أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - أوراق كتبت في وعن السجن - آرام كربيت - الرحيل إلى المجهول الوقت















المزيد.....

الرحيل إلى المجهول الوقت


آرام كربيت

الحوار المتمدن-العدد: 1958 - 2007 / 6 / 26 - 10:47
المحور: أوراق كتبت في وعن السجن
    


عروه من ثيابه وربطوه بالسلاسل على القضبان الحديدية المحلزنة.
مصلوب اليدين والقدمين.. رأسه مدلى بمرارة.
يئن ويبكي من الوجع والخجل والحزن.. يشهق من القهر.. يردد كلمة واحدة..
استغفر الله.. استغفر الله.
كان مسلوب الارادة والروح ككل المقهورين.
عيناه غائرتان.. غائبتان في اللأمدى.. البؤبؤ في طرف والحدقة في طرف أخر.
عندما تنظرإليه تحس إنه في عالم أخر.. غائب عن المكان والزمان وفعل الوقت.
تركوه معلقاً ساعات طويلة على مسافة متوازية ومتساوية ما بيننا وبينهم.
مكسورالنفس.. ذليلاً مهاناً مهزوماً.. يصرخ بلسان مبحوح..
استغفر الله.. استغفر الله.
إلى أن بح صوته تماماً.
لم يبق على جسده إلا جلده.
عارياً تماماً.
كان الخريف صديقاً يعوي في الممر الطويل يلسع كل من يساكنه أويقترب منه.
لم يكن نور الدين خليل يعرف معنى التوسل أو الحلم أو الزمن الأخرالمختلف.. الزمن الجميل الذي يلون قدره الملفوف بالأضواء.. القدر الذي يغريه بالارتحال إلى مواضع الرغبات المتقدة.
كان رجلاً عاجزاً فقد القدرة على الحلم والتأمل.. يأتيه صدى أو صوت مرتبك ملفوفاً في كفن أبيض أو أسود مدججاً بالمتاريس مصاغاً على شكل رعب مركب.. يقترب منه يهجس في أذنه وذاكرته القديمة, يدخل في لبه على شكل إغراءات ملفوفة بقماش مطرز حريري اللون, يوقظه من نومه يدفعه مسافات بعيدة إلى الأمام أوالخلف, غارقاً في الدندنة التي تهزه وتفقده توازنه. يقوم من فراشه ملفوفاً بغطاء النوم.. يسير خلسة والصقيع الحامضي فوق كتفيه.. يضرب أقرب واحد إليه لا فرق بين هذا وذاك. يسيردون إرادة منه على هدى أيقاع صوت الميت الساكن بين خلاسات عقله.
في الليل عندما نخلد للنوم يأتيه هذا الصوت القوي يوقضه من مضجعه يحثه على الفعل.
كان نور الدين رجلاً مريضاً.
كان الخريف يسكن بيننا.. يسكن أحلامنا.. يسير بين ممرات أوجاعنا وخيبات زمننا.
لم يكن يسمحوا لنا الاقتراب منه.
فكوا وثاقه ثم دفعوه أمامهم بقوة في ممر الجناح.. الأكبال تلسع كل مكان من جسده العاري.. صوته المبحوح والموجوع يقطع نياط القلب.. كانوا يضربونه بالكرابيج والكيبلات المحلزنة دون رأفة أو شفقة.. يصرخون عليه أن يركض أو يركع أو يستلقي على الارض.. يبصقون عليه.. يشتمونه ويركلونه بعقب أحذيتهم القوية. كنا داخل المهاجع عندما قالوا لنا:
ابصقوا عليه.. اشتموه!
كان جسده القوي ممتلئاً بالكدمات المزرقة والدماء تسيل من ممراته العارية.
يعود ويصيح.. يقول كلمة واحدة..
استغفرالله.. استغفر الله.
نور الدين خليل فاقد القدرة على التوازن.. كان مختلاً عقلياً.. منذ لحظة دخوله السجن وهو يعاني من مشاكل داخلية.. من أضطرابات عقلية.. ربما مصاباً بالانفصام أو الشيزوفرينا.
وجه نور الدين وعيناه المتعبتان الغائبتان ما زالتا تدقان في عيني.. انهزامهما مرسوماً كأحجية سوداء أمام نظري. شكله لا يبرح ذاكرتي رغم المرارة التي سببها لنا.. ورغم مرور السنين الطويلة.
السلطة السياسية في بلادنا.. بدلاً من أن تأخذه إلى المشفى وتعالجه.. أختصرت الطريق وأخذت السكة السريعة.. سارعت إلى تمزيقه من الداخل عبر ضربه وتعذيبه يومياً.
لقد تكلم الكثيرمن السجناء مع الأمن السياسي عن وضعه منهم المرحوم رضا حداد.. نقولا الزهر.. أحمد فايز الفوازوعبد المجيد منجونة قالوا:
نور الدين خليل مريض ويحتاج إلى علاج طويل في المشفى. لكن بعد معاناة طويلة عاشها في سجن عدرا والآلآم التي سببها لنا مدة عام كامل نقلوه إلى سجن تدمر حيث مكث هناك في ذلك المكان الصعب أثنتا عشرة عاماً قاس معها السجناء الذين معه الولايات والعذاب والتعب.
كنت في المهجع الثاني عشرعندما جاؤؤا بنور الدين خليل إلى السجن.
المهجع خليط متنوع من قوى وأحزاب سياسية:
الحزب الشيوعي /المكتب السياسي/، حزب العمل الشيوعي, الأخوان المسلمين، حزب البعث العربي الاشتراكي/ العراق/, أطفال أحداث الشغب بالأضافة إلى جرائم الحق العام كالتهريب وخطف الاطفال والسرقة وتزوير العملة وجوازالسفروالجرائم اقتصادية.. محاولات القتل, مخبرين حقيقيين ومزيفين وإلى أخره.
كانت الكوابيس الليلية والامراض المستعصية جزء من سيمفونية المكان تتراقص مع عقارب الزمن وبندول الوقت المتأرحج في مكانه.. يتحرك ببطء شديد يحمل أيامنا وليالينا على أكتافه في جو مشحون بالأمال الراكدة والأحلام المؤجلة.. يدفعها لتبقى مترسبة في قلوبنا في الليالي الشتائية المتكلسة والباردة.
كثير من اللصوص كانوا يتفاخرون بأنهم من عينة أخرى.. لصوص.
عندما كنا نسأل أحدهم: ما هي تهمتك. كان يرفع رأسه إلى الأعلى ويرد بفخروأعتزاز:
حرامي.. نعم.. أنا حرامي! رشوة أو اختلاس. ثم يردف بنبرة مملؤءة بالثقة:
الحمد لله إنني حرامي.
الحمد لله لست سياسياً حتى لا أمضي بقية عمري بين جدران السجن.
في خريف عام 1988 القت السلطة القبض على ثلاثون رجلاً من الجمارك بتهمة الرشوة والاختلاس.. كانوا يتفاخرون عند الكلام:
مشكلتنا بسيطة.. رشوة واختلاس.. بضعة أيام ونخرج! إننا مدعومون.. جهات عليا في السلطة تتابع وضعنا وتساعدنا. قريباً سيتم الافراج عنا. يتنحون جانباً.. يتكتلون على بعضهم.. يمشون مع بعضهم مخافة الاقتراب منا حتى لا يتهموا بتهمة سياسية.
استطاع حافظ الاسد خلال حكمه لبلادنا أن يغير المعاييرالاخلاقية فيها لدرجة صارت السرقة والرشوة والكذب موضع تباهي.. فخرواعتزاز!
كان أحدهم.. أحد اللصوص يتكلم في نومه طوال الليل.. كبير الجسد واللشة. لقد تكرم عليه أحد السجناء السياسيين وأعطاه سريره في الطابق الثاني. كان يقول وهو نائم:
صف.. صف.. صف السيارة على اليمين.. لا تدعه يهرب منك.. خذ منه.. لا تتركه يمشي بأقل من خمسمائة ليرة سورية.. يقصد الرشوة. طوال الليل كان يشخر ويتحدث في نومه عن المال والنقود.. خذ وهات.
في إحدى المرات بينما كان يتكلم في نومه.. يحرك يديه ورجليه ورأسه ودون شعور منه وقع من الأعلى إلى الاسفل. خلال لحظات قليلة قام على قدميه كالديك رغم ان وزنه كان يقارب المئة وعشرين كيلو غرام.
كان الشتاء لا يخلوا من الشيطنة والانفعال.. يتسلل بهدوء.. يقفز إلى يدي وقلبي ويهوى على جسدي بكامل زينته فيغيرملامحي القادمة. يدخل من الشبابيك العارية والعالية.. يحمل الخيبات المدفونة بين ثناياه.
نعيش وهم الزمن القادم.
والتبرعمات الملونة..
نرحل إلى البعيد.. على مراكب دافئة.. إلى مدن مرسومة بقناديل خافتة.
نفرش أحلامنا على الشظآن والصدف البيضاء..
نشرب أنخاب الفرح الراحل في قواقع مكسرة.
كثيرة هي المرات التي استيقظ في الساعة الخامسة صباحاً.
هدأة الليل تتدلى كالخدر.. كالبراعم المركونة في جوف الحياة.. تسترخي بتثاقل إلى أن تنحسروتستسلم وتسلم روحها إلى الشفق القرمزي البارد.
أجد صديقي نبيل جولاق يقرأ أو يكتب ما تجود عليه ذاكرته من أحلام أو أوهام وردية. ينادي علي بوشوشة عاجزة وحركات ايمائية يتيمة تسبقه يديه واصابعه التي تتحركة بالإشارات والإيماءات القريبة من الترجي. أذهب إليه لاجد كأس المتة بيده يهديني واحدة من أجل أن أجلس معه وأشرب.
قبل أن يطلع الضوء من خدره البارد.
قبل أن ترتوي الكائنات النائمة بماء الحياة.
يسهو نبيل ويفيض.
يقرأ القصائد الغاصة بدروب الورد وررحيق الفرح.. يتكلم عن عشق لم يعشه عن حب خائب.. عن ذاكرة مثقوبة ومتناثرة على الطرقات.. ذاكرة منخورة. يقول لي:
هل عشقت. كنت أجيبه:
ربما!
فالعشق متأصلاً في الدم والعروق والشرايين.
قلبي يتكوّن من ذاكرة متعبة.. من السنين المرمية بين الجدران.
كلانا كان يهجس برائحة المرأة وعطرها الوردي الدامع.
يعود بي إلى الماضي.. إلى ينابيع رأس العين عندما كنت أمسك الشمس بيد ودمي العجوز المهروس باليد الاخرى. عارياً تماماً. حاملاً ثيابي بيدي المزركشة.. أركض من مكان لأخر.. أراقب ذرات الرمال البيضاء الحنونة كيف تداعب الماء الزلال.. كيف تخرج من جوف الارض برقة ونعومة وعلى الزوايا والقلب الاسماك العاشقة تلهو مع لغة الصانع البديع.. لغة الكون الجميل.
كان نبيل يقرأ لي الأشعارعن حبيبة ما.. امرأة ما.. لها نعومة السماء والطبيعة ورائحة الاشجار المتجدرة في التراب.. يتأوه من الصمت البعيد عندما يلقي قصائده المجنونة عن امرأة.. عن امرأة ذات لون.. ذات شعرمتناثرفوق الاصداغ.. امرأة القت تحيتها العبرة عليه وهو في معبر الحياة.. تحية غامزة وربما هامزة وربما ساخرة وربما مابين الثلاثة يسكنها نسغ جف ونائم.. وربما تلفها البراءة والحياء.. لكنها كانت تعني الكثير لشاب في ربيع العمر.. في أوقات فيضان الروح والجسد.
كان نبتة خضراء طافحة بالأندفاع.
ولد على صدر الحياة من أجل أن يبقى.. ويعشق.
يمص كأس المتة شفة وراء شفة.. يقرأ ويغيب .. يتخيل النداء القادم إليه في صحوه ومنامه.. نداء مرمري اللون ضارب إلى لون الضياء والماء.. نداء يتلبسه كما يتلبس كل الكائنات في لحظة توحدها بهذا الهياج الغامض.. في لهفة البقاء على صدر الحياة وديمومتها. يدخن ومع كل مجة يتابع قراءة ما تجود عليه كلماته.. بضعة أبيات حنونات عن امرأة بعيدة.. عن ملائكة تلبس النور الابيض البهي في لحظة اشراق بديع. يتكلم ويرسم شكل الجمرالاحمرالمتوهج الذي يزداد لمعاناً في كل نبض من دفق القلب.. يغيب في البحث عن أزاهيرتنموعلى ضفاف الانهار.. يسرح مع مرح البقاء في ذلك المكان الشائك.. يتجندل على قارب الشفق الحنون ويغيب في القراءة برقة وهمس حتى لا يوقظ النيام. كنت أسمع وأرحل معه.. نقطع الدروب الطويلة.. ندون بقايا أنفاسنا على ورقة الانتظار الطويل كبراعم تهفو وتنمو برقة وهدوء. ثم نذهب في حديث بعيد.. نحكي عن أخرالأخبار ونتكلم في السياسية.. نختلف في مكان ونتفق في مكان أخرثم نضع السماعات على أذاننا لنسمع أغنية لفيروز او نجاة أو غيرهما إلى أن يطل الصباح بحركته الرتيبة والمتعبة.
كان الماضي جزء من لعبتي في تقطيع الوقت وقتله.. أهجس به في سراري الروح.. أذهب إليه وأقبله.. أكتب على محرابه شوقي وأحتراقي.. أتغنى به وأرقص عند بابه مواويلي الحزينة والمفرحة.. وكان نبيل صديق الشفق في ذلك الأفق الحزين.. نجلس في زاوية المهجع.. نستعيد آلق ذكرياتنا الماضية ونكتب على الجدران العفنة رائحة انبعاثات الروح.. نرحل معاً إلى ضعيته في الساحل السوري الجميل.. إلى اللاذقية.. قراها.. ريفها الاخضر البهي الجميل.
كان يحن إلى الضيعة والمواويل.
وأحن لبلدي..
كل واحد يشهق بالحرقة من أجل أن يعود إلى بيته وأهله.. إلى مسقط رأسه وموطنه الأول.
كنت أقول له:
دائماً كنت أغني لبسمة للصباح.
أحدثه عن الصبايا اليافعات.. الاضحية التي كانت تقدم وترمى للنهرمن أجل بقاء الخابور والبور الاخضر الجميل.
اجدادنا كانوا يقدمون القرابين.. أجمل الفتيات وأبهاهم وأكثرهن رقة ونعومة ليبقى الخابور يرقص مع نواميس الكون وأيقاعاته المتوازنة.. ليتناغم مع دبكات الوجود. من أجل أن يتمايل الزمن على خصره ويترك مجراه أمناً مطمئناً.
كانوا يسجدون للأرض والتراب الاسمر الناعم.. للماء والمطر. يكتبون الفصول المتوهجة على أوراق الشجر والرياح الساكنة بين ديار الأفق الحنون. يشعلون الشموع ويرمونها فوق الطحالب الخضراء ليتألق الماء ويخضر ورده وليله الجميل على الضفاف.
أحدثه عن خبز التنوروالمواويل.
بين الفينة والأخرى نسمع شخيرالنائمين وبعض الكوابيس الخفيفة أو الثقيلة من هذا الجانب أو ذاك أو صرخة وجع أو آهة عميقة تصدر من صدرموجوع. نرفع أبصارنا إلى مصدر الصوت ثم نكمل هروبنا من لعنة المكان ومتاعبه.
كنت أرحل معه إلى الماضي.
عندما كنت أركب مع والدي شاحنته الشيفروليه ذات اللون الفستقي الفاتح.. رائحتها ما زالت في أنفي. كنا نسير فوق ربوع بادية الجزيرة البكرنتبضع الهواء الطلق.. رائحة النعناع البري الطافح فوق صدر الارض. أطلب من والدي أن يتوقف على جانب الطريق.. أركض وراء صغار الاغنام.. الطليان.. الخرفان المولودة للتو. يسحرني لونها الابيض الناصع.. أقترب من الجمال والماعز.. أركب على ظهر حمار الراعي وأسير مسافات طويلة مصغياً السمع لصوت الاجراس المنبعثة من رقبة الكبش الكبير قائد القطيع.
كنت مغرماً باللون الاحمر.. لون شقائق النعمان.
أقطف باقات كبيرة من الاقحوان الاصفر والابيض المتناثرعلى الامتداد الواسع.. استغرق في الركض بين الالوان التي كانت تأسرني وتترك صداها في قلبي.
كانت الجزيرة ملئية بالغزلان البرية والارانب والثعالب والذئاب.. أبن أوى والضباع. عندما كنا ننتقل من الحسكة إلى القامشلي وبالعكس كانت هذه الكائنات تهرب من مطرح لأخر مجتازة الطريق العام.. تركض في الفلاة الواسعة بحثاً عن الطعام والماء.. وأحياناً كثيرة تتسمر امام الضوء القوي المنبعث من مصابيح الشاحنة.. تقف في مكانها مستسلمة لقدرها الغمض.
عاشت هذه الكائنات في هذه الديارالآف السنين قبل أن تكثر عمليات القتل والتنكيل بها إلى أن انقرضت عن بكرة أبيها نتيجة القتل لمجرد القتل والصيد الجائر والتسميم المتعمد.
في المساء كان عبد المعين الراوي /أبو مصعب/ يضع كأس الشاي المعدلة أمامه يشرب ويسمع أم كلثوم وهي تصدح.. كان ينظر إلي ويهدهد رأسه متلمظاً بالحرقة والوجع.. متذكراً زوجته وأطفاله الصغار الذين غابوا عن عينيه سنوات طويلة.. ملتفتاً حوله حتى لا يراه أحدهم. يشرب ويدخن ويصفن طويلاً.. لكن عندما كانت تقع عينيه على عين أحمد منصور/ أبو أنس/ يتظاهر بشيء أخر.. وعندما كان يسأله ماذا تسمع يا أبو مصعب كان يقول بعد أن يرفع السماعة عن أذنه:
الأخبار.. أخبار لندن.. والله العظيم الاخبار.. يلتفت إلينا.. يغمز ويضحك في إشارة إلى هروبه من الجواب.
حتى في السجن كنا نخاف من بعضنا.. من مراقبة الاخرين لسلوكنا. لهذا كان كل فرد منا يحاول بكل الوسائل أن يخرج الكنوز النظيفة من مخأبئه ويضعها أمام الأخرين حتى لا يتعرض للأنتقاد والتجريح.
السجن مثل أي مكان في الحياة يخضع لشروط ومقاسات صارمة يجب ان يجيدها كل سجين وإلا تحول إلى شخص تافه.. نكرة لا وزن له.
أقول دائماً:
السجن.. ليس السجان فقط.. وليست الحيطان الرمادية المظلمة والمتعبة فقط.. ليس المكان وشروطه وظروفه.. إنما السجناء أنفسهم وما يخلقوه من متاعب وأوجاع مؤلمة لبعضهم البعض.
البعض من السجناء يتعب في أول الطريق.. منذ التحقيق والبعض الأخر يتعب في أول المشوار والأخر في منتصف الطريق وعندما يتعب أحدنا يرمي أحماله على أقرب واحد إليه.. يرميها على الاخرين ليخفف عن نفسه وطأة المكان وصعوبته.
مرات كثيرة أراقب حركة السجناء من أعلى الدرج.. كيف كانوا يمشون بسرعة كبيرة ومع الحركة العنيفة كانت الأيدي ترتفع إلى الأعلى وتنزل بسرعة مع الصوت العالي والأنفعال الشديد.
كان الجناح يعج بالنشاط والحيوية والحركة في فترة الثمانييات من القرن العشرين. تتوزع الباحة الصغيرة رجال على شكل مجموعات صغيرة متناثرة على محيطها.. كل أثنان أو ثلاثة أو اربعة أو خمسة يأخذون زاوية أو مكان وفي يدهم كتاب ما سواء كان له علاقة بالتراث أو السياسة أو أي موضوع له علاقة براهنية الحياة يجري النقاش حوله والبحث في أبعاده. كان فترة نهاية الثمانينيات زاخرة بالتحولات الكبيرة على الصعيد العالمي منها وصول غورباتشوف إلى الحكم في الاتحاد السوفييتي السابق والتغييرات الكبيرة التي بدأت تطرأ على النظام العالمي مما دفع الكثيرمن السجناء في الدخول في نقاشات حامية سواء مع هذا الطرف أو ذاك وعلى هكذا المنوال تدور الدوائر. كان الشيوعيون والأخوان يعودون إلى التراث لينهلوا منه أسباب ما نحن عليه وكل واحد حسب وجهة نظره وبعده االايديولوجي.
كنا في زمن طائر وعالي التحليق ونحاول اللحاق به.
يتبع..



#آرام_كربيت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الرحيل إلى المجهول في سجن عدرا
- الرحيل إلى المجهول سجن عدرا
- الحافلة البرتقالية
- الرحيل إلى المجهول الترحيل
- الرحيل إلى المجهول سجن الحسكة
- الرحيل إلى المجهول غيض من فيض
- الرحيل إلى المجهول التحقيق
- الرحيل إلى المجهول 1
- الحب.. وأشياء أخرى
- الهرم
- تحت ظلال بادية تدمر
- الدولة والمجتمع وفق منظورأخر
- بعد المعركة الطويلة على لبنان
- الثائر.. الملك السويدي كوستاف الأول
- النظام الدولي وآلياته
- غرفة التحقيق
- النظام العربي
- ظلال الوقت
- من الذاكرة.. إلى الذاكرة
- السجن..مرة أخرى


المزيد.....




- سوناك: تدفق طالبي اللجوء إلى إيرلندا دليل على نجاعة خطة التر ...
- اعتقال 100 طالب خلال مظاهرة مؤيدة للفلسطينيين بجامعة بوسطن
- خبراء: حماس لن تقايض عملية رفح بالأسرى وبايدن أضعف من أن يوق ...
- البرلمان العراقي يمرر قانونا يجرم -المثلية الجنسية-
- مئات الإسرائيليين يتظاهرون للمطالبة بالإفراج عن الأسرى بغزة ...
- فلسطين المحتلة تنتفض ضد نتنياهو..لا تعد إلى المنزل قبل الأسر ...
- آلاف الإسرائيليين يتظاهرون في تل أبيب ويطالبون نتنياهو بإعاد ...
- خلال فيديو للقسام.. ماذا طلب الأسرى الإسرائيليين من نتنياهو؟ ...
- مصر تحذر إسرائيل من اجتياح رفح..الأولوية للهدنة وصفقة الأسرى ...
- تأكيدات لفاعلية دواء -بيفورتوس- ضد التهاب القصيبات في حماية ...


المزيد.....

- في الذكرى 103 لاستشهادها روزا لوكسمبورغ حول الثورة الروسية * / رشيد غويلب
- الحياة الثقافية في السجن / ضرغام الدباغ
- سجين الشعبة الخامسة / محمد السعدي
- مذكراتي في السجن - ج 2 / صلاح الدين محسن
- سنابل العمر، بين القرية والمعتقل / محمد علي مقلد
- مصريات في السجون و المعتقلات- المراة المصرية و اليسار / اعداد و تقديم رمسيس لبيب
- الاقدام العارية - الشيوعيون المصريون- 5 سنوات في معسكرات الت ... / طاهر عبدالحكيم
- قراءة في اضراب الطعام بالسجون الاسرائيلية ( 2012) / معركة ال ... / كفاح طافش
- ذكرياتِي في سُجُون العراق السِّياسِيّة / حـسـقـيل قُوجـمَـان
- نقش على جدران الزنازن / إدريس ولد القابلة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - أوراق كتبت في وعن السجن - آرام كربيت - الرحيل إلى المجهول الوقت