أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد البوزيدي - كرامة ضائعة














المزيد.....

كرامة ضائعة


محمد البوزيدي

الحوار المتمدن-العدد: 1992 - 2007 / 7 / 30 - 04:51
المحور: الادب والفن
    



يسارع الزمن القاسي ،وبوحدته الخاصة التي تؤنسه كفزاعة غربة طويلة، يواصل لعن مسار الحياة القاسية التي فرضت عليه طقوسا استثنائية لتوفير لقمة خبز غير سائغة .
مبارك أو السي مبارك كما ألف الآخرون المناداة عليه، كهل في الرابعة والستين من عمره ،غزت التجاعيد جبهته المسطحة ،وعلا الشيب الشعيرات المتبقية في رأسه .
مع بزوغ كل صباح يجر عربته القديمة إلى السوق المغطى للخضر. .. يتيه في الزحام اليومي وسط أصحاب الرساميل القوية ، يحمل الصناديق المختلفة الأحجام وينقلها من مكان البائع إلى فضاء/سيارات المشتري ،يتأملها بقسوة تخفي آلاما حادة في القلب،فهو يتعامل كسلعة ومع سلعة هي فواكه مستوردة لم يتذوقها أبدا في حياته إلا نادرا ...حينها قد تسقط بعضها من إحدى الصناديق فيلتقطها،يخفيها في الجيب ،ليتناولها بعد ذلك ويكسر بها جوعا يداهمه كل حين من فرط العمل المضني والمتواصل .
في العاشرة من صباح كل يوم ،يقتعد الكراسي المهترئة بأحد المقاهي المتنقلة بالسوق ،يستريح فليلا ويتناول فطورا هو كأس شاي مع زلافة رخيصة من الفول المطهي،يدخن سيجارة شقراء ليحرق بها أوجاعا تداهمه كل حين بين جوانحه أسفا على ماضيه العريق وحاضره التليد.
حين ينطلق من جديد في عمله وسط نداءات باعة الخضر الكبار، يراوغ رجال الشرطة الذين ألفوا استفزازه ظلما لأخذ عمولة 10 دراهم كل صباح ومساء بذريعة عدم توفره على رخصة خاصة لنقل البضائع ،و حين يدرك اقتراب التوقيت المعتاد يتملص بطريقته الخاصة فيتيه وسط دروب وأزقة السوق ...
ذات يوم غاب مبارك عن السوق .. ؟سأل عنه رفاقه وأصحابه والآخرون ..بحثوا عنه لكن لا جواب..
في يوم الغد نشرت قصاصة أخبار محلية خبرا يقول إنه أصبح مقعدا ،وغير قادر على الحركة لآلام في الظهر نتيجة حمل أحد الصناديق الثقيلة.فلم يعد يقوى المسكين على الحركة وحتى الأبناء المفترض فيهم تحمل مسؤولية المنزل تاهوا في السراديب العجيبة لهذا الزمن الرهيب دون نتيجة تذكر..........
فإلإبن الكبر في السجن نتيجة تشابه في الملامح مع مجرم آخر يسكن نفس الحي، والبنت في معمل للخياطة تمارس تدريبا بالمجان ،بينما الزوجة تدبر أمور بيت يوشك على الانهيار بطريقتها الخاصة التي تستعمل فيها كل أساليب التسول المعروفة لدى الأقارب والجيران.
يعيش مبارك آخر أيامه حنقا على وطن تنكر له فقد قاوم الإستعمار حقيقة، لكنه بلا بطاقة مقاوم، والتي استفاد منها الآخرون رخصا للتنقل واستحقاقا بالوظائف ...لكن حرم من كل ذلك لخلاف بسيط مع أحد عملاء الإستعمار والذي كان يعمل مترجما للمرتزقة السنغاليين في شوارع البيضاء والذي أصبح مسؤولا عن أحد المكاتب الفرعية للمندوبية إذ خاطبه في أحد الأيام :
أنا أتبرؤ من مقاومة تكون أنت أحد المسؤولين عن رجالاتها .
ومن يوم ليوم، تتوالى الأيام، ومبارك يواصل عد أيامه المتبقية منتظرا موتا محققا ،يتذكر الأيام الخوالي والتي حولته إلى إنسان بلا تغطية صحية، ولا رعاية لحقوق العجزة ،ولا ضمان اجتماعي ،ولا قوت يومي مستلب ،ولا تقاعد ولو تافه، ولا اعترافا بتضحيات تاريخية ..
ومع كل صباح يتجرع مرارة الحرمان التي لا تنتهي غاضبا على وطن تنكر له حيث لا يكافئ الرجال، ويصبح فيه الإنسان أرخص شيء، لذلك لا يمل من الترديد مع الراحل بوجميع
ماهموني غير الرجال إلى ضاعوا
البيوت اللي رابوا كلها يبني دار



#محمد_البوزيدي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أحزان بلا حدود
- عتبات -في انتظار الصباح-
- يورتريه الشهيد مهدي عامل
- الشباب والراهن :أية علاقة ؟
- ذكريات معلمة في الخليج كتاب يرصد التعليم بمدينة صحار بسلطنة ...
- فاس
- ربيع الصيف
- الهجرة في * موسم الهجرة إلى أي مكان* للمبدع محمد سعيد الريحا ...
- علي الصحراء
- علي و الصحراء
- البحر
- سلك احسن لك
- العاصفة
- اليتيم
- آلام بلا حدود
- في حوار مع محمد سعيد الريحاني: “فصل المقال في ما بين الأغنية ...
- تيمة المرض في نص - مأدبة الدم - للفقيدة مليكة مستظرف
- بور تريه الفنان الملتزم سعيد المغربي
- السلام.........السلام
- أحمد فؤاد نجم


المزيد.....




- الكاتب لوران موفينييه يفوز بجائزة غونكور الأدبية عن روايته - ...
- وفاة ديان لاد المرشحة لجوائز الأوسكار 3 مرات عن عمر 89 عامًا ...
- عُلا مثبوت..فنانة تشكيليّة تحوّل وجهها إلى لوحة تتجسّد فيها ...
- تغير المناخ يهدد باندثار مهد الحضارات في العراق
- أول فنانة ذكاء اصطناعي توقع عقدًا بملايين الدولارات.. تعرفوا ...
- د. سناء الشّعلان عضو تحكيم في جائزة التّأليف المسرحيّ الموجّ ...
- السينما الكورية الصاعدة.. من يصنع الحلم ومن يُسمح له بعرضه؟ ...
- -ريغريتنغ يو- يتصدّر شباك التذاكر وسط إيرادات ضعيفة في سينما ...
- 6 كتب لفهم أبرز محطات إنشاء إسرائيل على حساب الفلسطينيين
- كفيفات يقدّمن عروضًا موسيقية مميزة في مصر وخارجها


المزيد.....

- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش
- مشروع مسرحيات مونودراما للسيد حافظ. اكسبريو.الخادمة والعجوز. ... / السيد حافظ
- إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- بيبي أمّ الجواريب الطويلة / استريد ليندجرين- ترجمة حميد كشكولي
- قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي / كارين بوي
- ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا / د. خالد زغريت
- الممالك السبع / محمد عبد المرضي منصور


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد البوزيدي - كرامة ضائعة