بيانهم الذي كان!!

نوري المرادي

الحوار المتمدن-العدد: 635 - 2003 / 10 / 28 - 06:37
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات
    

 (( إنهم، إذن، عرفوا قدر أنفسهم! ))

قبل خمسة أيام صرح السيد كريم شهبوري (الدكتور موفق الربيعي) الناطق الرسمي باسم مجلس بول بريمر لفضائية الجزيرة قائلا: (( إن المظاهرات التي تحدث الآن بسبب المرتبات والمشاحنات مع جنود التحالف تعتبر غير قانونية ومن يتظاهر، في عراقنا الجديد أو يتسبب بالشغب سيقع تحت طائلة القانون)). وفي يوم الأربعاء 031022 أصدر مجلس بول بريمر هذا بيانه الـ 79 عن أحداث كربلاء، والذي جاء فيه: (( إن القوى والأحزاب والشخصيات السياسية المستقلة داخل مجلس الحكم يرفضون الأعمال المؤدية الى خلق أجواء الفتنة في العراق ،، وما ترتب عليها من سفك للدماء وإزهاق للأرواح وانتهاك للحريات والحرمات المقدسة وخرق فاضح للقوانين مما يعتبر خروجاً وتجاوزاً لثوابت ومبادئ ومشتركات شعبنا العراقي ،، وعلى الجميع دون استثناء أن يتبنوا مبدءاً راسخاً يرفض العنف السياسي وعمليات الإرهاب داخل العراق وخارجه والاغتيال والتفجير واساليب الانتقام والثأر وتمكين الخارجين على القانون من الاعتداء على الأنفس والأعراض والأموال،،، ونحن اذ ندين كل الأعمال المؤدية الى خلق أجواء الفتنة في عراقنا الجديد ندعو أبناء شعبنا العراقي ان يعملوا على محاصرة الدعوات والتصرفات الهدامة التي لا تريد للعراق والعراقيين خيراً، وان نجعل من رفضها ثقافة عامة تهز كيانهم وتشل قدراتهم ومما يعين على تحقيق ذلك تقديم أنواع الدعم لقوى الشرطة والأجهزة التابعة لوزارة الداخلية ونكون معها درعاً يحمي مبادئ الديمقراطية  والعدالة ويجلب الأمن والاستقرار والرخاء لهذا الشعب العريق. ان عراقنا الحبيب يمر اليوم بظروف استثنائية تدعونا جميعاً إلى العمل يداً بيد من أجل إعادة الهدوء والاستقرار وإنقاذ شعبنا من الهوة السحيقة التي تدفعها إليها الأفعال الخارجة على القانون آملين من الجميع أن يضموا أيديهم إلى أيدينا، فان يد الله مع الجماعة. سيبقى العراق عزيزاً وأبياً وسيظل شعبه الصابر رمزاً للصمود والعطاء والهداية وسيشرق مرة أخرى نور حضارته ويتسع على البشرية جمعاء وفي ظل دولة القانون تحت شعار (لا أحد فوق القانون) والله يهدي إلى سواء السبيل ))
والحقيقة فإن المرء يقف مهولا أمام شجاعة(!) السيد كريم شهبوري التي يتحدث بها إلى الفضائيات. بدليل إصراره هذا اليوم وإلى فضائية الجزيرة على أن الأمن في العراق مستتب، رغم الـ 12 عملية عسكرية ضد الاحتلال والتي اعترف بها الناطق الأمريكي نفسه، مثله مثل إصراره على مصطلح (( العراق الجديد )) الذي مله حتى المحتل فتجاوزه في تصريحاته.
المهم إن التصريح الذي اعتبر المظاهرات مخالفة للقانون، لا يقول أي قانون هذا، ومن الذي أصدره، وإن خالفه الناس فتظاهروا واعتقلوا وقدموا إلى المحاكمة فما هي الأحكام التي ستصدر بحقهم ومن سيستأنف ضدها وعلى أية أسس قضائية؟؟؟ كما لن نسأل عن الدوافع التي جعلت مجلس بول بريمر يعتبر منع النظام السابق للتظاهر دكتاتورية وكبتا للحريات، بينما منع بريمر للتظاهر ديمقراطية؟ لن نسأل عن هذا، لمجرد أنها اختيارية تقليدية وضمن المساق العام لمنطق عرابي الاحتلال ولسانهم المهتوك. فكل ما يأتيه المحتل جيد وكل ما يأتيه غيره سيء ومرفوض ومخالف للقانون. وحتى لو سألنا فسيخرج علينا السيد كريم شهبوري (الدكتور موفق الربيعي) ليجيب بما هو مبرمج عليه، ولا جديد!
لكن في بيان مجلس بيرمر أمورا تقتضي المراجعة. فالدارج عندي أن أسميه (( مجلس الإمعات )) وقد غيرت اليوم هذه التسمية بناءً على طلب من زميل له خاطر عزيز عندي. لكن مراجعة بيان التاسع والسبعين أعلاه، ربما ستجعل هذا الزميل يعيد النظر برجائه.
ففي البيان أمور تثير الانتباه، أحدها مثلا العجز الظاهر في السياق السردي لنصه ولغته الركيكة التي كررت اسم العراق 19 مرة رغم أن البيان كله لا يتعدى النصف صفحة حجما. وقد تعودنا أن ساسة العراق ووجوه تجمعاته، وبغض النظر عن لسانهم القومي، يتميزون بلغة خطابية وكتابية غير لغة البيان هذه التي يأنفها تلاميذ الابتدائية. الأمر الذي يضعنا أمام احتمالين لا ثالث لهما: فأما أن يكون كاتب البيان وموقعوه جهلة لا يفقهون ما يكتب ولا يهتمون به، أو أن البيان مترجم عن نص إنجليزي محكم لا يجوز الخروج عليه!
الأمر الثاني، أن البيان موقع من 14 عضوا فقط من أعضائه الـ 25 وبأسمائهم أو مناصبهم، وبما يلوح أن موقعيه مجموعة جهات متحالفة أو تجمع عابر أو شيء من هذا القبيل. فلا يختلف هذا البيان لا نصا ولا فعلا عن تلك البيانات التي صدرت قبل عام من الموقعين فرادى أو جماعات. بينما المعلوم، أو هذا ما ادعاه بريمر يوم أسسه وردده عنه مناصره، أن هذا المجلس هو دائرة حكم واحد موحد له رئيس دورة شهرية مدتها كفترة الحمل – 9 أشهر بالتمام والكمال. فما الذي يفهم من توقيعهم بأسمائهم الشخصية أو الاعتبارية، غير شعورهم بحقيقة مواقعهم من القرار في الشأن العراقي.
الثالث: أن الموقعين زعلانون من الأعمال المؤدية إلى الفتنة وخرق القوانين، ويحتجون عليها ويرفضونها، أو هكذا فهمت من نصه. وهذا جيد، وكلنا زعلانون على خرق القانون. فأنا مثلا أزعل جدا على من يخرق قانون الأمم المتحدة، وقوانين الشعوب والأعراف الدولية الوضعية والسماوية، في مقاومة الاحتلال عسكريا وسياسيا. وهناك نصوص تعرف الاحتلال والمقاومة لا خلاف عند البشر عليها. فالبشر أيا كانت أنظمتهم الحاكمة، يزعلون ويحتجون على خرق القانون. لكن أن يحتج تجمع، دأب إعلاميوه أن يلاسنوك ويشتموك لو لم تمدحه وتعتبره الحاكم الفعلي للعراق، فهو إذن، ليس مجلس حكم وإنما مجمع إمعات وتنابل لا شأن لهم بالحكم ولا متاعبه، وأعجز من أن يصدر مرسوما يقنن ولو مؤقتا حالة المظاهرات وما يؤدي إلى فتنة.
الرابع: هو تلك الثقافة العامة التي يدعونا إليها البيان، فيحددها بتقديم أنواع الدعم لقوى الشرطة (هكذا!) ووزارة الداخلية. فإن راجعنا كل أنواع الدعم المتاحة والمعروفة، التي يمكن تقديمها لمؤسسة كالشرطة ولوزارة كالداخلية، فلن نجدها غير اثنين فقط: الوشايات، أو حمل السلاح. فأي الدعمين يريده الموقعون؟!
الأخير: قول البيان أن يد الله مع الجماعة! وهذا صحيح، ويده سبحانه حتما مع الجماعة، ونحن نعلم هذا، ولكن، ومن باب طمئنة القلوب وحسب، فلو سألناه سبحانه: مع أية جماعة يدك يا رب العالمين ومصدر الشروع والرسالات والأعراف – مع جنود الاحتلال ومؤيديه، أم مع الشعب العراقي ومقاومته للاحتلال؟!
فماذا سيكون الجواب؟!
أو من سيتجرأ ويجيب نيابة عنه سبحانه: كريم شهبوري أم رئيس الدورة الشهرية القادمة للموقعين؟!

 

#نوري_المرادي (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات