أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد البوزيدي - يا بحريي هيلا هيلا














المزيد.....

يا بحريي هيلا هيلا


محمد البوزيدي

الحوار المتمدن-العدد: 2054 - 2007 / 9 / 30 - 06:13
المحور: الادب والفن
    


في زحمة الليل وضوء القمر الخافت أطفأ عيسى سيجارته الأخيرة من العلبة الشقراء التي لاتفارقه ،أخذ أمتعته الخاصة وخرج إلى يوم عمل جديد زمنه غير الزمن المعروف لباقي الأعمال وهو مطلع الشمس ، نادى *الطاكسي* الخاص به وهو عربة مجرورة من طرف حصان هزيل، وضع الأثقال المختلفة التي يحتاجها عمله خارج البر في المكان المخصص لها )خيوط... صنارات.. طعم....ومحرك يعمل بالبنزين ( ..أخذ مكانه المعتاد وانطلق الفرس الذي يجر العربة اللعينة التي اعتاد الركوب عليها بعد كل منتصف ليل .
الساعة تجاوزت الثانية صباحا بقليل ، أصوات العربات تكسر هدوء الليل المعتاد، أصوات الصهيل المختلف يرتفع شيئا فشيئا في الطريق المؤدية إلى المرفأ الصغير للمدينة، هناك حيث الازدحام الشديد بين العربات المختلفة الأحجام، حيث الإصرار على التقدم في طريق نسي أن يضع له المخزن شرطي مابعد منتصف الليل ، لتنظيم حملة المرور والعبور للمرفأ، لكن نفس المخزن لم ينس وضع مكلف بجمع الضرائب المختلفة على الأسماك المصطادة.
انطفأت مصابيح الإنارة العمومية مع أول مؤذن يعلن فجر يوم جديد، لذلك حلت محلها المصابيح اليدوية الخافتة - والتي تعتبر من أدوات البحار المهمة - . هرج ومرج، صراخ متواصل هنا وهناك...الصبية بدؤوا في الوصول إلى المكان للمساعدة على حمل الأثقال، بينما أخذ الحمالون أمكنتهم المعتادة استعدادا لأوامر حمل المركب إلى الماء،أما النساء فواصلن تقديم وجبات الفطور المبكرة للمغادرين نحو رحلة البحر النصف يومية – حريرة، شاي، خبز ...- بينما بدا بين إنارة المصابيح مخزني يحاول تنظيم المرور وهو يغالب النوم الذي مازال يراوغ جفونه الحادة المتطلعة ل*رزق* جديد قبل مطلع الشمس المفضحة ...
المراكب مكتظة، كل منها ينتظر دورها للمرور للماء، البحارة ارتدوا لباسهم الخاص المختلف الأشكال والأحجام والموحد بطريقة ونوعية صنعه والذي يمنع تسرب الماء إلى داخل أجسادهم النحيلة.
بعد ساعة وصل دور مركب عيسى، حمله رجال غلاظ شداد إلى قرب الماء نظير 300 درهم ،أخذ المحرك من العربة التي مازالت متوقفة تنتظر دورها لإفراغ حمولتها، دعا مساعداه للركوب، وماهي إلا لحظات حتى تكلم المحرك لغته الخاصة وانطلق المركب البسيط في جنح الظلام يعبر عباب المحيط الأطلسي، فصيد الليل ليس كالنهار، له إيقاع خاص ففيه كما يزعم البحارة تكون الأسماك جائعة ونائمة، وتكون سهلة على الصيد خلاف النهار التي ترى فيه الصنارات بأعينها وتستطيع المراوغة مستفيدة من نصاعة الماء.
في البحر علامات خاصة لا يفهمها سوى البحارة، وطرق سيارة معروفة لا تخطئها بصيرة المتمرس ولو بدون بوصلة ،الرايس عيسى يتحكم في المركب عبر المحرك، يراوغ الأمواج العاتية ويصارع في صمت أصحاب المراكب الأخرى على مواقع الصيد الوفيرة الأسماك، بينما بدأ مساعداه اللذان طردا من المدرسة السنة الماضية في رمي الصنارات المختلفة التي زرعت بطعم السردين لجلب الأسماك الكبيرة التي يكون ربحها مضمونا...
تنطلق الصنارات للبحث عن فرائسها المعلومة داخل الأعماق، ويواصل المركب سيره المعتاد....يقف بعد ساعة من انطلاقه في استراحة عابرة، حينها يبدأ المساعدان في التقاط الصنارات المزروعة التي قد تحمل بعضها فرائسا خاصة بينما يتمكن السمك من التقاط الطعم مجانا من الصنارات الأخرى.
الشمس بدأت تظهر رويدا رويدا، ومع زرقة البحر يظهر لون خاص يمتزج فيه الأصفر والأبيض بالأزرق، تتشكل لوحة فسيفسائية على الماء، يحس الفريق بالدفء نسبيا ، فيلتقطون أنفاسهم ويتناولون فطورا على الماء، ويطلقون الصنارات من جديد.
في منتصف النهار يتمايل المركب قليلا، لقد امتلأ بالأسماك الوفيرة...حينها تبدأ رحلة العودة والتي تستغرق ساعتين للوصول إلى مرفأ الانطلاق اليابسة التي لا تبدو في الأفق البعيد، لكن عيسى يعرف الاتجاه بخبرته قي المجال التي تجاوزت عشر سنوات ،.لقد أصبح عالم فلك من نوع خاص، يقدر المسافة، يقود المركب بأمان ويبعده عند الضرورة من الطرق السيارة للسفن الكبيرة خشية الاصطدام بها ..
حين يقترب الفريق من المرفأ تنخفض السرعة تلقائيا، يصمت المحرك منتظرا دوره للرسو بشكل هادئ ، حينها يبدو من بعيد شيخ بعمامة زرقاء، إنه بوشعيب صاحب المركب الذي تربطه عقدة عمل مع الفريق...
حين أعطى المخزني الإشارة عانق المركب الرمال، حضر بوشعيب ليتفحص الحصيلة ، بدت ابتسامة على محياه فرحا بالحصيلة..لكن تلك الابتسامة أثارت حنق أحد مساعدي عيسى الذي يتأمل استغلالا بطريقة خاصة تشبه الرباعة والخماسة في الفلاحة .
أدخل عيسى الأسماك المصطادة للسوق اليومي... باع الإنتاج و أدى الضرائب الخاصة وثمن الحمالة ، دفع لصاحب المركب نصف المبلغ المتحصل من البيع وهو 3500 درهم كما هو متفق عليه ، أعطى للمساعدان 500 درهم للواحد وأدى ثمن العربة التي قدمت به صباحا وسترجعه إلى منزله الآن ، تفحص جيبه فوجد مبلغ 1500 درهم في ماتبقى له .
قيل الفراق أعاد المساعدان جمع الأمتعة ووضعها في العربة المستعدة للانطلاق، يينما كان عيسى يزرع ابتسامة على محياه، فمدخول اليوم ارتفع مقارنة مع الأمس، لكن صراخا داخليا آخر كان يصيح :
وماذا لو انطلقت الرياح يوم الغد وواصلت معانقة الأيام، هل ستكون الحصيلة كافية لسد أيام البطالة الملعونة...؟
تخلص من تخميناته على صوت يدعوه للركوب، وقبل مغادرة المرفأ ألقى نظرة وداع اليوم إلى صديقه الحميم جدا وهو البحر مناديا :
يابحريي هيلا هيلا



#محمد_البوزيدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الانتخابات المغربية: دروس وعبر
- الأمن والمواطنة
- كرامة ضائعة
- أحزان بلا حدود
- عتبات -في انتظار الصباح-
- يورتريه الشهيد مهدي عامل
- الشباب والراهن :أية علاقة ؟
- ذكريات معلمة في الخليج كتاب يرصد التعليم بمدينة صحار بسلطنة ...
- فاس
- ربيع الصيف
- الهجرة في * موسم الهجرة إلى أي مكان* للمبدع محمد سعيد الريحا ...
- علي الصحراء
- علي و الصحراء
- البحر
- سلك احسن لك
- العاصفة
- اليتيم
- آلام بلا حدود
- في حوار مع محمد سعيد الريحاني: “فصل المقال في ما بين الأغنية ...
- تيمة المرض في نص - مأدبة الدم - للفقيدة مليكة مستظرف


المزيد.....




- الحكم بالسجن على المخرج الإيراني محمد رسولوف
- نقيب صحفيي مصر: حرية الصحافة هي المخرج من الأزمة التي نعيشها ...
- “مش هتقدر تغمض عينيك” .. تردد قناة روتانا سينما الجديد 1445 ...
- قناة أطفال مضمونة.. تردد قناة نيمو كيدز الجديد Nemo kids 202 ...
- تضارب الروايات حول إعادة فتح معبر كرم أبو سالم أمام دخول الش ...
- فرح الأولاد وثبتها.. تردد قناة توم وجيري 2024 أفضل أفلام الك ...
- “استقبلها الان” تردد قناة الفجر الجزائرية لمتابعة مسلسل قيام ...
- مونيا بن فغول: لماذا تراجعت الممثلة الجزائرية عن دفاعها عن ت ...
- المؤسس عثمان 159 مترجمة.. قيامة عثمان الحلقة 159 الموسم الخا ...
- آل الشيخ يكشف عن اتفاقية بين -موسم الرياض- واتحاد -UFC- للفن ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد البوزيدي - يا بحريي هيلا هيلا