رياض العصري
كاتب
(Riad Ala Sri Baghdadi)
الحوار المتمدن-العدد: 1964 - 2007 / 7 / 2 - 10:43
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
ينطوي نقد الفكر الديني على أهمية بالغة لكونه يمثل اعادة تقييم للفكر الذي ساهم الى حد كبير في تكوين ثقافتنا وقيمنا وفي تشكيل نمط تفكيرنا وأسلوب نظرتنا الى الاشياء التي من حولنا , فالمجتمعات العربية بحاجة ماسة الى أعادة النظر في الكثير من قيمها وثقافاتها , وسنحاول في بداية المقال ان نلقي نظرة سريعة على جذور نشأة الفكر الديني , ثم نستعرض وباسلوب نقدي بعض المفاهيم والمنطلقات للفكر الديني , وفي الجزء الاخير من المقال سنسلط بعض الضوء على مقترحنا بتأسيس عقيدة جديدة ذات أسس علمية وواقعية وتنسجم مع سمات ومتطلبات عصرنا لتكون البديل المناسب للعقيدة الدينية , هذا وقد نشرنا سابقا عدة مقالات بخصوص هذا المقترح
ـ ظهرالفكر الغيبي ونمى مع بدايات نمو الفكر البشري كفكر يشتمل على مجموعة من المفاهيم الغيبية على شكل اساطير وخرافات وروايات عن عالم مخفي في ما وراء الطبيعة , وقد كانت البداية الفعلية لظهورالمعتقدات الغيبية وانبثاق الطقوس والممارسات ذات الصلة بهذه المفاهيم بعد انتقال الانسان البدائي من مرحلة الصيد الى مرحلة الزراعة حيث تحقق الاستقرار وظهرت التجمعات السكانية البدائية وازداد وعي الانسان عمقا واتساعا , ان تحول الانسان البدائي من مرحلة الصيد والعيش في الكهوف الى مرحلة الزراعة والعيش في القرى كان تحولا ماديا طبيعيا في اسلوب المعيشة كحال التحولات التي حدثت في اساليب معيشة جميع الكائنات الحية الاخرى منذ نشأتها , هذه التحولات التي حدثت في اساليب معيشة الكائنات الحية قد فرضتها قوانين طبيعية مثل : قوانين الصراع والمنافسة على المجال الحيوي , وقوانين التحول والتطور لصالح الاكثر استقرارا والاقوى جاذبية والاطول بقاءا وديمومة , حيث تتمثل قوانين الطبيعة في ( الصراع من اجل البقاء بين المختلفين , والبقاء للاصلح بين المتماثلين , والبيئة تنتقي كائناتها , والاتزان في الطبيعة , وجاذبية المضمون على غير المضمون ( او ما يطلق بجاذبية المعلوم على المجهول ) , وجاذبية الوفرة على الشحة ( او ما يطلق بجاذبية الغنى على الفقر ) : حيث توفر الزراعة طعاما مضمونا ووفيرا بينما الصيد لا يوفر الا طعاما محدودا وغير مضمون ) هذه كلها قوانين مادية طبيعية تفرض على جميع اصناف الكائنات الحية التحول والتبدل وفقا لظروف البيئة , ومن يفشل في التوافق مع ظروف بيئته وشروطها لا فرصة له في البقاء في هذه البيئة , وبما ان المصادر الدائمة للماء والغذاء تمثل مصادر جذب للانسان في كل مكان وزمان لانها تعتبر المجال الحيوي للانسان ولكل كائن حي , ولان المقيمين في الكهوف قد ازدادت اعدادهم وقل طعامهم وبالتالي كثرت مشاكلهم واشتدت الصراعات بينهم , فقد تحتم على الانسان القديم ان يغادر الكهوف الى الاراضي السهلية ليمارس الزراعة والتي اكتشفت بمحض الصدفة , فكانت مرحلة الانتقال الى الزراعة مرحلة تاريخية حتمية لانها توفر غذاءا وفيرا ودائما للبشر ولممتلكاتهم من الحيوانات , في هذه المرحلة التاريخية البدائية تم اعادة تشكيل وتنظيم المفاهيم الغيبية الاولية المتفرقة لتأخذ شكلا أوسع وأشمل بحكم التغير في أسلوب المعيشة , وبرزت في هذه المرحلة الحاجة لأعراف وقيم ومفاهيم تنظم الحياة الاجتماعية الجديدة , فحصل التداخل بين المفاهيم الغيبية والمفاهيم الاجتماعية ليشكلا فيما بعد الفكر الديني , وهذا يعكس ارتباط الدين بالعامل الاجتماعي منذ نشأته , ان نمط العامل الاجتماعي تحدده ظروف البيئة , فالبيئة هي التي تقرر نمط اسلوب المعيشة وبالتالي نمط العلاقات الاجتماعية ونمط الفكر السائد , هذا يعني ان اسلوب معيشة البشر هو الذي بلور نمط تفكيرهم , وان تطور الفكر الغيبي ارتبط بتطور اساليب المعيشة أي تطور الواقع المادي , وان مقدار التحولات المادية في حياة الشعوب ينعكس حتما على مستوى التطور في فكرهم , وهذه هي طبيعة العلاقة الجدلية بين المادة والفكر , ففي كل تحول مادي نماء للفكر وعقب كل نماء للفكر نماء لواقع مادي جديد مقيد بقوانين الطبيعة , فكل التحولات المادية في حياة البشر مقيدة بقوانين الطبيعة لكن النتاجات الفكرية للبشر ليست مقيدة بقوانين الطبيعة , فالانسان يستطيع بخياله الواسع ان يقتحم عالم ما وراء الطبيعة ويصنع ما يشاء من الاساطير والخرافات , وان الطابع الغيبي للفكر في المجتمعات البدائية كان بسبب واقع الجهل التي كانت تعيشه تلك المجتمعات في ذلك الوقت , فظهر الفكر الغيبي كنتاج ثقافي فطري أفرزته ظروف ومتطلبات تلك المرحلة البدائية من الوعي الانساني , ومن المعروف ان الحقيقة عندما تكون مجهولة فان الخيال البشري ينشط في مجال الغيبيات فتنسج الاساطير وتحاك الخرافات وتطلق الاقاويل الفارغة وتؤلف الروايات او السيناريوهات الساذجة التي لا صلة لها بالواقع , ويعتبر الفكر الغيبي البدائي الاساس الذي بني عليه الفكر الديني لاحقا , حيث قام المؤسسون الاوائل للفكر الديني بوضع قواعد وطقوس خاصة لتنظيم وتأطير هذا الفكر بما يلبي الحاجات الاجتماعية والانسانية لمجتمعاتهم , وقد مر الفكر الديني بمراحل عديدة من النمو والتطور , حيث خضع لعمليات تطوير وتقويم مستمرة على مدى عشرات القرون على يد رجال تميزوا بمواهب وقدرات فكرية جيدة , فاجتاز هذا الفكر مراحل واطوار عديدة , ونشأت عنه تفرعات كأغصان الشجرة , أغصان عديدة متشابكة ومتقاطعة ولكنها جميعا تستمد غذائها من جذر واحد , وبعد هذا المشوار الطويل جدا في تاريخ البشرية وصل الينا هذا الفكر وقد جفت ثماره وتيبست أغصانه وتساقطت أوراقه وفقد صلاحيته , والحقيقة ان العقائد الدينية وان حققت انجازات مهمة على صعيد استقرار العلاقات الاجتماعية بين البشر في العصور الماضية فانها عجزت عن تحسين اساليب معيشتهم او تغيير واقع الجهل والفقر والمرض في حياتهم لان الفكر الديني قائم على قراءة غير صحيحة لمعطيات الواقع وعلى رؤية غير صائبة لحقيقة الوجود , وما تعدد الاديان والمذاهب والطوائف الا دليل على بعد الفكر الديني عن الواقع وعن الحقيقة , ولو كان هذا الفكر يرتكز على الحقائق لما تعددت الاديان وتجزأت وهي ذات منبع واحد , فالحقيقة لها وجه واحد بينما الوهم له أوجه عديدة . وسنحاول هنا ان نستعرض بعضا من هذه الرؤى للفكر الديني :
رؤية الفكر الديني لحياة الانسان على انها عبارة عن مرحلتين : مرحلة اولى وهي الحياة الدنيا وهي فانية ومرحلة ثانية وهي الاخرة وهي الباقية , وان الانسان في الاخرة يواجه الحساب اما ثواب واما عقاب , واننا لنعجب كيف تستوعب عقول البشر مثل هذه النظرية ؟ ان احساس الانسان بلذة الثواب والنعيم او بألم العقاب والعذاب مرتبط بالوجود المادي الحي لجسده , فهل سينتقل الانسان بجسده المادي الى العالم الاخر ؟ واذا علمنا بان مادة جسد أي انسان تتكون من عدد كبير من العناصر أبرزها الكاربون والهيدروجين والاوكسجين والنتروجين , وهذه العناصر ستعود الى الطبيعة بعد وفاة الانسان ليتم اعادة استخدامها من قبل كائنات حية أخرى , فكيف سيتم تنفيذ الثواب او العقاب بحق الانسان في هذه الحالة ؟ ان جميع المواد المكونة لاجساد الكائنات الحية لها دورة في الطبيعة حيث تحدث عملية تدوير مستمر للمكونات المادية ما بين البيئة وكائناتهاالحية في حلقة مغلقة وتدوير متواصل جيلا بعد جيل , فهل يظنوا دعاة الفكر الديني ان العناصر المكونة لجسد كل انسان تبقى حصرا به ولن تستخدم من قبل أي كائن حي اخر لا من قبل ولادته ولا من بعد وفاته ؟ ان نظرية اعادة الانسان الى الحياة مرة اخرى بعد موته لغرض محاسبته على اعماله تبدو لنا نظرية في منتهى السذاجة , فحياة كل انسان وكل كائن حي انما هي فرصة واحدة فقط يتمتع بها ولن تتكرر أبدا , هذا قانون طبيعي غير قابل للخرق بأي حال من الاحوال , وان العناصر المكونة لمادة أجساد البشر انما هي ملك للطبيعة تمنحها لكائناتها الحية ثم تستردها منهم عند الموت لتمنحها لجيل آخر يولد من الجيل السابق , فعناصر مادة أجساد جميع الكائنات الحية ومن ضمنها البشر يتم تداولها من خلال ظاهرة الموت والحياة كتداول النقود في عملية البيع والشراء .
الفكر الديني أجاد في رسم أروع الاساطير على لوحة الخيال , فهو يمنح مريديه لذة في الخيال من خلال الوعود بمتع مادية في العالم الاخر حيث ما لذ وطاب من الطعام والشراب تقدم لاتباعه المخلصين في مكان ذو مواصفات خاصة ( الجنة ) لا وجود له الا في الخيال , وواضح ان هذا الفكر يعزف على وتر الشهوات المادية ليجذب النفوس المحرومة , فالقيم الروحية والدعوة للفضيلة التي يدعو لها الفكر الديني في الحياة الدنيا تصبح وسيلة لبلوغ غايات مادية في العالم الاخر, فهل هذه هي الغاية من خلق الانسان ؟
الفكر الديني يتميز بانه يداعب المشاعر برقة ويمنح النفس الاحساس بالمتعة واللذة , والكل يعلم ان ليس كل ما هو ممتع ينطوي على الحق وليس كل ما هو لذيذ تكمن فيه المنفعة , فالحقيقة قد يكون طعمها مر والمنفعة قد تكون مصحوبة بالالم , ولا يمكن الربط بين المنفعة وبين اللذة , المنفعة هي كل ما ينطوي على فائدة للانسان بدنا او نفسا بغض النظر ان كانت هذه الفائدة تمنح الانسان الشعور باللذة ام لا تمنحه , فالمنفعة لا تقوم الا على الواقع بينما اللذة قد تقوم على الخيال والوهم .
الفكر الديني يحث على الرضوخ بشكل كامل لمشيئة الخالق دون نقاش او اعتراض , فاذا نزلت على الناس الكوارث والنكبات فهذه مشيئة الخالق وعليهم ان يلتمسوا رحمته وعفوه , وان نزلت عليهم الخيرات والنعم فهذه مشيئة الخالق ايضا وعليهم شكره وحمده , فهذا الخالق هو فقط حر الارادة يعز من يشاء ويذل من يشاء , يبسط رزقه لمن يشاء ويمنعه عمن يشاء , يمنح الملك لمن يشاء وينزع الملك ممن يشاء , ومشيئة الرب لا تخضع لقانون وانما لمزاج الرب , من يشاء ان يعذبه ومن يشاء ان يكرمه , من يشاء ان يهديه ومن يشاء ان يضله , الفكر الديني يطرح نظرية الرب المتجبر المستبد الديكتاتور الذي يفعل ما يشاء , وقتما يشاء وحيثما يشاء لانه وفقا للنظرية الدينية لا سبيل لاخضاع البشر الا بارهابهم وهذا الاسلوب اتبعه الدين منذ نشأته .
الفكر الديني يفسر كل ما يحدث في الطبيعة بانه تعبير عن ارادة او مشيئة خالق الكون , ولان ما يحدث في الطبيعة فيه ما هو نافع للبشر وفيه ما هو ضار ومهلك , فالخالق اذن تصدر عنه أفعال خير وأفعال شر تجاه البشر , فكيف يكون الخالق رحيما بالبشر وهذه أفعاله لا تخلو من الشر ؟ لماذا خلق الله الزلازل والاعاصير والاوبئة لتقضي على البشر وهو الذي كرم بني آدم ؟ لماذا يزرع الرب الطريق بالعثرات ثم يدعوا الناس الى رفع العثرات من الطريق ؟ لماذا يشعل حريقا ثم يدعوا الناس الى اطفاء الحريق ؟ واذا كان الغرض من هذه الاعمال اختبار البشر لمعرفة أيهم أحسن عملا , أو لمعرفة الصابرين منهم , فكيف يستعين الخالق باسلوب الاختبار وهو عالم الغيب وكاشف الاسرار ؟ وهل ان الغرض من خلق البشر بصنفين أخيار وأشرار هو لاجراء الاختبارات عليهم ؟ الا يحاول الخالق ان يحسن من منتوجاته ليعم السلام والعمار هذه الارض ؟ الاف السنين مضت على ظهور الفكر الديني ومصائب البشر لم تنتهي ولن تنتهي , فهل السبب في ان المنتج لا يلتزم بالمواصفات القياسية لمنتوجاته أم ان مختبرات الفحص والسيطرة النوعية التي لديه ليست على درجة عالية من الكفاءة ؟ أم ان العملية كلها مقصودة لاغراض التسلية فلا ضير أن يتسلى الخالق بمخلوقاته وهي تصارع بعضها بعضا ؟ واذا كان الانسان هو المسؤول عن افعاله وهو الصانع لمستقبله ومصيره وان الخالق لا علاقة له بتصرفات البشر , فلماذا حرم الفكر الديني الانسان من حرية الارادة وقاده نحو قدره ومصيره تحت سلطة ( القضاء والقدر ) ؟
الفكر الديني منح خالق الكون صفات كثيرة مثل الرحيم والكريم والغفور والودود والرزاق والوهاب والسلام والعزيز والحليم والصبور والقادر والجبار ..... الى آخره من الصفات التي تعجبنا ونستمتع بسماعها , ولكن هل يستطيع دعاة الفكر الديني ان يقدموا لنا الدليل او البرهان على وجود رب في السماء يحمل هذه المواصفات مجتمعة ؟ وهل استخدم الرب صفاته هذه في تعامله مع مخلوقاته من البشر أم هي مجرد صفات يتصف بها لاغراض الزينة والكماليات ؟
الفكر الديني ينسب أعمال الشر بين البشر الى فعل ابليس الذي خلقه الله , فلماذا يخلق الرب ابليس ليجعله عدوا للانسان ؟ واذا كان ابليس قد اختار بارادته ان يكون عدوا للانسان فهل ان لابليس مشيئة ؟ واذا كانت له مشيئة فهل مشيئته ند لمشيئة الله ؟ وهل يعلم الله بنوايا ابليس ومخططات مشيئته ؟ واذا لم تكن لابليس مشيئة فكيف يقرر ومن الذي يوجهه ؟
وحول موضوع الايمان بالله أود ان أقول انه اذا كانت نظرية وجود خالق لهذا الكون مقبولة من الناحية العقلية والمنطقية , فان الحقيقة التي ينبغي الاقرار بها ايضا ان هذا الخالق غير معني بشؤون البشر على كوكب الارض , ونعتقد ان على الانسان ان يوفر على نفسه الجهد الكبير الذي يبذله والوقت الطويل الذي يضيعه في العبادات وفي التوجه الى السماء للدعاء طلبا للرزق او الصحة او الامان او النجاح او طلبا للانقاذ من محنة او مصيبة , اذ ليس هناك في السماء من يسجل للبشر عباداتهم , وليس هناك من يستمع لادعيتهم ويستجيب لرغباتهم وتوسلاتهم , ومن الخير للانسان ان يعتمد على نفسه في ايجاد الحلول لمشاكله ومعاناته ويريح نفسه من التفكير في رب لا وجود له الا في الكتب الدينية , علينا ان لا نضيّع وقتنا ونجهد انفسنا في النقاش حول موضوع اثبات وجود الله او نفي وجوده حيث سنتعب كثيرا دون ان نصل لاي نتيجة , لانه وفقا لمنطق العقل لا أحد يمتلك الدليل على نفي وجود الخالق كما انه وفقا لمنطق الدين لا أحد يمتلك الدليل لاثبات وجود الخالق , ما نريد ان نؤكده ان الايمان بالله او انكاره لن يصنع خيرا ولن يمنع شرا , ماذا سيستفيد المجتمع لو اعلنت انت ايمانك بالله وماذا سيخسر المجتمع لو اعلنت انا عدم ايماني بوجود الله ؟ ما نراه هو ان موضوع الايمان بالله يجب ان يكون شأنا شخصيا , من يشعر بوجود الله فمن حقه ان يؤمن به وله الحرية في التعبير عن ذلك , ومن لا يشعر بوجود الله فهو ليس مجبر على الايمان به وله ايضا الحرية في التعبير عن ذلك , فهذا الايمان يترك لقناعة الانسان ذاته , ومن حق كل طرف ( المؤمن والمنكر) ان يعبر عن قناعته بشكل علني دون خوف او تهديد , و يجب ان لا يفرض موضوع الايمان بالله فرضا على الناس فيجبرون على الايمان بشيء لا يشعرون بوجوده , ان موضوع خلق الكون من المواضيع التي طالما شغلت تفكير الانسان منذ مطلع الحضارة البشرية , ولا احد يمتلك معلومات واضحة ويقينية عن كيفية خلق الكون وكنه خالقه , فهذا الموضوع يبقى مجهولا على البشر, الانسان قديما كان بحاجة لرب في السماء ليعبده ويلجأ اليه في اوقات محنه وخوفه لدوافع نفسية لكي يشعر بالاطمئنان والراحة لانه يحيا تحت رحمة الطبيعة ويجهل الحقيقة في كل شيء من حوله , الجهل يسبب للانسان الشعور بالقلق والخوف والضياع بينما المعرفة تمنح الانسان الشعور بالطمأنينة والثقة بالنفس والراحة , ونحن حاليا في عصر المعرفة والعلم , وقد بلغ الانسان مستوى متقدم من الوعي والنضج العقلي , فما هي المبررات او الضرورات التي تدفع الانسان الحديث للتمسك برب صنعه الانسان القديم ؟ اننا نعتقد ان الانسان في عصرنا الحالي ليس مجبرا او مضطرا لعبادة رب في السماء مشكوك في وجوده بالمواصفات الدينية , لا نريد ان ننكر وجود الله لمجرد رغبة في الانكار عنادا او مكابرة وانما لا دليل يتوفرعلى وجود رب بهذه المواصفات , واذا كنا ننكر المفهوم الديني لمصطلح ( الله ) لانه خارج المنطق والمعقول فاننا نعتقد ان المفهوم اللاديني لمصطلح ( الله ) هو المقبول واقعيا ومنطقيا ويمكننا ان نعرفه بالشكل الاتي : (( هو عبارة عن قدرة كونية عظيمة مجهولة الطبيعة ومجهولة المصدر خلقت الكون بطريقة مجهولة ولاسباب مجهولة )) هذا مع العلم بان الحياة ليست مخلوقة خلقا لذاتها وانما هي نتاج عرضي لتزاوج المادة والطاقة وقد لعبت الصدفة دورها في هذا التزاوج وهذا النتاج
واما بالنسبة لطقوس العبادة التي يفرضها الفكر الديني على اتباعه قد تحولت بحكم التكرار اليومي الرتيب لها من فروض عبادة الى ممارسة عادة , فهذه الطقوس تحولت الى مجرد ممارسات روتينية فارغة من المحتوى لا تصنع خيرا ولا تمنع شرا , والمعتقدات الدينية ذاتها تحولت في نفوس معتنقيها من حالة الايمان الى حالة الادمان , بحكم التناول المستمر لها دون أي محاولة لاعادة النظر واعادة التقييم , ومعروف ان الادمان هو شكل من اشكال العبودية الطوعية , وأن المدمن على شيء ينقاد الى ما أدمن عليه او اعتاد عليه انقيادا طوعيا ثم يتحول مع مرور الزمن الى انقياد لا ارادي , فالمدمن هو انسان عديم الارادة فاقد الحرية , وكذا الحال بالنسبة للمؤمنين بالمعتقدات الدينية وخاصة الاسلامية الذين اسرفوا كثيرا في ادمانهم حتى فقدوا الاحساس باهمية التغيير والتجديد في الفكر والعقيدة بل وحتى اعادة قراءة مدوناتهم العقائدية بمنظور حديث , لان نظريتهم تقوم على ان المعتقدات الدينية مقدسات والمقدسات ثوابت , ويرفضون ان يعترفوا بحقيقة ان لا شيء في الوجود ثابت سوى قوانين الطبيعة وكل ما عداها متحرك متغير متحول , فهل يعتبرون معتقداتهم الدينية جزء من قوانين الطبيعة ؟ هذا وأود أن أشير هنا الى ان الكتب الدينية التي توصف بالمقدسة عندما تشتمل على افكار متناقضة بعضها مع بعض فان هذا مبرر كافي لاسقاط صفة القدسية عنها وبالتالي انهيار بناءها الفكري الذي يجهد دعاة الفكر الديني انفسهم كثيرا في اسناده بمختلف الاعمدة والركائز لابقائه شامخا .
بني الفكر الديني على مفاهيم مضللة , وما أسهل التضليل عندما يسود الجهل , ان شيوع الفكر الديني في أي مجتمع يعتبر مؤشرا على انعدام حرية الفكر وبالتالي تخلف ذلك المجتمع , وأي انسان معتنق للفكر الديني اذا كان يمتلك المقدرة على التفكير بشكل سليم ومنطقي ويمتلك الجرأة على التفكير الحر دون خوف لاكتشف مقدار التضليل الذي ينطوي عليه هذا الفكر , فالفكر الديني ينطوي على افكار تجافي المنطق وتخالف المعقول , هذا الفكر جعل ارادة الانسان رهن بمشيئة الخالق ( الله يهدي من يشاء ) ثم أنذر العاصين بالعواقب الوخيمة , زرع الاساطير في العقول ويريد ان يحصد الايمان واليقين , وعد الجائعين بالطعام ولم يقبضوا سوى الكلام , لم يمنع وقوع الضرر ولم يحمي من الخطر , ان التعلق بحبل الدين هو أشبه بالتعلق بحبل في الهواء فلا هو يوصل الى جنة السماء ولا هو ينقذ من جحيم الارض , لقد تحول الفكر الديني في عصرنا الحالي الى فكر عبثي لا جدوى منه , أصبح حجر عثرة في طريق تقدم المجتمع , بل أصبح فكرا ضارا ومؤذيا لان قوى الارهاب الديني أخذت تستغله كغطاء او واجهة لتبرير اعمال العنف والارهاب التي تمارسها تجاه الاخرين ممن لا يتفقون معها في المنهج والرؤية , واننا نعتقد ان نقد هذا الفكر يصب في مجرى مكافحة الارهاب والتطرف فالتصدي للارهاب الديني لن يحرز نجاحا حاسما اذا اقتصر على مواجهة الارهابيين فقط وترك الفكر الذي يغذي العقول بنهج الارهاب دون معالجة .
ـ اما الفكر العلمي والذي يتمثل بالفكر المادي المستند الى الواقع الموضوعي الملموس والى الحقائق على الارض , فهو يمثل الوجود الحقيقي ان كان ملموسا بحواسنا نحن البشر او ملموسا بالاجهزة العلمية فائقة القدرة , من المعروف ان الانجازات المادية للحضارة هي التي احدثت تقدما عظيما في اساليب معيشة البشر, لقد اثبت التاريخ ان الفكر العلمي الذي ظهر ونمى بعد تحرر الانسان من سلطة وهيمنة الفكر الديني هو الفكر المعبر عن الحقيقة , هو الذي حمل شعلة الحقيقة وبدد ظلام الجهل من دروب البشر , هو الذي سهّل للبشرية سبل الحياة وأنار طرقها لتحيا برخاء وكرامة تليق بقيمة الانسان , الفكر العلمي منح الانسان الحرية في التفكير وفي الارادة ليقرر ما يشاء فهو سيد مصيره وهو الصانع لمستقبله , ان فضل العلم على البشرية يفوق فضل الدين عليها بكثير , ولا يمكن المقارنة بين ما حصل من تطور في حياة البشر خلال القرن الاخير مع ماحدث من تطور في حياتهم على مدى عشرات القرون منذ بزوغ فجر المعتقدات الدينية , فالبشرية لم تتحسن أساليب معيشتها من النواحي الصحية والغذائية والسكنية ووسائل التنقل الا بفضل العلوم , فهل نحن مدينون بالفضل للفكر الديني ام للفكر العلمي الذي اخرجنا حقا من الظلمات الى النور ؟
الفكر العلمي والفكر الديني نقيضي بعضهما ولا يمكن ان يلتقيا ابدا , وان حالة الانفصام بين الدين والعلم لايمكن معالجتها بالتسوية والترقيع , وأي محاولة للمزج بين علوم الطبيعة وعلوم الدين سيكون مصيرها الفشل لان النظرية الدينية تتقاطع مع الحقائق العلمية وليس هناك أي مجال للتطابق او التوفيق بينهما .
لقد كانت المجتمعات الاوربية في العصور الوسطى تسودها المفاهيم والقيم الدينية وسيطرة الكنيسة , ولكن تمكنت هذه المجتمعات في وقت لاحق من التحرر من سيطرة الكنيسة بفضل رجال احرار سلكوا طريق العلم وسبل المعرفة التجريبية او الحسية , فشق الغرب طريقه في مضمار التقدم العلمي والحضاري بشكل افضل بكثير من العرب والمسلمين الذين حرمتهم ديانتهم من حرية الفكر, لقد عاش العرب قرونا طويلة في سبات عميق تحت خيمة الخلافة العثمانية الاسلامية بحجة انها تتمسك بالمقدسات والسنّة , والتي تحولت في أواخر عهدها الى ( الرجل المريض ) بينما كان الغرب يشهد تقدما واسعا بفضل انبثاق حضارة العلم , وبالنسبة لمنجزات الحضارة الاسلامية التي طالما اشاد بها دعاة الفكر الديني الاسلامي فهي عبارة عن لوحة فنية جميلة رسمها المبدعون من هذه الامة , فهذه اللوحة الفنية الزاهية هي حقا لذة للناظرين وراحة للمتعبين , ان اللذة او المتعة الروحية قد تكون راحة للنفوس المعذبة ولكنها لن تكون خلاصا لهذه النفوس من عذاباتها , ان سبب تخلف العرب والمسلمون عن ركب الحضارة العالمية هو طبيعة الفكر الديني الاسلامي ذاته , فهو بالاضافة الى كونه غير مطواع لتغيرات الزمان وغير مرن لتغيرات المكان فهو فكر شديد التزمت والتعسف لا يعترف بحرية الارادة وحرية التفكير للانسان , بدليل وجود مبدأ التكفير والردة , فكر يتعامل مع الانسان الفرد كجزء لا قيمة له الا مع الجموع وليس له سوى الانصهار والذوبان بكيانه وشخصيته ضمن الكيان الجمعي , فكر لا يؤمن بالديمقراطية لان التعاليم والوصايا المنزلة من السماء لا يحق للبشر ان يصوتوا عليها , ليس للبشر حق الاختيار عندما تقرر السماء , وليس لاحد الحق في ان يشكك في المصدر السماوي لهذه التعاليم , فأين هي اذن حقوق الانسان ؟
اننا لا ننكر ان جميع الاديان تنطوي على امور جيدة ونافعة الا ان منفعتها اختلطت بالكثير من الاوهام والخرافات من منتوجات عهود الجهل , فالاديان تدعو الى الفضيلة ولكنها لا تراعي ظروف الواقع ومتغيراته , تدعو الى المحبة ولكنها لا تخلو من زرع الكراهية تجاه الاخر المختلف , تقحم نفسها في قضايا خلق الكون وخلق الانسان لاثبات مصدرها السماوي ولكنها تنهار امام الحقائق العلمية في هذا المجال , الاديان غايتها عظيمة ولكن وسيلتها مخيبة للامال , تستعين بالاساطير والاوهام لبلوغ غايتها , نحن لا نستغرب وجود الاوهام في الاديان فهذا شيء منطقي ونتاج طبيعي للجهل الذي كان سائدا في تلك العصور , فمؤسسي الاديان عاشوا منذ زمن بعيد كانت فيه البشرية في جهل , وقد بذلوا هؤلاء المؤسسون جهودا عظيمة في خدمة الانسان وخدمة مجتمعاتهم بما يتناسب مع معطيات عصرهم من المعرفة , ولكن في عصرنا الحالي اصبحت هذه المعتقدات غير منسجمة مع طبيعة حياتنا ومع كمية المعرفة التي في متناول ايدينا , ونحن لسنا مجبرين على الايمان بالخرافات والاوهام , واصبح من حقنا ان نتخلى عن سلعة قديمة تهرأت وفقدت جودتها , وان نبحث عن سلعة جديدة تتوفر فيها المواصفات الحديثة , والعلم الحديث هو دليلنا في هذا المسعى , والعلم هو السبيل الوحيد لبلوغ الحقيقة , وبالتالي يجب ان يكون ايماننا الوحيد بالعلم لانه صادق معنا يقدم لنا المعلومة ويمنحنا الفرصة للتحقق من صحة المعلومة دون فرض او وصاية , فمنحناه ثقتنا واتخذناه طريقا ونهجا في حياتنا , ولاننا نعتقد بان الاديان جميعها قد انتهت رسالتها فانه حري بنا ان نبحث عن بديل مناسب يحل محل العقيدة الدينية لكي لا يكون هناك فراغا عقائديا في المجتمع , والبديل الذي نقترحه هو عقيدة جديدة تلبي احتياجاتنا وتنسجم مع ظروف عصرنا وطبيعة حياتنا ومعيشتنا وتعالج شؤون حياتنا بعلمية وواقعية وتحقق غايات واهداف المجتمع الانساني وهذا ما تجسد في مشروعنا الذي يحمل اسم ( عقيدة العصر الجديد )
العقائد الدينية السائدة حاليا تبدو لنا أشبه بمباني شاهقة يسكنها الكثير من البشر ولكنها لم تعد صالحة للسكنى بسبب الشقوق الكثيرة التي انتشرت في ارجائها من جراء تقادمها وتهرأ وتآكل المواد المستخدمة في بنائها , وان عقيدة العصر الجديد بمثابة مبنى جديد نشيّده ليكون ملجأ او ملاذا لمن سيبحث يوما ما في المستقبل عن ملجأ او ملاذ , لا نهدف من وراء ذلك مكسبا على الارض ولا نريد جنة في السماء بل نريد ارضاء ضمائرنا والتعبير عن احترامنا للقيمة الانسانية لجميع البشر , فالبشر جميعا اخوة مصالحهم واحدة ومستقبلهم واحد على سطح هذا الكوكب , نسعى لبناء فكري علمي وواقعي ومنطقي فمثل هذا البناء هو الضمانة لاجيالنا اللاحقة لكي تعيش في سلام وامان بعيدا عن الحروب الدينية والمذهبية , وان تعيش بواقعية ومصداقية مع الطبيعة ومع البيئة , ان البشرية بحاجة في الوقت الحاضر الى عقيدة توحدهم امام التحديات الكثيرة والخطيرة التي تواجههم ككوارث الطبيعة ومآسي الاوبئة ونقص الاغذية والمياه ومصادر الطاقة مع ازدياد عدد سكان العالم , وليس بوسع الاديان ان تقوم بأي دور في هذا المجال لانها هي ذاتها تكمن فيها كل اسباب الفرقة والتشتت والتمزق بعضها ضد بعض .
عقيدة العصر الجديد تعتمد الاسس والاساليب العلمية في معالجة المشاكل الاجتماعية وبناء حياة عصرية سعيدة تليق بالانسان , فالسعادة هي هدف كل انسان في كل زمان ومكان , ونحن نعتقد ان السعادة عندما تكون مرتكزة على اسس مادية فان هذه تمنحها رسوخا وثباتا فلا تتطاير مع رياح الزمان ولا تتبخر مع حرارة المكان , نحن لا نلغي العواطف ولا ننفي المشاعر الانسانية ولا نلغي مكانة الوجدان , ولكننا لا نضع هذه المفاهيم اساسا لبناء السعادة لان هذا البناء سرعان ما ينهار , عقيدة العصر الجديد تستمد فلسفتها من علوم الطبيعة لان هذه العلوم هي الاساس الذي بنيت عليه حضارتنا الحالية , واذا كان التقدم العلمي مازال يخلف بعض الاضرار هنا او هناك فان هذا الخلل ناجم عن اهمال او سوء استعمال او خطأ في التقدير من قبل الانسان ذاته , فالعلم قد يستخدم بطريقة ضارة لان البشر على نفوس شتى فيهم الاخيار وفيهم الاشرار , وكل فرد ينهل من النبع الذي يتوافق مع معدنه او سبيكته , هذه طباع البشر , ان ما ينجم من اضرار بسبب سوء استخدام العلم لا يسقط ابدا قيمة العلم , فالعلم ليس الا وسيلة او اداة , وان سوء استعمال الاداة النافعة لا يلغي صفة النفع فيها ولا يحط من قيمتها
عقيدة العصر الجديد عقيدة علمانية تؤمن بان الفكر الديني قد فقد مبررات وجوده في عصرنا الحالي , ونحن قد اوضحنا سابقا بان الفكر الديني كان استجابة لحاجات مرحلة من مراحل تطور الفكر البشري وبالتالي فقد كان لوجوده ضرورة في حينه , ولكن هذه الضرورة قد انتهت وان مرحلة الفكر الديني يجب ان تطوى لان البشرية لم تعد بحاجة لوصاية رجال دين يقدمون الفتاوى باسم الدين وانما هناك دستور وقوانين تحكم حياتنا الاجتماعية , وهناك العلم الذي ينير لنا مسالكنا فنسترشد به في مسيرتنا , ونحن في مشروع عقيدة العصر الجديد نطرح البديل لانقاذ البشر من معتقدات تقيدهم وتقيم الحواجز على تفكيرهم , هذه المعتقدات التي طالما تربينا في مجتمعاتنا على تقديسها لانها منزلة من السماء من الرب العظيم , وفي المدارس كان يتم تلقيننا على انها الحل الامثل لجميع مشاكلنا وانها المنقذ لنا من المهالك فمن تمسك بها نجا ومن تخلى عنها هلك , وعندما كبرنا وازداد وعينا واتسعت مداركنا واخذنا نفكر بشكل حر وسليم اكتشفنا اننا كنا مخدوعين بهذه الاقوال الفارغة والادعاءات الكاذبة , وان اكبر خدعة مورست بحقنا هي في الادعاء بان العقيدة الدينية منزلة من السماء وليس نتاجا بشريا , والمؤسف ان الكثيرين في عصرنا الحالي مازالوا مخدوعين بهذا الادعاء , والمؤسف ايضا انه ما تزال مستمرة عملية تلقين أبنائنا في المدارس بهذه العقيدة من خلال فرضها عليهم كمادة دراسية منهجية لكي يستمر وضع الحواجز على حرية التفكير ويستمر تعطيل العقول عن الاشتغال بشكل سليم , وسيبقى العرب والمسلمون على حالهم هذه من التخلف والضعف والتشتت والتمزق طالما بقيت هذه العقيدة سائدة بينهم , وانا هنا لا ادعوهم الى تبني عقيدة الغرب ولا الى عقيدة الشرق , لان جميع الاديان السائدة في العالم حاليا قد انتهى دورها واصبحت بلا جدوى , فهي حاليا أشبه بأعشاب طبية كانت تنفع فيما مضى ثم أفسدها الدهر فمن يتناولها للشفاء لا تتحسن صحته بل تسوء اكثر فيضر نفسه ويقلق الذين من حوله , انا ادعوهم الى البحث عن مخرج للمأزق الذي هم فيه , ادعوهم هم قبل غيرهم لان مأزقهم جدا خطير , الفكر الاسلامي في الوقت الحاضر أصبح يدور في حلقة لا مخرج لها , فهو أشبه بعربة تسير على سكة بشكل حلقة مغلقة , الراكبون في هذه العربة لا يرون سوى أشياء مكررة لا تتغير فيظلوا يراوحوا في مكانهم وكأنهم وصلوا الى نهاية العالم ولا شيء بعده , ومن يحاول منهم الخروج من هذه العربة او يحاول تغير مسار السكة يتهم بالردة والخروج عن الامة وتصدر الفتاوي باهدار دمه , فهل هذا الفكر يصلح لتقدم المجتمعات وبناء الاوطان ؟ اننا نعتقد ان طرح عقيدة عصرية بديلة عن العقائد الدينية سيكون بمثابة فتح باب للقابعين مرغمين او راغبين داخل أقبية الدين ليخرج من يرغب بالخروج بحثا عن الهواء النقي والضوء والحرية , ويمكن تصنيف القابعين داخل أقبية الدين في الوقت الحاضر الى ثلاثة اصناف : 1) صنف المدمنين عليها الذين يتناولون نتاجات الفكر الديني ليلا ونهارا , وهؤلاء هم المتطرفون او المتشددون الذين يريدون ان يشاهدوا كل الناس من حولهم مثلهم في الادمان , وهؤلاء مرضى نفسيا ويحتاجون الى العلاج 2 ) صنف الخائفين الذين يتمسكون بالمعتقدات الدينية خوفا من ارهاب وعنف الصنف الاول , وهؤلاء يحتاجون الى الحرية ليختاروا ما يستحق الاعتقاد والايمان دون خوف 3 ) صنف الجاهلين الذين لا يعلمون شيئا عن زيف المعتقدات الدينية وأخطاء الفكر الديني ويجهلون حقيقة الدين , وهؤلاء يحتاجون الى التوعية والتثقيف عن طريق الحوار ونشر ثقافة النقد للفكر الديني عبر وسائل الاعلام المختلفة , والمؤسف ان دعاة الفكر العلماني لا يملكون وسائل اعلام بحجم ونوعية وسائل الاعلام التي يمتلكها دعاة الفكر الديني , وهذه من عوامل ضعف انتشار الفكر العلماني في مجتمعاتنا , أما المدمنين على الفكر الديني والمعتقدات الدينية فلا سبيل للتحاور معهم لان الادمان حولهم الى عبيد للمعتقدات وفقدوا حرية التفكير وهذا ما يفسر سبب الاصطدام بهؤلاء المتشددين وما نشهده من وقائع الحرب على الارهاب في ارجاء العالم
عقيدة العصر الجديد عقيدة عالمية , فهي ليست مصممة لمجتمع معين او شعب معين او امة معينة , العقيدة ذات بعد عالمي تتجاوز المفاهيم القومية والاقليمية والقطرية وتتجاوز المفاهيم الدينية والمذهبية والطائفية , اننا نعتقد بان العالم يتجه نحو التوحد اكثر فاكثر , وان شعوب الارض تزداد اقترابا من بعضها البعض , وان مستقبل البشرية واحد ومصيرهم واحد .
ان المجتمعات العربية في عصرنا الحالي بحاجة الى صحوة والى نهضة لكي يصحو الانسان العربي من حالة الخدر التي اصابته بعد الف واربعمائة من السنين من تناول الفكر الاوحد , لن ينهض العرب ولن يكون هناك مستقبلا مشرقا للاجيال القادمة اذا بقي العرب متمسكون بالفكر الديني الذي لا منه غذاء ولا فيه دواء , اننا في مشروعنا نسير على الطريق الذي يلبي احتياجات الانسان في ظروف العصر الحالي , ان ما نسعى اليه في عقيدة العصر الجديد هو شق طريق جديد , عقيدة جديدة نريدها ان تكون مقنعة لعقولنا قبل ان تكون مرضية لعواطفنا , وتلبي حاجاتنا نحن لا حاجات اجدادنا
ان مشروع ( عقيدة العصر الجديد ) هو مشروع عقيدة اجتماعية هدفها اعادة تنظيم العلاقات الاجتماعية وتنظيم الاسرة على اسس عصرية واقرار حقوق الانسان وترسيخ مفاهيم الديمقراطية , كما انها تخوض في المسائل الاقتصادية والسياسية بما يضمن حماية الكيان الاجتماعي وحماية الانسان من الظلم والاستغلال والقهر والارهاب , ويوفر ضمانات كافية للعيش بسلام وحرية وكرامة في مستقبل مشرق , ان سعي الانسان لمستقبل افضل مع توفير الضمانات لهذا المستقبل هو الدافع الاول للتجديد والتغيير بدلا من الدوران العبثي في حلقة المعتقدات الدينية التي لا طائل من ورائها , وان صنع المستقبل الافضل يجب ان يرتكز على نظام اقتصادي يحقق الرخاء ونظام سياسي يحترم حقوق وكرامة الانسان .
عقيدة العصر الجديد ليس فيها عبادات ولا وجود لمفاهيم ومعتقدات عن عالم ما بعد الموت ولا وجود لجنة ونار, عقيدة العصر الجديد تؤمن بالقيم الاخلاقية وتحث على الالتزام بها لان الفضيلة معيار للقيمة الانسانية , ونعتقد ان البشر في عصرنا الحالي قد وصلوا الى درجة متقدمة من المعرفة والوعي والشعور بالمسؤولية ولا حاجة لاغرائهم بالجنة ولا حاجة لتهديدهم بالنار لتوجيههم نحو الالتزام بالقيم الاخلاقية والسلوك الحسن , عقيدة العصر الجديد لها ثوابت فكرية تتعلق بالطبيعة المادية والطبيعة البشرية , وهذه الثوابت مدونة في مقال ( ما هي عقيدة العصر الجديد ) المنشور سابقا
اننا اذ نتوجه بمشروعنا هذا الى العالم أجمع فاننا قد وضعنا فكرا حرا خالص الحرية لايعترف بالمقدسات الدينية ولا يعترف بالاعراف والتقاليد , الشيء الوحيد الذي يستحق القدسية هي الحقيقة , ولا سبيل الى الحقيقة الا بالعلم فقط , مستندين في أفكارنا الى القاعدة المبدأية التي تنص على ( ليس هناك ما يستحق ان نؤمن به ايمانا عميقا وراسخا سوى الحقيقة , وانه من الجهالة والضلالة ان نحول الاعتقاد الى ايمان عندما يكون المعتقد مجرد افتراض وليس حقيقة ) والتي هي دليلنا في كل تواجهاتنا .
وفي الختام نهدي مشروعنا هذا الى كل انسان سليم العقل والنفس , حر الارادة , محب للحقيقة وساعي من اجلها
#رياض_العصري (هاشتاغ)
Riad_Ala_Sri_Baghdadi#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟