محاذير على طريق ما بعد الطوفان


عدنان الصباح
الحوار المتمدن - العدد: 8561 - 2025 / 12 / 19 - 16:21
المحور: القضية الفلسطينية     

يبدو ان أحدا لا يرغب بفتح صندوق الخديعة الأسود الذي حملته خطة ترامب بكل مراحلها من التشاور في نيويورك الى الاعلان في واشنطن بصورة خطة ترامياهو وليست خطة ترامب منفردا ثم الانتقال الى قراءة رد المقاومة على أنه قبول مطلق دون التدقيق في تفاصيل الرد وهو ما أراده ترامب ان يحقق هدفين ضرورين اولا وقبل كل شيء وهما:
- استعادة كل الأسرى ووقف استنزاف جيش الاحتلال في غزة
- إنقاذ قاتله المأجور " دولة الاحتلال " من صورة المنبوذ والمعزول على مستوى العالم
وهو ما تمكن من الوصول اليه سريعا دون ان يضع أسسا واضحة الا لهذين الهدفين في حين ترك كل القضايا الأخرى قابلة للتراجع او للتفسيرات والتأويلات بما يضمن الانقلاب على القراءة الايجابية التي تم تمريرها لتمرير الخطة التي وصلت الى اعلان فضفاض في شرم الشيخ وقرار اممي يفوض دون شروط لمجلس هلامي غير قائم الا اسم صاحبه " ترامب " فقط.
القضايا والمحاذير الاخطر دخلت الآن الى الملعب بعد ان بات الحوار حول ما يسمى بالمرحلة الثانية هو رأس أولويات الجميع الساعي للانقلاب على الايجابيات المأمولة للخطة وتحويلها الى كوابيس ولعل الأهم في هذا المجال
- الانقلاب على وقف الحرب بتحويلها من مقتلة الى مهلكة تشمل عدا عن إطلاق النار المتواصل تنضم أيضا دون ضجيج نار الجوع والعطش والمرض وغياب الإيواء على أبواب شتاء سيشكل ضاغطا الى جانب صنوف الحرب الاخرى وهو ما سيوفر الأرضية الخصبة لتحقيق أحلام ترامب في السطو على غزة خالية من السكان والبنيان
- الانقلاب على أهداف ومضمون قوة الاستقرار الدولية باستخدام رفض الدول للقيام بمهمة مواجهة المقاومة الفلسطينية والشعب الفلسطيني بديلا للاحتلال باستحضار طرف فلسطيني يقوم بذلك والسلطة هي المرشحة الاقوى ويجري بلير نشاطا ملحوظا في هذا الاتجاه عبر لقاءات متواصلة مع السلطة وحكومة الاحتلال وتصريحات نتنياهو تشير الى مثل هذه الاحتمالية والتي قد يتم تقديمها كإنجاز لإجبار الاحتلال على قبول دور السلطة والتي ستضع السلطة والمقاومة في مواجهة كارثية كما يجري هذا الإعداد في لبنان بشكل واضح.
- منح الاحتلال دورا في صناعة غزة جديدة ومنحه مكافأة على جريمته على شكل عقوبات إلزام دولة الاحتلال بإزالة أنقاض ونفايات غزة وقد وافقت اسرائيل على هذا الإلزام رغم معرفة اي خبير بأن هذه الانقاض والنفايات يمكن تحويلها الى فرصة استثمارية كبيرة جدا تكون اساسا لتصبح دولة الاحتلال شريكا في صندوق الاستثمار الترامبي المعني بإعادة إعمار غزة كإستثمار لا كمنح وهذا يعني أن تجد اسرائيل لنفسها مكانا شرعيا في غزة مستندا الى قرارات ترامب ومجلسه المشرعن بقرار مجلس الأمن.
- الانشغالات الكثيرة والمتشعبة والضجيج المرافق لشكل الانتقال الى المرحلة الثانية التي لن تأتي سريعا ستوفر للاحتلال قدرة وغطاء لمواصلة الفعل الأخطر في الضفة الغربية دون ان يلتفت أحد الى حقيقة ما يجري هنا بما في ذلك دفع السلطة نفسها للانخراط في غزة كإنجاز يفسح المجال للاحتلال لتدمير وجودها في الضفة الغربية كجسم فلسطيني موحد مهما كانت أدواته.
- المطلب الفلسطيني العربي بفتح معبر رفح في الاتجاهين لن يكون في حالة تحقيقه " وهو ما سيتحقق قطعا " البوابة الأسوأ لتهجير الفلسطينيين اولا لانه مطلبنا الاغبى من بين كل المطالب فلا احد سيبحث عن العودة في ظل ما يجري وما زال يجري على أرض قطاع غزة والحال الذي يعيشه الناس هناك وبالتالي مطالبتنا فتح المعابر بالاتجاهين لن تكون الا شرعنة للتهجير والصحيح ان المطلوب فتح المعابر الى الداخل فقط وفي المقدمة أركان الصمود " مستلزمات الإيواء والصحة قبل كل شيء حتى لا تبقى قصة العلاج في الخارج ممرا للتهجير المبرر وبطلب فلسطيني.
ان خطر نزع الناس من قطاع غزة هو التهديد الفعلي قبل خطر نزع السلاح وهو الذي تسعى إليه الولايات المتحدة ودولة الاحتلال لتنفيذ رؤية ترامب الساعية لتحويل قطاع غزة الى قاعدة أمريكية لإدارة سطوة أمريكا على شواطئ المتوسط من تركيا الى مصر بما في ذلك الثروات والموقع الأمني الاستراتيجي فغزة ستوفر بعد قرار مجلس الأمن أرضا امريكية بغطاء شرعي لا ينزعه أحد ونكون إن واصلنا ادارة الظهر للمخاطر كمن ساهم في تقديم غزة لأمريكا وإضاعة الضفة بعد ان تركنا القدس ولم نفعل الا المناداة عليها كي تعود وابدا لا تعود الحجارة وحدها.
عذابات الناس في غزة التي فاقت كل حد وبسالات الابطال التي ناطحت عنان السماء اوصلت فلسطين الى قمة الدنيا وانزلت اعداءها الى القاع فهل ندرك كيف نحمي هذه الانجازات العظيمة ام اننا سنجد انفسنا غدا ونحن نفتش في الظلام عن انجازاتنا بعد ان نكون قد اطحنا بها بانقسامنا وغباءنا ومطلبنا التي تخالف ما نسعى اليه كحق وتساهم في إضاعة بما جاءت به عذابات وبسالات شعبنا ومقاومته في كل مكان ولكي لا تمضي علينا ان ندقق في كل خطوة وكل شعار كي لا يتعارض مع حقوقنا او يكون بوابة لكي تمضي تلك العذابات والبسالات بعيدا فهل يمكننا الإمساك بها وحمايتها أم أننا سنتقن كالعادة إضاعة كل شيء.
فالحذر كل الحذر من الشعور الكاذب بالنصر عبر استجابة الأعداء لبعض مطالبنا الغبية كفتح معبر رفح بالاتجاهين ومنح السلطة دور حصر السلاح في غزة وقبول القرار الامريكي بتلزيم الاحتلال بالانقاض بديلا عن إلزامه بالخسائر البشرية والمادية وما بينهما والا فاننا سنكون كمن حفر قبر نصره بيده.