أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - بدر الدين شنن - إشكالية الدستور واقتصاد السوق والتغيير الديمقراطي















المزيد.....

إشكالية الدستور واقتصاد السوق والتغيير الديمقراطي


بدر الدين شنن

الحوار المتمدن-العدد: 2040 - 2007 / 9 / 16 - 11:59
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لم يعد مثار جدل أن " الحركة التصحيحية " التي قادها الفريق حافظ الأسد عام 1970 ضد رفاقه في قيادة الحزب ( هم الآن من أركان التجمع الوطني المعارض ) قد جاءت ، في مقاصدها الاجتماعية ، انحرافاً يمينياً سافراً ، عما كان يجري من تحولات اجتماعية اقتصادية هامة ، التي كان ركنها الأساس ، المحافظة على ، وتوسيع ، القطاع العام الانتاجي وملكية الدولة للثروات الوطنية ، وتوسيع البنى التحتية ، وتطوير آليات الدولة الخدماتية المجانية ، ما كان يعد القوى الشعبية ، رغم الأخطاء السياسية المتعلقة بالآخر ، بآفاق اجتماعية متحررة من البؤس والتمايزات الطبقية الحادة ، وما فرض نفسه لمرحلة ليست بالقليلة على " التصحيحيون " لأخذه بعين الاعتبار في طروحاتهم السياسية لاحتواء معظم الحزب الذي انقلبوا عليه ، ومخادعة ما يمكن من القوى اليسارية والقومية والقوى الشعبية ، ريثما يتم لاحقاً وضع آليات جديدة توظف كل ما سبق من تحولات لخدمة سياسات وأهداف معاكسة . وقد كان أبرز تلك الآليات التي تم " إبداعها " لهذا الغرض هو الد ستور الصادر عام 1973 ، الذي حمل في متنه ازدواجية وتناقض الأحكام في مختلف الصعد ، لاسيما ازدواجية وتناقض الاستبداد وحقوق المواطنة .. حق " الحزب القائد " وحق ممثلي الشعب بقيادة الدولة والمجتمع ، حق القوى الشعبية بما توحيه أهداف " الثورة " من عدالة اجتماعية وحق هيمنة " الثوار " على الدولة والمجتمع للاستحواز على مصادر فائض القيمة وتراكم الثروة ، ما حجم وقزم مؤسسات الدولة ، ولجم وعطل حراك الشعب السياسي وحركة الابداع والنمو الاحتماعي الطبيعي ، وأتاح للمغامرين الطموحين الجدد ، أن يعيدوا تشكيل الدولة ومؤسساتها ، وأن يسخروا القطاع العام الانتاجي والخدماتي بما يحقق أهدافهم في الإثراء السريع والتسلق بقفزات قياسية إلى قمة هرم الطبقة الراسمالية في البلاد .

وقد غطى على تلك الازدواجية وذاك التناقض في الدستور مجريات حرب تشرين 1973وتداعياتها ، وتدفق الدعم المالي الخليجي السخي ، ثم التدخل السوري في لبنان 1976 وانعكاس استثماراته السياسية والاقتصادية المتشابكة ، وثالث مفاعيل التغطية كان إلتحاق معظم الأحزاب " اليسارية والقومية التقدمية " بالنظام ، التي ارتضت بما منحها النظام بإطار " الجبهة الوطنية التقدمية " من أدوار سياسية هامشية وبما حدده لها من عوائد ارتزاقية في السلطة . حيث بدا المشهد السوري خال من التناقضات والمعارضات ، وبالتالي خال من الحاجة للاحتكام للدستور وللتصادم مع ازدواجيته وتناقضاته
ومن الجدير ذكره في هذا السياق ، أن تفشي العنف والعنف المضاد والقمع في نهاية السبعينات وبداية الثمانينات قد أدى إلى ما هو أبعد من التغطية
، إذ لم يعد من الهام بشئ التعاطي مع الد ستور ، لأن المفاعيل المنخرطة في الأزمة العنفية آنذاك كانت تعمل خارج الد ستور . وما ساد هو العرف الحكمي والأحكام العرفية ومنطق الطارئ وقانون الطوارئ . وأدى ذلك إلى إلغاء السياسة ومستلزماتها الدستورية ، وإلى تكريس العهد العرفي الطوارئي المستدام ، وأغلق النوافذ الدستورية ، التي كان من االمحتمل في مناخ لاعنفي ، أن يتسرب منها عبر التفاعلات السياسية التي تستدعيها الحياة العامة ، بعض من شعاع حرية أو عدالة اجتماعية ، لحساب تسيد " الحزب القائد " الشمولي والإمعان في القمع وفي الظلم الاجتماعي وا سترسالاته

لذا لم يكن مصادفة أن يتزامن إنجاز مهام المرحلة القمعية بتصفية وإقصاء الآخر مع إنجاز مرحلة تحول الطبقة الحاكمة ذات المنبت الطبقي الأدنى والمتوسط إلى الفئة السائدة والأكثر غنى في الطبقة الرأ سمالية في المجتمع . وليس مصادفة بعد الوصول إلى هذا الإنجاز القمعي الاجتماعي ، الذي أقصى الآخر من الفعل السياسي وحقق الطموح الاقتصادي الاجتماعي ، أن يحدث الإلتفات إلى الد ستور والبحث في بنائه وتناقضاته ، لإعادة صياغته بما يحقق أهداف المرحلة القادمة للطبقة الحاكمة ، التي لم تعد بحاجة إلى ثنائية أوثلاثية د ستورية للتمويه والمخادعة . فالحزب فقد مكوناته ومنطلقاته " التقدمية " التاريخية وبات آلية مطاوعة ومشاركة في كل مفاسد وأطماع السلطة .. والقوى الشعبية مسلوبة الإرادة لانعدام وجود ، قسري وطوعي ، للقوى اليسارية .. قسم غير قليل من القوى السياسية المعارضة يتقاطع ، من حيث الجوهر ، مع النظام حول التحولات الاقتصادية الجديدة ، والقسم الآخر لايملك القدرة المؤثرة لمواجهة هذه التحولات القهرية المعاكسة .
وبذا يشكل هذا الإلتفات لإنهاء ثنائية الأحكام الد ستورية المتناقضة ، ضمن هذه الشروط " المريحة " المتوفرة ، ضرورة منطقية لإنجاح السيرورة العامة للتحولات السلطوية الاقتصادية والاجتماعية ، المتمثلة باقتصاد السوق والخصخصة وتجريد الدولة من مؤسساتها العامة الانتاجية والخدماتية للحصول على رضى البنك الدولي وعلى بطاقة الانتماء للأسرة الدولية المعولمة .

وانسجاماً مع ذاتهم التسلطية ومع مصالحهم الاقتصادية يتوجه " التصحيحيون " العريقون والجدد لإجراء تعديل دستوري يتناول ، بالجوهر ، إنهاء التناقض بين النص الد ستوري " بناء المجتمع العربي الاشتراكي الموحد " وبين اقتصاد السوق ، وبين مركزية وشخصنة الدولة وسلاسة تدوال مراكز النسق الثاني فما دون من السلطة بين " الرفاق " والحلفاء وتحسين أداء آليات الدولة في المرحلة القادمة المعولمة . بمعنى ، أن الطبقة الحاكمة التي اخترقت القطاع العام ومؤسسات الدولة الانتاجية والخدماتية ، وحققت ثراءها وتراكمتها المالية الهائلة بواسطة صلاحيات " ا شتراكية " منحتها لنفسها بالد ستور ، فإنها لكي تنجز الاختراق الاقتصادي الاجتماعي الكامل بالخصخصة للمؤسسات العامة المذكورة ، وتسييد اقتصاد السوق تعمل الآن أيضاً على أن تمنح نفسها صلاحيات " رأسمالية " هذه المرة بواسطة الد ستور .

وربما من حيث لايرغب الناشطون ، في هذه الأيام ، من أهل النظام ومثقفوهم ، من أجل تعديل الد ستور بما يتناسب وتطلعاتهم ، فإن حراكهم الد ستوري الاقتصادي الاجتماعي هذا ، قد أسقط القداسة المصطنعة عن الد ستور ، وأسقط معها الاتهامات الجرمية ( بمعادات أهداف الثورة في الوحدة والحرية والاشتراكية ) التي كانت توجه تعسفاً لمن يناقش أو ينتقد ماورد فيه من مواد مخالفة لأبسط حقوق الإنسان والمتناقضة مع الشرائع والمواثيق الدولية . وإذا كانوا يتصورون أن ما يقومون به ، لإجراء تعديلات دستورية في الحقل الاقتصادي الاجتماعي ، حسب مفاهيمهم ومصالحهم " لتنقية " الد ستور من " الاشتراكيات التي ولى زمانها " مشروع ويفتح في المجال لإنجاح مقاصدهم بتطبيق اقتصاد السوق والخصخصة .. ألخ .. فإنه يفتح في المجال أيضاً لطرح تعديلات د ستورية تتعلق بتحرير المجتمع السوري من النصوص الوصائية الاستبدادية ، وإلغاء كل المحاكم والإجراءات الاستثنائية ، وتعديل ميثاق الجبهة " التقدمية " والكثير من النصوص ذات الصلة .

وهذا ما يطرح السؤال ، هل نحن أمام مرحلة تفكيك الثنائيات " المقد سات " في الد ستور .. وبالتالي تفكيك النظام الذي قام على أرضيتها ؟ .. حيث يعكس المشهد .. النظام ، من جهة ، يعيد إنتاج نفسه من خلال إعادة إنتاج مفاهيمه وآلياته الدستورية ، مع الاحتفاظ بمضامينه الاستبدادية .. ومن جهة أخرى ، القوى الوطنية المعارضة تصر على التعديل الد ستوري ، الذي يضمن ويحترم حقوق الشعب الديمقراطية وسيادة القانون والمساواة الكاملة في الحقوق والواجبات للجميع ، دون تمييز ضد الآخر أو احتكار للسلطة من طرف دون الأطراف السياسية الأخرى .

بكلام آخر ، نحن أمام حالة عدم رضى شبه كلي عن الد ستور الراهن .. أمام جدلية مقد سات الد ستور واقتصاد السوق والحرية .. أمام ضرورة وضع د ستور جديد مغاير .. لكن كيف .. ومتى .. ومن سيقوم بهذه المهمة .. ؟ .. في كل الأحوال .. إن الد ستور الذي قد يضعه أهل النظام لن يكون مغايراً بالمعنى الإيجابي .. لأنه سيكون محكوماً بعقليتهم الاستئثارية الاستبدادية .. وتكراراً مأساوياً للذات .. وكارثياً للشعب السوري .



#بدر_الدين_شنن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الرد الأقوى على الاختراقات والتحديات
- الحركة النقابية بين قيود السلطة ومطالب الطبقة العاملة
- إنها لحظة انتزاع المبادرة ..
- الجديد في - انتخابات - اللاتجديد
- من هنا تأتي المعارضة
- مئة عام من المقاومة .. تحولات وآفاق .. 2
- مئة عام من المقاومة .. تحولات وآفاق .. 1 ..
- أزمة أولويات أم أزمة نظام .. ؟
- نداء شهداء معبر رفح
- استحقاقات عودة الزمن النقابي
- صفقات شيطانية
- هل حقاً أن الشعب قد انتخب وأفتى .. ؟
- اسقاط جدار العزل السياسي مهمة أولى
- مأساة الديمقراطية في الشرق الأوسط
- من أجل ضحايا الاعتقال السياسي .. والحرية
- الجواب على سؤال الهزيمة
- السلطة والثروة في الصراع السياسي
- التجمع اليساري الماركسي ( تيم ) مابين التكامل والتمايز
- خوفاً من ألاّ يفوز الرئيس المرشح للرئاسة
- سوريا إلى أين في المنعطفات الإقليمية الجديدة .. ؟


المزيد.....




- اقتلعها من جذورها.. لحظة تساقط شجرة تلو الأخرى بفناء منزل في ...
- هيئة معابر غزة: معبر كرم أبو سالم مغلق لليوم الرابع على التو ...
- مصدر مصري -رفيع-: استئناف مفاوضات هدنة غزة بحضور -كافة الوفو ...
- السلطات السعودية سمحت باستخدام -القوة المميتة- لإخلاء مناطق ...
- ترامب يتهم بايدن بالانحياز إلى -حماس-
- ستولتنبرغ: المناورات النووية الروسية تحد خطير لـ-الناتو-
- وزير إسرائيلي: رغم المعارضة الأمريكية يجب أن نقاتل حتى النصر ...
- هل يمكن للأعضاء المزروعة أن تغير شخصية المضيف الجديد؟
- مصدر أمني ??لبناني: القتلى الأربعة في الغارة هم عناصر لـ-حزب ...
- هرتصوغ يهاجم بن غفير على اللامسوؤلية التي تضر بأمن البلاد


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - بدر الدين شنن - إشكالية الدستور واقتصاد السوق والتغيير الديمقراطي