتب على موسم الحج ، بسبب الحرب التي انتهت باحتلال الحجاز سنة 1925 14 ، إضافة إلى تمردات الأخوان التي كلفت الدولة الكثير من الأموال لإخمادها 15 . كما أن العالم كان يواجه خلال هذه الفترة أزمة اقتصادية عامة انعكست آثارها على شبه الجزيرة العربية كغيرها من البلدان ، وكانت سببا في تخفيض عدد الحجاج الوافدين إلى الحجاز .16
لم يجد ابن سعود ـ وللاعتبارات المتقدمة ـ مانعا من دخول الاستثمارات الأجنبية إلى بلاده والسعي إلى تطوير أوضاعها الاقتصادية ، وتلبية متطلبات دولته الجديدة، فأبدى موافقته للقاء المستر "كرين" بعد انتهاء موسم الحج أواخر شهر نيسان 1931 .17 وقد جاء هذا الترتيب على يد" فلبي" مستشار ابن سعود الذي تطوع لخدمته المصالح الأميركية كما سيتضح . فقد نصح هذا العاهل السعودي بمقابلة كرين لما في ذلك من فرصة ثمينة لتغيير الأوضاع الاقتصادية في بلاده ، وجاء هذا الاقتراح ردا على الشكوى التي كان يبثها له ابن سعود سوء تلك الأوضاع18 .
كان مجمل ما دار في الاجتماع حول رغبة ابن سعود لتطور إمكانيات بلاده الاقتصادية ، والكشف عن كميات كافية من الماء وبالأخص الآبار الارتوازية في كل من نجد والحجاز19 . وقد استجاب كرين لهذه الدعوة واقترح استقدام أحد المهندسين وتكليفه بمهمة مسح بعض مناطق المملكة والكشف عن احتمالات وجود المعادن فيها ، إضافة إلى إمكانية التطوير في المجالات الأخرى20 .
أوكلت هذه المهمة للمهندس "تويتشل Twichlle " الذي كان يعمل لحساب كرين في اليمن ، وقد قام هذا بتنفيذ مهمته وبدلا من أن تظهر تنقيباته وجود الماء ، أظهرت احتمالات وجود المعادن كالذهب والنفط .21
إن نتائج تنقيبات "تويتشل" هذه أمر كان له أهمية لدى المسؤولين السعوديين وليس من الصعوبة تصديقه بعد أن أصبحت إمكانية اكتشافه في البحرين أمرا مقنعا ، فأخذت فكرة استثمار النفط تسير باتجاه واحد مع الوضع الاقتصادي المتدهور في المملكة ، الأمر الذي دفع المسؤولين السعوديين ـ وعلى رأسهم ابن سعود ـ إلى مفاتحة "تويتشل" بالموضوع . فقد طلب من الأخير في 10 كانون الثاني

لقد تمخض عن هذا الامتياز فيما بعد دخول الرأسمال الأميركي والخبرة الفنية الأميركية وغير مجرى التاريخ العربي وفتح باب الشرق الأوسط بشكل واسع أمام الولايات المتحدة الأميركية التي تمكنت من أن تمد قدمها إلى البر الرئيس المقابل (الاحساء) ، بعد أن ثبتت قدمها الأولى في جزر البحرين . وعلى أية حال فان مثل هذا التوغل ، وإن لم يتم في الحال ، فانه كان بداية النهاية للسيطرة البريطانية في الخليج العربي . إذا أن بريطانيا لم تترك الأميركيين يدخلون منطقة نفوذهم فحسب بل تركت لهم أيضا أكبر حقل نفطي قي الشرق الأوسط .
ـ أسباب تفوق المصالح الأميركية في مفاوضات مايس 1933
استأثرت شركة نفط الكاليفورنيا بامتياز الاحساء دون أن تتمكن المصالح البريطانية من ذلك ، وبدون شك أن هناك أسباب تقف وراء هذه الحقيقة ، بعضها يتعلق بالشركتين المتنافستين وأخرى تتعلق بالدور الذي لعبه فلبي ، والبعض الآخر يعود إلى موقف "ابن سعود" نفسه.
1 ـ موقف الشركتين
كان لونكريك واحدا من أهم الاختصاصيين في مجال النفط في الشرق الأوسط أي كان بمستوى المسؤولية الموكلة إليه ، غير أن مدراء شركة نفط العراق ـ كما جاء على لسانه "كانوا بطيئين وحذرين في تقديم عروضهم وكانوا يتكلمون عن الروبيات عندما كان السعوديين يطلبون الذهب فلم تكن شركة نفط العراق تمتلك الجرأة التي تحلت بها الشركة المنافسة وكان جل ما دفعته مبلغا قدره (10) آلاف جنيه وبعملة الروبية لا بالذهب كما يرغب السعوديون ، في حين أبدى الأميركيون سخاء عروضهم المالية ، فقد اتفقوا مع السعوديين على تقديم قرض بـ (50) آلف جنيه ذهب تدفع (30) ألفا منها في الحال ، وتدفع البقية بعد فترة (18) شهر ، بالإضافة إلى (5) آلاف جنيه ذهب كإيجار سنوي . لذا كان العرض الأميركي هو الأفضل في الحصول على الامتياز .
أشار البعض إلى أن شركة نفط العراق قدمت عرضها ذهبا لولا موقف حكومة العمال البريطانية والذي انتقد فيما بعد ، والقاضي بخروج إنكلترا من قاعدة الذهب ، إذ أن هذا القرار حال دون حصول الشركة على نفط السعودية . بيد أن هذا الرأي يبدو ضعيفا للفرق الواضح بين العرضين المتنافسين حتى وان استبدل الجانب البريطاني عرضه بعمله الذهب .
ولعل هناك ما يمكن وراء تردد المصالح البريطانية في زيادة عرضها المالي ومزاحمة المنافسين الأميركيين ، إذ لم تكن شركة نفط العراق مهتمة فعلا بنفط السعودية اهتماما كبيرا ، وكان جل ما يهمها هو منع وقوع الامتياز بيد الشركات الأميركية كما لم يكن في نيتها أيضا استثمار امتيازات النفط التي ستحصل عليها في المنطقة ، وهذا ما يفسر فشل هلومز حينها في إثارة الشركات البريطانية واقناعها بامتياز البحرين والاحساء.
والواقع أن المصالح البريطانية كانت تبرر موقفها الأخير بوفرة كميات النفط في العالم هذه الفترة، إذ هبط سعر البرميل الواحد من النفط إلى (10) سنتات في السوق العالمية ، وكان هناك توقف أو ضعف في النشاط التجاري في كل مكان ، ثم أن الشركة كانت تمتلك كل النفط الذي تتمكن استخراجه من آبارها في العراق وإيران، هذا فضلاً عن الأسباب الأساسية التي تقف وراء التنافس البريطاني ـ الأميركي في الخليج عموماً والتي سنتطرق لها في حينها.
2 ـ دور "فلبي" في المفاوضات
لعب فلبي دوراً مؤثراً في سير مفاوضات نفط الاحساء . وفي رجحان كفة المفاوض الأميركي أو على الأقل إسناده . غير أن "فلبي" كما يبدو لم يكن يظهر هذا بوضوح أمام المسؤولين البريطانيين حينذاك ولعل ذلك يتضح من خلال الإجابات التي كان ينقلها الوزير البريطاني في جدة إلى وزارة الخارجية والتي كانت بمثابة الرد على استفسارات الوزارة المذكورة حول موقف فلبي، ويبدو أن الوزير البريطاني لم يكن دقيقاً جداً في تحديده لهذا الموقف إذ يقول "ليس لدى شك كبير في مدى التزام فلبي بشكل محدد إزاء شخص ما ، إلا أنه يبدي ملاحظته لهاملتون وتويتشل وربما يصبح ميالا لهذا الإتجاه"22 . وفي مذكرة أخرى أبدى الوزير ثقته بـ "فلبي" أكثر من أي وقت مضى ، وبأنه "ليس مع أي من المتنافسين الآن" واوضح أن فلبي الذي اعتمد كمستشار بشأن امتياز الاحساء ، كان يأمل من وراء مساعدته للسعوديين مكافأته بامتياز لشركة (الشرقية)23 شمال الحجاز ، رغم انغماره حينذاك بمشروعه الخاص لاحتكار استيراد السيارات .
لكن الصورة التي رسمتها الدوائر المخابرات البريطانية هناك ، لم تكن تدرك الوجه الآخر لشخصية عميلها " فلبي" رغم أنها أصابت حقيقة هذا الرجل العامة لا تفاصيلها ، ونعني بها سعيه وراء مصالحه بالدرجة الرئيسية ، إذ كان هذا يسعى إلى تنمية مصالحه في السعودية ولا ضير لديه أن يخدم المصالح الأميركية إذا ما دفعت مبلغا اكثر من غيرها وهذا ما سيتضح في الصفحات اللاحقة .
لقد بدأت أولى خطوات نشاطه بهذا الإتجاه في محاولته ترتيب اللقاء في تطوير أوضاع بلاده المتردية اقتصادياً، ونبهه على الأخص إلى وجود ثروة معدنية في بلاده تنتظر الإستغلال24. فتمت هذه الخطوة التي تعد أولى اللقاءات التي بدأت بين المصالح الأميركية والسعودية .
وقد يستنتج من هذه الخطوة أن " فلبي " الذي خدم أغراض الإمبراطورية ذلك الزمن الطويل ، اتسعت اتصالاته في الفترة التي قضاها في السعودية بعيدا عن خدمة الحكومة البريطانية فأصبح أداة نشيطة بأيدي الشركات الاحتكارية الكبرى التي تشرف على استغلال النفط والمعادن الأخرى في أكثر من جزء من أجزاء العالم ، وأنه كان دائم الاتصال بها . ولو لم يكن له هذا الاتصال الواسع لما عرف السيد "كرين" خلال وجوده في القاهرة وعنوانه كي يستطيع الاتصال به، وقرر لابن سعود ما يريده الرجل بكل دقة وضبط وذلك في حديث عارض لم تسبقه مقدمات25.
وكانت الخطوة الثانية ـ كما توضحت ـ اتصال الشركة ب "فلبي " وحبس نبضه للتفاوض باسمها مع" ابن سعود" حول امتياز الاحساء وإقناعه لصالحها ، وقد تبين ذلك في برقية "لوميس" التي بعثها إليه وشرع" فلبي " بالفعل مشاورة الملك وبعث بشروط الامتياز إلى الشركة التي بعثت بدورها كل من "هاملتون" و "تويتشل" للتفاوض مع الحكومة السعودية .
كان "فلبي" محط ثقة "ابن سعود" (!!) فأراد الاعتماد عليه في مفاوضاته مع الشركتين المتنافستين ، وقد أعرب الملك عن هذه الثقة في الرسالة التي بعثها إليه بتاريخ 23 شباط 1933 والتي جاء فيها "أنا واثق من أنك ستحمي مصالحنا الاقتصادية والسياسية مثلما تحمي مصالحك الشخصية، لذا فإني أتوقع مساعدتك في هذا الأمر ، كما أتوقع منك إسداء نصائحك النافعة وسوف ينظر لها بكل ثقة واحترام" .
فشرع فلبي استناداً لهذه الثقة ، بالتحرك وفق ما ترتأيه مصالحه . وكان أول ما قدم عليه هو تأكيده على شركة الانكلو ـ فارسية لإرسال من يمثل شركة نفط العراق للتفاوض بشأن امتياز النفط السعودي ، وكان يهدف من وراء ذلك ضمان العرض المرتفع جراء التنافس على الامتياز الذي سيدور بين شركتي نفط الكاليفورنيا ونفط العراق 26، لا كما فسره البعض بعدم ارتياح" فلبي" لحصول شركة أميركية على الامتياز وأن تحرم منه شركات بلاده .
وإذا كانت الالتزامات بين" فلبي" وشركة نفط الكاليفورنيا لم تكتمل حتى الآن فإن هاملتون كان بعيدا في نظرته لمعالجة هذا الاحتمال ، إذ اعتقد بأن" فلبي" شأنه شأن الملك يعاني من مصاعب مالية لدفع نفقات ابنه في جامعة كمبرح وبناته الثلاثة في المدارس فاقترح عليه منحة بـ (1000) جنيه شهريا مدة ستة أشهر على الأقل إضافة إلى علاوة أخرى عند توقيع الامتياز وعند استخراج النفط ، إذ ما عمل على مساعدة الشركة ودعم موقفها لدى الملك ووزرائه للحصول على الامتياز ، وقد قبل هذا" فلبي " هذا العرض دون أدنى تردد لكنه اشترط عدم إخبار أي شخص بشأن هذا الاتفاق . وبالفعل لم يبلغ هاملتون أي شخص حتى زوجته وتويتشل، واتخذ" فلبي" الموقف ذاته. أما" لونكريك" فكان يجهل كل شيء عند مجيئه للتفاوض، ومع أنه قدر أهمية" فلبي" في هذه المفاوضات حتى طلب منه مفاوضة الملك نيابة عن شركة نفط العراق إلا أن" فلبي" تظاهر بالحيادية ورفض عرض لونكريك .
وبالرغم من حقيقة" فلبي" في كونه عميلا إنجليزيا لوزارة المستعمرات إلا انه لعب دورا لصالح الأميركيين، ولهذا فكان لا بد وان يعمد لابقاء لونكريك في اللعبة ، لولا أن الأخير قرر في أحد الاجتماعات أن يمنح زميله الإنكليزي ثقته خصوصا وأنهما عملا سوية في خدمة وزارة المستعمرات ، فلم يكن هناك ما يدعو إلى عدم الثقة بفلبي بل شعر أن فلبي سيعمل كل ما بوسعه من اجله ومن أجل بريطانيا في المفاوضات . غير أن الأخير حتى وإن أراد تلبية ما للأسباب المشار إليها سلفا بل أن لونكريك نفسه ابلغ فلبي بأن الشركة خولته بعرض الميل إلى حكومته ـ كانت قد عززت شكوكه في قدرة شركة نفط العراق لأن تكون مؤهلة
للحصول على الامتياز ، في الوقت الذي يريد ابن سعود فيه استغلال نفط بلاده بالسرعة الممكنة. وقد نصح فلبي لونكريك بالعودة والعمل على رفع المبلغ المعروض، وان تكون هذه الأموال المعروضة بالعملة الذهبية. غير أن شركة نفط العراق لم ترفع المبلغ المعروض ، وان تكون هذه الأموال المروضة بالعملة الذهبية . غير أن شركة نفط العراق لم ترفع المبلغ السابق إلى حد مقنع حيث وافقت على مبلغ قدره 6000 باون فقط دون اشتراط الدفع بالذهب وعلى الملك قبول الجنيهات الإسترلينية أو ما يعادلها بالروبيات .
لقد أوضحنا في بداية حديثنا عن فلبي بأنه كان يبحث عن مصالحه الخاصة ، ولا غرابة أن يعمل لأجل المصالح الأميركية في السعودية تحقيقا لهذا الغرض ، لذا عمد إلى أبعاد لونكريك أو استثنائه بعد أن أصبح وجوده في جدة غير مجد نظرا لعدم تغير موقف مسؤولية ، وأصبح هدف فلبي على إتمام الاتفاق بين عبد الله سليمان وهاملتون . وقد اتضح هذا الدور بعد سنوات من إتمام الاتفاقية ، حينما واجه الوزير السعودي قائلا "لو كنت اعلم في ذلك الحين بأنك تؤيد شركة نفط الكاليفورنيا في المفاوضات فعلا فإنني كنت سأبذل كل ما في وسعي لإيقاف إتمام هذه الصفقة" .
لقد أدرك فلبي أن شركة نفط العراق غير جديرة بالامتياز ، وبذل جهده للحصول على مبلغ كبير من شركة نفط الكاليفورنيا فأمضى الكثير من وقته بين الفندق الذي يسكنه هاملتون وبين قصر الملك خلف أسوار مدينة جدة ، وقد تمكن من التوفيق بين شروط الحكومة السعودية وعرض الأميركيين وانتهى الأمر بالاتفاق في 20 نيسان حين قدم هاملتون عرضه النهائي للحصول على الامتياز ، والواقع أن موافقة السعوديين جاءت بعد أن أبلغهم فلبي بأن أل 50 ألف باون التي تقدم بها هاملتون هي بمثابة أتخر عرض للأميركيين . وقد وقع الامتياز في 29 مايس 1933 ، بعد أن تمت مطالعته وقراءته أمام ابن سعود لإبداء رأيه فيه ، وقد وافق الملك عليه بعد أن استشار فلبي بذلك . والحقيقة أن الأخير ـ الذي كان حاضراً الاجتماع ـ لم يبخل في وصف الاتفاق بأنه أفضل ما تستطيع الحكومة السعودية الحصول عليه27 .
حصل فلبي لدور في هذه المفاوضات على ثناء الملك وعلى منزل يعرف بـ "القصر الأخضر" كهدية له ، فاستعاض به عن منزله العديم الذي باعه إلى هاملتون ليستخدم كمقر وقتي للشركة ، كما كافأته الشركة بمختلف الهدايا وبمبالغ مالية قدرها البعض بعشرة آلاف جنيه23. إلى جانب الأموال التي أخذها يتقاضاها منذ بدء المفاوضات كما تقدم .
ـ موقف ابن سعود
منح ابن سعود الامتياز إلى شركة نفط الكاليفورنيا وفسر موقفه هذا بما يلي :
1 ـ الباعث المالي : وقد أوضح بالتفصيل .
2 ـ موقف السياسة البريطانية المتعاطف مع الهاشميين عند تسويتها لمشاكل الحدود بينهم وبين السعوديين28 .
3 ـ شكوك ابن سعود بنوايا السياسة البريطانية في المشرق العربي وتفضيله للسياسة الأميركية المجردة من المطامع في ظنه29 .
4 ـ استقلال شركة نفط الكاليفورنيا وعدم ارتباطها بالحكومة الأميركية أو خضوعها لنفوذها كما هو الحال بالنسبة لشركة نفط العراق30 .
5 ـ اعتقاد الحكومة السعودية بقوة الاقتصاد الأميركي قياسا للاقتصاد البريطاني ، الأمر الذي يعني قدرة الشركات الأميركية على المساهمة في تنمية الاقتصاد السعودي على نحو أحسن مما تستطيعه الشركات البريطانية31.
يتضح أن هذه الدوافع تكاد تشير إلى سببين ساهما في قرار الحاكم السعودي وهما الوضع الاقتصادي في السعودية ، ثم السياسة الخارجية للحاكم المذكور . ويبدو من مراجعة الحقائق التي سلفنا ذكرها أن السبب الأول كان الدافع الأساسي وربما الوحيد الذي حدد الموقف السعودي من امتياز نفط الاحساء ، وتكاد تصريحات فلبي وسجلات شركة نفط العراق تلغي الملاحظات التي تعزى موقف ابن سعود إلى شكوكه في نوايا السياسة البريطانية وتفضيله سياسة الولايات المتحدة الأميركية إذ أن مرد انسحاب شركة نفط العراق كان مالياً ، حيث تركت شركة نفط الكاليفورنيا المزايد الوحيد الذي يرغب بدفع مبلغ يزيد عن مبلغ أل (10) آلاف باون الذي عرضته شركة نفط العراق لذا فليس من الصحيح الأخذ بما ذكرته جريدة "نيويورك تايمز" في عددها الصادر في 15 تموز 1933 حينما أرجعت موقف ابن سعود إلى خوفه من النفوذ السياسي البريطاني فقد كتب المدير العام لشركة نفط العراق في سنة 1935 بأن شركته كانت ستحصل على الامتياز خلال (48) ساعة إذا ما قدمت مبلغ (50) ألف جنيه ذهب كما طلب ابن سعود32 .
وقد انفرد أحد الباحثين في رواية له اعتمادا على الوثاق السعودية وأكد الحقيقة المتقدمة ، إذ يشير إلى أن الملك ابن سعود في حديثه مع السير "اندرو ريان" المعتمد البريطاني في جدة في أول ربيع الثاني 1352هـ/1933م أوضح بأن حكومته "عرضت على الحكومة البريطانية قبل أن تتفق مع الأميركان بشأن الامتيازات لتعرضه على شركائها فردت بواسطة مفوضيتها في جدة في ربيع الثاني 1352هـ/1933م بأن شركة "عابدان" وشركة "شل" لا ترغبان في أخذ الامتياز . ورغم كل ذلك فقد أبلغت الحكومة السعودية بريطانيا حينما أراد مندوب الشركات الأميركية الحضور لتوقيع الاتفاق ، فجاء لونكريك مندوب شركة العراق بالذات وحضر الصفقة وقدم شروطاً كانت دون ما عرضه الأميركان" لذا فإن العروض المالية هي التي حددت الموقف السعودي من قضية امتياز نفط الإحساء .
تميز النفوذ الأمريكي في منطقة الخليج العربي، منذ بداية القرن وحتى الحرب العالمية الثانية في الدفاع عن المصالح التجارية الأمريكية، وكذلك مصالح رعايا الولايات المتحدة، مع الابتعاد عن كل تدخل سياسي في منطقة الخليج العربي التي كانت تعد ساحة نفوذ بريطانيا(33).
غير أن ملامح التغير في هذه السياسة بدأت في الارتسام مع بداية الحرب العالمية الثانية، حين لعبت الولايات المتحدة الأمريكية دور القوة المساعدة للقوى العسكرية البريطانية.
وما لبثت هذه الملامح تتضح وتتعاظم مع إعلان الأمريكان عن دخولهم في الحرب العالمية الثانية بشكل رسمي. فقد حمل الأمريكان على عاتقهم مساعدة السوفييت عن طريق إيران، وهو دور استلزم بلا شك تواجداً عسكرياً أمريكياً في الخليج وهو ما سيعرف لاحقاً بقيادة الخليج الفارسي التي بلغ عدد أفرادها ما يقارب الثمانية وعشرين ألفاً(34).
ومن جهة أخرى، فقد لعبت الولايات المتحدة الأمريكية دوراً كبيراً في إمدادات الحلفاء بالبترول. وقد كان النفط الأمريكي يمثل ما يقارب 70% من موارد الطاقة المستخدمة في الحرب(35). وإدراكاً من الإدارة الأمريكية لعدم تمكنها من الاستمرار في الإنتاج النفطي بنفس المستوى في فترة ما بعد الحرب فقد وجه الأمريكان أنظارهم نحو الدول الخليجية الغنية بالنفط.
وقد عاضد هذا التوجه سلسلة من الدراسات المقدمة من الشركات البترولية الأمريكية الكبرى، والتي كانت تشير إلى أن مركز الجاذبية في الإنتاج البترولي العالمي سوف يتركز في منطقة الخليج العربي، إزاء هذه المعطيات كلها، لم تتردد الحكومة الأمريكية في إعطاء القروض للحكومة السعودية في فترة الحرب، وذلك بطلب(36) من شركة ستاندرد الكاليفورنية (SOCAL)، إذ واجهت المملكة العربية السعودية حينها أزمة مالية بسبب الانخفاض الذي حدث في الإنتاج البترولي السعودي من ناحية، والنقص في عدد الحجاج من جراء الحرب من ناحية أخرى. وقد أنابت الحكومة الأمريكية بريطانيا تسليم القروض للعاهل السعودي في عامي 1941، 1942(37). هذه القروض قدرت بخمسة ملايين وعشرت ملايين دولار على التوالي وكانت جزءاً من المعونات الأساسية التي قدمت للبريطانيين من الحكومة الأمريكية ولعل في ذلك ما يدلل على أن الولايات المتحدة الأمريكية برغم مصالحها الاقتصادية في المنطقة فإنها كانت وما تزال تعترف بأولوية السيطرة السياسية والعسكرية البريطانية في منطقة الخليج العربي.
وقد أدت هذه المساعدات المالية التي تأتي عن طريق لندن إلى إثارة القلق ومخاوف الشركات البترولية الأمريكية، وكان مرجع هذا الخوف يعزى إلى تزايد النفوذ البريطاني في المملكة، تزايداً من شأنه أن يدفع البريطانيين في المستقبل المنظور إلى المطالبة بحصص من البترول السعودي. وقد نجح هذا التخوف في إقناع إدارة روزفلت إلى تبني استراتيجية تقوم على الارتباط المباشر بالعربية السعودية. وما لبثت مؤشرات هذه السياسة في التبدي عبر مفردات الخطاب السياسي الأمريكي حين أعلن الرئيس روزفلت في الثامن عشر من شهر فبراير 1943:
إن الدفاع عن المملكة العربية السعودية مهم جداً للدفاع عن الولايات الأمريكية(38).
وبالرغم من أن هذا الإعلان لم يكن يحمل مضموناً عسكرياً، إلا أنه كان يهدف إلى وضع العربية السعودية في خانة تتيح لها ـ بحسب القوانين الأمريكية ـ الحصول على المساعدات من الخزانة الأمريكية دون الحاجة إلى وساطة لندن.
على هذا المنوال دشنت الإدارة الأمريكية سياسة لتقوية نفوذها في المملكة العربية السعودية أثناء الحرب العالمية الثانية متخذة إجراءات كثيرة نذكر ثلاثة منها:
1 ـ مساعدة المملكة العربية السعودية في نطاق قانون الإعارة والتأجير.
2 ـ إرسال البعثات العسكرية للقيام بتدريب القوات السعودية. وباستثناء الفترة القصيرة الواقعة بين 1951 ـ 1954، والتي قامت فيها مصر بإرسال بعثه عسكرية للعربية السعودية، فإن النشاطات العسكرية كان مسيطراً عليها من قبل الأمريكان، الذين كانوا يمدون المملكة السعودية بكل ما تحتاجه من معدات عسكرية تقريباً.
3 ـ إنشاء قاعدة عسكرية(39) للقوات الجوية الأمريكية بالقرب من آبار النفط في الظهران. وقد نص الاتفاق على تأجير القاعدة العسكرية للأمريكان لفترة خمس سنوات، تصبح بعدها القاعدة بأكملها ملكاً للسعودية. ولكن الأمريكان حصلوا على تجديدين الأول عام 1951 والثاني في عام 1957. في أثناء فترة حكم الملك سعود. وهكذا لم تترك القوات الأمريكية القاعدة إلا في الثاني عشر من شهر مارس عام1962 (40).

وفى هذه الفترة ارتكزت الاستراتيجية الأمريكية حتى عام 1970 على ما يسمى بمبدأ "العصا والجزرة" والذي يعني التوفيق بين التدخل العسكري (مبدأ ترومان ـ إيزنهاور ـ كنيدي) والمساعدات الاقتصادية (خطة مارشال). وبالرغم من التغييرات التي أصابت الإدارة الأمريكية وكذلك الأساليب المستعملة، خلال هذه الفترة، إلا أن سياسة التدخل بقيت على ما هي عليه.
وأبان فترة إدارة إيزنهاور دلس، كان دلس محاصراً بفكرة الخطر الشيوعي، ولعل هذا ما دفعه إلى تبني ما يسميه الاستراتيجيون الانتقام المنتشر Massive Retaliation والذي كان يعني التهديد بهجوم نووي مضاد مباشر وعالمي وذلك لثني الاتحاد السوفيتي عن أي نوع من الهجوم على الولايات المتحدة الأمريكية أو أحد حلفائها الرئيسيين.

في الثامن عشر من نوفمبر 1970ارسل الرئيس الأمريكي نيكسون رسالة إلي الكونجرس ، والتي كانت تحوي المبادئ الجديدة للسياسة الخارجية الأمريكية على النحو التالي:
"تشارك الولايات المتحدة الأمريكية في الدفاع وفي تطور حلفائها وأصدقائها، غير أنها لا تستطيع ولا تريد القيام بإعداد كل الخطط والبرامج، وتنفيذ كل القرارات وأخذ مسؤولية الدفاع عن كل الشعوب الحرة في العالم. سوف تقوم بتقديم المساعدات إذا ما كانت فعلاً مهمة لإحداث تغيير، وكذلك إذا ما ضمنا بأن هذه المساعدات مهمة لمصالحنا". وفي النهاية طالب الرئيس الأمريكي حلفاءه بتحمل مسؤولية أكبر في مجال الدفاع. وأكد أن المطالبة بأن تلعب الأمم الثانية دوراً أكبر، لا يعني أبداً الهروب من تحمل المسؤوليات.
وقد وجدت هذه السياسة في الخليج أرضاً مناسبة لتطبيقها، خاصة وإن بها رجلاً كشاه إيران المتطلع للعب دور الشرطي، إضافة إلى وجود عدد من الدول الراغبة في رؤية الولايات المتحدة وهي تلعب دوراً أكبر في الحفاظ على الأمن والاستقرار في المنطقة.

وقد استند مبدأ نيكسون كذلك على المملكة العربية السعودية، والتي تملك مخزوناً نفطياً كبيراً، يواز يه دخل نفطي ضخم إضافة إلى أن العربية السعودية ـ بحكم عوامل كثيرة ـ مهيأة للاستفادة منها لمساعدة القوات المناهضة للحركات الشيوعية. وقد عبر جوزف سيسكو Joseph Sisco مساعد سكرتير الدولة، عن وجهة نظره أمام اللجنة الفرعية المنبثقة عن الكونجرس في عام 1973 قائلاً: "نحن نعتقد أن مصلحتنا المشتركة، الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة العربية السعودية، تحتم علينا أن تكون اليد العليا للقوى المعتدلة في هذه المنطقة"(41).
ومن هنا أدركت الولايات المتحدة أن عليها أن تلعب دورا بالغ الأهمية في تغيير مفاهيم الناس في المملكة العربية السعودية سواء عن طريق تقسيم سكان المملكة إلي حلفاء (نجديين )و أعداء مناهضين (حجازيين وأشراف) ولان أهدافها تتجاوز النفط فقد عملت طول الوقت بتحصين نفسها حتى لاتندحر تحت وطأة الثورات الشعبية أو الفتاوى الدينية فتندحر كما اندحرت شركات التنباك في إيران ، فشركات التنباك الإنجليزية اندحرت في إيران بسبب فتوى رجال الدين، وهذا هو السبب الكامن وراء عدم مقدرة هذه الشركات أو عدم سعيها لتغيير مفاهيم الناس في إيران ولذلك ظل ولاءهم لرجال الدين وبقيت حصانتهم على حال ضد التغلغل الأجنبي ولكن الولايات المتحدة الأمريكية ممثلة الإمبريالية والرأسمالية وضعت نصب عينها تغيير مفاهيم الناس قبل السيطرة على ثرواته.
ووفقاً لنظرية (بريجنسكي) مهندس السياسة الأمريكية في المنطقة يكون الديسكو والجينز والهامبرجر بدلا من القوات المسلحة لأن الناس قد يقاومون العسكر لكنهم لا يقاومون إلاّ متاع والإسعاد اللذين تصنعهما الرأسمالية لهم، ليس هذا فحسب بل وتحارب الثورة بتبليد حسن الناس تجاهها. أو كما يهندس ما يكل ستون رئيس برنامج المعونة الأمريكية هندسة (الكوكا كولا ثم القوات)، حيث تكون الأولوية لترويج الاستهلاك الممتع فأن لم يكن هناك فائدة تضطر القوات للتدخل من أجل الاستعمار، أما إذا استجاب الشعب لسياسة الكوكا كولا فلا بد أنه سيكون عاجزاً عن رفض قوات أجنبية في بلاده أنه لن يكون بمستوى السيادة والكرامة الوطنية التي من المفروض أن تكون متغلغلة في أعماقه.
وهذه هي سياسة الرأسمالية التي اعتمدتها (أمريكا) حيث وضعت العرض قبل الطلب في أسواقنا لثقتها بأن العقل الذي نتملكه قد تحول إلى كتلة باردة معبأة بالمفاهيم الأمريكية، يستجيب لكل ما يعرض عليه وساعد على ذلك حاجة الحكومة السعودية إلى ترويضه من أجل أن تحفظ سيطرتها ونفوذها، وكان ذلك نذيراً بتغيرات كبيرة حديثة لمجتمعنا وثقافتنا واقتصادنا، وتفاعلت كل هذه المتغيرات لنصل إلى ما نحن عليه اليوم.
وقد كانت الوسائل الثقافية أخطر الوسائل والآثار التي تعاملت بها (أمريكا) في مجتمعنا وأعملتها في نفسيتنا، ولذلك صار لزاماً أن نمر على الوسائل والآثار التي أوصلتنا إلى هذا الحال لنعرف حقيقة هذا الاستعمار ومن ثم نضع أيدينا على المسار الصحيح للتغير .
في المجال الثقافي:
وهو الطريق للسيطرة على السوق التجاري من خلال التحكم في أذواق الناس وتغييرها حسب رغبة أمريكا التي تحتكر السوق أو كما يقول" ايرنست ويشتر" أحد مهندسي سياسة شركة أكسون التسويقيه "الأنثر بولوجيا الثقافية ستكون أداة هامة في التسويق التنافسي" بل ويقنع الناس بأن التسويق الإنتاجي هو غير التبعية السياسية والاقتصادية لدولة ما، حيث أخذ على عاتقه إقناع الألمان بضرورة استخدام الورق الصحي في الجامعات بدلاً من ورق الجرائد التي يصر الألمان على استعماله خوفاً من التبعية الاقتصادية ولذلك يحول" ديشتر" اهتمامهم إلى هذه الحالة بصورة غاية في التأثير الثقافي والسيطرة النفسية حيث يقول: "في هذه الحالة يجب على التوجه الإعلاني أن يتعامل أكثر بكثير من مسألة توفير الشعور بالحل من التبعية وبيع الفكرة القائلة بأن نوعية الورق الصحي الجيدة هي جزء من الحياة العصرية".
وهذا الاتجاه هو الذي تعاملت به الشركات الأمريكية في المنطقة من أجل السيطرة الاقتصادية والتغير الاجتماعي حيث كان مهندسو هذه السياسة يضعون على طاولة الموظفين قارورة مليئة بالنفط (سياسة تقديس النفط) من أجل الإيحاء للموظف بعظمته وقدرته على استخراج كنوز الأرض، ولم تكن الغاية تعزيز قدرة الفرد بقدر ما هي محاولة لترسيخ مفهوم جديد يعطي للإنسان ارتباطاً قوياً بالشركة وتعظيم منتجها عن المحتوى الثقافي والديني والبيئي.
وهذا الأسلوب تتبعه (أرامكو) مع موظفيها، حيث تعطي الحق لأبناء موظفي (أرامكو) بالعمل في الإجازة الصيفية مثلاً أو كما يصف" مايك طيب خان" أحد مستشاري شركة موبيل "إن الفائدة المرجوة من برامج كهذه بالنسبة للمشتركين في المجالين الفني وغير الفني ضمن نطاق (أرامكو) هو زيادة مفاهيمهم فيما يختص بأعمال الشركة، بمدى تأثير أعمالهم بعضها على بعض ومدى أهمية أعمالهم هذه بالنسبة للشركة. إن مثل هذه المعرفة ستؤثر ولا شك على مدى شعورهم بالنسبة لأعمالهم وطريقة إجادتهم في الأداء" (42) وكذلك في الحلقة الدراسية من أجل التعرف على التكنولوجيا في (أرامكو).
إذا فالمسألة هي ترسيخه مفهوم يتيح للشركة السيطرة على العقل ومن ثم الفعل وقد أوضح رئيس شركة (ناشينال بيسكويت كومباني) طريقة الشركة في التعامل مع الزبائن بقوله عندما عرضت الشركة علبة بسكويت (ريتز كراكرز) "إننا نبيع أكثر من مجرد البسكويت إننا نبيع مفهوما".
اجل هذه هي الطريقة المثلى من أجل السيطرة حتى إن (كبرك) الوزير المفوض الأمريكي في السعودية كان يتشدق بقوله "إن التقدير الذي تحظى به أمريكا والأمريكيون في السعودية يرجع إلى المستوى الحديث لتركيبات الشركة واعمالها والى الوسائل المستنيرة في التعامل مع الموظفين والأهالي هناك " (43) وهذه الوسائل المستثيرة التي يتحدث عنها بدأت مع نهاية الأربعينات وبداية الخمسينات، حيث كان الناس لا يجيدون حتى العربية فجاءت الشركات الأمريكية لتقلب هذه الحالة إلى أمية إنجليزية حيث احتلت عقول الجيل الأول باللغة الإنجليزية دون العربية ولا يزال هؤلاء يجيدون التحدث بالإنجليزية ويجهلون ابسط المفاهيم في اللغة العربية حيث إن اللغة الإنجليزية هي اللغة الرسمية لدى الشركات.
أما عن برامج التدريب و البعثات للخارج فهي مزيج من الاستعمار والإسلام (الأميركي) الذي تحاول أمريكا أن ترسخه في أذهان الجيل الحالي حيث يخضع كل من يقع عليه الاختيار للدراسة في أمريكا لبرنامجين الأول أمريكي الأصل والصورة حيث يشتمل على أصول الاتيكيت والممارسات في المجتمع الأمريكي وطريقة الحديث واللباس، بل ويوجه الطالب إلى الطريقة المثلى للحصول على فتاة وكيفية التعامل معها، أما البرنامج الثاني فهو محاضرات صورية عن الإسلام يقدمها محاضرون ضيقوا الأفق يحث الطالب على الابتعاد عن القضايا الدولية وكل ما من شأنه أن يفتح أفق الطالب ويجعله في صراع مع عصره.
وقد لعبت الجامعة الأمريكية ببيروت الدور الأساسي والأولى لهذه الخطة ثم أكملت الدور الحالي الجامعات الأمريكية وبعض الجامعات السعودية حيث بلغ عدد السعوديين المنتظمين في برنامج الابتعاث لاحد الشركات الأمريكية ك(أرامكو) حتى نهاية سنة 1404 ما يقارب الألف ومائتين طالب (44) .
وبطبيعة الحال يسمح للطالب باصطحاب زوجته إذا كان متزوجا يزود هو وعائلته بتذاكر سفر مجانية، وبالإمكان تخيل عدد غير قليل من مجتمعنا يعيش في أمريكا ثم يعود رجالا ونساء، إنها محاولة لفرض خط ليبرالي أمريكي على العقل والشعور، ويكفي أن يكون هناك 770 موظفا سعوديا عادوا من أمريكا يتدربون في برنامج تطوير الكفاءات المهنية، بل أن أكثر هؤلاء وغيرهم مؤهلين للعمل في الاكسبك (مركز التنقيب وهندسة البترول) أرقى ما وصلت إليه السياسة الاستعمارية الأمريكية.
ولكون طلبة (أرامكو) في الولايات المتحدة أكثر قدما وعددا فقد سعت الحكومة السعودية للاستفادة من خدمات الملحق التعليمي الخاص بأرامكو في هيوستن، وقد توحد الملحقان جزئيا سنة 1983 بعد أن كانت (أرامكو) على كل الملاحق التعليمية والثقافية هناك.
وفي مجال التعليم العام كانت (أرامكو) عاملا اقتصاديا وثقافيا مساعدا في إنشاء الكثير من المدارس وبالطبع من أجل المخطط الأكبر الذي رسمته(الولايات المتحدة الأمريكية) للمنطقة وها هي اليوم تحصل نتائج بذرتها الأولى. ففي سنة 1953 م بنت (أرامكو) أول مدرسة ابتدائية ثم في سنة 1959 م بدأت ببناء المدارس المتوسطة، وكانت سياقة في بناء مدارس البنات سنة 1960 م وما أن حل عام 1979 حتى كانت هناك 58 مدرسة تابعة لأرامكو وتحتوي على 25 ألف طالب وطالبة . (45)
وكل هذه المدارس تخضع لسياسة (أرامكو الأمريكية) أكثر منها لسياسة وزارة المعارف حيث لا تتدخل وزارة المعارف في هذه المدارس إلاّ بالمناهج والشؤون الإدارية أما نفقات الصيانة والإنماء فهي من حق (أرامكو) وحدها وهي التي تقرر كل شئ من ناحيتها فقد كانت هذه المدارس منذ البداية خاصة بأبناء موظفي (أرامكو) فقد وذلك من أجل تكريس الطبقية، ولما رأت (أرامكو) أن الجميع على استعداد لمطاوعة سياستها سمحت بدخول الطلبة الذين لا يعمل آباؤهم في الشركة(من اجل توسيع نطاق امركتها في المملكة) وقد كانت هذه المدارس تزود الطلاب بكل الأدوات المدرسية اللازمة في الوقت الذي لم تكن مدارس الحكومة تحتوي على دورات مياه نظيفة أو حتى مياه للشرب، بل كانت كلها تقريبا منازل فقيرة مستأجرة.
وقد جنت (أرامكو) من هذه السياسة الكثير فهي تستأثر بالحصاد الجامعي دائما وبالنخبة منه، فقد عقدت اتفاقيات مع الجامعات على استلام دفعة من الخريجين كل عام مقابل دفع تعويضات بسيطة، ليس هذا فحسب بل أنها تشجع من لم يكن لهم نصيب في التعيين لدى (أرامكو) على أن يسجل في الشركة وهي تقوم بأجراء اللازم من إخلاء الطرف ودفع التعويضات، هذا غير الذين يأتون إلى (أرامكو) طوعيا باختيارهم بعد إكمال دراستهم بالنظر لما تقدم لهم هذه الشركة من عوائد سخية مقارنة ببقية الشركات والمؤسسات.
إن (أرامكو) وبكل ما تحمله وتحتويه من كوادر تحاول أن تضفي على مهمتها صيغة من الصيغ الحضاريةالامريكية، تماما كمحاولات فرنسا الاستعمارية والتي كانت تحمل شعار (رسالة التمدين) في سبيل فرنسة الجزائر، وفي مدارس (أرامكو) ومراكزها التدريبية في الظهران وابقيق ورحيمة هناك مدرسات يقمن بتدريس الموظفين وأغلب هؤلاء المدرسات لا تربطهن بالقوانين والأعراف الاجتماعية أي رابطة فهن في حل من كل القوانين، وبالإمكان تخيل مجموع طلابي بهذا الحجم تقوم بتدريسه مدرسات وهو الذي لم يتعود في حياته على رؤية أطراف امرأة، فكيف به أمام كتلة من الإغراء المُسيس. ليس هذا وحسب بل دخلت المرأة السعودية والتي لم يكن يسمح لها بالحديث مع أي غريب عن بيتها(حسب التدين الوهابي الرسمي) دخلت إلى مجال العمل في (أرامكو)وغيرها من الشركات والمؤسسات الأمريكية بفضل السياسة التي اتبعتها السياسة الأمريكية مع الجيل السابق حيث تبين مؤخرا بأن كل الفتيات اللاتي يعملن في (أرامكو) هن أبناء لموظفين أصحاب مراكز في (أرامكو) بعقليات ومشاعر أمريكية.
وهذه السياسة مستمرة إلى اليوم حيث خصصت اغلب الشركات الأمريكية برامج خاصة للجامعيين من اجل إبراز قوتهم وسيطرتهم على ساحة الممارسة البيروقراطية في المجتمع وبالتالي تهيئة طبقة تنوب عن الجماهير في كل الأوقات وتحقق المصلحة الأمريكية والحكومية العليا، فقد استحدثت برنامج تطوير الكفاءات المهنية والذي يعطي للجامعي فرصة كبرى للاطلاع على مجموع كبير من الممارسات البيروقراطية مع لا مركزية في العمل يشعر من خلالها بأنه هو سيد الشركة التي يعمل بها دون أن يدري بأنه يقدم صك العبودية لها.
ولعل كل ذلك يبدو في نظر البعض تطورا وتمدنا لكنه في حقيقته ليس أكثر من طرق ذكية تؤدي بطريقة أو بأخرى إلى استبعاد جماهير المنطقة أو كما يقول (مهدي بازجان) رئيس أول حكومة إسلامية في إيران في كتابه مدافعات (أن كل تغيير يقصد به ظواهر الناس ليس تغييرا، إن الإصلاح الحقيقي هو الذي يقوى من شخصية الأمة ويزيد من قدراتها و إلا فان ركوب العربات والسير في طرق معبدة قد يسر أيضاً للخدم في بعض الدول، لكن هذا لم يغير من كونهم خدما .. إن إصلاحات المستبد عندما تكون عظيمة تكون مثل عاصفة على سطح البحر تثير الأمواج لكن الأعماق هادئة وان كان المستبد مصلحا فأي إصلاح اكثر من احترام الناس و إشراكهم فيما يهمهم من الأمور.
وخلاصة القول أن الولايات المتحدة الأمريكية عملت الكثير ثقافيا من أجل أن تحظى بالسيطرة على نفط المنطقة وثرواتها بل وتضمن استمراريتها ويمكن تلخيص ذلك في الآتي: ـ
(1) حاولت الإيحاء للموظفين في الشركات الأمريكية بأن الشركة لهم أولا و أخيرا بوسائل تقنية عالية.
(2) جعلت من اللغة الإنجليزية لغة رسمية في الوقت الذي لا يعرف فيه الموظفون اللغة العربية.
(3) رسخت مفاهيم تعطي لها صفة التمدين والحضارة.
(4) دربت الموظفين وثقفتهم في المجالات المهنية من أجل ضمان مصلحتها.
(5) جعلت الاهتمام بالجامعيين إحدى أهم وسائلها من أجل خلق طبقة وسيطة.
(6) استفادت من برامج الابتعاث من أجل ترويج الثقافة الأمريكية.
(7) بنت المدارس مساعدة للحكومة من أجل الحصول على حصادها مستقبلا.
(8) أدخلت المرأة في مجال العمل من أجل تغييرات اجتماعية خطيرة.
(9) جلبت الوسائل الترفيهية من إذاعة وتلفزيون وسينما من أجل تغيير ثقافات وصنع أخرى في مجتمع لم يكن يمتلك أدنى المقومات الثقافية والمعرفية.
في المجال الاجتماعي :
ويمكن اختصار هذا المجال فيما يعرف بصناعة التخلف و إلباسه رداءاً حضاريا جذاب المظهر حيث أن المجتمع عبارة عن مجموعة أفراد تؤثر فيهم العوامل الاقتصادية والثقافية والسياسية، ولذلك كانت ممارسات الشركات الأمريكية في المجالين الأولين اكبر ضمان لخلق مجتمع ممزق مهترئ وإذا كانت الشركات الكبرى كما يقول (جون باورز) هي أدوات التغير الاجتماعي والاقتصادي والثقافي، فان هذه الحقيقة تنطبق على (أرامكو) أدق الانطباق، بل تفوق غيرها في إنجاز ذلك التغيير.
وبالنظر لما كانت تتمتع به (أرامكو) في تلك الفترة من تطور تكنولوجي وتقدم في المجالات العلمية فقد وجدت الفرصة سانحة للدخول في المجتمع حتى أعماقه وبالتالي تغيير تصوراته عن الحياة. ففي 1941 حتى 1947 قامت (أرامكو) بحملة كبرى من أجل القضاء على الملاريا والذي كان يشكل خطورة على حياة الناس في المنطقة الشرقية، وحتى نهاية الخمسينات لم تكن الدولة تستطيع أن تقوم بمثل ذلك الشيء ولذلك استعانت بأرامكو مرة أخرى من سنة 1948 وحتى سنة 1955 من أجل القضاء على ذلك الوباء مما مكن لأرامكو الدخول إلى عمق المجتمع واجتذاب أكبر قدر ممكن من الناس للعمل معها وبأجور زهيدة حيث كان معدل دخل الفرد السعودي في السنة 50 دولاراً خلال تلك الفترة.
وكانت (أرامكو) قد أنشأت مركزاً للعلاج سنة 1942 وهي فترة مبكرة جدا بالنسبة المنطقة، حيث الجهل المطبق والفقر المدقع اللذين كانت تتسم بهما المنطقة وهذا ما جعل أجساد الناس حقلا للتجارب العلمية والاستهتار بأرواحهم، وكان ابرز تلك التجارب أبحاث الترخوما التي أجرتها (أرامكو) بالتعاون مع مدرسة (هارفارد) للصحة العامة، وقد تطورت خدمات (أرامكو) الصحية لتصل إلى 13 عيادة بنهاية سنة 1983 إضافة إلى عدد من عيادات الأسنان.
أما الصيدليات فهي مستودع للتجارب التي تجري على شعوب العالم الثالث فالأدوية التي توزع مجانا بالطبع على الموظفين غالبا تكون تستعمل لأول مرة خارج أمريكا أو محاولة لتجريبها على نطاق واسع ومستمر هكذا، ولأن البلاد لا تمتلك قانونا أو محاكم متطورة فقد تمادت (أرامكو) في هذا الطريق، حتى أن التعويضات لا تصرف لمن يتضرر من جراء عملية جراحية في إحدى مستشفيات (أرامكو).
أما المستشفيات فحدث ولا حرج حيث يوجد هناك مجموعات كبيرة من الممرضات اللاتي يمارسن الدعارة بشكل مفضوح، ونادرا أما يكون هناك ممرضة محترمة في مستشفيات شركة تعتمد على سياسة استعمارية، وغالبا ما يحدث الموظفون عن فضائح من هذا النوع حتى وان كانت غير موثقة إذ هي حديث الناس لا أكثر إلاّ أن لها أصلا ومعنى، فما من دخان بغير نار.
إضافة إلى ذلك يمارس نوع من الاغتصاب النفسي للنساء اللاتي يعالجن في المستشفى حيث لا توجد طبيبات للأمراض النسائية أو حتى الولادة، والمغزى واضح، الأمر الذي يجعل المرأة تعتاد على المثول بين يدي طبيب رجل دون أن ترى وفي ذلك أي انتهاك لعرضها أو لشرفها. والموظفون بطبيعة الحال يتذكرون دكتور "بابا "كما كانوا يلقبونه والذي كان رائداً للشذوذ الجنسي في مستشفى (أرامكو)، وقد مارس هذا التهتك لسنوات بل وشجع عليه حتى صار سياسة لدى كبار الرؤساء الذين كانوا يختارون من بين الموظفين من كل له محيا جميل من أجل ترقيته بعد ممارسة الشذوذ معه.
أما عن الإفساد المنظم والذي تمارسه (الشركات الأمريكية فهو كثير حيث يتمتع الأمريكيون بقدرة على اجتذاب الموظفين من أجل مشاركتهم الشراب والليالي الماجنة، ويتذرعون بما يسمونه كبار الموظفين حيث يجوزون لهؤلاء الاختلاط بالأمريكيين والمداومة على لياليهم الحمراء وهؤلاء الموظفين الكبار عبارة عن طبقة خلقتها (هذه الشركات من أجل أن تسهل لها استلاب الثروة تشويه المجتمع وقد بشر الكاتب ميكائيل شايني في كتابه (رجل كبير من السعودية) (46) برجل سعودي يدير شركة (أرامكو) ، واوصى بضرورة خلقه، وتحقق هذيانه الاستعماري في شخص (علي النعيمي) رئيس (أرامكو) الحالي والذي توج رئيسا لها في السعودية فقط. وهو واحد من عشرات بل مئات الرجال جرى ويجري إعدادهم ليكونوا سندا قويا لأطماع الشركة ولا يرتبط هؤلاء بالأخلاق الإسلامية والإنسانية إلاّ بالاسم فقط ، فهم طبقة متأمركة أكثر منهم مسلمين أو حتى عربا وقد سجلت عيون الناس اليقظة أن هؤلاء الناس هم السباقين إلى توظيف بناتهم في (أرامكو).
وكلما زاد عدد البنات الموظفات كلما سهل تمرير المخطط الاستعماري ففي سنة 1940 لم يكن هناك إلاّ امرأتين ففي السعودية هما (ماري مار جريت، و (آنا ماري سنايدر)، أما اليوم ففي كل مكتب سكرتيرة وفي كل مرفق إدارية وبعضهن يقمن بوظائف إدارية رئيسية وهؤلاء هن اللاتي يهيئن جوا من المرح والاستئناس للسعوديين حيث يحين ليالي عيد الميلاد ورأس السنة بصورة أكثر صخبا من تلك التي تجري في أمريكا نفسها.
وتعاطي الشراب والجنس يكون اسهل الأمور وأتفهها في مثل هذه التكوينات التي قد تؤدي بالبعض إلى الجنون لفرط تعاطيها، ولعل في قصة (توم) صديق المفكر الفلسطيني (هشام شرابي) والتي ذكرها في كتاب (الجمر والرماد) خير دليل.
وقد تهيأ للأمريكيين العاملين في الظهران استقدام المطرب العنصري الشهير (روجرز) سنة 1977 لأحياء ليلة رأس السنة، وهذا مثال بسيط على الاهتمام الذي توليه الشركة لطرح أمور التغيير الاجتماعي إذ أن المشاركة لا تقتصر على الأمريكيين دون السعوديين.
ولكون الشركات الأمريكية تصرف الكثير من أجل سلخ المواطنين عن ثقافتهم الذاتية، ابتداء بجعل اللغة الإنجليزية لغة التخاطب والتعامل في داخل الشركة، ووصولا إلى امركة الشخصية والتفكير، فانهم أي المواطنين في ذلك الجزء يتحدثون الإنجليزية وبطبيعة الحال من منظور أمريكي وبلسان أمريكي دون أن يعوا خطورة هذا الإجراء، ويندر أن يكون هناك من لا يعرف التحدث بالإنجليزية أو حتى النطق كلمات بسيطة منها.
أما في مجال العمالة الوطنية فقد درست هذه الشركات طبيعة المنطقة والاختلاقات المذهبية فيها، فبعد أن صنعت مدينتي الدمام والخبر شجعت أبناء الجنوب والحجاز ونجد على القدوم إلى المنطقة الشرقية من أجل الرهان بهم على الشيعة الذين طالما أنهكوا الشركات بإضراباتهم ومشاكلهم السياسية التي لا تنتهي وبالفعل استطاعوا أن يغلبو فئة على أخرى وتستعمل ورقة ضد أخرى من أجل ضمان مصلحتها، فضمنت بذلك ورقة شديدة الحساسية والخطورة.
وهذه هي إحدى سياسات الشركات الكبرى التي تسعى إلى تمزيق النسيج الاجتماعي من خلال نزوعها إلى أن تعشعش أينما استطاعت وان تستقر أينما أتيح لها وان تقيم اتصالات أينما قدرت فهي تخلق التراتيبية بدلا من المساواة وتنشر منافعها بشكل غير متكافي كما يقول (ستفين هايمر).
وقد تبنت سياسة الإدهاش التي مارستها ضد المواطنين العزل من علم أو معرفة مما حدي بهم إلى الإعجاب بالنمط الغرب في الحياة وتطوره التكنولوجي ففي بداية وصولها كانت آلة التفريغ وتستعرض بها أما الجماهير مما صنع لديهم عقدة العجز والانبهار بكل ما يأتي به الوافد من أمريكا وهذا هو حال الحضارة الغربية الاستعراضية عموما.
وكل هذه الأمور أحدثت سلسلة تناقضات وتشوهات رديفة لسابقتها فالطفل مثلا ترعرع في جو الأمجاد الأمريكية واستعباد هذه الشركات للموظفين وبالتالي صار مقلدا لوالده الذي أشعره منذ البداية بأهمية أن يوفر لنفسه الملجأ دون الكرامة وهذه سمة في المجتمعات المتخلفة، كما أن الفرد في هذا المجتمع لم يعد قادرا إلاّ على النظر إلى الحياة ببعد واحد هو البعد المادي النفعي الذي تغلغل في أعماقه وترسخ في ذهنه.
أما أعلى صعيد البٌعد الاقتصاد الاجتماعي: فقد دخل مرحلة شبيهة بالنمط الأمريكي اللاتيني الذي يتميز بالفرو قات الطبقية الفاحشة، والتضخم، والتبعية وبرزت مظاهر العنف المضاد داخل المجتمع الذي نعيشه وتعرض مفهوم العمل إلى التشويه حيث تفاقمت المهن ذات الكسب الربع وتفشت ظاهرة الهامشية المهنية، وبالتالي انتعشت الرشاوى والمحسوبات والهدايا ذات المغزى التي تروج للارتزاق عوضا عن الإنتاج وكل ذلك بفعل سياسة استعمارية أمريكية شجعت جنوح الكبار وزادت المستضعفين ضعفا.
ويقول الدكتور (محمد الرميحي): "لقد ساهم البترول في الخليج في خلق مجموعة من المتناقضات السياسية والاجتماعية فهو مثلا حينما ساعد على بروز طبقات جديدة في منطقة الخليج (العمالية والتنكو ـ قراطية) ساعد كذلك وبنفس المقدار على أن تحافظ الطبقات القديمة وبخاصة المتنفذة على نفوذها فانتقلت هذه الطبقة من ملكية الأرض بشكلها العام إلى ملكية ما تحت الأرض، فعادت الأموال إلى تلك الطبقة مما ثبتها أكثر فأكثر في قمة السلطة كما أن المتناقضات الاقتصادية واضحة في أن تملك بعض المجتمعات الخليجية الأساطيل لنقل البترول يديرها وشغلها ويبحر بها أجانب من حيث لا تملك الكوادر الفينة اللازمة ذات الكفاءة للقيام على إدارة هذه الأساطيل .. أما المتناقضات الاجتماعية فهي كثيرة تبرز أكثر حين نرى الأضرار الناجمة عن استخدام منجزات العصر الحديث التكنولوجية في قالب اجتماعي محافظ" . (47 )
أما الجيل الذي تعرض لهذه التقلبات فلم يكن بمستوى التصدي لها رغم بعض المحاولات وهذا هو الحال في المجتمعات المتخلفة حيث يتحول الفرد إلى قوة فاعلة وصانعة للتخلف دون المقدرة أو حتى المحاولة لتغيرها أو كما يقول (مصطفى حجازي): "التخلف في الدول المتخلفة يعاش على المستوى الإنساني نمط وجود له دينامياته النفسية والعقلية والعلائقية النوعية المميزة، والإنسان المتخلف منذ أن يترعرع تبعا لبنية اجتماعية معينة يصبح قوة فاعلة ومؤثرة في هذه البنية، فهو يعزز تماسك هذه البنية ويدعم استقرارها" ( 48 )
وخلاصة القول أن السياسة الأمريكية المعتمدة على الشركات الكبرى قامت بمجموعة عمليات وبوسائل مختلفة من أجل تغيير الصورة الاجتماعية التي تعيشها المملكة العربية السعودية وخلق مجتمع جديد مبني على الطراز الأمريكي والمفاهيم الأمريكية وكانت وفق الخطوات التالية:
(1) استخدمت الرعاية الطبية من أجل استمالة خواطر الناس واستغلال ظروفهم في الوقت الذي تستخدمهم كحقل تجارب بشرى لصالح شركات الأدوية الكبرى في عمل لا أخلاقي في غياب سلطة الدولة التى باعت كل شئ من المواطن حتى المشاعر الحرام.
(2) روجت للفساد الأخلاقي من خلال بث اكبر قدر ممكن من النساء المسيسات في أوساط الرجال في العمل. ومن خلال الترويج لكافة الأنماط الاجتماعية الغير أخلاقية.
(3) أدخلت الفتات السعودية في العمل جنبا إلى جنب مع الرجل مما اضعف التماسك الاجتماعي لمجتمع يواجه الغزو الفكري ويحتاج اشد الحاجة إلى بنية داخلية قوية متراصة.
(4) خلقت طبقة باسم كبار الموظفين هيأت من خلالها وضعا فريدا، للمساندة الخاصة بها.
(5) سعت إلى سياسة كرنفالية الاحتفالات ومشاركة الموظفين السعوديين الأمريكيين في كل الممارسات الشاذة والمنحرفة.
(6) أوهمت الموظفين بقدراتهم الخارقة ولذلك هيأت خلفاء لها يشكلون طبقة ليبرالية أمريكية. كما أوهمت الناس بعظمة اللغة الإنجليزية وضرورة الانجذاب لها دون العربية لمحو الشخصية اللغوية والثقافية.
(7) أججت الصراعات الطائفية بين السنة والشيعة وكذلك التمايز المناطقى التي تكفل لها الاستفادة من كل الأحوال.
(8) كرست عقدة العجز أمام التكنولوجيا الغربية وإيهام المجتمع السعودي بعظمة العقل الغربي وتفوقه.
(9) رسمت مسارا للتخلف يتناوب تكريسها جيل عن جيل.
(10) حطمت كل القيم العملية والمفاهيم الجادة في الحياة من خلال الترويج للاستغلال والوسطات المحسوبية كسرطان اجتماعي ينمو بسهولة ويصعب علاجه أو استئصاله.
(11) أغلقت كل الطرق أمام الناس للاتصال بالعالم الخارجي إن لم يكن يتناسب مع حقيقة وواقع المجتمع الأمريكي.
وكل هذه الآثار الاقتصادية والثقافية والاجتماعية هي في حد ذاتها وسائل الاستعمار الحديث للسيطرة على أي مجتمع وعلى أي أمة من الأمم، حيث لا يوجد أي مجال للدبابات طالما كان للثقافة دورها المستخدم بعناية وحرص شديدين، وقد تكون هذه الآثار بكليتها ذات تأثير على المنطقة الشرقية إلاّ أنها ذات أثر غير قليل على بقية أجزاء العربية السعودية بل والعالم في لحظة من اللحظات حيث يقول (ولبركرين ايفلاند) السابق الذكر "لقد كان هناك برنامج إنمائي كبير مهندسته الولايات المتحدة (40 بليون دولار) وادارته لاستغلال واردات النفط لتغيير المملكة العربية الصحراوية من حالتها القديمة لتصبح مجتمعا حديثا صاخبا، وكان مهندسو الحكومة السعودية الشباب الحاصلين على شهاداتهم العالية من الخارج قد أغواهم رؤساء شركات النفط بعروض لبناء وتمويل محطات التكرير ومعامل البتروكيماويات وكل هذا كان يبشر بتغيرات دراماتيكية في الاقتصاد العالمي وأنظمة التسويق ولدعم الدولار الضعيف" ( 49 ) وفي هذه العبارات ما يكفي لتبيان حقيقة دور هذه الشركات الأمريكية العملاقة والتي وان كانت واجهتها المعلنة هو الاستثمار والربح والتجارة إلا أنها كلها تعمل في خدمة السياسات المستقبلية الأمريكية، وإذا كانت جدران أي مجتمع هي دلالته فان في العربية السعودية اليوم ما يدهش الإنسان حقيقة لفرط ما يرى من المظاهر الأمريكية في الحياة عامة، في الملبس والمأكل والتسوق وغير ذلك من سلوكيات الحياة.
لقد حققت الولايات المتحدة الأمريكية اكثر مما كانت تحلم به فمسخت هوايات المجتمع وزورت وجوده الثقافي و أغرت آل سعود بالعبث بالأماكن المقدسة و ازالت بعضها والعبث بالتاريخ العريق للإسلام من خلال بيئته الأولى المتأصلة منذ القدم حتى اصبح مجتمع اليوم لا يمت إلى الماضي الأصيل إلاّ بأضعف الصلات.
ولقد استنزفت كل مقدرات المنطقة النفطية دون أن تستخدمها في التنمية الاقتصادية والاجتماعية في المنطقة مما خلق وضعا متخلفا كرسته يوما بعد يوم ، وذلك من خلال قدرتها على التعامل مع المواطنين السعوديين في غياب تام للدول(أسرة آل سعود) مع مراعاة مصالحهم الشخصية ، فاحتكرت الأسواق وصنعت قوانين الامتياز ولم تستغل أي فرصة من أجل تحسين أوضاع المنطقة في أي مجال من المجالات، بل كرست واقع التبعية في الدولة والهزيمة في الفرد والاستسلام في المجتمع، ولم يعد بالإمكان إيقاف هذا المد الاستعماري الشره إلاّ بمحاولة جريئة شاملة تتخذ الثورة وسيلتها والإنسان هدفها ولتعود بلد الحرمين الشريفين قبلة لكل المسلمين وظلا للمؤمنين وليست مستعمرة أو ولاية أمريكية .


مصادر البحث ومراجعه
1-سيتون وليمز ، بريطانيا و الدول العربية 1920- 1948ترجمة احمد عزت عبد الكريم ص312، القاهرة 1953.
2-صالح العابد ، دور القواسم في الخليج العربي 1747-1820،ص 245 مطابع العانى بغداد 1976.
3-رائد عبدا لله الفرحان ، مختصر تاريخ الكويت وعلاقتها بالحكومة البريطانية ، والدول العربية ، ص128، دار العروبة القاهرة 1991.
4-حافظ وهبة، خمسون عاما في الجزيرة العربية ،ص 117،مصطفى البابى الحلبي القاهرة 1960.
5- أمين سعيد، تاريخ الدولة السعودية ، ص72، دار الكتاب العربي ، مطبعة كرم ، بيروت 1985.
6- طالب محمد وهيم ، مملكة الحجاز، 1916-1925، دراسة في الأوضاع السياسية أطروحة ماجستير في التاريخ الحديث ، جامعة بغداد كلية الاداب1977(مؤتمر الكويت).
7- جاك بيربى ، الخليج العربى، ترجمة نجدة هاجر سعيد ، ص224، المكتب التجاري للطباعة والنشر ، الطبعة الأولى بيروت 1959.
8- طالب محمد وهيم ، مصدر سابق ص125.
9- أمين الريحانى تاريخ نجد وملحقاته، ص ص 448، 450، دار الريحانى للطباعة والنشر ، بيروت 1954.
10- جارلس كرين أحد الشخصيات الأمريكية وهو أحد عضوي لجنة "كنج – كرين"التي أرسلها الرئيس الأمريكي ولسون بعد انفضاض مؤتمر فرساي في باريس 1919للنظر في قضية مستقبل سوريا، انظر انطونيوس ، يقظة العرب ، ترجمة ناصر الدين الأسد ،دار العلم للملايين بيروت 1962.
11- أمين الريحانى، مرجع سابق، ص 360.
12- حافظ وهبه ، مرجع سابق ،ص 217.
13- خليل على مراد ، تطور السياسة الأمريكية في منطقة الخليج العربى 1941-1947، ص30 وما بعده جامعة بغداد كلية الآداب( مؤتمر الكويت).
14- خليل على مراد ،مرجع سابق ، ص48.
15- محمد غانم الرميحى ، البترول والتغيير الاجتماعي في الخليج العربى ، ص20، دار البيان للنشر القاهرة 1975.
16- ك . س . تو تيشل ، المملكة العربية السعودية وتطور مصادرها الطبيعية ترجمة شكيب الامدى، ص وص 172،174، مؤسسة فرنكلين للطباعة والنشر القاهرة1955.
17- توتيشل ، مرجع سابق ، ص211.
18- بنوا ميشان ، عبد العزيز آل سعود ، ترجمة عبد الفتاح ياسين ، ص326، ، دار الكتاب العربى ، بيروت 1965.
19- صلاح العقاد ، المشرق العربى ، ص569، المطبعة الفنية الحديثة القاهرة 1970.
20- صلاح العقاد ، مرجع سابق ، ص437.
21- سنت جون ،فلبى ، تاريخ نجد،ص ص 386، 387،ترجمة عمر الديراوى، منشورات المكتبة الأهلية،دار الشمالي للطباعة بيروت .
22- توتيشل ، مصدر سابق ، ص ص 172، 173.
23- توتيشل ، مصدر سابق ، ص ص 175، 176.
24- فلبى ، مصدر سابق ، ص 186.
25- صلاح العقاد ، مصدر سابق ، ص20.
26- محمد جواد العبوسى ، احتكار النفط الدولي ، ص ص 28،29،القاهرة1955.
27- العبوسى ،مصدر سابق ،ص ص 31،35.
28- هارفى اوكونور ، الأزمة العالمية في البترول ،ترجمة عمر مكاوي ،دار الكاتب العربى للطباعة والنشر ،ص96،القاهرة 1967.
29- العبوسى ،مصدر سابق ، ص 23.
30- جريدة أم القرى ،تموز 23/7/1939.
31- العبوسى ،مصدر سابق ،ص29.
32- مجلة صوت الطليعة السنة الثانية العدد السابع أيلول /سبتمبر1974،مقال بعنوان العلاقات الأمريكية السعودية.
33- مجلة الطليعة ،مصدر سابق .
34- خيرية قاسمية ، أمريكا والعرب تطور السياسة الأمريكية في الوطن العربى فترة ما بين الحربيين نقلا عن مجلة المستقبل العربى العدد التاسع والعشرون يوليو /تموز 1981بيروت ص50.
35- رؤوف عباس ،أمريكا والعرب تطور السياسة الأمريكية في الوطن العربى ،نقلا عن مجلة المستقبل العربى مصدر سابق ،ص ص 63 ،64.
36- مجلة المستقبل العربى ،مرجع سابق ،ص65.
37- صلاح العقاد ، التيارات السياسية في الوطن العربى ،ص376، مكتبة الانجلو المصرية القاهرة 1974.
38- صلاح العقاد ،مرجع سابق،ص 366.
39- أعطت هذه القاعدة للولايات المتحدة موقعا مستقلا بالنسبة للقاعدتين البريطانية في القاهرة وعبادان و أصبحت فيما بعد اكبر قاعدة أمريكية في المنطقة للقوات الأمريكية والتي توجد بين ألمانيا واليابان وهى الأقرب للمنشآت الصناعية السوفيتية(المؤلف) .
40- انظر خطة الغزو الأمريكي لمنابع النفط العربى (تقرير الكونجرس الأمريكي )ترجمة سليمان الفيومي ،دار القدس القاهرة 1976.
41- عسان سلامة السياسة الخارجية للمملكة العربية السعودية منذ 1945 ،ص 242 ، معهد الاتحاد العربى بيروت 1980.
42- مجلة دراسات الخليج والجزيرة العربية ،العدد 39،بغداد 1962.
43- جريدة الرياض، العدد 6047،الجمعة 18 جمادى الأول 1405.
44- الفريد هاليداى ، المجتمع والسياسة في الخليج العربى ،ص 47، ترجمة محمد الرميحى ، دار الكاتب للطباعة والنشر بغداد1978.
45- الفريد ،مرجع سابق ،ص 86.
46- عساف سلامة ،مرجع سابق ،ص345.
47- محمد الرميحى ،البترول والتغيير الاجتماعي في الخليج العربى ،ص ص22،23.
48- مصطفى حجازي ،التخلف الاجتماعي –مدخل إلي سيكولوجية الإنسان المقهور،ص26.
49- ولبر كرين افلاند ،حبال من رمل 0قصة أمريكا فى الشرق الأوسط.




#محمود_جابر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بدر مرزوق الذى أخجل منه ... واستكمالا لحاصدوا الشر
- حاصدوا الشر 2/2
- العلم نور ردا على جاك عطا لله
- إلى متى تستمر مفكرة ابن سلول في الفتنة ؟!!
- حاصدوا الشر
- من كتاب بروتوكولات حكماء العقبة.. ماذا يحدث فى غزة 2/2
- من طالبان الى فتح الاسلام ... وللسعودية وجوة كثيرة
- الدور السعودي في أفريقيا الأبعاد والمخاطر
- من كتاب بروتوكولات حكماء العقبة .. ماذا يحدث فى غزة ؟؟؟؟
- الإخوان المسلمون وهل ما زال الأمر محض صدفة؟؟
- تعددية الإبادة وتنوع الهلاك
- الاقباط فى فكر الاخوان تعايش ام احتراب


المزيد.....




- -بعد فضيحة الصورة المعدلة-.. أمير وأميرة ويلز يصدران صورة لل ...
- -هل نفذ المصريون نصيحة السيسي منذ 5 سنوات؟-.. حملة مقاطعة تض ...
- ولادة طفلة من رحم إمرأة قتلت في القصف الإسرائيلي في غزة
- بريطانيا تتعهد بتقديم 620 مليون دولار إضافية من المساعدات ال ...
- مصر.. الإعلان عن بدء موعد التوقيت الصيفي بقرار من السيسي
- بوغدانوف يبحث مع مدير الاستخبارات السودانية الوضع العسكري وا ...
- ضابط الاستخبارات الأوكراني السابق يكشف عمن يقف وراء محاولة ا ...
- بعد 200 يوم.. هل تملك إسرائيل إستراتيجية لتحقيق أهداف حربها ...
- حسن البنا مفتيًا
- وسط جدل بشأن معاييرها.. الخارجية الأميركية تصدر تقريرها الحق ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - محمود جابر - السعودية وامريكا من تقديس النفط الى امتهان الاسلام