أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - احمد حسين - البراق النبوي ...وحواشي ذات صلة















المزيد.....



البراق النبوي ...وحواشي ذات صلة


احمد حسين

الحوار المتمدن-العدد: 2071 - 2007 / 10 / 17 - 12:16
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


يرتبط البراق في الذهنية الإسلامية بالرحلة السماوية التي قام بها النبي محمد ليلة الإسراء والمعراج.وقد ورد ذكرهذه الرحلة في سورة الإسراء:" سبحان الذي أسرى بعبده ليلا ًمن المسجد الحرام الى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير"( الإسراء/آية1).ورغم أن هذه الآية وغيرها من الآيات القرآنية لم تشر الى الوسيلة التي تكفلت بحمل الرسول من مكة الى بيت المقدس في تلك الليلة،ولم تأت على وصفها أو تسميتها، فأن ثمة إتفاقا ًبين رواة الحديث وكتاب السيرة النبوية على ان الرسول قد قال: أن جبريل في ليلة الإسراء قد أحضرمعه مركوبا ً يقال له البراق وهو دون البغل وفوق الحمار، لم يرمثله من دواب الركب سابقا ً ليوصف، وشكله يتألق تألق الأحجار النفيسة والشهب ، لذلك اشتق اسمه من البـرق الذي يلمع في الغيم . كما روى فـي حديث المرورعلى الصراط".فمنهم من يمر كالبرق الخاطف ومنهم من يمركالريح العاصف ومنهم من يمركالفرس الجواد "( الدميري: حياة الحيوان الكبرى). والبراق في أغلب الروايـات الإسلامية هو دابة أنبياء الله ،ولكن هناك تعددية في الآراء واختلاف في تفاصيل تلك الروايات تدورحول من ركب البراق من هؤلاء الأنبياء. في ذكر الإسراء قال عبدالله بن مسعود :" أ ُتي رسول ُالله صلى الله عليه وسلم بالبُراق - وهي الدابة التي كانت ُتحمل عليها الأنبياء قبلـَه ، تضع حافرَها في منتهى طرفها- فحُمل عليها، ثم خرج به صاحبُه، يرىالآيات فيما بين السماء والأرض، حتى انتهى إلى بيت المقدس..." (ابن هشام: السيرة النبوية).ونقل النووي عن الزبيدي في(مختصر العين)وعن صاحب التحرير: أنها دابة كان الأنبياء عليهم السلام يركبونها، ثم قال: وهذا الذي قالاه من اشتراك جميع الأنبياء فيها يحتاج إلى نقل صحيح" ( الدميري: حياة الحيوان الكبرى). وقال السهيلي في التعليق على شماس البراق وقول جبريل له: أما تستحي...الخ .فقد قيل في نفرته ما قال ابن بطال في شرح الجامع الصحيح، قال : كان ذلك لبعد عهد البراق بالأنبياء وطول الفترة بين عيسى ومحمد عليهما السلام" (ابن هشام:السيرةالنبوية). وفي ذكره للأحاديث الواردة في الإسراء يتوقف صاحب بحارالأنوارعنـد مجموعة من الروايات يستفاد منها في تبعية البراق للنبي محمد ، ففي رواية عن عبدالله بن عباس: إن رسول الله (ص) قال :" إن الله سخر لي البراق،وهي دابة من دواب الجنة، ليست بالقصير ولا بالطويل ، فلو أن الله تعالى أذن لها لجالت الدنيا والآخرة في جرية واحدة -أي خطوة واحدة- وهي أحسن الدواب لونا ً"... وثمة حديث آخر يرويه ابن عباس : إن رسول الله (ص) قال :" سخر الله لي البـراق وهو خيرمن الدنيا بحذافيرها ،وهي دابة من دواب الجنـة وجهها مثل وجه آدمي ..... مكتوب بين عينيه لا إله إلا الله وحده لاشريك له محمد رسول الله " ( المجلسي : بحار الأنوارج18).وأمام هذه النصوص وغيرها من الأحاديث والروايات التي تتحرك في نفس هذا المسار،يتبادر إلى الذهن السؤال التالي : هل أن البراق كان دابة لكل الأنبياء، أم أنه كان دابة لرسول الله وحده؟.إذا رجعنا إلى المأثورات اليهودية والمسيحية التي تتحدث عن الزيارات الغيبية لأنبياء الله ورسله، وصعودهم إلى السماوات وطيرانـهم وتنقلهم بمراكب فضائية غيرمألوفة،لا نجد ذكر للبراق النبوي أولاسم هذه الدابة. أما في الروايات الإسلامية وقصص الأنبياء فلا أثر للبراق إلا في سيرة إبراهيم الخليل وسيرة النبي محمد. ونتساءل مرة أخرى: لماذاخص الله إبراهيم الخليل ورسوله محمد بالبراق دون غيرهما من الأنبياء؟.
في الذهنية الدينية لليهودوالمسيحيين حظيت شخصية إبراهيم الخليل بمكانة سامية فهو البداية التوحيدية و"أبي الآباء والأنبياء جميعا ً". أما الإسلام الذي ورث الديانات السماوية، فقد أعطى هذه الشخصية أبعاد قدسية ورمزية هائلة ، فهو مؤسس الإسلام ، فالإسلام هو ملة إبراهيم " ما كان إبراهيم يهوديا ً ولانصرانيا ً ولكن كان حنيفا ًمسلما ًوماكان من المشركين " ( آل عمران /آية 67 ).وإبراهيم الخليل هو الرجل الذي بنى الكعبة ( الحج /آية26) و( البقرة/آيات125-127 ). والقرآن يذكراسم إبراهيم تسعا ًوستين مرة (المعجم المفهرس لألفاظ القرآن). والإسلام في لغـة القرآن ليس اسما ً لدين خاص ،وإنما هو اسم للدين الذي هتف به
كل الأنبياء وانتسب إليه كل أتباع الأنبياء، والنص القرآني يذكر بان النبي محمد وأتباعه هم أولى الناس بإبراهيم الخليل( التفصيل في آل عمران/ آية26 ). والحديث النبوي يقول:"إن الله اصطفى من ولد ابراهيم اسماعيل واصطفى من اسماعيل كنانة، واصطفى من كنانة قريشا ً واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم ، فأنا خيار من خيار".وإذا صح هذا الحديث فإن إبراهيم الخليل هو الجد الأعلى لمحمد بن عبدالله ،ويكون مطابقا ًلما ورد في الكتاب المقدس (الأب جرجس داود: أديان العرب قبل الإسلام). وكان الرسول قد د شن هذا النسب لما سمى ابنه من ماريا القبطية إبراهيم،ورغم أن الله أنعم على إبراهيم بلقب لم يعطه لسواه ،ألا وهو لقب "خليل الله " ( النساء/ آية125).والخليل هو الذي توحد حبه لمحبوبه،وهي " رتبة لا تقبل المشاركة " كما يرى الإمام الحنبلي ابن قيم الجوزية،فإن النبي محمد الذي هو" حبيب الله"، قد نال مرتبة "خليل الله" وصح عنه انه قال : "إن الله اتخذني خليلا ً كما اتخذ إبراهيم خليلا ً " (ابن قيم الجوزية : روضة المحبين ونزهة المشتاقين). وعن محمد بن العسكري قال : " إنما اتخذ الله عز وجل إبراهيم خليلا ً لكثرة صلواته على محمد وآل محمد (ص)"( نعمة الله الجزائري: قصص الأنبياء). واللافت للنظر هو ان شخصية إبراهيم الخليل قد رافقت الرسول حتى في تفاصيل حياته العائلية، فقد روي أنه كان يقول لعائشة :إنني أعلم إذا كنت راضية عني، وإذا كنت غضبى، فقالت : كيف ؟ قال: إذا كنت راضية عني قلت : لاوربّ محمد ،وإذا كنت غضبى قلت :لا وربّ إبراهيم . قالت:أجل والله ما أهجر إلا اسمك"( عبد السلام الترمانيني: الزواج عند العرب). وفي إطار هذه العلاقة القدسية بين إبراهيم الخليل والنبي محمد ، ليس أمام الراوي الإسلامي سوى أن يخبرنا بأن الله سخر لهذين الخليلين البراق دون غيرهما من الرسل والأنبياء ،فالأول هوالأصل والنواة في التوحيد ،والثاني هو خاتمة التوحيد ومعه أثمرت تلك النواة ديانة كونية إلى آخرالزمان وفقا ً للنص القرآني. ورغم عالمية الفضاءالبراقي المقدس فأن أهم الرحلات البراقية كانت ما بين مكة وبيت المقدس. ومكة في الذهنية الإسلامية هي مركزالعالم أو مركز الحقيقية المطلقة، وفيها وضع أول بيت للناس مباركا ً،وهي المجال النموذجي الذي تتجلى فيه قدسية المكان، وبيت المقدس هي الأرض المقدسة التي ورد ذكرها في القرآن (المائدة/ آية21)، ومنها بعث الله أكثر الأنبياء ، وهي مجمعهم ومكان عروجهم إلى السماوات العلى،حيث العرش العظيم وسدرة المنتهى.وفي الإسلام فأن الوصل والتواصل بين هاتين المدينتين يعبرعن عمق مشاعر التوحيد واستمرارية التراث الإبراهيمي.

إبراهيم الخليل والبراق:
تبدأ حكاية إبراهيم الخليل مع البراق في بيت المقدس من بلاد الشام أومن أرض كنعان،فلما ولد من هاجرإسماعيل أغتمت ساره من ذلك غما ًشديدا ً لأنه لم يكن له منها ولد وقد كانت تؤذي إبراهيم في هاجر فتغمه، فشكا ذلك إلى ربه.فأوحى الله تعالى إليه :"إنما مثل المرأة مثل الضلع المعوج إن تركت استمتعت بها وإن أقمتها كسرتها"،ثم أمره أن يخرج إسماعيل وأمه عنها فقال :" يارب إلى أي مكان؟ فقال : إلى حرمي.فأنزل جبريل بالبراق،فحمل هاجروإسماعيل(ع) وكان إبراهيم(ع) لايمربموضع حسن فيه شجر ونخل وزرع ،إلا وقال ياجبريل إلى ها هنا ؟ فقال: لا ، امض .حتى وافى مكة ،فوضعه موضع البيت،وقد كان عاهد سارة ألا ينزل حتى يرجع إليها " (نعمة الله الجزائري: قصص الأنبياء).وهكذا عاد إبراهيم على البراق الى سارة في بلاد الشام ،وكانت أجمل النساء،وعنها قال ربيع الجُرشي :" ُقسم الحسن نصفين:فبين سارة ويوسف نصفُ الحسن ونصفُ الحسن بين سائر الناس "،ولكن إبراهيم الخليل الذي كان يحب سريته هاجرمحبة شديدة ،كان يزورها في كل يوم على البراق من الشام من شغفه بها(ابن قيم الجوزية: روضة المحبين ونزهة المشتاقين ). ويبدو أن هذه الزيارات لم تتوقف حتى بعد وفاة هاجر، حيث كان إبراهيم يستأذن سارة كلما أشتاق لرؤية إسماعيل فيركب البراق من بيت المقدس في بلاد الشام ، وكانت سارة في كل مرة تأخذ علية عهدا ًألا ينزل حتى يأتيها. وفي ماذكرمن بناء إبراهيم الخليل الكعبة، يخبرنا الأزرقي عن عثمان بن ساج قال:أخبرني محمد ابن اسحاق قال: لما أ ُمرإبراهيم خليل الله تعالى أن يبني البيت الحرام ،أقبل من بلاد الشام "في بعض الروايات من أرمينية "على البراق معه السكينة لها وجه يتكلم.وهي بعد ريح هفافة، ومعه ملك يدله على موضع البيت حتى انتهى الى مكة وبها إسماعيل وهو يومئذ ابن عشرين سنة ، وقد توفيت أمه قبل ذلك وقد دفنت في موضع الحجر"( أبي الوليد الأزرقي :أخبار مكة.. ) . ولما فرغ إبراهيم من بناء البيت الحرام جاءه جبريل فقال:طف به سبعا ً فطاف به سبعا ًهوإسماعيل، وكان إبراهيم يحجه كل سنة على البُراق ،وحجت بعد ذلك الأنبياء والأمم. وقيل انه كان يحجه راكبا ً، وقد تنازع الناس على أي شئ كان ركوبه: فمنهم من قال: انه كان راكبا ًعلى البُراق، ومنهم من قال: على أتان،وقيل غيرذلك مـن الحيوان ( المسعودي :مروج الذهب ).وذكرالأزرقي وغيره أن ذا القرنين أسلم على يدي إبراهيم الخليل وطاف معه بالكعبة المكرمة هووإسماعيل، وروي عن عبيد بن عميروابنه عبدالله وغيرهما أن ذاالقرنين حج ماشيا ً، وأن إبراهيم لما سمع بقدومه تلقاه ودعا له ورضاه ،وأن الله سخرلذي القرنين السحاب يحمله حيث أراد، ويعلل سبب تسخيرالسحاب لذي القرنين،مضاهاة بسليمان الذي سخرت له الريح لتحمله على بساط الريح ، بقوله :" أنه جيئ له بفرس ليركبها ،فقال : لا أركب في بلد فيه الخليل ،فسخر له السحاب ،وبشره إبراهيم بذلك "(سيد القمني :الأسطورة والتراث). والفرس هنا لابد أن يكون مجنحا ً، وهو صورة أخرى من صور البراق، وفي هذه الحالة فان نص الرواية يقر بأن ذاالقرنين على ادراك تام بحقوق إبراهيم الخليل الإلهية في ركوب الدواب الطائرة .وقد وصف ذوالقرنين بأنه ليس برسول ولا نبي بل عبدا ً أحب الله فأحبه،فمكن له في الأرض"(نعمة الله الجزائري:قصص الأنبياء) .

البرق والبراق :
البرق هو الصورة الأصلية للبراق ،والبرق هو الضوء الذي هوا كثر شئ نعرفه سرعة في الكون ، فكإن اسم البراق قد دل على ان سرعته كسرعة البرق أوالضوء، فالاثنان أي البرق والبراق يتبادلان الرمزالواحد وكلاهما مبارك وبركة وموح بالخيروالخصوبة (تركي علي الربيعو:من الطين إلى الحجر). وفي القرآن : "ومن آياته يريكم البرق خوفا ً وطمعا ً" ( الروم/ آية24 )،وقيل خوفا ً للمسافروطمعا ً للمقيم الزارع،لأن البرق يبشربالمطر فهو خير وبركة.والبرق والبركة متداخلان في المفهوم اللغوي،ولأن الخيل سريعة كالبرق"بعض الروايات تذكربان البراق النبوي هوحصان مجنح"، فقدأخذ الفرس المعنى الرمزي للبركة،والعرب تسمي الخيل خيرا.والحديث النبوي يقول:" الخيل معقودة في نواصيها الخيرإلى يوم القيامة "، والخيل والخيركلمتان تتبادلان في الساميات باستبدال حرف ( ل) مع حرف ( ر) بقانـون تبادل السقف حلقيات( سيد القمني،الأسطورة والتراث) .وفي إطارهذا الزخم الميثولوجي تكون دراسة العلاقات التبادلية الرمزية بين البرق والبراق والخيل أمر مشوق ووسيلة لمعرفة الوجه الآخر لهذا الثلاثي. بعض الروايات الإسلامية تجعل الخيـل تنبت من الأرض نباتا ً متصفة كالبراق بأنها من ذوات الجناح وبأنها من عالم غيرهذا العالم،من عالم الكمال أوانها واسطة إلى بلوغه.وإذا كان البراق" الكائن اللامأ لوف"مخلوق من البرق، فان الحصان هذا الكائن الأرضي والمألوف قد خلق من الريح وتقول الرواية : " لما أراد الله سبحانه وتعالى أن يخلق الخيل قال لريح الجنوب :إني خالق منك خلقا ًفأجعله عزا ً لأوليائي ومذلة على أعدائي وجمالا ًلأهل طاعتي،فقالت الريح:اخلق يارب ،فقبض منها قبضة فخلق منها فرسا ًوقال جل وعلا: خلقتك عربيا ً".( الدميري:حياة الحيوان الكبرى). ويلقي محمد عجينة مزيدا من الضوء على هذه المسألة فيقول:إن أسطورة خلق الفرس من الريح من شأنها أن تجعل منه وسيلة وواسطة بين العالم الأرضي وعالم الطيور وذوات الأجنحة،وهي تنسجم في الخيال والأحلام مع معنى الارتفاع والارتقاء والتسامي ولذلك فلا عجب أن يخلق الفرس من ريح الجنوب رمز الرخاء لأنها في اعتقادهم من الرياح اللواقح وأن يتحد الفرس بالعربي في لحظة الخلق أو أن نجد الخيل - أوما يحل محلها كالبراق -مركوب أهل الجنة من أصحاب السعادة ومن الملائكة " (محمدعجينة: موسوعة أساطيرالعرب). وفي باب المفاضلة تقول الرواية :لما خلق الله تعالى آدم قال : يا آدم أختر أي الدابتين أحببت : يعني الفرس أوالبراق،وهوعلى صورة البغل لا ذكر ولا أنثى؟ فقال:ياجبريل اخترت أحسنهما وجها وهوالفرس، فقال الله تعالى له : يا آدم اخترت عزك وعز أولادك باقيا ً مابقوا وخالدا ًً ماخلدوا ً"( الدميري:حياة الحيوان الكبرى).
وهناك روايات إسلامية أخرى تقول بأفضلية البراق، فالبراق أفضل من الخيل لأنه مطية الأنبياء وأن فضل البراق على سائر دواب الجنة كفضل نبينامحمد على غيره من الأنبياء،وليس في الجنة دابة بعد البراق أحسن من فرس آدم المجنح "الميمون"،وفرس آدم أفضل من الناقة مطيه حواء، فآدم على فرسه سابق لها أماهي فعلى ناقة وراءه.وهذه المفاضلة واضحة بينهما وتمييزلآدم عليها،وفي الوقت ذاته هي مفاضلة بين دواب الله . وفي أساطير بعض الشعوب ودياناتها كان للبرق "الأصل التأسيسي للبراق " دلالات رمزية أخرى،فهو يشكل مع الرعد والمطرثلاثي طبيعي مقدس،( في بعض الثقافات يتكون هذا الثلاثي من البرق والرعد والسحاب)وهو جزء من العالم العلوي، أمـا في العالم السفلي "ـالأرضي" فكان له آلهة رمزية ،وطقوس سحرية وشعائر دينية.ومن تلك الآلهة التي أنتشرت في حوض المتوسط الشرقي"حداد "أوهدد إله البروق الصواعق والأمطارأو إله الرعد والخصب في المناطق السورية، وعبده الآشوريون كإله برق ورعد باسم أدد، ورمزوا له بالصاعقة والثور"للقرنين "،أما الفينيقيون فقد عبدوا "البعل" إله الرعد،وصفته القدسية "راكب الغيوم "،فالسحاب مركبته والبرق سوطه والرعــد صوته ، ويبدوأنه مع استئناس الخيول وأهمية هـذا الحيوان القوي في جرالمحراث ، وقوته الهائلة في الجنس كرمز للخصب أدخلت على قصة "البعل" بعض التجديدات، فصوروه يركب عربة تجرها الخيول( سيد القمني: الأسطورة والتراث ).واسم بعل أ ُستخدم تقريبا ً في كافة الأساطيرالشرقية للإشارة إلى آلهة خصوبة التربة والعاصفة،وكانت القوى الرمزية التي يملكها "بعل"هي البرق والصاعقة والرعد والسحب والمطر. وفـي الجاهلية فأن العرب قدسـوا الصنم " قزح" ، وكانوا يعتقدون بأن لـهذا الصنم علاقة بالرعد والعواصف أوانه إله البرق والرعد والمطروهو قادرعلى تسيرالسحاب والمطر إليهم،ويقال أن هذا الصنم كان موجودا ًعند جبل" قزح"بالمزدلفة قرب مكة ،وكان الوقوف على هذا الجبل من شعائر الاستسقاء والحج قبل الإسلام.
وفي كتاب أخبارمكة وماجاء فيها من الآثار:أبي الوليد الأزرقي هناك تفاصيل وصفية لشعائر المبيت والوقوف على جبل"قزح"ولطقوس دينية معينة كانت تقام في مكان الصنم "قزح " قرب مكة .والتراث الإسلامي حافل بالروايات الغيبية والتصورات اللا معقولة حول الظواهرالطبيعية ، ومنها الثلاثي " البرق والرعد والمطر" وملائكتـه وشياطينه ،وفي قصص الأنبياء وكتب الأخبار والتفاسير المأثورة هناك الكثير من الأمثلة على ذلك : أخرج أحمد والترمذي وصححه النسائي عن ابن عباس قال : اقبلت اليهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : أخبرنا عن الرعد ماهو ؟ قال: ملك من ملائكة الله مُوكل بالسحاب بيده مخراق من نار يزجُر به السحاب يسوقه حيث أمره الله ، قالوا: فما هذا الصوت الذي نسمع؟ قال :صوته. وأخرج ابن مردويه عن عمرو بن نجاد الأشعري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الرعد ملك يزجر السحاب والبرق طرف ملك يقال له روفيل .وأخرج ابن مردويه عن جابر بن عبدالله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:ان ملكا ً موكلا ًبالسحاب يلم القاصية ويلحم الرابية في يده مخراق فاذا رفع برقت وإذا زجررعدت وإذاضرب صعقت (جلال الدين السيوطي :الإتقان في علوم القرآن ج2 ). وإذا كان الكتاب المقدس(العهدالجديد) يذكر بأن السيد المسيح قد امتطى ظهرغيمة وصعد من أعلى جبل الزيتون إلى السماء وأمام حشد من أتباعه( أعمال الرسل/9-11) ، فان نعمة الله الجزائري يروي في قصص ذي القرنين،عن أبي جعفرقوله :" إن ذا القرنين قد خير بين السحابين،واختار الذلول،وذخر لصاحبكم الصعب .قال : قلت وماالصعب ؟ قال : كان من سحاب فيه رعد وصاعقة وبرق ، فصاحبكم -المراد بصاحبكم هوالمهدي المنتظر- يركبه ،أما انه سيركب السحاب ويرقى في الأسباب أسباب السموات السبع والأرضين السبع خمس عوامرواثنتان خرابان" (نعمةالله الجزائري:قصص الأنبياء).وبعد مقتل علي بن أبي طالب في سنة661م، زعم بعض السبئية (أتباع عبدالله بن سبأ ) أن عليا ً صعد إلى السماء كما صعد إليها عيسى بن مريم وهو في السحاب وان الرعد صوته، والبرق سوطه ومن سمع من هؤلاء صوت الرعد قال:عليك السلام ياأميرالمؤمنين (مرتضىالعسكري:عبدالله بن سبأ وأساطير أخرى) .ومن رأى شيئا ًمن هذه الظواهر في مناماته عليه الرجوع إلى أبو بكر الأنصاري البصري" محمد بن سيرين"صاحب التعبيرالموسوعي(تفسيرالأحلام الكبير).البرق في المنام يدل على الخوف من السلطان وعلى تهدده ووعيده ،وعلى سل النصال وضرب السياط ، "فمن رأى برقا ًدون الناس ، أو رأى أنواره تضربه أو تخطف بصره أو تدخل بيته،فإن كان مسافرا ًأصابه عطل إما بمطرأو بأمرسلطان ،وإن كان زارعا ً قد أجدبت أرضه وعطش زرعه،وإن كان مريضا ً، برق بصره ودمعت عيناه وبكى أهله وقل لبثه وتعجل موته سريعا ً،ومن رأى البرق أحرق ثيابه ماتت زوجته إن كانت مريضة. والرعد ربما دل على وعيد السلطان وتهدده وإرعاده،ومنه يقال هويرعد ويبرق وربما دل على المواعيد الحسنة ، والأوامرالجزلة ،وتدل الرعود أيضا ًعلى طبول الزحف والبعث، وقال بعضهم: الرعد بغير برق، يدل على اغتيال ومكر وباطل وكذب، وذلك لأنه إنما يتوقع الرعد بعد البرق. وقيل الرعد صاحب شرطة ملك عظيم ، وصوته يدل على الخصومة والجدال. " فمن رأى رعدا ًفي السماء ،فإنها أوامرتشيع مـن السلطان .وقال
بعضهم : الرعد بلا مطر خوف ، فإن رأى الرعد فإنه يقضي دينا ً، وإن كان مريضا ًبرئ ،وإن كان محبوسا ً أطلق". وأما الرعد والبرق والمطر فخوف للمسافر وطمع للمقيم .أما المطر فيدل على رحمة الله ودينه وفرحه وعونه،وربما دل على الفتن والدماء تسفك ،سيما إن كان ماؤه دما ً.وربما دل على العلل والأسقام ،إن كان في غير وقته ،ويقول ابن سيرين:" من رأى أن السماء أمطرت سيوفا ً فإن الناس يبتلون بجدال وخصومة، فإن أمطرت بطيخا ً فإنهم يمرضون"وإن أمطرت من غير سحاب فلا ينكر ذلك ،لأن المطر ينزل من السماء .والسحاب في المنام يدل على الإسلام الذي به حياة الناس ونجاتهم ،وفي تأويل آخرالسحاب سلاطين لهم يدعلى الناس،ولا يكون للناس عليهم يد.ويقول ابن سيرين :"من رأى نفسه راكبا ً فوق السحاب أو رآها جارية،تزوج امرأة صالحة إن كان عزبا ً،ومن رأى أنه يبني دارا ًعلى السحاب،فإنه ينال دنيا شريفة حلالا ًمع حكمة ورفعة. فإن بنى قصرا ًعلى السحاب، فإنه يتجنب من الذنوب بحكمة يستفيدها ، وينال من خيرات يعلمها".وقال بعضهم إن السحاب ملك رحيم أو سلطان شفيق،فمن خالط السحاب فإنه يخالط رجالا ًمن هؤلاء،ومن أكل السحاب فإنه ينتفع من رجل بمال ٍحلال أوحكمة( إبن سيرين : تفسيرالأحلام الكبير)وقد لا نبالغ إذا أكدنا هنا أن مثل هذه المعتقدات والتصورات حول الظواهر الطبيعية تتجاوز حدود الزمان والمكان.ففي ثقافات وديانات كافة الشعوب المعاصرة تقريبا ً(سواء كانت هذه الشعوب توحيدية أوغيرتوحيدية ) .يمكن الوقوف أمام ظاهرة أسطرة المفردات السماوية ،واشغال العقل الجماعي بتحويل الحدث الواقعي إلى أسطورة، والأسطورة إلى واقع معاش.وفي كتابه "لماذا ينفرد الإنسان بالثقافة ؟" ينقل- مايكل كاريذرس- حكايات من معتقدات بعض الشعوب البدائية وعلاقتها بالظواهرالطبيعية، فالبرق في ديانة قبائل الدنكا ( قبائل رعوية تعيش في جنوب السودان )، هو"فوق بشري"،وحسب اعتقادهم أن حدوث البرق هو تدخل مباشر من الآلهة في السماء في شؤون البشر، والمألوف في حالات العواصف الرعدية ولمعان البرق في السماء،أن يجلس الناس في صمت وإجلال لأنهم إزاء حضورمباشر للآلهة، ويكشف العمل بهذه الطريقة عن تأويل لمعنى مايجري من أحداث، وعن فهم الدنكا للآلهة وظهورهم المباشر .

النبي محمد والبراق :
الروايات التي تتحدث عن ليلة الإسراء والمعراج كثيرة، وهي متوافرة في مصادرإسلامية مختلفة. ففي تفسيرالقرآن العظيم لابن كثير (كمثال) هنــاك مجموعة من الروايات يصل عددها إلى ست عشرة روايـة وأكثرها شهرة وشيوعا ًهي رواية " أومعراج " عبدالله بن عباس، وهذه الرواية تعرضت خلال مراحل زمنية مختلفة من التاريخ الإسلامي إلى التشذيب والإضافة من قبل أصحاب بعض المذاهب الإسلامية، ومن قبـل قصاص الحكايات الإسلامية الشعبية.وبشكل عام يمكن القول بأن هذا الكم الهائل من روايات الإسراء والمعراج،سببه اختلاف الآراء في وقت ومكان الإسراء، واذا كان الإسراء قد تم بالجسد أم بالروح،أم انه مجرد رحـلة معنوية أوروحية ذات دلالات رمزية وأن ما حدث كان يقظة مناما.أن رحلة الرسول ليلة الإسراء والمعراج لم تكن رحلة عادية فهي رحلة أفقية نحوبيت المقدس أولا ًوعمودية نحوالسماء ثانيا ًوهي رحلة في الزمان عودا ًعلى بدء من آدم في السماء الأولى إلى عيسى ويحيى في الثانية إلى يوسف في الثالثة فإدريس في الرابـعة فهارون في الخامسة فموسى في السادسة فإبراهيم في السابعة عند البيت المعمورالمسمى بالضراح وهوبيت المقدس السماوية (محمد عجينة:موسوعة أساطيرالعرب). وحسب أغلب
الروايات الإسلامية فإن البراق كان مركبة الرسول في رحلته الأفقية ولم يكن له دور في عروج الرسول إلى السماء.ولقد وصفت الليلة التي حصل بها الإسراءعلى أنها من أحلك الليالي،وأكثرها سكونا ًوصمتا ًوفي منتصف هذه الليلة صحا الرسول على صوت جبريل يوقظه :يا محمد ان الله تعالى مشتاق إليك وأنت في هذه الليلة تزورربك تبارك وتعالى،أخذ جبريل بيد النبي (ص) ومضى به إلى جبل"ابي قبيس"وإذا بالبراق واقف وهودابة لا تشبه الدواب دون البغل وأكبرمن الحمارووجهه كوجه الآدمي ، ولما دنا منه الرسول ليركبه نفرمنه، فوضع جبريل يده عليه ثم قال: ألا تستحي يا براق مما تصنع،هذامحمد وماركبك أحد أكرم على الله منه ، فرد البراق : ياجبريل ألم يركبني إبراهيم في غابرالزمان. قال جبريل :نعم ،ولكن هذا حبيب الرحمن، سيد أبناء آدم والشفيع لكل الأمم قبل دخولها الجنة . رد البراق على جبريل: فليكن شفيعي في اليوم الآخر،فأجاب محمد (ص) : أنت معي في الجنة،فاقتربت هذا الكائـن- استحياء وتواضع- حتى لصق بالأرض ...فركبه الرسول وانطلق به فوق جبال مكة كالبرق الخاطف ،حتى وصلواإلىالمسجد الأقصى في القدس،ونزل البراق قرب حائطه(هو حائط البراق بالنسبة للمسلمين، ويسميه اليهود حائط المبكى لاعتقادهم أنه من بقاياهيكلهم القديم ) حيث ربطه الرسول في مربط الأنبياء ، ثم ارتقى الرسول المعراج (السلم )إلى السماوات العلى مع جبريل وبسرعة البرق،وبعد جولة في تلك السماوات يأخذه جبريل بيده حتى السماء الدنيا إذا بالليل على حاله لـم ينقص منه إلا بقدرشعيرة ، حيث وجـد البـراق مربوطا ً كما تركه ،فركبه وأعاده بلمحة بصرإلى المكان الذي كان فيه بمكة. فقال جبريل: يا محمد إذا أصبحت غدا ً فحدث قومك بما رأيت "(ملخص عن معراج النبي محمد/عن ابن عباس :للشيخ محمد الخطي). أي أن الرسول عاد من جديد إلى جبل "أبي قبيس". والسؤال هنا لماذا أ ُختيرهذا الجبل دون غيره من جبال مكة ؟ .الجبال في بعض المقاطع من أساطيرالخلق هي العنصرالذي بواسطته استقرت الأرض بعدما كانت تميد كالسفينة في اليم. وإذا كان جبل " قاف" الكوني هو جبل أسطوري ولا حقيقة له، فإن جبل أبي قبيس هو الجبل المطل على مكة وتقول الرواية إنه أبو الجبال ومحورالكون، وهو أول جبل وضع لما مادت الأرض عند بدء الخلق .وفي أصل كنيته "أبو قبيس" يقول بعض الرواة :" أن آدم كناه بذلك حين اقتبس منه النار التي بين يدي الناس.وذلك بناء ًعلى أن آدم في الأسطورة قد نزل فيما نزل من الأماكن جبل أبي قبيس ، فأنزل الله إليه مرختين من السماء فحك إحدهما بالأخرى فأورثا نارا ً. فلهذا سمي الجبل بأبي قبيس.وقيل أنه سمي باسم رجل من جرهم أو من مذحج كان يتعبد فيه اسمه أبو قبيس "(محمد عجينة : موسوعة أساطير العرب ).لقد اختلف الرواة هل ركب جبريل البراق مع النبي محمد ؟ فقيل نعم،كان رديفه، وقيل لا.وقال صاحب المقتفي:والظاهرعندي أنه لم يركب معه لأنه(ص) هوالمخصوص بشرف الإسراء،لكن إبراهيم (ع) ركبه هووإسماعيل وهاجرحين أتى بهما البيت الحرام" ( الدميري: حياة الحيوان الكبرى ) .
في الرحلة الأفقية يتعرض الرسول وهوعلى ظهر البراق لمجموعة من الإمتحانات التي ينجح فيها بخلاف الكثيرمن"أبطال الميثولوجيا"الامتحان الأول وهوفي الطريق إلى بيت المقدس وإذابصائح عن يمينه يقول قف يا محمد حتى اكلمك فإني أنصح البرية لك فلم يتوقف البراق هناك وزاد من سرعته، وكان ذلك "توفيقا ً من الله تعالى"وكذلك يفعل مع الصائح الآخر،ثم يسيرليجد الرسول نفسه أمام امرأة نشرت شعرها وعلى وجههاابتسامة، عليها من كل زينة خلقها الله من حلي وحلل والجواهروالدروالياقوت، قد أ شرق حسنها وجمالها وهي تنادي :يامحمد قف حتى أكلمك فإني أنصح لك من كل المخلوقات فسارالبراق ولم يتوقف هناك .وعندما يصلان إلى بيت المقدس يفسر لـه جبريـل الصيحة الأولى على أنه داعية اليهود فلو سمع له لتهودت أمته وأما الصيحة الثانية هي لداعية النصارى فلوسمع له
لتنصرت أمته وأما المرأة الحسناء فتلك الدنيا ولو سمع لها لاختارت أمته الدنيا على الآخرة ... المرأة الحسناء تستحق الوقوف عنـدها . في معظم الميثولوجيات تكون المرأة رمزا ًللإغواء والفتنة وللدنيا بكل زهوهاومتعها ولذلك فهي تنوس بين المقدس والمدنس .ففي الميثولوجيات الكبرى التي تمتاز بالأنفتاح والديناميكية تكون المرأة موضع تجربة ورهان ، بصورة أدق طقس عبورمن الطبيعي إلى الثقافي ، من المدنس إلى المقدس .ففي"ملحمة جلجامش" يرسل جلجامش إلى أنكيدو بغيا ًمقدسا ًيقع في شراكها، يضاجعها ، ستة أيام وسبع ليالي وعندها ينتقل من الحالة الحيوانية إلى الإنسانية ( كارم عزيز:أساطير التوراة الكبرى و...)أما في الميثولوجيات المغلقة فتتحول المرأة إلى شيطان وتحتفظ بقدرتها على الإغواء وعلى تحديد الرهان على الدنيا..إنها تعترض طريق كل من جلجامش ومحمد ، تثنيه عن إرتياد المصاعب وعن هموم الأسئلة الكبرى فالآلهة لما خلقت البشر جعلت الموت لهم نصيبا ً وحبست في أيديها الحياة ( تركي علي الربيعو: من الطين إلى الحجر). كلاهما جلجامش ومحمد لا يصيخان السمع لإغراءات المرأة المزينة بكل الحلي والحلل" وسيلة الغواية أو سيدوري". إن جلجامش لايعيرها إذنا ًولا يدخـل معها في رهان ولذلك وما أن تنتهي من خطابـها حتى يسألها الطريق إلى أوتو- نبشتم ذلك الذي حبته الآلهة بالخلود. وكذلك يفعل الرسول فهولا يلتفت إليها ويزيد البراق سرعتـه بأمرمن الله.إذن البراق هذاهومنتوج إسلامي أسقطت عليه الجماعة رغبات وحملته هوامات وتحررت بذلك من قلـق جماعي ووفرت لذاتها اعتبارا ً ذاتيا ً بل وتوازنا ًمـع الغيب . لقد أمن البراق للأمة انفتاحا ًعلى الألوهية وأقام بينها جسراًواستمرارية وذاك ما منح الجماعة ثقة وتوكيدا للذات ومشاعر بالإطمئنان والتجدد(محمد عجينة:موسوعة أساطيرالعرب).والبراق كمفردة من مفردات عالم الغيب الإسلامي كان لابد له أن يتجاوز ليلة الإسراء "الحدث الواحد " ويكون جزء من ثوابت الأزمنة والأمكنة المقدسة فهودابـة الله المختارة. وهناك روايات كثيرة تتحدثت عـن هذا الموضوع.عن ابن عباس قال: خرج رسول الله (ص) ذات يوم وهو آخذ بيدعلي (ع) وهو يقول: يامعشرالأنصارأنا محمد رسول الله إلا اني خلقت مـن طينة مرحومة في اربعة من أهل بيتي :انا وعلي وحمزة وجعفر.فقال قائل هؤلاء معك ركبان يوم القيامة ؟ فقال كذلك انه لن يركب يومئذ إلا أربعة : أنا وعلي وفاطمة وصالح ،فأما أنـا فعلى البـراق،وأما فاطمة ابنتي فعلى العضباء"ناقة الرسول"،وأما صالح فعلى ناقة الله التي عقرت،وأماعلي فعلى ناقة من نوق الجنة، زمامها من ياقـوت عليه حلتان خضراوان (نعمة الله الجزائري:قصص الأنبياء). وفيما ذكرمن مناقب فاطمة الزهراء أن النبي قال : "تبعث الأنبياء عليهم السلام يوم القيامةعلى الدواب ليوافوا بالمؤمنين من قومهم المحشر،ويبعث صالح على ناقته وأبعث على البراق خطوها عند أقصى طرفها، وتبعث فاطمة أمامي ".وقال حذيفة : ثم إن البراق يوم القيامة يركبه النبي صلى الله عليه وسلم دون سائرالأنبياء يدل لذلك ما رواه الحاكم قريبا، ومارواه أبوالربيع بن سبع السبتي في (شفاء الصدور) عن سويد بن عمروأن النبي قال : " حوضي أشرب منه يوم القيامة أنا ومن استسقاني من الأنبياءعليهم السلام ، ويبـعث الله تعالى لصالح ناقته يحلبها ويشرب هو والذيـن آمنوا معه، ثم يركبها حتى يوافي بها الموقف ولها رغاء ، فقال له رجل : يارسول الله وأنت يومئذ على العضباء ؟ قـال (ص) : تلك تحشرعليها ابنتي فاطمة ، وأنا أحشر على البراق أخص به دون الأنبياء عليهم الصلاة والسلام " (الدميري : حياة الحيوان الكبرى ) .وهكذا تكون المحطة الأخيرة لدابة البراق هي الجنـة الإسلامية، هذه الجنة التي فيها من النعيم واللذات مالا عين رأت ولا أذن سمعت،وستكون هذه الدابة ملكة الدواب في عالم حافل بالمطايا والمراكب والخيول،بعضها يحمل شيئأ من صورة البراق،ويحمل البعض الآخرجزء من ملامح تلك الكائنات الوارد ذكـرها في أساطيرالشرق القديم. ويمكن لقارئ كتاب(حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح) لـ"ابن قيم الجوزية ت.سنة 1350م" أن يتمتع بعجائـب وغرائـب دواب أهل الجنـة، فأهل الجنـة يتزاورون على نجائـب بيض كأنها الياقوت، وعلى خيول من الياقوت الأحمر لهـا أجنحة تحمل المؤمنين وتطيربهم حيث شاؤا.والخيـل والأبل لاتبـول ولاتروث،ومهمتها مساعدة أهل الجنة في ممارسة الملذات والمتع اللامحدودة، نعم التلذذ ونعـم التمتع بطيبات الجنة الحافلة بحورالعين،ومالا يخطرعلى البال أو يدورفي الخيال.وذهب الكاتب ابراهيم محمود إلى أن" المخيـلة الإسلامية إذ تـكون مشغولة بالجنة، ومافيها من متع وملذات ، من عجائب وغرائب " ، فإنـها تحاول أن تكشف في ذلك ، ما من شأنه تعميق وظيفة المخيلة ذاتها، وذلك من خلال تبيان أن ما في الإنسان هو محدود ، وأن مافي الجنة غير محدود،من ناحية المفاجآت،أواللذائذ.ولعل المقارنة بين الإدراك المحدود للإنسان، ومافي الجنة من ملذات لامحدود ة،محاولة رئيسة لتشغيل الذاكرة الجماعية الإسلامية بمؤثرات الملذات تلك،والاستعداد لها جسدا ًوروحا ً ،ورغم أن الجسد نفسه قد تجاوزحدود المادية المعروف بها دنيويا ً( ابراهيم محمود، جغرافية الملذات ..) .

صورة البراق:
من المفيد الآن التعرف على مكونات جسد البراق، فالجسد بالنسبة لبعض الفلاسفة هو جزء من المظاهر الخادعة وغير الأكيدة للواقع المعتاد ، لكنه في الوقت نفسه وسيلة الاحتكاك الضرورية معه ، وهوبالتالي يمثل نوعا ًمن اليقين الرياضي لهذا الواقع . الجسد المثال "والمثالي" لا يموت، أما الجسد الواقعي، فهو حامل الخطأ والموت. والبراق الذي هوصورة مسحوبة على نمط أصلي هو البرق لسرعته ، فان تصوره هذا شديـد الالتصاق بتصور الإنسان للمصيروالقدر للحيوان الكامل والجسد الكامل. إن البراق شاشة أو مادة ومناسبة لمثلنة الجسد البشري وكملنة الجسـد الحيواني.إنـه منتوج اللاوعي الذي أمن للأمة انفتاحاعلى الألوهية وأقام بينها جسراواستمرارية وذاك مامنـح الجمـاعة ثقة وتوكيدا للـذات ومشاعر بالاطمئنان والتجـدد (محمد عجينة : موسوعة أساطير العرب).
والبراق في معظم الروايات الاسلامية هو دابة لا شبه لها في الدواب وهي أحسن الدواب لونا ًوهي من دواب الجنة تكون دون البغل وأكبرمن الحمار أبيض الوجه وجهها كوجه الإنسان"وجه انثوي" ولسانها كلسان العـرب وجسدها كجسد الفرس لها أربع قوائم وهي دابة من أحسن دواب الدنيـا، وما فيها عرفها من اللؤلؤ الرطب كأنـها الياقوت الأصفر،عنقها من الزمرد الأخضر،كفها من اللؤلؤ الأبيض،وذنبها كذنب البعير(وقيل كذنب البقرة) وهومن العنبرالأشهب ورأسها من الياقوت الأحمر،طويلة اليدين والرجلين مدورة الحوافروهي من الذهب الأحمر،فإذا انتهت إلى جبل قصرت يداها وطالت رجلاها، فإذا هبـطت طالت يـداها وقصرت رجلاها .وصدرها من أنواع الجوهر،عيناها مثل الكوكب الدري ،جسدها له شعاع كشعاع الشمس وهي شهلاء بلقاء محجلة ثلاثة مطوقة اليمين تلمع كما يلمع الكوكب الزاهر في افق السماء كأنها البرق،لها جناحان كجناحي النسريطير بهما بين السماء والأرض ولها غرة كغرة القمر يفوح منـها ريح المسك الاذفر وثدي مشدود بسلة من الذهب الأحمر،عليها سرج من الذهب الأحمرركاباتها من الزمرد الأخضر لجامها مـن الفضة البيضاء، وعليها جلال من نورمرصع بالـدر والجوهرلايقدرأن يصفه أحد إلا الله عزوجل ولها نفس كنفس الآدميين وهي في الحسن كالطاووس، فلو أن الله أذن لها لجات الدنيا والآخرة في جرية واحدة أي خطوة واحدة (معراج النبي محمد :الشيخ محمد الخطي وغيره) .
اذن نحن أمام تركيبـة غربيـة وعجبيـة لهذا الكائن فقد أخـذ من الانسـان الوعي والارادة والعقــل وهويتكلم ويعي ويخضع لجبريـل والنبي كما أنه ذو عواطف نبيلة وارادة وفيه نسمة ملائكية.ويرى تركي علي الربيعو بأن أهم قضية يجب التركيزعليها هو الوجه الآخر للبراق أي الوجه المحجوب وراء جمالية البراق،فالبراق يمتص أعضاء خاصة بالابل والطيروالانسان بصورة أدق يمتـص مجموعة من الفروق ككل المسوخ الميثولوجيـة التي تسكن في الأعالي (الربيعو:من الطين الى الحجر).وفي كتابه الموسوم بـ (تقديس الشهوة...) يتساءل ابراهيم محمود: ماالذي قرن الدابة بالبراق أوهذابالبرق ؟ أو: كيف تم الربط بين الدابة تلك والبرق ؟ ترىهل تسرب الى واعية الحكواتي وقتذاك أو كان هناك صدى لدابة هي آلة غرائبية لم يعرف عنها سوى هذا الاسم الوصفي (البراق) ، تتميز بسرعة هائلة لم تصلها سرعة أي آلة لدينا حتى الآن؟ وهل يمكن أن يكون هناك ماهو أبعد من كل ماذكره المفسرون والمؤ رخون ؟ وبصيغة أخرى، هل ثمة خلفية تاريخية أعمق غورا لحادثـة طيران الرسول الى السماء السابعة ، يكـون البراق بمثابـة مركبة فضائية،أوصورة عنها،أوتذكيرا بها ؟هذه التساؤلات تذكرنا بآراء الكاتب المصري أنيس منصورحول الذين هبطوامن السماء والذين صعدوا اليها وحسب رأيه ان صفات سفينة النبي ادريس أوحزقيال التوراتية الواردة في (الاصحاح الأول/ العهد القديم) تنطبق على طائرة نفاثة،أو سفينة فضاء حديثة ويقول تحت عنوان" سفينة الفضاء التي هبطت في بغداد منذ 25 قرنا" :ان النبي حزقيال كان لابد أن يشغل مكانا مهما في التاريخ الفلكي، ربما لأول مرة ، وذلك لأن سفن الفضاء والرحلات بين الكواكـب هي التي جعلت لنبوءاته الغربية العجيبـة معنى جديدا ( أنيس منصور :الذين هبطوا من السماء). وفي زماننا وعلى مستوى الجدل الراهن في الفكر الاسلامي تخضع قصة البراق كغيرها من الروايات الغيبية الى تأويلات وتفسيرات جديدة ،فالبعض من كتـاب المذاهب الاسلامية يذهب الى القول بأن البـراق لم يكن دابـة أوكائن غيرمألوف وانما كان مركبة فضائية متطورة مطابقة لدابات عصرنا وأن الرسول دخل فيها ولم يركب عليها وكانت له مثل وكر الطير،وعندما أطلق الرسول اسم دابـة على البـراق وذكر لقومه مواصفاتها فانه تحدث بما يلائم عصرهم (رئيسة قسام ،الاسراء والمعراج عالم الغيب في عالم الشهادة) . وفي رأيي أن المؤرخ الاسلامي القديم الذي رسم لنـا صورة البراق الذهنية لم يكن بعيدا عن التصورات التوراتية وهو بلا شك وريث لديانـات وثقافات حافلـة بحكايات وأشكال غيـرمألوفـة لحيوانات وكائنات بشرية قريبة الشبه بالبراق كانت تزيين كتب ومعابد أتباع بعض الديانات الشرقية يضاف الى هذا ان الكائنات الطائرة وظاهـرة التحليق في الفضاء والصعود الى العالم العلوي هي من مكونات ديانات وأساطير الشرق القديم والى هذا العالم العلـوي كما هومتداول سافر عديد الأنبياء في رحلة نحـو السمو والكمال وكان لكل منهم دابتـه أووسيلته ،عرجـوا فيها الى ملكوت السماء واكتشفوا من الحقائق المقدسة ما اكتشفوا .





#احمد_حسين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عاصمة المؤتمرات
- أوبئة
- قيامة الحلاج
- آخر الخطى
- لكِ اعترف
- جمهورية البيارغ
- الضريبة العراقية بين عهدين
- إن لم تستح . . .
- برلمان التكتم
- حبل الرحمة
- زواج المتعة والموروث الأحمق
- هل شاهدت الواقعة ؟؟؟؟ صدام بريء وانتم خونة
- كشف المستور في كتابة الدستور
- الاسلاميون وامريكا
- معا ضد التطرف
- شيفرة الموت والجامعات العراقية
- حب الكتروني
- تحولات الكائن
- الإسلام السياسي والعنف


المزيد.....




- فن الغرافيتي -يكتسح- مجمّعا مهجورا وسط لوس أنجلوس بأمريكا..ك ...
- إماراتي يوثق -وردة الموت- في سماء أبوظبي بمشهد مثير للإعجاب ...
- بعد التشويش بأنظمة تحديد المواقع.. رئيس -هيئة الاتصالات- الأ ...
- قبل ساعات من هجوم إسرائيل.. ماذا قال وزير خارجية إيران لـCNN ...
- قائد الجيش الإيراني يوضح حقيقة سبب الانفجارات في سماء أصفهان ...
- فيديو: في خان يونس... فلسطينيون ينبشون القبور المؤقتة أملًا ...
- ضريبة الإعجاب! السجن لمعجبة أمطرت هاري ستايلز بـ8 آلاف رسالة ...
- لافروف في مقابلة مع وسائل إعلام روسية يتحدث عن أولويات السيا ...
- بدعوى وجود حشرة في الطعام.. وافدان بالإمارات يطلبان 100 ألف ...
- إصابة جنديين إسرائيليين بجروح باشتباك مع فلسطينيين في مخيم ن ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - احمد حسين - البراق النبوي ...وحواشي ذات صلة