|
هل ستكون الأحزاب في الموعد الذي حدده الملك ؟
سعيد الكحل
الحوار المتمدن-العدد: 2004 - 2007 / 8 / 11 - 11:15
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
اعتادت الأحزاب السياسية في المغرب على إنتاج وترويج خطابات سياسية تتراوح بين التزكية المطلقة لسياسة الدولة ضمن ما كان يُعرف بـ "ﮔولوا العام زين" ، أو الرفض المبدئي إلى حدود العدمية لهذه السياسة التي كانت تُوصف بأنها سياسة لاشعبية تعتمد أسلوب التقشف الذي من نتائجه "شي ياكل وشي يشوف" ، وانتهاء بالخطاب السياسي الذي لا يشكك فقط في الخطط التنموية والبرامج السياسية التي تضعها الدولة ، بل يتجاوزها إلى التشكيك في هوية الدولة نفسها ومقوماتها الدينية والتاريخية . وهذا حال التنظيمات الإسلامية التي لم يكن هدفها يروم إصلاح هياكل الدولة وتطوير أدائها ، بقدر ما يستهدف تقويض أسس هذه الدولة وشطب ثوابتها . طبعا كانت الظروف السياسية التي أنتجتها الحرب الباردة تضع الصراع الإيديولوجي في قلب الصراع السياسي الذي تخوضه الأحزاب وغيرها من التنظيمات القانونية أو غير القانونية . إنها مرحلة من المفروض أن تنتهي مع التوجهات الديمقراطية /التحديثية التي أعلنها الملك محمد السادس منذ توليه الحكم واعتمدها ثابتا في كل مبادراته . وبذلك أصبح الملك يتبنى خطاب المعارضة الديمقراطية ويتجاوزه إلى اتخاذ مبادرات سياسية واقتصادية عجزت أحزاب المعارضة السابقة وحلفاؤها ومعهم السلطات العمومية عن مجاراة الإيقاع التنموي والتحديثي المتسارع للملك . الأمر الذي نبّه إليه جلالته وحذر من مخاطره كالتالي ( لقد دق خطابنا لعشرين غشت 2001 ناقوس الخطر ، منبها إلى خطورة انتشار السكن الصفيحي والعشوائي ، لما له من أثر سلبي على كرامة المواطن ، وما يشكله من تهديد لتماسك النسيج الاجتماعي ، داعيا إلى اعتماد برنامج وطني تضامني مضبوط المسئوليات . وبعد سنتين ، وبدل أن أعاين ، خلال زياراتي التفقدية لأقاليم المملكة ، القضاء التدريجي على السكن الصفيحي ، ألاحظ بمرارة انتشاره في عدة مدن . بل إن أحياء صفيحية قد ظهرت وتضخمت لتصبح مدنا عشوائية قائمة الذات . ومثل هذا البناء العشوائي لم ينزل من السماء ، ولم ينتشر في الأرض بين عشية وضحاها ، بل إن الكل مسئول عنه . وذلكم انطلاقا من المواطن الذي يدفع اليوم رشوة لمسئول ، قد يأتي غدا بالجرافة ، ليهدم براكته أمامه ، إلى مختلف السلطات العمومية والجماعات المحلية ، المتهاونة في محاربة انتشار مدن الصفيح ) . وأمام حالة التراخي الحكومي التي جعلت الوزراء يتواكلون على الملك ويعيشون على هامش مبادراته ، كان تحذير جلالته قاسيا من خطورة التهاون في القيام بالشأن العام الذي أصبح عقبة كأداء في سبيل التنمية المستدامة . لهذا نبّه الملك في خطاب العرش لسنة 2003 كالتالي ( وقد اكتفيت ، لحد الآن ، بتوجيه السلطات العمومية والمنتخبة ، كل في نطاق اختصاصه ، لينهضوا بمهامهم كاملة عن قرب ، لأنه لا يمكن لملك البلاد ، أن يقوم بعمل الوزير أو العامل أو رئيس جماعة محلية ، ولأني حريص على ممارسة كل سلطة لصلاحياتها بروح المسئولية والفعالية . ونهوضا بالأمانة العظمى ، فإني لن أسمح بالتهاون في القيام بالشأن العام ، بحيث سأحرص على تفعيل كل أشكال المراقبة الصارمة ، والمحاسبة الحازمة ، لأنه إذا كان كل منا راعيا ومسئولا عن رعيته ، فإن خديمك الأول راع لهذه الأمة ومؤتمن على شؤونها العامة ) . وإزاء حالة التراخي التي توجد عليها السلطات العمومية والمنتخبة ، فإنه لم يعد من مبرر أمام الأحزاب السياسية لكي تظل على حالة التشكيك والعدمية . ذلك أن الواقع السياسي المغربي لم يعد يحتمل استمرار وجود حكومات تدبّر الأزمات أو أحزاب تكتفي بترديد " شعارات فارغة مبتذلة للإصلاح والتغيير" . وإذا كان الملك محمد السادس استطاع أن يقطع مع الملكية التقليدية والحكم الشمولي ويرقى بالملكية المغربية إلى الملكية المواطِنة القائمة على "الديمقراطية التشاركية" التي تنفتح ـ كما جاء في خطاب العرش لهذه السنة (2007) ـ على ( كل الخبرات الوطنية والجهوية ، والمجتمع المدني الفاعل وكافة القوى الحية للأمة ، ومشاربها وتياراتها ) ؛ فإن الأحزاب مطالبة بأن تستوعب متطلبات المرحلة وأن تكون في مستوى التحديات المطروحة على بلادنا . لأجل ذلك ، عليها أن تؤهل ذاتها عبر تغيير خطاباتها وإعادة رسم أهدافها وتحديد استراتيجيتها التي لا ينبغي لها أن "تنحصر فقط في الفوز بمقعد برلماني أو منصب حكومي " . إن النزعة الانتخابوية التي غلبت على الأحزاب السياسية هي مصدر الداء الذي ينخر الأحزاب ويعصف بالطاقات الشابة التي ، من المفروض ، أن تصير لها ـ هذه الأحزاب ـ حاضنا ومتعهدا . بل إن هذه النزعة هي مدخل الفساد الانتخابي بعد أن أقلعت الدولة عن عادة صنع الخريطة السياسية . لهذا يكون ضروريا على كل الأحزاب أن تؤهل نفسها . وقد حدد لها الخطاب الملكي الأسس التالية للتأهيل المطلوب : 1 ـ ترسيخ الممارسة الديمقراطية الحقيقية بالتزام النزاهة في الانتخابات المقبلة حتى يتم "إفراز أغلبية حكومية ذات مصداقية ومعارضة فاعلة وبناءة" . 2 ـ وضع "برامج ملموسة وهادفة" بعيدا عن الشعارات الفارغة والمزايدات العبثية . 3 ـ التنافس الانتخابي يكون في حسن تدبير الشأن العام وليس موضوعه هوية الدولة وثوابتها ( إسلام وسطي منفتح ، وملكية دستورية ، ووحدة وطنية وترابية ،وديمقراطية اجتماعية ) . 4 ـ ( إبراز نخب مؤهلة لحسن تدبير الشأن العام والمساءلة والمحاسبة على حصيلة أعمالها ) . 5 ـ الشعور بالمسئولية عن تحرير الطاقات الشابة ودعم المكاسب والمبادرات الحرة . أكيد أن الأحزاب السياسية ـ في مجملها ـ لم تتحرر بعد من ثقافة الصدام أو مواقف التلبيس والتدليس التي أملتها ظروف تاريخية وسياسية لم تعد قائمة ، والتي عارضت ـ بموجبها ـ النظام أو داهنته . ومن ثم فالملك يبادر بدعوة الأحزاب السياسية إلى "انتهاج المقاربة الديمقراطية التشاركية" في إطار "الملكية المواطنة" و "الملكية الفاعلة" التي تتضافر فيها جهود العرش والشعب بمختلف مكوناته من أجل ( النهوض بأوضاع الفئات التي تعاني آفة الفقر والأمية ، والتهميش والإقصاء ، بما يكفل تحصينها من نزوعات التطرف والانغلاق والإرهاب ) وكذا ( النهوض بالإصلاحات التي لا مناص منها لبناء مغرب المستقبل ، مغرب المبادرات والإنجازات والأوراش وكسب الرهانات ) . لأجل ذلك ( الجميع مسئول عن تحرير الطاقات الخلاقة والمتنورة للشباب .. على الجميع أن يشمر على ساعد الجد وقوة الإرادة لاستكمال الإصلاحات المنجزة والجارية ، بإطلاق أوراش حيوية أخرى ودعم المبادرات الحرة ) . فهل ستستجيب الأحزاب لدعوات الملك وتنخرط في عملية الإصلاح والبناء التشاركي بدءا بالديمقراطية الداخلية وانتهاء بإقرار قوانين المحاسبة وتعميمها على كل ذي مسئولية ؟ إن رفض الوزراء والبرلمانيين اعتماد قانون التصريح بالممتلكات ، وعدم إخضاع لوائح الترشيح لمقياس النزاهة والكفاءة والفعالية أمارات تنذر بأن الأحزاب ستخلف الموعد .
#سعيد_الكحل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حوار لفائدة موقع إسلام أون لاين
-
لتكن المواجهة شمولية ضد الفساد والإرهاب
-
بريطانيا تذوق السم الذي طبخته
-
العدل والإحسان تداري عن الفضيحة بادعاء الفضيلة
-
أوهام المراهنة على التحالف أو الإدماج السياسي لجماعة العدل و
...
-
حتى لا تتسلل ولاية الفقيه إلى البرلمان .
-
هيئات العلماء ومواجهة الإرهاب أية استراتيجية ؟
-
حماس لن تقبل بأقل من الإمارة والسلطة
-
هيئات العلماء ومسئولية الانخراط في حركة الإصلاح الشامل .
-
مواجهة الإرهاب قضية خارج دائرة اهتمام المجالس العلمية.
-
العيب في ثقافة البداوة وليس في بول الإبل
-
الجزائر نيوز تحاور الباحث والكاتب المتخصص في الجماعات الإسلا
...
-
المراجعة فضيلة لم تنضج بعد شروطها لدى شيوخ التطرف
-
أحداث 16ماي الإرهابية بين النجاح الأمني والفشل الثقافي
-
حتى لا تفلح القاعدة في أفغنة شمال إفريقيا
-
هل سيفلح تنظيم القاعدة في أفغنة شمال إفريقيا ؟
-
لن ينتهي الإرهاب إلا بتجفيف منابع التكفير وتشجيع منابر التنو
...
-
وزارة الأوقاف ومسئولية التصدي للتطرف والإرهاب 2/2
-
وزارة الأوقاف ومسئولية التصدي للتطرف والإرهاب 2/1
-
الإرهاب عقائد تكفيرية قبل أن يكون عبوات تدميرية 3/3
المزيد.....
-
وزير الدفاع الأميركي يجري مباحثات مع نظيره الإسرائيلي
-
مدير الـ -سي آي إيه-: -داعش- الجهة الوحيدة المسؤولة عن هجوم
...
-
البابا تواضروس الثاني يحذر من مخاطر زواج الأقارب ويتحدث عن إ
...
-
كوليبا: لا توجد لدينا خطة بديلة في حال غياب المساعدات الأمري
...
-
بعد الفيتو الأمريكي.. الجزائر تعلن أنها ستعود بقوة لطرح العض
...
-
السلاح النووي الإيراني.. غموض ومخاوف تعود للواجهة بعد الهجوم
...
-
وزير الدفاع الأميركي يحري مباحثات مع نظيره الإسرائيلي
-
مدير الاستخبارات الأمريكية يحذر: أوكرانيا قد تضطر إلى الاستس
...
-
-حماس-: الولايات المتحدة تؤكد باستخدام -الفيتو- وقوفها ضد شع
...
-
دراسة ضخمة: جينات القوة قد تحمي من الأمراض والموت المبكر
المزيد.....
-
عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية
/ مصطفى بن صالح
-
بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها
/ وديع السرغيني
-
غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب
/ المناضل-ة
-
دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية
/ احمد المغربي
-
الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا
...
/ كاظم حبيب
-
ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1)
/ حمه الهمامي
-
برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب
/ النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
-
المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة
/ سعاد الولي
-
حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب
/ عبدالله الحريف
-
قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس
/ حمة الهمامي
المزيد.....
|