حسين عجيب
الحوار المتمدن-العدد: 2026 - 2007 / 9 / 2 - 11:07
المحور:
الادب والفن
صحيح ....يموتون فرادى,يذهب كلّ واحد بمفرده عاريا كالصفر,ماذا يترك وماذا يبقي...
عصام الخطيب الموسيقي الأعمى أم عمّ فريدة السعيدة, الأكاديمي أحمد معيطة أم أبو غسان لايقة....غادروا....كأنهم على موعد.
صاروا طعاما لحكايات والأساطير العائلية,خفافا رحلوا....رأوا ملك الموت على انفراد وهو ينتزع حبّات الروح قطرة بعد أخرى....
بالرفقة التي تتكرر إلى خيم العزاء,عيسى وعماد وعدي هذه المرة.
أحار بالكلام المناسب في حضرة الموت, أدخّن كثيرا وأنكفئ إلى هواماتي الطفلية, وتسعدني المغادرة...
ما أجملهم وهم يغادرون.
كلهم يتحولون إلى خفاف ظلّ, مرة وإلى الأبد.
طريق بكسا أكل قطعا من عمري....قبل مفرق ثقوبين يرنّ موبايلي ويعيدني إلى الواقع. م_ م هو منذر مصري,مثله ي_ي ياسر دريباتي....كما لفتني أحمد جان مرّة: أنت مسكون بالصيغ الجاهزة يا حسين, تمرّن على الحرية...", الصوت ضعيف يا صديقي ....
فاطمة ناعوت الشاعرة المصرية في البسيط, هل ترافقني إلى هناك؟
أجل, نعم يا منذر, بالتأكيد أرغب بمصافحتها ورفقتك جميلة حقا.
*
في سفينة نوح أشرب بتأني على غير العادة, ومع البحر والأصدقاء الندماء,اشرب ببطء وتلذّذ...
وصل الأستاذ منذر,نرفع نخب الأصدقاء,ونفترق, عيسى وعدي إلى جبلة_عماد ومصعب إلى التسكع المفتوح في اللاذقية_ وطريق البسيط يفتح ذراعيه لسيارة منذر...
_شكرا يا منذر على مقالتك المتوازنة والشاعرية عن فراس سعد... جمعنا لقاء عابر منذ سنوات, وأوافق على كل ما جاء في النص,روح شاعر ونزقه في بازار السياسة, كنت أقرأ نصوصه المتأخرة بارتباك كبير...قلق الشعر في السياسة,ربما...
حتى في السجن توجد مراتب وتراتبيات,أكثر من ذلك,في الموت وفي كل شيء_ طبقات دنيا وطبقات عليا_ في بلادنا المدهشة....ليس في الطموح ما يعيب أحدا,ولا على الطيش والمغامرة...أليستا الطريق الوحيد إلى الإبداع والفن...! متى سنتوقف عن نبذ العنف فعليا!؟
يتدفق سيل الذكريات الداخلي, وعلى باب مسبح شاطئ الأحلام....
_فاطمة...أنا منذر....
شايفتك....التفت.....أهلا ومرحبا.
مصافحة باردة من فاطمة.
.....عجيب...أهلا أهلا.
*
لا تفاجئني برودة رشا عمران في مصافحتي, يتكرر ارتباكي, وأنسى وجود الأصدقاء مؤقتا...بماذا أخطأت معها يا حسين ...لا تحاول,المرارة هي الوجه الأعمق للغضب....حسّون هنا,حفاوة ثائر ديب الصديق العتيق,تعدّل مزاجي تماما...ثم أنتبه خضر...عفوا أنت خضر الأغا يا مرحبا... صداقات مشتركة أبرزها حازم العظمة....حازم من لا يعرفه!
الطقس حار جدا والرطوبة مرتفعة, وأخيرا أجرؤ على السؤال,هل توجد حنفية مياه قريبة...؟
_ تفضّل حسين بكسر الحاء, ترافقني فاطمة بحفاوة صاحب البيت الودودة,هنا, أغسل وجهي وأبلل شعري...ثم أشعر بالانتعاش ومتعة السيجارة الجديدة, شكرا يا فاطمة أنت زينة البسيط...لقد أدركت اللطف المصري أخيرا...لم أتعوّد على الملاطفة والاحترام,تدمع عيناي لدى بادرة لطيفة, أنا قادم من هناك...من التعتير والمرض وغلظة الطباع...
أستسلم بعد لمسة حنان, وأتحول إلى حمل وديع ومرتبك.
_تفضّلوا نشرب البيرة على البحر, ثانية يصلحها ثائر,ويخرج الجلسة من الرتابة واللوم المقنّع.
.
.
.
يرتفع الصراخ في بيت أهلي....
المرارة لا تترك ثغرة للحوار أو المصالحة.
المرارة سمّ يتحول إلى غضب مدمّر,بعد احتكاك بسيط.
صفعات متتالية على وجه زياد أو طارق, وأفكّر جديا بالمغادرة فورا إلى اللاذقية والتذرّع باتصال عاجل.
لم أتدخّل,جريا على أسوأ عاداتي لم أتدخل, لم اقل لزينب...انظري... إنك تكررين مع ولديك أكثر ما كرهتيه في أهلك وخاصّة أمك...!
ليس لتدخّلي فائدة,قد أزيد الأمور سوءا وضررا. دائما أجد الأعذار لعدميتي وبلادتي.
.
.
.
ألم تتكرر نفس الحركة في البسيط!
بدل حوار دافئ, يضيف لمعرفتنا بمصر وشعرائها, ندخل في جدال سوري مزمن....ونكاد نفسد السهرة.
هذا هو السوري النموذجي: يعطيك قطعة من جسده مقابل كلمة دافئة, وينتزع قلبك بلا رفّة جفن في لحظة طيش وسوء تفاهم لا أكثر.
*
كيف تترك هذا الجمال, وترمي نفسك في المجهول؟!
يا فاطمة...في سوريا احترقت أصابعي ولساني وأعصابي.
سيوجد دائما هارب
وثمة راع طيب يستقبل الهارب.....أضحك على نفسي, لا أكثر.
.
.
لا يوجد عذاب أكبر بعدما تمتلئ النفس بالمرارة والغضب.
*
البارحة في البسيط,مع قمر مكتمل وكوكبة من الأصدقاء...كنت حزينا.
اليوم في بيت ياشوط, على سطح منزل أهلي وفي ظلّ عريشة عنب ودوايين...رباعيا ت بيسوا والشاي ليس بطيئا لمنذر وبيت سوزان الذي من سكر ولوز...وما أزال حزينا.
العطب في جملتي العصبية, في كيمياء المخّ, في أفكاري الفاسدة, العطب في الجذور لقد تسّوست واهترأت.
أرغب بتغيير جسدي وعقلي وهويتي....وحده الشعر يخفّف مرارة اليأس.
.
.
مع السلامة يا فاطمة...
ليتك تحدّثت عن مصر, عن حبيبك المسافر والشعر...أي شيء.
فنّ الإصغاء مشكلة سوريا. هل هي مشكلة مصر أيضا؟
مع السلامة يا فاطمة, سلام لأصدقائنا ورواحنا الهائمة.
*
في اليوم الثالث...هذه الحياة جديرة بأن تعاش بشغف واحتفاء.
على غير العادة,أستيقظ مع الشمس, أحلق ذقني بحيوية, ومع التين والعنب الياشوطي يبدأ صباح جديد لا يتكرر. أشرب قهوتي في حالة نشاط ذهني وجسدي, اشعر بالسعادة.
قبل الثامنة في ساحة عين قيطة انتظر ميكرو باص جبلة, دقائق ويصل, أجلس في مقعد مزدوج....وكأنني على موعد مع الجائزة, تصعد صبية فائقة الجمال وتجلس بجواري....
رائحتها...شعرها....قوامها...حواء فعلا,لكنني لست آدم لسوء الحظ.
.
.
.
الآن في غرفتي وأمام كمبيوتري الرائع, فكّرت في تجذيب وتهذيب هذه القصاصات, وفكّرت في كشف ما جرى حقيقة مع الصبية فائقة الجمال, فكّرت....هذا يكفي.
الحياة على هذا المنوال دوما,تعبرنا "اعتباطا"قبل الوعي والإدراك وقبل وجودنا,وتغادرنا "اعتباطا" على خلاف رغباتنا وقراراتنا وأفعالنا...أيا تكن.
صباح رائع على طريق بيت ياشوط جبلة,يوم جميل مرّ أيضا.
#حسين_عجيب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟