سلام مسافر
الحوار المتمدن-العدد: 2075 - 2007 / 10 / 21 - 08:58
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الآن وقد اصبحت ، خارج دائرة الخطر ، فقد بات يمكن نقل ماروته لنا السيدة لادا ( ونتحفظ على إسم العائلة ) من مشاهد وأحداث عاشتها في " المنطقة الخضراء " ببغداد .
فقد إنتهى العقد مع الشركة الأميركية نهاية أيلول / سبتمبر ، وعادت الموظفة الأممية الى وطنها ، مخلفة في العاصمة العراقية ، ذكريات ، تدمي عينيها الساحرتين، وتضفي على محياها بهاءً . تتلعثم حين تتحدث عن آلام عراقيات يخدمن في مرافق السفارة الأميركية ، التي استوطنت قصراً رئاسياً في " المنطقة الخضراء " مع الخدن والعملاء .
كان ذلك بعد يوم من الحادث المدوي في العاصمة العراقية المحتلة ، حين سقطت على مسافة بضعة أمتار قذيفة أجبرت الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون ، على الإختفاء تحت الطاولة ، أثناء مؤتمر صحافي مع رئيس حكومة الإحتلال الرابعة نوري المالكي ، الذي طمأن الضيف
الأممي، بأن تساقط القذائف على المنطقة " أمر عادي " . وكان الأمين العام المرتجف هلعاً ، إنتهى للتو من إفادته بأنه سعيد لأن الأوضاع الأمنية في العراق
" تتحسن " .
كشفت لادا عن صف لامع من الأسنان ، متبسمة ، حين ألقت مضيفة الطائرة المتجهة من عمان الى موسكو ، درزينة من الصحف الأردنية تحمل جميعها على الصفحة الأولى صورة بان كي مون المذعور. وألتفت نحوي بصوت خفيض " كنت قريبة جداً من سقوط القذيفة " !
لم تكتشف السيدة لادا ، أن رفيقها على متن الطائرة ، صحفي من مواليد العراق ، إلا بعد أن سردت ، جانباً من مشاهدات ، عاشتها ، خلال تسعة شهور ، متعاقدة مع شركة حسابات أميركية . وحين سألتها فيما إذا كانت تسمح بنشر ماروته ، طلبت التريث الى حين " نهاية الخدمة " قالتها بإيقاع يشبه من يخدم في معسكر .
" نعم ..نعم السفارة الاميركية عبارة عن ثكنة " هتفت لادا بصوت حاولته مسموعاً لأن هدير محركات الملكية الأردنية ، كان طاغياً.
السيدة الروسية لم تلتق زلماي خليل زاد ، سفير البيت الأبيض السابق في المنطقة الخضراء ،غير مرة واحدة ، وعن بعد ، " رأيته في حفل موسيقي ، تأجل عدة مرات بسبب القذائف المتساقطة ولم يحضر من المسؤوليين العراقين، غير عدد محدود جداً لفت نظري بينهم ،كهل أنيق ، أعتقد إنه يشغل منصباً رفيعاً كنت شاهدته على شبكة CNN " .
وقبل زلماي ، ألتقت صدفة سلفه نيغروبونتي " يشبه شخصيات المافيا في الأفلام الإيطالية . ربما إسمه يوحي بالمنظر . لكنه كان لطيفاً معي وامتدح أناقتي " .
في المنطقة الخضراء ، قائمة الممنوعات ، تطول . ممنوع التصوير ، ممنوع الخروج منفرداً ، ممنوع الجلوس على أريكة في متنزه ، قبل أن يأذن لك جنود المارينز الذين يمشطون المنطقة رواحاً ومجيئاً على مدار اليوم .
ممنوع التحدث إلى " الأجانب " والمقصود العراقيين والعراقيات بإستثناء من يخدمك مباشرة . ممنوع تدوين المذكرات الشخصية . وممنوع الإتصالات الهاتفية من الموبايل الشخصي "المسموح فقط أن تقبض أجراً مجزياً وأن تعد الأيام وتستعد للرحيل " . قالت لادا مع ضحكة عذبة سرعان ماتبدد سحرها حين بدأت تروي ذكرياتها عن " شيماء " .
الحداد يليق بشيماء
----------------
لم تتوقع السيدة الروسية ، الأم لرضيع ابكرت فطمه ،قبل رحليها إلى بغداد ، أن السيدة العراقية ذات الثلاثين ربيعاً وظفائر فاحمة تحتضن خصرها ، ستنهار جاثية على ركبتيها ، تنتحب . فقد فجرت لادا في قلب " شيماء " كل الأحزان المؤجلة حين أهدتها مبلغ عشرين دولار.
اكتشفت لادا ، أن ، المتعاقد مع السفارة الاميركية ، يدفع لجيش من النساء العراقيات ، يخدمن مساكن سفارة الإحتلال ، دولاراً واحداً عن يوم العمل ، ويسرق تسعة عشر دولاراً . " إنفجرت شيماء تبكي حين قدمت لها ورقة العشرين دولار، هي أجرتها الحقيقية ليوم عمل ، ولم أتمالك نفسي فانخرطت معها في بكاء مرير " .
لم تتعود لادا ، على نواح العراقيات ، فهي لاتعرف أن الحداد يليق بهن ، مذ هبطت عشتار إلى سبع طبقات الارض تبحث عن تموز .وقالت إنها كانت تصادف كل يوم تقريباً قصة ، أشد مأساوية من سابقاتها .
شيماء المتشحة بالسواد فقدت زوجها وبكرها أثناء القصف الاميركي على بغداد . ولم تسلم على حياتها ، فهربت الى حي آخر من أحياء بغداد ، المدلهمة بالرعب . فقد إكتشف الجيران أنها تخدم في بيوت المحتلين الأميركان .
" كل يوم ، تتوقع شيماء أنه اليوم الأخير في حياتها " . ومثل شيماء مئات العراقيات قادهن الجوع إلى حضيرة جيش الاحتلال .
تروى السيدة الروسية ، التي قرأت عن بغداد ألف ليلة وليلة ، وعن الملا نصر الدين ، وسمعت بالجنائن المعلقة ، وباب عشتار ، ومسلة حمورابي ، والهاشمي البغداي ؛ كيف أن مظهر غالبية المقاولين " مندلقي الكروش " تنم عن أنهم محدثي نعمة . وأن شيماء التي فجر البكاء ، اعترافها بظلم المقاول ، طلبت من لادا أن تحفظ سرها ، فغالبية المقاولين أعضاء أحزاب تتألف منها حكومة المالكي ، ويديرون فرق الموت ، وينتمون إلى مليشيات حرب الطوائف . شيماء شرحت محنتها للسيدة الروسية ، بلغة إنكليزية مفهومة. شيماء كانت أنهت تعليمها الثانوي سنوات الحصار .
نمور صدام
--------------------
تعتقد لادا أن أمثال هؤلاء المقاولين هم ، من استولى على جثث " نمور صدام " في حديقة الحيوان داخل المنطقة الخضراء العامرة بقصور بنيت في حقبة السبعينات والثمانيات من القرن الماضي .
تذكر لادا أنها سمعت من جنود المارينز ، كيف هجموا على الحديقة بعد سقوط بغداد ببضعة
أيام . وأن ضابط مارينز حدثها ، عن " بلاغ من أصدقاء عراقيين " قدموا من الخارج ، أكدوا بأن حرس صدام ، كانوا يطعمون النمور لحوماً بشرية ( ! ). فقرر " النشامى " في جيش بوش إعدامها . وتلقف العملاء الصفقة ، فسلخوا جلودها ، وبيعت لمقتني الفراء .
السيدة االروسية ، واثقة أن عمليات النهب والسلب التي اشتعلت بها بغداد ، كانت بضوء أخضر من قوات الإحتلال . لماذا ؟
في تصور لادا ، فإن جنود الاحتلال ، دخلوا بغداد وفي مخيلتهم ، صورة علي بابا والأربعين حرامي . تقول " بغداد بالنسبة لهم كنز كما في الاساطير . فسمحوا للرعاع ، بالنهب بعد أن سلبوا هم أنفسهم ، ماخف وزنه وغلا ثمنه " .
وتروي لادا ، كيف جرى نقل الأثاث الفخم للقصور الرئاسية بطائرات شحن لم ينقطع هديرها على مدى أسابيع " لم تبق في القصور غير الكتابات المذهبة على الجدران . والغريب أن أحداً لم يفكر بانتزاعها " .
"ميني الأمم المتحدة "
----------------------------
هكذا يطلقون على السفارة الأميركية في بغداد ، لأنها تعج بمتعاقدين من ما يزيد على الأربعين قومية ، كوريون و هنود ، بنغلاديشيون ، ومن تايوان ، أفارقة ، وجورجيون ، وأوكرانيون . تقول لادا " الجورجيون ومثلهم الأوكرانيون ، بين مرتزقة شركات الحماية الخاصة ومنهم طباخون وخدم يتقاضون رواتب مجزية " .
أعلنت مضيفة الملكية الاردنية ، أن طائرتها ، تحلق فوق موسكو . أمسكت لادا عن الكلام . وطاف في عينينها ، رفيف حزن " أتحرق لرؤية ولدي ، تركته مع والدتي ، وكل يوم اتصل وأناجيه عن بعد " .
ألتقت عيوننا ونحن نشد حزام الأمان ، قرأت في وجهي ، سحابة دمع كاد ينهمر . تخيلت وجه شيماء ، وآلاف النسوة العراقيات المتشحات بالسواد ." لم يترك الاحتلال بيتاً في العراق ، بلا عزاء " . أحنت جبهتها ، موافقة . بدت متعبة .
قالت " تخيل إجازتي سبعة أيام فقط . ثلاثة منها طيران ، من المنطقة الخضراء بمروحية إلى مطار عسكري في بغداد ، ومنه إلى مطار عسكري في عمان ، ومن هناك إلى مطار الملكة علياء ، فمطار شيرميتوفو بموسكو " .
تلاشت في الزحمة ، كانت تستعجل السلالم . وتتدحرج بخفة كانها تحررت من حزنها البغدادي !
كاتب وصحافي عراقي مقيم في موسكو
#سلام_مسافر (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟