|
تداول الأدوار أم تغيير المواقف؟
سعيد الكحل
الحوار المتمدن-العدد: 2033 - 2007 / 9 / 9 - 11:04
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
درجت الأبيات الماركسية على اعتماد مفاهيم مركزية مثل " تقدمي" ، "رجعي" ،"إقطاعي" في تصنيف القوى السياسية الفاعلة في المجتمع . ووفقا لهذا التصنيف ، ينسحب مفهوم "تقدمي" على كل قوة سياسية أو اجتماعية تناضل من أجل تمكين أوسع فئات المجتمع ـ أي الفئات/الجماهير الشعبية ـ من حقها في العيش الكريم والقطع مع كل أشكال الاستعباد والاستغلال والاستبداد والاستلاب . بمعنى أدق : تحرير المجتمع من أية سلطة لا تعبر عن إرادته ورفع الوصاية عنه . وفي هذا الإطار السياسي والإيديولوجي ، تم سحب مفاهيم "الرجعية" و " الإقطاعية" و"الديكتاتورية" على النظام الملكي في المغرب وكذا الأحزاب التي كان يستند عليها في تكريس الهيمنة على الحياة السياسية . في حين صنفت الأحزاب التي تعارض سياسة الحكم وتناضل من أجل دمقرطة النظام والدولة والمجتمع ، صنفت بأنها " تقدمية" . ونحن ، جيل الاستقلال ، عشنا على هذا التصنيف وحلمنا عقودا بتحقيق المجتمع الفاضل الذي تكون فيه المصلحة العامة هي الناظم الأساسي للعمل السياسي والنضال الحزبي . وظلت هذه الثقافة تأسرنا بجهازها المفاهيمي الذي يقسم الفرقاء السياسيين إلى تقدميين ورجعيين ولا منزلة بينهما أو خارجهما . واليوم ـ والمغرب يعيش أطوار الانتخابات التشريعية التي يريد لها الملك أن تؤسس فعلا لعهد جديد يقطع مع التجارب السابقة التي تفشى فيها الفساد وشراء الذمم وصناعة الخريطة السياسية ـ يجدر بنا أن نخضع صدقية المفاهيم إياها لمحك الواقع ونتساءل من جديد : ألا يصير التقدمي رجعيا والرجعي تقدميا ؟ مناسبة هذا السؤال مواقف عديدة تم رصدها سواء على مستوى خطب الملك ومبادراته أو على مستوى ممارسة الأحزاب وردود أفعالها . ويمكن الإشارة إلى بعضها كالتالي : 1 ـ بخصوص مبادرات الملك : لا يقلل متتبع رصين من أهمية الخطوات العملية التي قام بها الملك محمد السادس لصالح المرأة والطفل والأسرة والفئات المهمشة . وإذا كان من مسئوليات الملك الوطنية والدستورية ، السهر على خدمة مصالح المواطنين ، فإن المنطق الداخلي للجهاز المفاهيمي المومأ إليه أعلاه يفترض أن يظل الملك "رجعيا" يدافع عن حصون الإقطاع والرجعية ؛ وفي نفس الوقت يتصدى لكل المطالب التي تتهدد نفوذهما السياسي . غير أن الوقائع تفند هذا المنطق من زوايا عديدة أبرزها : أ ـ رفع أي شكل من أشكل الحماية عن المقربين من الملك والذين اتهموا بالفساد ، وفي مقدمتهم " عبد العزيز إيزو" مدير أمن القصور الملكية. ب ـ التعهد رسميا وعلانية بتبني المشروع المجتمعي الحداثي والديمقراطي والدفاع عنه ضد كل الاتجاهات الظلامية أو العدمية . ج ـ التشديد على إعادة الاعتبار للعمل السياسي من خلال : + التزام الملك بعدم التدخل في نتائج الانتخابات كما جاء في خطاب 20 غشت 2007 ( الذي حرمته على نفسي مثلما يمنعه القانون على الجميع) . + التزام الملك بنزاهة الانتخابات وتخليقها ( فالالتزام التام بنزاهة الانتخابات وتخليقها وبحرمة الاقتراع ، يبدأ من خديمك الأول ) . + تحفيز المواطنين على المشاركة في العمليات الانتخابية وتحذيرهم من مخاطر بيع أصواتهم ( إنكم بالإدلاء بأصواتكم لا تختارون من يمثلكم للسنوات الخمس المقبلة فقط ، وإنما تحددون أيضا مستقبلكم ومستقبل أبناءكم وبلدكم . فعليكم ألا ترهنوا مصيركم ببيع أصواتكم وضمائركم لمن لا ضمير له ولا أمانة له ، ففي ذلك تنازل منبوذ عن حقكم الدستوري في الانتخاب الحر ، وتفريط غير مقبول في شرف مواطنتكم وكرامتكم ) . + التحريض على التصدي لمفسدي الانتخابات ( لذا يتعين على الجميع التصدي بروح المواطنة وقوة القانون ، للعابثين بالانتخابات والمتاجرين بالأصوات لإفسادها بالمال الحرام والغش والتدليس والتزوير ). + حث الحكومة على التزام الحياد الإيجابي وتطبيق القانون على كل المخالفين ( نجدد تعليماتنا لحكومتنا ، لمواصلة اعتماد الحياد الملتزم بسيادة القانون في مختلف مراحل العملية الانتخابية ، وذلك بالردع القوي والزجر الحازم لكل الخروقات ) . لا شك أن المتتبع لفقرات الخطاب الملكي سيجزم أنه نفس الخطاب ـ من حيث المضامين والمطالب ـ الذي ظلت ترفعه الأحزاب الديمقراطية لما كانت في موقع المعارضة . الأمر الذي يكرس التوجه الحداثي والديمقراطي للملك ويجعله يضع قطيعة عملية وسياسية مع تجارب التزوير سواء المكشوفة أو المبطنة . 2 ـ أما بخصوص ممارسات الأحزاب قبل الحملة الانتخابية وأثناءها ، فإن المتتبع للتقارير التي تصدرها وزارة الداخلية أو الهيئات المدنية والحقوقية المكلفة بمراقبة الانتخابات ، سيقف على حقائق خطيرة أبرزها : أ ـ إصرار غالبية الأحزاب على ممارسة الفساد الانتخابي بشتى الطرق : التواطؤ ، الحماية ، ترشيح عناصر فاسدة ، شراء الذمم ، استغلال النفوذ الخ . ب ـ احتجاج الأحزاب ضد الدولة على إعمالها القانون في حق المرشحين المتورطين في إفساد العملية الانتخابية ( حزب الاستقلال ، التقدم والاشتراكية ، الحركة الشعبية ، الاتحاد الدستوري ، التجمع الوطني للأحرار الخ ) . ج ـ إقدام وزراء متحزبين منهم من ينتمي للصف "التقدمي" على خرق قانون الانتخابات ، وهم المفروض فيهم من جهة ، احترام التوجيهات الملكية ، ومن جهة ثانية ، الالتزام بتطبيق القانون وفرض سيادته على الجميع . إذن ، أصبحنا في المغرب أمام انقلاب الأدوار وتغيير المواقف . فالدولة التي كانت دوما متهمة بإفساد الانتخابات صارت أكثر حرصا على نزاهتها . في حين أن الأحزاب التي ظلت تطالب بالنزاهة والشفافية باتت مخترَقة بالفساد وداعمة للفاسدين .
#سعيد_الكحل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
القراءة -الجهادية- للدين تقود حتما إلى العنف والإرهاب(2)
-
القراءة -الجهادية- للدين تقود حتما إلى العنف والإرهاب(1)
-
هل يمكن أن يصير العثماني أردوغان المغرب ؟
-
هل ستكون الأحزاب في الموعد الذي حدده الملك ؟
-
حوار لفائدة موقع إسلام أون لاين
-
لتكن المواجهة شمولية ضد الفساد والإرهاب
-
بريطانيا تذوق السم الذي طبخته
-
العدل والإحسان تداري عن الفضيحة بادعاء الفضيلة
-
أوهام المراهنة على التحالف أو الإدماج السياسي لجماعة العدل و
...
-
حتى لا تتسلل ولاية الفقيه إلى البرلمان .
-
هيئات العلماء ومواجهة الإرهاب أية استراتيجية ؟
-
حماس لن تقبل بأقل من الإمارة والسلطة
-
هيئات العلماء ومسئولية الانخراط في حركة الإصلاح الشامل .
-
مواجهة الإرهاب قضية خارج دائرة اهتمام المجالس العلمية.
-
العيب في ثقافة البداوة وليس في بول الإبل
-
الجزائر نيوز تحاور الباحث والكاتب المتخصص في الجماعات الإسلا
...
-
المراجعة فضيلة لم تنضج بعد شروطها لدى شيوخ التطرف
-
أحداث 16ماي الإرهابية بين النجاح الأمني والفشل الثقافي
-
حتى لا تفلح القاعدة في أفغنة شمال إفريقيا
-
هل سيفلح تنظيم القاعدة في أفغنة شمال إفريقيا ؟
المزيد.....
-
مصدران لـCNN: مسؤولون من مصر وإسرائيل وأمريكا يناقشون الأحد
...
-
باحث مصري يعلق على تصريحات مسؤول إثيوبي بشأن مخططات بناء سدو
...
-
وزير هولندي يسعى لمنع ممارسة الناس لليوغا مع الكلاب والقطط
-
جنوب أفريقيا: -المؤتمر الوطني- يفقد أغلبيته المطلقة لأول مرة
...
-
أوكرانيا بدأت بتجنيد حتى أتباع -هاري كريشنا- (فيديو)
-
بالفيديو.. الجيش الروسي يدمر مواقع تابعة للجيش الأوكراني
-
للمرة الأولى.. الحزب الحاكم في جنوب إفريقيا يفقد الأغلبية با
...
-
تقرير عبري عن خطوة خطيرة اتخذتها إسرائيل لاستفزاز مصر واختبا
...
-
-إنها لحظة حساسة جدا-.. إيطاليا تحذر من خطوات -متسرعة- بشأن
...
-
صحيفة: تصاعد الغضب في ألمانيا ضد شولتس بسبب مواقفه من أوكران
...
المزيد.....
-
هواجس ثقافية 188
/ آرام كربيت
-
قبو الثلاثين
/ السماح عبد الله
-
والتر رودني: السلطة للشعب لا للديكتاتور
/ وليد الخشاب
-
ورقات من دفاتر ناظم العربي - الكتاب الأول
/ بشير الحامدي
-
ورقات من دفترناظم العربي - الكتاب الأول
/ بشير الحامدي
-
الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي
/ رسلان جادالله عامر
-
7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة
/ زهير الصباغ
-
العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني
/ حميد الكفائي
-
جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022
/ حزب الكادحين
المزيد.....
|