أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - شاهر أحمد نصر - نصوص من وراء الجدران تداعيات عقل وقلب مضنيين قراءة في رواية عماد شيحة -بقايا من زمن بابل-















المزيد.....

نصوص من وراء الجدران تداعيات عقل وقلب مضنيين قراءة في رواية عماد شيحة -بقايا من زمن بابل-


شاهر أحمد نصر

الحوار المتمدن-العدد: 2054 - 2007 / 9 / 30 - 11:57
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


نص مثقل بالهموم الوطنية والاجتماعية. أناخ الكاتب بأحماله على القارئ منذ العبارة الأولى "في حريق حزيراني"، وحتى خاتمته "أمام شاهدة قبر". وزاد في ثقل النص الذي يقع في ثلاثمائة وخمسين صفحة اعتماد الكاتب أسلوب السرد الطويل المتعب القاسي، من غير أن يقسم هذا النص الطويل إلى فصول، فأتت الرواية في نص وحيد، لا تنقصه الإثارة في كثير من الأحيان، وإن نقصته الراحة. ولقد دفعتني معرفة بعض خصال الكاتب النبيلة، أن أتساءل ـ وربما حمل هذا التساؤل بعض القسوة ـ إن كان أسلوبه الطويل المتعب القاسي في السرد ناتجاً عن معاناة جبلت منه شخصية خاصة، لا تأبه بالتعب، ولا بالوقت، ولا الزمن؟! أم هو الموضوع يؤثر على الأسلوب؟ وتتالى التساؤلات: ترى كم شاب سيكلف نفسه عناء متابعة قراءة مثل هذه النصوص؟ وهل كان بالإمكان المحافظة على جوهر الموضوع، وسبكه بأسلوب، وقالب آخرين يجعلانه أكثر جاذبية ومتعة للمتلقي؟
كنت قد عرّفت بالأديب عماد شيحة في مقالات سابقة، مبيناً أنّه إنسان وأديب مشحون بالهمّ الوطني والإنساني، يريد أن يستثمر كل لحظة في حياته ليقدم للبشرية، مكنوناته النبيلة الدفينة، فامتاز بخياراته الجادة في التأليف والترجمة، وأصدر عدداً من الكتب تأليفاً وترجمة، منها كتاب "يا صاح أين بلادي" لمايكل مور، وكتاب "المال ضد الشعوب ـ البورصة أو الحياة" بالاشتراك مع رندة بعث، وراجع وقدم كتابي "الماركسية والديموقراطية"، و"العولمة والإمبريالية" اللذين ترجمتهما رندة بعث... وعددت نتاجه الأدبي في روايتيه السابقتين "موت مشتهى"، وغبار الطلع": من أدب السجناء السياسيين، ولا تختلف هذه الرواية عن سابقتيها، من حيث ثقل الهموم الوطنية والإنسانية الحبلى بها، وإن اختلفت من حيث الأسلوب. وربما جمع "بقايا من زمن بابل" مع "غبار الطلع" أنّها "نصوص من وراء الجدران" تبدو أقرب إلى تداعيات حلم كابوسي مليء بالرمزية الملتبسة، تختلط فيه الهواجس الممزوجة بثقل الواقع... ومع تمايز الأسلوب، واستحضار الميثولوجيا: "لما ولجت عشتار البوابة السابعة من بوابات العالم السفلي، كانت قد تخلت عن كل زينتها وحليها". لتعين شبحاً "يهيم منتظراً فوهة تنشق الأرض عنها فتُطبق عليها وتنهي العذاب".ص13 خلاصته "حطام بشري يسند جبهته على زجاج سيارة كيلا يتداعى".ص14 "مَوْت، أيها المنبوذ، أطلق نداءك! آن لهم أن يتذكروك، فقد نسوك طويلاً!!.."
ومع المثولوجيا ينبعث نص يقارب الميثولوجيا: "زاد الضغط على كتفك، وأدارك تجاه الشمال، وأومأ إلى نجمة بعيدة تكاد تخبو.
ـ ذاك هو الحلم... لا تجعلها تغب عن عينيك.."ص36
"ـ استيقظ يا بني، قم! آن أوان الرحيل، قم قبل أن يداهمنا موت جديد..". وإبان الرحيل تنساب تداعيات عقل مثقل بالهزائم والكوارث والعذاب..
"في الغربة وسني الجوع والقهر وتسلط الأقرباء المتحالفين مع الأعداء كنت تدخر الحسابات التي ستسددها فيما بعد".
ونعيش مع التداعيات لوحات أقرب إلى الخيال، تعكس واقعاً مريراً: " في نهاية خريف سنتي الدراسية الخامسة".. "... اندفعوا داخل الصف... خمسة مسلحين أو أكثر... عيون يقظة تطل الكراهية منها ممزوجة بالرعب، وقد سددوا فوهات بنادقهم نحونا..
ـ قفوا وتراجعوا نحو الحائط الخلفي يا أولاد الكلاب!
... مع اندفاعتنا المملوءة بالرعب تجاه الحائط ارتطمنا ببعضنا وتعثرنا بالمقاعد، لم تصدر صرخة واحدة، فقد حبست الرهبة كل الصرخات التي تجمعت في حلوقنا..
رحنا نفح أسماءنا دون صوتٍ، وحالما قال أحدهم أحمد محمد الشيخ ياسين، امتدت يدٌ كذراع رافعة ضخمة تنتهي بكلابتي سرطان بحري نحوه ملتقطة رقبته ورفعته فوق رؤوسنا كأرنب خارت قواه، رماه في الهواء لأقرب مسلح ضخم الجثة كث اللحية، فتلقاه بساعديْ غوريلا، وطواه تحت إبطه وتحركوا مفسحين المجال لقائدهم... لم يغلقوا الباب لكن صمت المقابر خيم على الصف والمدرسة والحي والأشجار والعصافير والسماء..."ص4
وهل تغيب عن ذاكرة مناضل وطني صورة الشهيد الوطني والأممي الشيوعي البار فرج الله الحلو.. الذي تدمج طريقة وفاته تحت التعذيب، وإذابة جسده بالأسيد اللوحات الواقعية بالسريالية... "وعلى خلفية إذابة اللحم البشري ومزق العظام بالحموض المعدنية سنت شرعة جديدة... لم تكن جحافل المغول باجتياحاتها الساحقة قد خرجت من الذاكرة.. لكن المشهد الذي وسم الذاكرة لم يغادرها أبداً؛ المآذن والقباب المبنية من مادة وحيدة حيّة، الألسنة البشرية المجتثة."ص60 لا يمكن لوحدةٍ بين قطرين أن تقوم على جثث أبنائهما.. "غاب عامين في رحلة مشؤومة يلاحق فزاعات الطيور في أراضي أحلامه التي جعلها حكراً للعصافير.. أتتك أخباره متفرقة، ولم تستطع التحقق من أي منها، حتى دخوله العامد للسجن واستبقائه مكرهاً في مصح الأمراض العقلية.. لأنّه حين أتى مهلهلاً رثاً متآكلاً... ليخبرك أنّ الشمس انطفأت، وعمّ العالم ظلام دامس، فالكون دخل سرداب فنائه البطيء، توافق ذلك مع اليوم الذي فك فيه الذين سعوا لضم تربة البلدين الروابط التي عقدوها بأيديهم".ص63
ويفيض النص بهواجس عن النضال ضد الاحتلال والخيانة، والهزيمة. وتظاهرات وفرح ناقص بالاستقلال:
"ـ .. نلنا استقلالنا وصرنا أحراراً في موطننا! ..
ـ حقاً.. وليت ذلك حصل دون مقايضة، دون التخلي عن قطعة منه بثمن بخس!
ـ لا يوجد غدٌ يا غريب... لقد مدت الأفعى رأسها وما لم تسحق الرأس فستعمر الخيانة ألف عام وتنبت قروناً وتتناسل في كل مكان وتتخذ ألف شكل وشكل".
ولوحات أخذ الأهل رهينة لتسليم المعارض. وتحولات الفساد. ونقل المعلمين الماركسيين، والجادين من ملاك التربية والتعليم، إلى وظائف أخرى... لتفرغ دائرة التعليم ويعمها الخواء.. والغش والتزوير تحت حراسة المرافقين في الامتحانات، ومن يقف في وجههم يفقد عمله. هواجس معلم، في زمن الخصيان: "ـ ما الذي يريده أولاد العواهر أولئك؟ هل أفعل أكثر من المساهمة في تهيئة بشر يحسنون استخدام عقولهم؟ هل يريدون حميراً للامتطاء وحسب، آلات توجه عن بعد؟ مشينا أمامهم فما نلنا خلاصنا، سرنا خلفهم كذلك لم يتركونا بحالنا! ثم أريد أن أعرف، من هم أولئك الذين يكتبون تلك التقارير، التلاميذ أم الأساتذة أم الهيئة الإدارية! قد أكون أنا من يكتب تلك التقارير بحق نفسه!ص182
ووبال أطلاق قوى البطش من عقالها. وما ينجم عن ذلك من تعشش الجبن في العقول والنفوس: "كان عليك مسايرتهم. قل نعم وامضِ. من سيسألك بعدها؟ لا يريدونك إلا أن تكون مثل غيرك! كل شاذ (والأصح متميز) يُرعب لأنه يكشف السائد ويفضحه، مجرد افتراقك عن غيرك يثير الريبة والسخط لديهم فتصبح آجلاً أم عاجلاً هدفاً مطلوباً".ص207
ويقدم الكاتب رؤيته للمرحلة التي نعيش: "إن عقارب الزمن قد أفلتت، وما عاد هنالك ما يملأ الساعات... نحن في عمق المصيدة، وقد خرجنا عن الزمن والتاريخ... ندور حول أنفسنا ونحسب أننا نواكب الزمن. لكن الحقيقي أننا بحركتنا نحفر تحت أقدامنا ونغوص شيئاً فشيئاً في الركام، نثيره حولنا ويجعلنا لا نقف في أماكننا وحسب، بل نتراجع خطوات واسعة نحو الخلف. متى سندفن؟ لا أعرف. ما أعرفه أننا نحفر قبورنا بأيدينا".ص228 ويجد كثيرون الخلاص بالهجرة.
لغة النص متينة جذابة، تدعو بنيتها المتميزة للتساؤل إن كان يراد من هذا النص أن يندرج ضمن النصوص الميثولوجية في قراءته المستقبلية: "عشت ورأيت في زمن تال بعض تخيلاتك تستحيل بل تصطنع وظائف أعقد وأخطر، أنصاف الآلهة الذين اتصلوا عبر أرواحهم المنسوخة فاستولوا على دور الآلهة في الأرض ووظائف سيطرتها الشمولية والانتقام الجبار، والاستعباد المطلق، ثم استولدوا من نسائهم نسلهم المقدس الذي سيدوم إلى أبد الآبدين... وعشت مسخك الذي استولدوه من آلات خلقهم القديمة والمستحدثة!"ص155
ولما عاد جلجامش من رحلته نحت قصته على الصخر ليخلدها، لأن العمل أخلد من الإنسان؛ فهل يأتي زمن يقال فيه: ولما خرج عماد من وراء الجدران حفر قصته على أوراق الذاكرة، في ألواح ليخلدها الزمن.
صدرت رواية الأديب عماد شيحة "بقايا من زمن بابل" عن دار السوسن ـ دمشق ص.ب: 9063 تليفاكس: 0116619911 بريد إلكتروني: [email protected] توزيع: دار الحصاد ـ دمشق ـ تليفاكس 212326 صمم الغلاف والخطوط الفنان: منير شعراني.
آمل أن يستمر الصديق والأخ النبيل عماد شيحة بإتحاف المكتبة العربية برواياته وإنتاجه النفيس، في لوحات أقل صعوبة وقسوة، وفي نصوص جديدة لرحلة ما بعد بعد ما وراء الجدران.
الصفصافة 26/9/2007 شاهر أحمد نصر
[email protected]



#شاهر_أحمد_نصر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط
- معرفة -الجمالي والفني- ضرورة لكل مبدع
- التوازن الاستراتيجي المفقود في القرن الواحد والعشرين
- أجنة الديموقراطية في سورية في النصف الأول من القرن العشرين
- -النهضة والأطراف- مسألة تثير النقاش
- دعوة للتمسك بمكارم الأخلاق ، وليست دعوة للحجاب بالقسر، ولا ل ...
- إذا أردتم تحرير المرأة فابنوا مجتمعات على أسس متحضرة
- -ماذا يفعل النسر في السماء؟- قراءة في رواية -أوقات برية-
- في عيد العمال العالمي: للطبقة العاملة دور جوهري في إيجاد مخر ...
- عماد شيحة يجدد أسلوبه النضالي
- أدباء ومثقفو طرطوس يحيون ذكرى الملوحي
- من أدب السجناء السياسيين -غبار الطلع- رواية
- إصدارات هامة في دمشق
- حول -اقتصاد الحرب هل سمع شيوعيو -النور- ب -روزا لوكسمبورغ-؟
- فريديريك انجلس والاقتصاد السياسي
- تآلف العلمانيين والمتدينين المتنورين وسيلة ضرورية لتقدم الحض ...
- -الإغواء بالعولمة- كتاب يتضمن أفكاراً هامة تدعو إلى التمعن
- تحية إلى ميشيل كيلو وفاتح جاموس ورفاقهم
- الحكومة العالمية والسلاح الصامت
- نضال الطبقة العاملة والفئات المنتجة ضمانة اساسية لتحقيق الدي ...


المزيد.....




- زرقاء اليمامة: قصة عرّافة جسدتها أول أوبرا سعودية
- دعوات لمسيرة في باريس للإفراج عن مغني راب إيراني يواجه حكما ...
- الصين تستضيف محادثات مصالحة بين حماس وفتح
- شهيدان برصاص الاحتلال في جنين واستمرار الاقتحامات بالضفة
- اليمين الألماني وخطة تهجير ملايين المجنّسين.. التحضيرات بلسا ...
- بعد الجامعات الأميركية.. كيف اتسعت احتجاجات أوروبا ضد حرب إس ...
- إدارة بايدن تتخلى عن خطة حظر سجائر المنثول
- دعوة لمسيرة في باريس تطالب بإلإفراج مغني راب إيراني محكوم با ...
- مصدر يعلق لـCNNعلى تحطم مسيرة أمريكية في اليمن
- هل ستفكر أمريكا في عدم تزويد إسرائيل بالسلاح بعد احتجاجات ال ...


المزيد.....

- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي
- فريديريك لوردون مع ثوماس بيكيتي وكتابه -رأس المال والآيديولو ... / طلال الربيعي
- دستور العراق / محمد سلمان حسن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - شاهر أحمد نصر - نصوص من وراء الجدران تداعيات عقل وقلب مضنيين قراءة في رواية عماد شيحة -بقايا من زمن بابل-