أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاروق سلوم - فؤاد التكرلي : الأفندي الأنيق ابن المحلّة البغدادية في الثمانين .. يحمل ذاكرة صبي !!















المزيد.....

فؤاد التكرلي : الأفندي الأنيق ابن المحلّة البغدادية في الثمانين .. يحمل ذاكرة صبي !!


فاروق سلوم

الحوار المتمدن-العدد: 2030 - 2007 / 9 / 6 - 04:58
المحور: الادب والفن
    



( الى فؤاد التكرلي في فضا ء عزلته الثمانينية.. )

شكد عيب .. قاضي ويكتب قصص ..
هذه العبارة في فترة فاجعة من فترات وعي المجتمع الراكد .. جعلت التكرلي لايتحدث مع زملائه القضاة عن الأدب أو القص ..
بل انه اكتفى برفقة المهنة .. لأن هذه العبارة .. هي العبارة الوحيدة التي شكلت مفتاح العزلة الغنية والفرادة الذاتية التي اختارها والخصوصية التي استمزج طبيعتها وعرفها عن قرب ..
انها ليست عزلة النخب اوالرفعة الطبقية اوالسحر في جلال الأمتيازات ؛ بل انها عزلة الروح الشعبي الذي يسكن فؤادا ..
بكل ذلك التواضع الأخلاقي والأناقة في المظهر .. الأناقة في كل شيء والنظافة والطهرانية والبساطة الغنية .. البيّنة طوال كل تلك السنوات ..
نحن لانتذكر غير التواريخ وهي تثمر ذلك المعنى البغدادي حين يأتي ذكر فؤاد التكرلي ..
وحين يذكرعبد الملك نوري في ذات الوقت .. معا بأستمرار
فقد عرفناهما هكذا .. عرفنا عبد الملك في كتاباته وقصصه القصيرة الجميلة الحديثة الأيقاع .. اواخر الأربعينات من القرن الماضي وحتى الستينات – راجع الكلمة والأديب و والأقلام فيما بعد - وتعرفنا الى التكرلي في الخمسينات من بعده .. قصصا قصيرة وروايات نادرة .
انهما ابناء تيار واحد وحداثة واقعية مقترحة لتغيير ممكن في ذلك الزمن الذي كانت بغداد فيه مركزا منفتحا على كل حداثة بحكم مكانتها وطبيعتها الدولية المتنوعة في الخمسينات من القرن الماضي .
ياللمقهى البرازيلي.. ياللمقهى السويسري
ويالجمال مقهى بيكاديلي .. والمقاهي الكثيرة ..
بغداد مدينة المقهى وهي فضاء الشفاعة الوحيد الذي يمنحك فرصة لترى ذاتك وسط الناس..
وياللنوادي الليلية والبارات والفسح والخلوات .. يومذاك
لكن مقهى حسن عجمي وروح شارع الرشيد هما مفتاح الروح البغدادي المحلي التي ارهقت فؤادا كل تلك السنوات ( وقد عاش فترات متفاوتة في بغداد وبعقوبة قبل ان يستقر نهائيا في بغداد ) ..
وهاهو مصر على مطاولته الشعبية طوال الوقت وفي اي حوار .. بحيث لانتذكر غير ذلك الأصرار العجيب على التمسك بتلك المحلية في المظهر والجوهر كما يفعل دائما.. وقد لايبدو مفهوما او حتى مقبولا او حتى مختلفا عن شخوص اعماله .. امام وعي ، وتأمل ، موجة الحداثة العارمة من حوله التي اعتنت بأسقاط كل ارث قديم مهما كان قريبا ..
.. لكن فؤاد التكرلي منذ اول الوقت اصر على الواقعية الجديدة . مقابل .. الحكي ..عند ذنون ايوب ؟؟
وأصر على تطوير السرد وان كان محليا .. ويوميا .. وساذجا لكن .. بوعي ..
وكنت اقول دائما خلال لقاءاتي بالروائي فؤاد التكرلي .. بعد ان عمل في الأدارة الثقافية او في تونس وباريس انه رجل عميق .. غير مدبّر – بضم الميم وفتح الباء و تشديد ها –
فهو غير قصدي ..فطري مجبول على التمسك بفطرته بحيث لاتحس بعمق ثقافته التي تعود الى دراسته القانون في باريس.. الا بعد اقتراب فاحص وتأمل ضافيين لترى التكرلي وقد انكب منذ الستينات وهو يخطط لرواية الرجع البعيد .. بحيث لم تنته لديه الاّ بعد احدى عشر سنة .. ياللصبر العراقي الجليل ..
.. ولقد اصر التكرلي على تلك النزعة البغدادية المدينية .. مقابل اي اتجاه آخر..
كان رهانه العالمي على هويته .. ولم يكن طالبا لشهرة او باحثا عن مجد بل انه نأى بنفسه عن اي حضور اعلامي او اية نزعة للعلاقات العامة وظل كتوما مكتفيا بمونولوغه العراقي الداخلي ..
و حين تقابله فانه - يحدثك - يحدث نفسه بلغة المقهى وحوارات ( عمة عدنان بطل الرواية اوجدته عن الحياة والطعام والشراب واخبار الناس) كما في رواية الرجع البعيد ..
لقد ترجمت اعمال التكرلي لاحقا الى الأنكليزية والفرنسية .. لكنه غير مكترث بمجد متأخر لأنه لم يكن يبحث عنه في بواكيره .. كما لم يكن يكترث بنزوع النخب ونزواتها طلبا لميزة خاصة ..او رفعة اجتماعية محددة بل كان يمثل بساطة الذات الشعبية البغدادية غير المطلبية بكل معنى الرضا والبساطة واليومية .. كما كل صباح عند الخباز او عند بائع الخضار او عند القصاب ..
ويبدو ان اقترابه من العامل والرجل العادي في الشارع هو اجمل لديه من اية اقترابات لطقوس نخبوية.. بل انه يتبرم ولايشعر بالراحة ويقاطع المجتمع كلما احس بنوع من البروتوكولية او ألأفتعال ا والتعالي الكاذب اوالطبقية المقنّعة ..
وفي ثقافته اذ سألته مرة فأنه وبرغم اعتزازه الشديد بفلوبير وستندال .. يرفض بلزاك لنقل لايفضله .. وحتى انه لم يكن يستطيع ان يتحمل طريقة نجيب محفوظ المشابهه لأسلوب بلزاك ..لأنه كان يعتبر جيله وخصوصا هو وعبد الملك نوري اكثر حداثة من نجيب محفوظ .. دون ان يبخس التكرلي مكانة محفوظ وريادته كما يقول دائما .
كأنّ قدرا مكتوبا هو الذي يحمل كل تلك المعاني الثابتة على سمت التكرلي ولاتتغير ..
المحلية باصرار .. وهي المحلية ..التي تشكل مغامرة كبرى خاسرة ..فيما يذهب الآخرون الى تيارات اللاوعي .. والتداعي الحر .. والسحرية .. والرواية الصعبة ..
الوحيدان اللذان منحا الروح المحلية في فن القص معنى مختلفا هما فؤاد .. وعبد الملك اقول اسميهما هكذا كهوى عراقي ( للميانة ) والحب .. والاقتراب .. والأثنان مختلفان ومقتربان ..ولكل منهما خواصه وصفاته ومزاجيته .. لكن التكرلي نمط بغدادي بكل ترف الكلمة وبساطتها ايضا .
ربما ينبغي ان نتذكر بأعتزاز مهدي عيسى الصقر ومحمد روزنامجي ..
ولكل منهما ايضا خاصيته ، ولغته واهتماماته ومكانته ؛ وربما مطلوب ان نعتز بذنون ايوب والروزنامجي وابناء جيلهما على قلة من كتب القصة والرواية يومها ، لكن يظل فؤاد مخلوقا غرائبيا في بساطته المتفردة .. مطاولته وطاقته على التحمل والأصرار على خياره .. الوحيد الواقعية المحلية دون ثمن او شروط .
لو ابتدأنا من المسرات وهي روايته الأخيرة فانه لم يتغير لافي المنهج ولافي الأسلوبية بل الذي حصل هو المزيد من النضج في الرؤيا للواقع العراقي .. والاّ فان شخصيات عمله كلها من هذا الواقع الرافض لكل قيد ... حيث يتمرد ويرفض ويتماها بطل الرواية - توفيق - الفاسد لكنه الشخصية الواقعية لحياة مرة ومجتمع صعب ..
وفي الرجع البعيد – الذي رفض الرقيب نشرها في بغداد الاّ اذا غير فؤاد التكرلي شخصية عدنان ومايرتبط بها من احداث واشخاص – ولأنه لم يقبل ذلك فقد حملها الى الخارج لتنشر فهو مصر على اشخاصه ومبتنياتهم السيكولوجية والأخلاقية ..
عدنان ومدحت بطلا الرواية العراقية كلاما ..وقصا واحداثا .. الرجع البعيد هي في حقيقتها شهادة فؤاد التكرلي على عصر وذوات ومجتمع متنوع .. ومتوافق يقبل الفساد .. ويقبل العفة .. يتعامل بواقعية مع انحراف فتاة تظهر حاملا امام والدها .. ويقبل نزاهة الروح عند نساء يملأن المشهد تفسيرا لكل انحراف في مجتمع خلاّق لروح البقاء وتفسيرها وتبريرها ايضا . فلماذا يخرج التكرلي من هذا العالم وقد اضفت مهنته عليه كقاض المزيد من البصيرة والحكمة والأدراك لفواجع المجتمع العراقي الشعبي وتناقضاته وغناه الدرامي بكل حدث بليغ ايضا .
وفي المثل البغدادي ( نعل ابو الشي اللي مايشبه اهله ) .. هي العبارة التي تجعلنا نفهم لغة التكرلي وتواصله الى درجة الملل ..
لكن كلما نضج القاريء.. تيسر له فهم طبيعة التكرلي الذي تشبهه رواياته وتشبهه كلماته مثلما تشبهه ملابسه الأنيقة ونظافة اصابعه التي ابيضت من الأغتسال كل نهار .. لفرط حساسية فؤاد وندرته .. ومن اقترب من فؤاد وعرف طبائعه .. عرف كم هو متطير وهاديء .. وكم هو مزاجي وانتقائي .. وكم هو خير وبريء .. وكم هو عميق .. وبسيط الى درجة تثير الأستغراب عند الكثيرين . لأنه مكترث بصورته في مرآته الشخصية وليس مكترثا بما يلوح في مرايا الاخرين منه ..
لقد عاصر اجيالا من السياسيين وشهد تقلبات العراق السياسة لحقب ثكلى ومحملة بألأسى .. وكان مسؤلا في قاعة المحكمة عن الظلم والمظلومين .. ولم يكن كما ذنون ايوب يريد رواية الصراع والقاء حكمته على الملآ .. بل كان يريد كشف جوهر الصراع وخباياه النفسية والتربوية والأجتماعية ..
( الأدب هو صدق .. هو تعريف العالم بالمحلية ) .. انها لشجاعة ان يقولها فؤاد علنا كل مرة يسأل فيها ويرددها امام نزعات مضادة لكل ماينطوي عليه القول من واقعية وبساطة .. لذلك حين قام هو بنقل فن القص الواقعي الى مستويات مختلفة عن جيل المؤسسين .. لم يدّع الريادة بل انه قال بواقعية الحدث وواقعية التجديد وتنوع الأجيال .. ودافع عن روحه ومغزاه وتنوعه وفسره ورسم له اطارا في الوجه الآخر واقاصيص وفي الرجع البعيد والمسرات وخاتم الرمل وقصص قصيرة نشرها عبر السنوات .
في ضخامة اللامرئي لديه صرنا نرى اللامرئي في حقائق تقترب من الوثيقة .. لشخوص يمثلون منتهى الحكمة والتواضع والأخلاق .. وفي شخصيات تمثل منتهى الأنحطاط والسقوط لكنهم يرتدون اقنعة المجتمع الذي يبرر وجودهم .. وياللكلب الذي يحب قاتله .. ذلك المثل الذي سنقراه في غير مكان كتعبير عن تقريع لمجتمع الأقنعة والأكاذيب .. والواقعية التي ارادها التكرلي ان تكون اداة لكشف كل زيف ..
اليوم نصافح وجهه النظيف .. وكفيه التين غسلهما الف مرة ليتبرا من كل رجس اجتماعي .. واناقة مظهره الكلاسيكية البسيطة التي تمثل كبرياء الرجل وعمق انتمائه وعراقيته وهو في الثمانين يعلمنا كيف نكون اكثر صدقا مع انفسنا واكثر دلالة مع الآخرين .. واكثر وطنية وعراقية في وقت نفتقد فيه الى كل رمز وطني وكل معنى اصيل .. وكل عام والعراق واهله بخير ايها التكرلي النبيل ..



#فاروق_سلوم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العربي الجيد ..هو العربي الميت
- تارا مكّلفي .. تواجه الأسئلة عن كتابها( وحشية ).. الأكثر انت ...
- بأنتظار صحوة النخب .. ومحنة خدر العوام !!
- الخبير الدولي .. الفنزويلي فرناندو باييز : رأيت بعيني وسجلت ...
- رؤية معمارية للفضاءات السبع لجسر الصرافية !!
- الفيلاّ الخضراء :استعادات في مخبأ غريتا غاربو السري !!
- جارلس سيميك .. جائزة الأكاديمية الأمريكية للشعر
- عمارة الكلام ..وعمارة المكان ..بين شارع الأميرات ..وشارع جبر ...
- كانت الذات الأنسانية ميالة الى الجريمة دائما !
- مهرّب الخيول النرويجي بير باتيرسون ينال جائزة أمباك للرواية
- خالد السلطاني :معرفة العمارة وتأويلها
- تقشير الفستق :فوتوغرافيا الغروب الأخير على شفق بغداد
- وداعا انغمار بيرغمان شاعر السينما العالمية
- آخرة الحكمة : مندايا الرحيل .. مندايا الأياب
- اعادة لمقولة الغياب
- مندايا سفر الخروج
- عيون عميه ....
- مندايا ..ملكا نورا
- مندايا
- غونتر غراس في ليلة الصعود


المزيد.....




- -نظرة إلى المستقبل-.. مشاركة روسية لافتة في مهرجان -بكين- ال ...
- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاروق سلوم - فؤاد التكرلي : الأفندي الأنيق ابن المحلّة البغدادية في الثمانين .. يحمل ذاكرة صبي !!