أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جلال نعيم - رواية -إعجام- و-أريج- بغداد أخرى!















المزيد.....

رواية -إعجام- و-أريج- بغداد أخرى!


جلال نعيم

الحوار المتمدن-العدد: 2027 - 2007 / 9 / 3 - 09:50
المحور: الادب والفن
    



ما زلت اذكر تقديم الرائع رؤوف توفيق لفيلم (يوم خاص) في كتابه (زمن السينما الصعب):
إمرأة ورجل وراديو..
اما المرأة فهي صوفيا لورين
واما الرجل فهو مارسيلو ماستروياني
واما الراديو فلايكف عن نقل مراسم استقبال موسوليني لهتلر في يوم ما من ثلاثينيات القرن المنصرم ..
هكذا حضرت اكبر دكتاتوريتان عبر المذياع ... وهو ما يذكرنا بمقولة سارتر بان افضل وسيلة للتعبير عن الحرب هو الإصغاء إلى مارش عسكري ...
ولربما كان لهذه التداعيات ضرورتها حال الانتهاء من قراءة رواية (اعجام) للروائي العراقي سنان انطون ، فرغم انه قدم وصفا هائلا لكيفية اغتصاب بطله في أحد سجون صدام ، إلا أن الإدانة الأجمل ، والتعبير الأكثر فصاحة من خلال اصطياد التفاصيل الصغيرة المعبرة عن ذلك العهد بكل جلاء ... وكأنه بذلك يمارس تحدي (لوركا) عندما يعلن بأن بإمكانه أن يكون (شاعر أبر الخياطة) لو أراد ...!

* * *

بهذه البساطة يقودنا (سنان أنطون) إلى فخاخ عالمه الذي عاش ..حيث يتآمر الجميع لدفعه على الكتابة داخل السجن ، وكأنه قدره الذي لا ينتهي رغم نفاد الورق في آخر الرواية .. وهو بذلك إنما يمارس رفضه وسخريته متخذا من الكتابة بدون تنقيط وسيلة ، ومن قلب الأسماء وسيلة أخرى : فهو عالم مقلوب لن تفلح فيه المحافظة على مسمياته ، بل قد تسترجع دلالاتها الحقيقية بقلبها وتشويهها ، لأنها ولدت مشوهة في الأساس ، وما الغاية منها غير تشويه الوعي أو طمس ملامحه ...فالقائد هو القاعد والبعث هو البعص والحقوق تصبح العقوق، ووزارة الثقافة والإعلام إلى وزارة السخافة والإيهام.. (( كنت أتلاعب بترتيب الكلمات والصور وأبعبصها على هواي وبما يتلاءم مع مزاجي. بدأت بالأغاني السياسية وبلمسات بسيطة هنا وهناك كانت تصبح أكثر واقعية..)) (ص14)
تأتي هذه التداعيات على قلم البطل وهو يروي لحظة اعتقاله واقتياده من كلية الآداب، حيث يدرس، إلى مديرية الأمن العامة، وكل "بطولته" تكمن في "مقاومته السلبية" للأوضاع من خلال سخريته من النظام القائم حينذاك ورأسه، حيث يخبره "صلاح" ضابط الأمن:
(( احنه معجبين بآرائك وأفكارك ونريد نسمع منك.
ثم نظر إلى المقبرة التي كانت تبتعد وراءنا وأضاف: وروح النكتة اللي عندك؟)) (ص18) هكذا يقتادنا الكاتب إلى صلب الحدث، منذ الصفحات الأولى من الرواية، حتى لتظن بأنه ألقى بالكثير مما في جعبته، ولم يبقي لنا ما يستحق مواصلة القراءة أو الانتظار، ولكنه يداهمنا بانتقالة، ذكية ومفاجئة، بعد عدة سطور:
(( عدت الى البيت.. )) (ص18) لنكتشف انه إنما عاد لزمن سابق، حيث تخبره جدته بأن ناطقاَ رسمياً صرح بضرورة تبرع المواطنين بأعينهم دعماً للمجهود الحربي!:
(( ظننت أن الخرف و الخوف كانا قد تسللا إلى رأسها وأخذا يعبثان به. لكن المذيع ظهر على الشاشة ليكرر تصريح الناطق العسكري))(ص18) ثم يستدرك لاحقاً )( هه! كيف نسيت إننا نعيش في احتفال عبث دائمي منذ عقود يشرف عليه حزب العبث نفسه! وأن كل شيء ممكن!)) (ص19)
بهذه البساطة، وبهذه المهارة، يهيئ "سنان أنطون" قارئه لاستيعاب ما حدث برواية ما يمكن أن يحدث، إنها غرائبية مصاغة بكاريكاتورية مفجعة، تساهم في تشكيلها لغة شاعرية، حيوية ومتألقة، هي أقرب للعملية منها إلى اللغة الإستاتيكية الجامدة، لغة تحيل حتى ثرثرة السجين وما يقاسيه إلى متن حقيقي يعبر عن ذاته وعوالمه، والعالم المحيط به: (( أن تعيش هنا يعني أن تمضي ثلاثة أرباع عمرك في الانتظار. انتظار أشياء نادراً ما تجيء: غودو، الثورة، الباص، الحبيبة.. الخ. ويستغرق الانتظار وقتاً طويلاً لأن الوقت، نفسه، مواطن مشرّد ومعتوه يتعثر بخوف ويسقط على الأرصفة ليبصق ويتبول عليه التاريخ بدون رحمة.)) (ص24)
هكذا يساهم التكنيك الذكي، المعتمد على الانتقالات المباشرة والسريعة، بتشكيل الرواية على هيئة سلسلة من الحلقات المتتابعة، أو التتابعات المتصلة- كما في لغة السيناريو- التي تقود إلى تطور الشخصيات، ونمو الأحداث لتصل الى ذروتها، وما توخاه الكاتب في "إعجام" هو تدوين وفضح لا إنسانية الأوضاع التي عاشها العراقيون على مدى عقود طويلة ما زالت تنخر في الدم والعظم والأعصاب، وهو ما نقرأه في مشهد "لجنة شرحبيل الطبية العسكرية"، "بار منصور منصور"، حديث الجدة عن الشهيد الذي جلبوه إلى أسرته"، انتخابات اتحاد الطلبة"، "ملعب الشعب"، ثم في تظافر ونمو متوازي مع ما يجري له في المعتقل، والاغتصاب المتكرر له بشكل خاص. ولم تتجاوز بعض هذه المشاهد الخمسة أسطر، ولكنها احتفظت بأهميتها، وطرزت الرواية بتنويعة خاصة وعكست شيئاً مما عاشه العراق في تلك الفترة، وشكلت خطاً من ملامح البطل وتشكيلة شخصيته، حتى شكلت ثرثراته ميزة، أحياناً، منحت الرواية شيئاً من ثراءها.

* * *

وتتساوى عبثية الداخل (داخل المعتقل)، بخارجه في "إعجام"، كما تتوازى القسوة والفوضى واللاعدالة، وكما تهيمن الغرائبية على الكثير مما يحث في الخارج، نجد ذلك نفسه يحدث في الداخل:(( أيقظني صرير الباب وهو يفتح مهشماً إغفاءة قلما يسعها أن تكتمل قبل أن تصطدم بصرخة أو أنين أو صوت باب يفتح أو يغلق. لم أكن أتبين الأشياء بوضوح. أطلّ أحدهم وألقى برزمة أوراق في وجهي وضحك بسخرية، وقال باستهزاء وهو يغلق الباب:
-- هاك يا شعّار أكتب! بلجن تربح النوبل وانته بالسجن.. حتى يفتخر بيك العراق!)) (ص59)

* * *
ومن بين ركام الوقائع/ الكوابيس، تولد وتنمو "أريج" لتهيمن على الوجه الآخر من الرواية، وتمنحها شيئاً من أريجها!
تأتي بهدوء الأنثى وعذوبتها، لتشكل معادلاً موضوعياً لكل ما عداها. وبالعودة الى الصفحة الأولى من الرواية، نجد أن الروائي قد توجها لتؤدي هذا الدور بجدارة، وادخرها لتتألق في النصف الثاني منها:
(( - صباح الخير.
لم يكن صوت أريج الحليبي الدافئ الذي كنت أتوق إليه، بل صوت أبي عمر، ضابط الأمن في قسم اللغة الإنكليزية الذي كنت أحد طلابه.)) (ص11)
إلا إنها لا تظهر إلا بعد حوالي الستين صفحة:(( كنتِ يومها تقفين لوحدكِ كجزيرة صمت وسط ضجيج التصفيق والشعارات غير آبهة بمهرجان الإسفاف، تتصفحين مجلة.)) (ص67) ثم (( كنت أقرأ تفاصيل جسدكِ بنهم طفل يتعلم لغة جديدة. وحين لا أحصل إلا على مكان خلفكِ في القاعة، كنت أستهل طقسي من شحمة الأذن التي غالباً ما كان يطعنها قرط فضي، برغم الثراء والانحدار الطبقي الذي كنت تحاولين تغطيته ببساطة أنيقة، إلى الرقبة الناعمة، ثم ما تيسر من الزند إلى الأساور الفضية التي كانت تتراقص كمجموعة من الغجر حول رسغك حين ترفعين يدك لتجيبي على سؤال..)) (ص68)
ومع كل سطر عن "أريج"، ومع كل كلمة في حوار لها تتأكد لنا صورتها لا كعنصر معادٍ للنظام فقط، وإنما مناقض له في كل شيء، في تخلفه وانفتاحها، في قسوته ورقة قلبها، في جفافه وعذوبتها، في جهله وحدة وعيها، في بداوته وتحضرها.. لذا يتأصل التحامها بالبطل بعد أن تدعوه إلى بيت أهلها المطل على دجلة، لمشاهدة لقاء ممنوع مع الجواهري، حيث نجد مكتبة عامرة بالكتب العربية والإنكليزية والفرنسية، ولوحات أرقى الفنانين العراقيين، انتقاها والدها المهندس المعماري، الذي أتخذ البناء وظيفة، بينما لا يحسن "الآخرون" غير الحرب/ الهدم/ والإفناء.. إنها بلا شك تمثل شريحة من المجتمع البغدادي، إن لم نقل تتمثل صورتها، او ربما هي بغداد الحلم، ومن ثم عراق الأمنيات المغدورة!
* * *

ومع "أريج" يكتمل بناء "سنان أنطون" الروائي في "إعجام" فلا يتبقى للبطل السجين غير أن يبتكر معادلته الخاصة للخلاص، سواءً بوعيه أو بلا وعيه، بالواقع أو بما توفر له من فرصة للهروب أو للخلق، ومن خلال توفر الورق والاقتراب من لحظة نفاده.. لذا عليه أن يقلب المعادلة: معادلة الواقع/ الكابوس إلى نقيضها: الحلم، أو تسطير هذا الحلم على الورق، خاصة وأن العالم، عالمه، بعد طول فترة الاعتقال وقسوته، قد تحول من واقع حقيقي ومتجسد إلى افتراض، حاله كحال اللغة، قد تفترض فيها الشيء ونقيضه معاً، لغة ليس لها من جدار تصطدم به وهي تقبع خلف الأسوار:
(( دخل أحمد مبتهجاً، وكانت أول مرة يزورني فيها منذ أعطاني الأوراق:
-- جيت أبشرك. خلصنة. صار انقلاب البارحة وسافر الطاغية لليبيا وطلب لجوء هناك. استلمت الحكم جماعة إسمهة "العراق الحر" وصدر عفو عن كل المحبوسين. فحضر نفسك حتى تطلع...)) (ص128) ثم يسترسل في حلمه على مدى ست صفحات ربما هي أثمان ما في أوراقه وما في الرواية أيضاً:
(( فهذه هي الورقة الأخيرة. متى يجيء أحمد ثانية؟ سأطلب منه المزيد من الورق. نعم .. أريد أن أكتب المزيد. ربما أطلب منه أن يتصل بجدتي وبأريج ليطمئنهما عليّ ولتعرف بأني هنا(ك). سيطفئون النور بعد قليل. أين أنت يا أحمد؟)) (ص134)

* * *

هكذا نتذكر امرأة ورجل وراديو.. في فيلم (يوم خاص) الإيطالي.
ونتذكر امرأة ورجل وجدار في "إعجام" "سنان أنطون" الذي تألق مرتين، مرة في وصف "أريج" بغدادنا المفتقدة، وأخرى في وصف الحرية، وحلمها:
(( كان كل شيء هادئاً عند البوابة الخارجية. لم يكن هناك الكثير من السيارات في الشارع. أبصرت عمودي دخان من الناحية الشمالية. قبّلت خدي ريح باردة وخجولة كأنها ترحب بي في شوارع بغداد من جديد، وكانت الريح نفسها تحاور أغصان الأشجار الباسقة على جانبي الشارع فتبادلها بحفيف جميل. خطرت لي فكرة بسيطة وعميقة في الوقت نفسه: أليست الحرية أجمل إحساس في الوجود؟ الحرية اليومية البسيطة التافهة. لم أسمح لعلامة "ممنوع المشي" التي كانت تطعن الرصيف أن تعكر مزاجي. ما أحلى أن أمشي دون أن يصفعني جدار!))(ص131)
أين نحن من توق "الخلاص" هذا الآن؟
وأين يمكن أن تكون "أريج" إذا ما بقيت على قيد العراق؟



8/12/2007
لوس أنجلس



#جلال_نعيم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- Meanwhile.. In Baghdad?
- Little Saddam!
- [email protected] الى
- الماموث
- بوكوفسكي .. في قصيدتين !!
- بوكوفسكي .. وثلاث قصائدعن الأسى ..
- بوكوفسكي وثلاث قصائد عن المرأة ..
- تيليسكوب .. قصيدة للشاعرة الاميركية -لويز غلوك- ..
- عندما تطير الأفيال .. ! فك آ هات عراقيّة !
- فئران قارضة للحياة !
- خطوة اولى في الرد عن سؤال الغربة!
- نجم والي في -صورة يوسف- سؤال بحجم كابوس .. وكابوس بروعة حكاي ...
- فحل ! قصة قصيرة للشاعر الأمريكي تشارلز بوكوفسكي
- إنتصارات مزدوجة !!!
- ترقّب صاخب
- قطارات
- خطيئة ..!- قصة قصيرة جدا
- -انتحالات عائلة - لعبدالهادي سعدون واسطورة الكائن العراقي ال ...
- قراءة أمريكية لرواية عراقيّة
- ألقفص ألزجاجي


المزيد.....




- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جلال نعيم - رواية -إعجام- و-أريج- بغداد أخرى!