أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - سعيد الكحل - الجزائر نيوز تحاور الباحث والكاتب المتخصص في الجماعات الإسلامية، المغربي سعيد الكحل حول ···















المزيد.....


الجزائر نيوز تحاور الباحث والكاتب المتخصص في الجماعات الإسلامية، المغربي سعيد الكحل حول ···


سعيد الكحل

الحوار المتمدن-العدد: 1935 - 2007 / 6 / 3 - 11:54
المحور: الارهاب, الحرب والسلام
    


السلفية الجهادية في المغرب·· الجذور والتحولات

يغوص في هذا الحوار الكاتب الصحفي والباحث المغربي المتخصص في الجماعات الإسلامية، سعيد لكحل، في الجذور الفكرية لتيار السلفية الجهادية في المغرب، ويتحدث على ضوء التطورات الأخيرة عن المراجعات الفقهية لبعض كبار رموز الجهاديين في المملكة وعن السياسة الحكومية للتعامل مع الظاهرة·· مؤلف سلسلة كتب عن شخصية زعيم حركة العدل والإحسان، الشيخ عبد السلام ياسين، وكاتب عمود تحليلي أسبوعي في جريدة الأحداث المغربية·· يعرض سعيد لكحل هنا وجهة نظره في كثير من جوانب الموضوع·

حاوره: عبد النور بوخمخم

إلى أي حد يستند فعليا التيار الجهادي في المغرب، إلى مرجعيات فقهية وفكرية واضحة، على مستوى النصوص والمشيخة؟

مما لا شك فيه أن تيار السلفية الجهادية ليس تنظيما بهياكل وقيادة مركزية، بل هو عقائد وقناعات فكرية وإيديولوجية مختلفة لكنها تنطلق من فكر تكفيري متطرف يكفر الدولة والمجتمع ويدعو إلى الجهاد أي اعتماد العنف والقتل ضد الدولة، وكل من يعتبره كافرا · إن هذا التيار يكفر القوانين والأحزاب والديمقراطية ومؤسسات الدولة وعموم السياسيين والمثقفين ويسعى لقلب النظام السياسي وإقامة نظام بديل· لهذا فهو يرفض العمل السياسي ويؤمن بالعنف كوسيلة وحيدة لإقامة الدولة الإسلامية التي تكون السلطات مطلقة بيد الحاكم الذي يلقبونه أمير المؤمنين ، بينما يتم تجريد الأمة من كل سلطة وسيادة· إن هذه أبرز العقائد التي تشكل المشترك بين خلايا هذا التيار· أما ما يتعلق بالمرجعيات الفقهية والفكرية لهذا التيار، فإنها على نوعين أو مستويين· الأول ويتعلق بالمرجعيات العليا والمؤسِّسة التي ينهل منها التيار ويتأسى بها، وأقصد هنا بالمرجعيات، من جهة، المصادر المكتوبة أو المسموعة (الكتب، الخطب، التوجيهات ، الفتاوى··)· ومن جهة ثانية الشيوخ والأمراء أمثال بن لادن والظواهري· على هذا المستوى لا خلاف بين خلايا تيار السلفية الجهادية في الاستناد والتأسي بهذه المرجعيات· أما المستوى الثاني فيتعلق بالمرجعيات المحلية التي هي بمثابة محطات التقوية التي تعيد نشر عقائد وفتاوى المرجعيات المؤسِّسة واستقطاب الأتباع على أساسها· إن هذه المرجعيات المحلية تتنافس فيما بينها على الاستئثار بالزعامة والحظوة بين الأتباع· ومن هؤلاء: الفيزازي وأبو حفص والحدوشي وزكريا الموسوي وحسن الخطاب والحسن الكتاني··· وغيرهم· وباعتبار تيار السلفية الجهادية خلايا وجماعات محدودة العدد مستقلة تنظيما عن بعضها البعض، فإن أعضاء هذه الخلايا لا يأتمرون إلا بمن بايعوه أميرا على كل جماعة على حدة· وهكذا نجد مثلا أعضاء جماعة الصراط المستقيم يستقلون بأميرهم ويدينون له بالسمع والطاعة، فيما أعضاء جماعة أنصار المهدي يبايعون حسن الخطاب أميرا عليهم بدلا من الملودي زكريا أو الفيزازي الذي هو أمير جماعة أهل السنة والجماعة ، وهذا شأن باقي الخلايا والجماعات·

ما هي مساحات التقاطع والتباعد ما بين التيارات الجهادية في المغرب والجزائر من جهة، وما بينها في المغرب وفي المشرق من جهة أخرى في ما تعلق بالمبررات الفكرية والفقهية على مستوى النصوص والمشيخة دائما؟

إذا أخذنا في الاعتبار العقائد الإيديولوجية، فسنجد أنها تشكل المشترك بين هذه التيارات، سواء في المغرب أو في الجزائر أو في المشرق العربي· فجميعها متشبعة بثقافة التكفير وعقائد الكراهية والقتل والتدمير ولا تؤمن إلا بالعنف وسيلة للتغيير، هذا على مستوى العقائد· أما فيما يتعلق بالمبررات الفكرية والفقهية فنجد بعض التمايز والاختلاف، بحيث أن المسوغات التي تتبناها الخلايا الإرهابية في السعودية تستند إلى نصوص حديثية تحث على إخراج الكفار من جزيرة العرب· إن مبررات من هذا النوع لا يعتمدها تيار السلفية الجهادية والخلايا الإرهابية المرتبط به أو المشكّلة له في المغرب، على اعتبار أن المغرب ليس أرضا حراما بالمفهوم الديني كما هي شبة الجزيرة العربية حتى تنطلق هذه الجماعات لـ الجهاد والقتل من أجل إخراج الكفار منه· ومادام الأمر يتعلق بضرورة تقديم مسوغات لشرعنة الدعوة إلى الجهاد ولإقناع الأعضاء بتنفيذ عمليات إرهابية ضد الأفراد والمجتمع والدولة، فإن هذه الجماعات اتخذت من النصوص الدينية التي تحرم اموالاةب الكفار وتحرض على تكفير وقتل كل من يسالم الغرب الكافر ، اتخذت منها سندها ومرجعيتها· إننا أمام حركات وخلايا متطرفة وإرهابية متشبعة بنفس العقائد التكفيرية والتدميرية، وتسعى لإضفاء الشرعية على جرائمها بتوظيف النصوص الدينية توظيفا مغرضا، لهذا لا نجد أي اختلاف بين هذه التيارات والحركات على مستوى العالمين العربي والإسلامي· أما الاختلاف البسيط الموجود بينها فيتمثل في كيفية استغلال العوامل المحلية الخاصة بكل دولة لاستقطاب وتجنيد الأتباع، ومن ثم تنفيذ العمليات الإرهابية، ذلك أن العوامل التي توظفها الجماعات الإرهابية في الجزائر لشرعنة أعمالها التخريبية تختلف عن تلك التي تستغلها الجماعات الإرهابية في تونس أو مصر· من هنا لا ينبغي البحث في المسوغات المحلية، لأن من يفعل ذلك سيجد نفسه يبرر الإرهاب ويقدم الأعذار للإرهابيين، والحال أن الأمر يقتضي تحليل الظاهرة لمواجهتها قصد تطويقها، ومن ثم القضاء عليها·

في أي سياق تفهم وترى شخصيا الرسائل الأخيرة لبعض رموز السلفية الجهادية في المغرب المسجونين والتي تم تفسيرها إعلاميا على أنها مراجعات فكرية لقناعاتهم الجهادية السابقة؟

بالفعل، أصدر بعض رموز السلفية الجهادية بالمغرب رسائل وبيانات يحاولون فيها التعبير عن موقف الرفض للعمليات الإرهابية التي حدثت في الدار البيضاء أيام 11 مارس و10 و14 أفريل· وهكذا وجه أبو حفص نداءه عقب الحادث الإرهابي ليلة 11 مارس بالدار البيضاء، وكذلك فعل جلال المودن ورشيد بريجة· ورغم قلة المعلومات المتوافرة في هذا الصدد، فإن الرسائل المنشورة، على قلتها، تسمح بإبداء الملاحظات التالية:

أ ـ إن هذه الرسائل جاءت كرد فعل مباشر على الحدث الإرهابي ليوم 11 مارس الأخير، وهذا ما صدر به أبو حفص نداءه قائلا (مناسبة البيان هو: الحادث الأليم الذي وقع بحي سيدي مومن بالدار البيضاء ليلة الإثنين 12 مارس 2007م ، والذي راح ضحيته منفذ العملية، وجرح بعض الأبرياء من المسلمين · (ونفس الأمر فعله جلال المودن ورشيد بريجة حين كتبا) على إثر الحادث الذي وقع في البيضاء يوم الأحد 11 مارس 2007 بحي سيدي مومن، والذي راح ضحيته منفذ العملية وجرح آخرون وروع الآلاف بلا ذنب، كان لابد من معالجة شرعية للموضوع)·

ب ـ إن أصحاب هذه الرسائل لم يمتلكوا بعد الجرأة لتصنيف الحادث كعمل إرهابي· وما لم يسموا الإرهاب باسمه فإنهم لم يبلغوا درجة الاقتناع بحرمة هذه الأعمال الإجرامية ومن ثم لن تكون مراجعاتهم بالعمق المطلوب·

ج ـ إن الهدف المركزي الذي يتوخى أصحاب هذه الرسائل تحقيقه هو إطلاق سراحهم إما تبرئة أو عفوا · لهذا تم التركيز على الانعكاسات السلبية للحادث الإرهابي ليوم 11 مارس على فرص المعتقلين في العفو الملكي· وهذا واضح في نداء أبي حفص (لقد كانت هذه الأعمال ونظائرها سببا في إبطاء تحرك ملف المعتقلين على خلفية أحداث 16 ماي، إذ في الوقت الذي استبشرنا فيه بسلسلة من الانفراجات، جاءت مثل هذه الأحداث لتغلق هذا الباب، ولتقدم هدية على طبق من ذهب لبعض الجهات التي تريد إقبارنا في سجوننا، وتريد أن تخرس صوتنا الذي يشع اعتدالا ووسطية واتزانا· ورغم يقيننا بأن الفرج من الله، والأمل فيه عز وجل عظيم، إلا أنه يجب على كل من سولت له نفسه القيام بمثل هذه الأعمال، أن يتذكر آهات الأمهات، وتنهدات الآباء، وعبرات الزوجات، وألم الأطفال والصبيان، فمآسيهم وآلامهم ليست لعبة ولا أمرا ثانويا، يتجاوز بتأويلات وشبهات مرفوضة شرعا وعقلا)·

د ـ إن هذه الرسائل لم تتصد للأسباب المباشرة للأعمال الإرهابية، ألا وهي عقائد التكفير وثقافة القتل، بل جاءت تكرس هذه العقائد وتشرعن مواجهتها· فالذين يزعمون إجراء مراجعات لم يتحرروا من تكفير اليساريين والعلمانيين وتصنيفهم خطرا على الإسلام والدعوة يستوجب المحاربة ، وهذا ما نقرأه في رسالة جلال المودن ورشيد بريجة (ينبغي ألا ننسى أن هناك عنفا آخر ينهشه ذات اليسار فلا يجوز أن نغفل خطره ولا أن ندع المجتمع تتجاذبه هذه الأطراف المتطرفة·· وإذا كنا متفقين على وجوب محاربة تطرف اليمين فإن بإزائه تطرفا يساريا يجب أن نتفق على محاربته)·

و ـ إن أصحاب هذه الرسائل المراجعات لم يحددوا موقفهم من تنظيم القاعدة ولم يدينوا مخططاته التخريبية، وهذه واحدة من المسائل التي يجب الحسم فيها· فإذا كان تنظيم القاعدة يبرر أعماله التخريبية بمواجهة أمريكا والانتقام من إجرامها في العراق وأفغانستان، فإن على شيوخ السلفية الجهادية أن يدركوا أن المغرب ليس محافظة أمريكية أو إحدى قواعدها العسكرية، لهذا لا يتوفر أي مؤشر موضوعي يدل على أن هذه الرسائل تحمل فعلا فكرا نقديا ومبادرة قوية وجريئة لمراجعة المنطلقات الفكرية والعقائدية لتيار السلفية الجهادية· إن كون هذه الرسائل تتحدث عن المستأمنين وحرمة الاعتداء على دمائهم، يدل دلالة قاطعة على أن كاتبيها ـ أي الشيوخ ـ لا زالوا مقتنعين بالفكر القَبَلي ـ نسبة إلى مفهوم القبيلة ـ الذي يبيح الاعتداء على أفراد القبيلة الخصم، ولم يدركوا بعد أنهم يعيشون عصر الدول والحكومات والشعوب، حيث المواطن لا يتحمّل وزر حكومة بلده ولا يقوم مقامها، إذ للدولة أجهزتها وللحكومة صلاحياتها· فمن يجعل من نفسه هو الدولة والحكومة والمجتمع، لا شك أنه لم يغادر عصر القبيلة ولم يتحرر من قيم البداوة التي تذيب الفرد في القبيلة وتجسد القبيلة في الفرد بحيث يكون الانتقام من الفرد انتقاما من القبيلة، إن هذه الثقافة ولى عنها الزمن وعفا·

هل تعتقد أن المراجعات الفقهية الأخيرة لدى بعض الرموز والتنظيمات الجهادية المشرقية (في السعودية ومصر تحديدا) يمكن أن يكون لها صدى أو تأثير على نمو وتطور التيار الجهادي في المملكة المغربية وفي المغرب العربي عموما؟

ينبغي أولا الانتباه إلى أن المراجعات الفقهية التي صدرت في مصر بالتحديد، فهي صدرت عن بعض رموز الجماعات المتطرفة المصرية الذين لم يعودوا قادة مؤثرين تنظيميا في الجماعات الإرهابية· معظم الذين أجروا هذه المراجعات لم يعودوا أصحاب قرار في تنظيماتهم، بل كلهم أصبحوا متجاوزين ولم يعودوا يمثلون سوى ذكرى ومحطة أسست لما بعدها وانتهى دورها· وإذا كانت هذه المراجعات لم تمارس تأثيرها على التنظيمات الإرهابية في مصر نفسها والسعودية بالقرب منها، فكيف سيكون لها تأثير على تيار السلفية الجهادية بالمغرب العربي· لقد شهدت مصر أحداثا إرهابية أشد خطورة بعد هذه المراجعات، مما يعني أن تأثير هذه المراجعات جد محدود إن لم نقل معدوم· والسبب الرئيسي في عدم تأثير المراجعات على خلايا التيار الجهادي يكمن في كون هذه الخلايا تتخذ من بن لادن والظواهري نماذجها ومنظريها· فبالتأكيد لن يقرأ هذه المراجعات في المغرب إلا الشيوخ الذين إما ضاقت بهم زنازن السجون بعد أن استمرأوا الإمارة والحظوة والمال، أو الذين ينهجون أسلوب التقية والنفاق وما يؤكد هذا هو أن الذين أصدروا بيانات رفض العمليات الإرهابية هم من كانوا أصحاب الحظوة والامتيازات قبل الاعتقال· أما غيرهم من شيوخ التطرف الذين لا حظ لهم في النعم فلا يزالون على عقائدهم التكفيرية ويرفضون حتى الحوار بشأنها· إن تيار السلفية الجهادية هو تيار فكري تكفير جارف لا يترك لأتباعه فرصة التقاط الأنفاس استعداد لأية مراجعة، لهذا لا نرى أية إمكانية في أن يكون لهذه المراجعات صدى قوي وتأثير حقيقي في عقائد السلفيين الجهاديين ·

يعرف عن المؤسسة الدينية الرسمية في المغرب بأن لها تأثير أوسع من نظيراتها المغاربية في المشهد الداخلي عموما، إلى أي حد يمكن أن تكون هذه الفكرة صحيحة؟ وهل هناك سياسة واضحة لهذه المؤسسة لتحجيم المنابع الفكرية والتنظيمية للتيار الجهادي، كيف تقيمها؟ وإذا كانت هذه المؤسسة عاجزة عن ذلك هل تعتقد بوجود بديل مؤسساتي وفكري ديني لها يستطيع لعب هذا الدور بفعالية أكبر؟

بحكم نص الدستور المغربي، فإن الملك هو أمير المؤمنين ، أي يتولى مسؤولية حماية الدين من أي استغلال أو تلاعب، لهذا الغرض أنشأ الملك المجلس الأعلى للإفتاء ويتولى الملك رئاسة هذا المجلس الذي له صلاحية بلورة الفتاوى وعرضها على الملك لإجازتها· إن مكانة الملك وسلطاته الدينية تشكلت عبر قرون خلت، لهذا ظلت تلعب إمارة المؤمنين دورا مركزيا في توحيد المغاربة على مذهب واحد· لكن لأسباب سياسية وإيديولوجية يطول الحديث عنها، ضعف تأثير إمارة المؤمنين على عقائد الناس ومذاهبهم، بل إن الجماعات الإسلامية قامت على منازعة الملك سلطاته الدينية والتشكيك فيها· وهكذا ظهر شيوخ وفقهاء خارجون على وحدة المذهب، ومنهم من ينصب نفسه هو ولي الأمر الحقيقي والشرعي الذي تجب طاعته· وهذا حال مثلا مرشد جماعة العدل والإحسان · فكل جماعة من الجماعات الإسلامية لها أميرها وبولي مرها ، وغدا الحقل الديني يعاني من الفوضى والتسيب، بحيث لم تعد الفتاوى تخضع للضبط· أما هذه الفوضى عمل الملك على اتخاذ إجراءات عملية لهيكلة الحقل الديني وإعادة ضبطه· إلا أن تنفيذ هذه الإجراءات يعاني من بطء شديد بسبب الخطط التي تنهجها وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية· لهذا لا يفتأ الملك من حين لآخر، أن يتخذ تدابير وإجراءات من شأنها من تحد من الفوضى وتحاصر ظاهرة استغلال الدين والمساجد لتقويض سلطة إمارة المؤمنين· فلم يعد خافيا على أحد أن ثلثي المساجد لا تخضع لإشراف وزارة الأوقاف، مما يعني أن هذه المساجد ـ وهي بالآلاف ـ لا تخضع للرقابة· وحالة المغرب تختلف كليا عن حالة باقي الدول العربية، ذلك أن السلطة السياسية للملك تستمد شرعيتها من الدين· ومتى تخلى الملك عن صلاحياته الدينية التي يخولها له الدستور، فإنه سيخسر بالتبعية سلطاته السياسية، لهذا ليس واردا أن يسند الملك مهمة إمارة المؤمنين لجهة أخرى· كما أنه ليس من مصلحة الشعب المغربي أن تتنازعه جهات مختلفة باسم الدين· ونظرا للأحداث الإرهابية التي ضربت المغرب والمخاطر التي تتهدده بسبب ظاهرة الإرهاب، فإن الأحزاب السياسية التي كانت تطالب، في وقت مضى، بالفصل بين السلطة السياسية للملك والسلطة الدينية، أصبحت تلح في تقوية السلطات الدينية للملك باعتباره الجهة الوحيدة المسؤولة على حماية الدين ·

كيف يتعاطى الإسلام السياسي في المغرب مع الظاهرة الجهادية ، وما هي مساحات الوضوح والغموض في موقفه منها، وهل ذلك نابع فقط من قناعات حقيقية أم أيضا ضرورة براءة سياسية؟

لا شك أن جماعات الإسلام السياسي في المغرب لها نفس الأهداف التي يرفعها تيار السلفية الجهادية، وفي مقدمتها: إقامة الدولة الإسلامية وعودة الخلافة، تطبيق الشريعة وإلغاء القوانين الوضعية، الجهاد لنشر الإسلام في العالم··· الخ· وكل هذه الجماعات لا تشكك في حسن نوايا الجهاديين وبقوة إيمانهم· ولا يختلفون معهم سوى في الوسائل، وإن كان اختلافا تكتيكيا وليس مبدئيا· فجماعات الإسلام السياسي جربت العنف من قبل ولم يوصلها إلى السلطة والحكم، بل جر عليها المتاعب، لهذا فهي لا ترغب في ممارسة العنف على النحو الذي يمارسه تيار الجهاديين، ليس لأنه مرفوض شرعا، بل لأنه يفسد عليها خططها الرامية إلى اعتلاء السلطة· على هذا الأساس نجد حركات الإسلام السياسي في المغرب تتغاضى الطرف عن الجهاديين وتوفر لهم الغطاء السياسي والإعلامي والقانوني· ففي سنة 2002 لما أعلنت الأجهزة الأمنية عن تفكيك الخلايا الإرهابية النائمة، شكك الإسلاميون في الأمر واتهموا الدولة بفبركة الملفات بعد أن أنكروا وجود الخلايا، سواء النائمة أو النشطة· وحتى لما حدثت التفجيرات الإرهابية ليلة 16 ماي ,2003 لم يدنها الإسلاميون بقدر ما اعتبروها من تخطيط المخابرات المغربية بنية التأثير على نتائج الانتخابات حتى لا يفوز الإسلاميون بغالبية المقاعد· ولازال الإسلاميون على موقفهم المساند لتيار السلفية الجهادية ولأعضاء الجماعات الإرهابية المعتقلين، إذ أسسوا جمعية حقوقية مهمتها الدفاع عن هؤلاء المعتقلين· كما نجدهم يمارسون كل أشكال الضغط على الدولة لإطلاق سراح المعتقلين وإجراء حوار مع شيوخ الإرهابيين وتعويضهم عن الأضرار التي لحقت بهم من جراء الاعتقال· وحتى تكون الصورة واضحة، فإن الإسلاميين لا يختلفون في خطابهم وتحريضاتهم عن الجهاديين· وإلى الآن لم تتبرأ أي جماعة إسلامية من تيار السلفية الجهادية، بل الجماعات الرسمية اكتفت بإعلان الرفض للأحداث الإرهابية دون الإعلان عن البراءة من التيار وعقائده المدمرة·

تجارب الجهاديين العرب ما بعد أفغانستان أي في البوسنة، الشيشان وأخيرا العراق، لم تكن دائما مدفوعة ومؤطرة في بدايتها من التيارات والأفكار الجهادية التقليدية ولم تحمل بالضرورة في بدايتها مشاريع جهادية ضد حكوماتها الوطنية، وإن كانت تبدأ معها أو تنتهي إليها في حالات أخرى·· ما نظرتك على ضوء اطلاعك الشخصي على تجارب جهاديي المغرب في ساحات الجهاد الخارجية؟ وكيف تعاطت معها السلطات السياسية والأمنية والقضائية في البلاد؟ وأين الحل في نظرك أمام تحوّل تجارب الجهاد الخارجي إلى مشاريع جهادية محلية؟

بالتأكيد أن الذين ذهبوا إلى الجهاد في أفغانستان كان ذهابهم بإيعاز من حكوماتهم ومن الولايات المتحدة والدول الغربية· وكان هدف الحكومات العربية ذا شقين· الأول الانخراط في الحرب ضد الخطر الأحمر الذي كان يتهدد مصالح هذه الحكومات· أما الشق الثاني فكان رغبة الحكومات في التخلص من الشباب المتحمس للقتال وللتغيير، فخير أن يقاتل بعيدا عن الحكومات وخارج حدود دولها· غير أن هؤلاء الشبان الذين ذهبوا بدون خبرة ودراية، سرعان ما اكتسبوها وأصبحوا خبراء في صنع المتفجرات وحرب العصابات، أي أصبحوا محترفي حرب ولم يعد لهم من هدف سوى مواصلة الجهاد ضد حكوماتهم بعد أن تشبعوا بعقائد التكفير، وهذا ما شهد به شاهد منهم وهو علي العلام المغربي الذي قال بكل صراحة: شخصيا كانت تلك الفكرة حاضرة عندي، بل كانت من الأولويات، كنت موطدا العزم على تجسيد تجربتي الأفغانية في المغرب·· كنت قد جئت بعقيدة الولاء والبراء، حيث لا مجال للمداراة والمداهنة، فالكافر كافر، والمؤمن مؤمن بما فيها لا إلا ولا حتيب، فليس كل من تسمى بعبد الرحمان أو ما شابهه يعتبر مسلما·· لقد عملت على نشرها ـ أفكار التطرف ـ ولحد الآن فالناس الذين انتشرت بينهم منهم من زاد تطرفا·· أقول للتاريخ إنني طلبت من بن لادن أن ننقل العمل المسلح للمغرب أنا شخصيا لا أؤمن بالحل الديمقراطي، وأعتقد أن الجهاد لا زال ضروريا · إن الطلائع الأولى لمن أصبحوا يعرفون بـ الأفغان العرب ستجعل الحكومات تدرك خطورتهم، مما جعلها تضيق الخناق عليهم وتطاردهم أو تعتقلهم، هذا الأمر حمّل الجهاديين الذين لم يعودوا بعد إلى دولهم على الذهاب إلى الشيشان والبوسنة والعراق وغيرها من المناطق التي تعرف توترا وحروبا، خاصة بعد الهجوم الذي شنته الولايات المتحدة وحلفائها على أفغانستان عقب هجمات 11 سبتمبر .2001 لقد غدا صعبا إدماج العائدين من أفغانستان أو الاطمئنان إليهم، فقد أثبتت الوقائع أن الخلايا الإرهابية في المغرب تشكلت على يد هؤلاء العائدين الذين دربوا العناصر المستقطبة على حمل السلاح وصنع المتفجرات· إنهم يطورون خبراتهم التخريبية وينقلونها لأتباعهم· ولم يعد من حل استعجالي سوى التركيز على الخطط الأمنية، إلا أن المقاربة الأمنية وحدها لن تكفي، على اعتبار أن الخطر ليس في العناصر العائدة من أفغانستان أو العراق أو الشيشان، بل الخطر الحقيقي في العقائد التي تشبعوا بها وحولتهم إلى عناصر لها استعداد تام لقتل الأبرياء، لهذا يتوجب على الحكومات والأحزاب والعلماء والفقهاء والجمعيات أن يواجهوا عقائد التكفير والعنف بعقائد نقيضة ويصححوا للناس وللشباب معتقادتهم وأفكارهم ·

هل يفسر وحده الوضع الاجتماعي على الصعيد الشخصي والعائلي نمو التيار الجهادي وخاصة بروز جيل جديد من الانتحاريين، ما هي المبررات الأخرى للظاهرة في تقديرك؟

كما قلت سابقا إن الجهاديين لن يعدموا مبررات ومسوغات يشرعنون بها جرائمهم· فإن لم يكن الفقر مبررا سيكون عامل آخر مبررا للعمليات الإرهابية كما هو الحال في السعودية أو إسبانيا أو الجزائر· وقد أجاب عن هذا الأمر تنظيم القاعدة نفسه، بحيث استنكر الربط بين العمليات الإرهابية في الخبر بالسعودية وبين الأوضاع الاجتماعية أو الأمنية كالتالي: من العجيب تصور من يتصور أن المجاهدين قاموا بذلك بعد أن ضيق عليهم من قبل الحكومة، فلماذا سلكوا طريق الجهاد في الأصل قبل أن ينالهم أي تضييق؟ أليست طريق الجهاد هي طريق القرح والضراء والخوف والجوع وزلزلة الأقدام وبلوغ القلوب والحناجر؟ كلا بل هو منهاج واضح يدعون إليه ويبينونه للناس منذ سنوات عديدة، لو تأمل المتسائل لوجد أن شريحة واسعة من هؤلاء المجاهدين الذين طُلبوا خلال هذه الفترة كانوا في الأصل بعيدين عن أعين الدولة، ونسبة من هؤلاء لم يخرجوا إلى الجهاد في العراق أو الشيشان أو البوسنة أو غيرها من قبل، بل الدولة تجهل أي علاقة لهم وصلة بالجهاد، مجلة صوت الجهاد عدد (14 ص 30)· إذن العوامل المباشرة لظاهرة الإرهاب التي تمارسها التنظيمات الجهادية ، هي عوامل فكرية وعقائدية وإيديولوجية· أما العوامل الاجتماعية أو السياسية أو الغزو الأجنبي لبلاد المسلمين، فهذه عوامل مساعدة وليس عوامل مباشرة· فدائما كان الفقر والغزو والاحتلال، فكان النضال والمقاومة ولم يكن أبدا الإرهاب وقتل لأبرياء·



#سعيد_الكحل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المراجعة فضيلة لم تنضج بعد شروطها لدى شيوخ التطرف
- أحداث 16ماي الإرهابية بين النجاح الأمني والفشل الثقافي
- حتى لا تفلح القاعدة في أفغنة شمال إفريقيا
- هل سيفلح تنظيم القاعدة في أفغنة شمال إفريقيا ؟
- لن ينتهي الإرهاب إلا بتجفيف منابع التكفير وتشجيع منابر التنو ...
- وزارة الأوقاف ومسئولية التصدي للتطرف والإرهاب 2/2
- وزارة الأوقاف ومسئولية التصدي للتطرف والإرهاب 2/1
- الإرهاب عقائد تكفيرية قبل أن يكون عبوات تدميرية 3/3
- حوار مع سعيد الكحل
- الإرهاب عقائد تكفيرية قبل أن يكون عبوات تدميرية 3/2
- الإرهاب قبل أن يصير عبوات متفجرة كان معتقدات متطرفة 1 .
- سيد القمني تعال نحب الوطن فإن الغربان لا تنهش إلا الجيف .
- الملك أكبر سند لمطالب النساء
- هل تفجيرات الجزائر تنذر باتسونامي الإرهاب ؟
- !!بئس الكرسي لما يصير هو العقيدة والقضية
- جماعة العدل والإحسان بين بهتان الرؤى وارتباك القيادة .
- بهتان رؤى جماعة العدل والإحسان
- مناصرة الإرهابيين قاعدة توحد بين مواقف الإسلاميين
- حَمَاس أبَاد أو إمارة -غزنستان- الإسلامية
- غزة بين الفتنة والطلبنة- 1


المزيد.....




- مشتبه به في إطلاق نار يهرب من موقع الحادث.. ونظام جديد ساهم ...
- الصين تستضيف محادثات بين فتح وحماس...لماذا؟
- بشار الأسد يستقبل وزير خارجية البحرين لبحث تحضيرات القمة الع ...
- ماكرون يدعو إلى إنشاء دفاع أوروبي موثوق يشمل النووي الفرنسي ...
- بعد 7 أشهر من الحرب على غزة.. عباس من الرياض: من حق إسرائيل ...
- المطبخ المركزي العالمي يعلن استئناف عملياته في غزة بعد نحو ش ...
- أوكرانيا تحذر من تدهور الجبهة وروسيا تحذر من المساس بأصولها ...
- ضباط وجنود من لواء المظليين الإسرائيلي يرفضون أوامر الاستعدا ...
- مصر.. الداخلية تكشف ملابسات مقطع فيديو أثار غضبا كبيرا في ال ...
- مصر.. الداخلية تكشف حقيقة فيديو -الطفل يوسف العائد من الموت- ...


المزيد.....

- كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين) ... / عبدالرؤوف بطيخ
- علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل / رشيد غويلب
- الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه ... / عباس عبود سالم
- البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت ... / عبد الحسين شعبان
- المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية / خالد الخالدي
- إشكالية العلاقة بين الدين والعنف / محمد عمارة تقي الدين
- سيناء حيث أنا . سنوات التيه / أشرف العناني
- الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل ... / محمد عبد الشفيع عيسى
- الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير ... / محمد الحنفي
- عالم داعش خفايا واسرار / ياسر جاسم قاسم


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - سعيد الكحل - الجزائر نيوز تحاور الباحث والكاتب المتخصص في الجماعات الإسلامية، المغربي سعيد الكحل حول ···