الفلسطينيون والتنازل عن الحق لصالح الأوهام
عدنان الصباح
الحوار المتمدن
-
العدد: 8554 - 2025 / 12 / 12 - 14:59
المحور:
القضية الفلسطينية
عام 1891 وقع وجهاء القدس مذكرة احتجاج على الهجرة اليهودية الى فلسطين وبيوع الأراضي وقد كانت هذه العريضة أول عمل عربي فلسطيني منظم ضد الأطماع الصهيونية في فلسطين وفي عام 1910 وقعت الاشتباكات بين الفلسطينيين والمهاجرين اليهود في طبريا ويافا ومناطق الجليل ثم هب الفلسطينيون في انتفاضة شاملة عام 1919 بعد قرارات مؤتمر فرساي الذي وضع فلسطين تحت الانتداب وضم الوكالة اليهودية الى حكومة الانتداب.
عام 1924 لم يتمكن بلفور من زيارة الحرم القدسي الشريف وعاد الى دمشق التي أحرقت جماهيرها الفندق الذي نزل فيها وتم تهريبه الى بيروت بحراسة مشددة والحكاية تطول وتطول لكن ما تقدم يبين ان احدا لم يفكر يوما بان فلسطين ليست لشعبها وان بالامكان التنازل عن بعض منها ويعرف الجميع باقي الحكاية وتطوراتها الى ما وصلنا اليه من حال الان نطلب بحصة تبدو مجرد وهم ونحن نتحدث عن وحدة الاراضي الفلسطينية في الضفة وغزة دون رابط والقدس وقد تم تغييبها ومع ذلك ننسى كل الوطن ونطالب بفتات لا معنى لربطها ببعض الا أنه تم احتلاله في يوم واحد فهل يكفي ذلك سببا لينم اختزال فلسطين بتلك الارض التي احتلت في نفس اليوم 5 حزيران 1967 ونسيان ما سبق.
غزة اليوم باتت قضية اخرى وفي الضفة الف قضية والقدس لم يعد احد ياتي على ذكرها ومع هذا لا زلنا نطالب بما لن يكون ابدا ولا باي طريقة فالقة العسكرية لا يمكنها استعادة القدس للضفة ولا ربط غزة معهما وهذا يكفي بعد ان باتت السياسة وكفاح المفاوضات منذ اوسلو حتى اليوم بلا معنى ولا هدف ولا وجود حتى فالى اين نمضي.
لماذا نوافق على التنازل عن ما هو ممكن لصالح شبه المستحيل بعد ان تم انجاز تهويد القدس وبات عدد المقدسيين العرب اقل من 40% من مجموع السكان واذا استثنينا من هم خارج جدار الفصل العنصري سينقص ربع العدد ويجري تهويد الضفة بعد ان اصبح عدد المستوطنين يقار المليون وحملة تهجير غزة لا زالت ماثلة للعيان ولم تتوقف مخططاتهم لذلك.
لم يطالب مواطني جنوب افريقيا بدولة للسود على جزء من ارضهم ولا زالت الهند تحوي عديد القوميات والاديان وكذا كندا وسويسرا وقد قتل المتطرفين الهندوس المهاتما غاندي لانه دافع عن المسلمين بينما قتل المتطرفين السيخ انديرا غاندي لانها حاربت التطرف والنزعة الانفصالية لديهم وقتل المتطرفين الصهاينة رئيس وزرائهم اسحق رابين لانه قدم تنازلا لفلسطينيين.
منذ مقتل الزعيم الليبي وليبيا تعيش حروبا بينية لا يمكن لاحد ان يفهمها رغم التجانس الديني والعرقي في البلد بينما تحولت القبلية اللعينة الى سبب من اسباب الصراع وفي حين انتهت الحرب العالمية الاولى بكل كارثيتها وتحولت العلاقات بين اطرافها الى علاقات دافئة حتى بين المانيا واليهود لا زالت الصراعات دائرة في ميانمار مثلا منذ استقلالها 1948 تقريبا دون توقف.
يصنف الصراع بين الفلسطينيين والحركة الصهيونية كأقدم صراع لا زال نشطا حتى اليوم ولا يبدو ان هناك آفاق للحل ففي حين تصر الحركة الصهيونية حتى اليوم على الغاء الشعب الفلسطيني يواصل الفلسطينيين التخبط بحثا عن مخرج فتارة يقاتلون وتارة يتنازلون وفي كل الاحوال يختلفون بينهم على اي حل ممكن لاكثر قضية واضحة في التاريخ بحيث يصر طرف على تحرير كل بلاجه يوافق طرف اخر على القبول بما يمكن ان يحصل عليه ويعلن موافقته على القبول بدولة على حدود 1967 حتى لو كانت منزوعة السلاح.
احد لم يقترح على الفلسطينيين ما اعلنوا موافقتهم عليه " دولة على حدود الرابع من حزيران 1967 " ومع ذلك لازال البعض ينتظر ان تقدم الولايات المتحدة حلا مقبولا عليهم او ان يفرض العالم مثل هذا الحل رغم كل التذبذبات في المواقف الامريكية بالشأن الفلسطيني والثبات شبه المطلق في دعم دولة الاحتلال بكل ما تسعى اليه ويكفي ان نذكر اعلان ترامب عن القدس ونقل الشفارة ودعم المقتلة ضد غزة واطلاق اليد في الضفة.
الفلسطينيون الذين ينتظرون دولة من الولايات المتحدة يتناسون ان بايدن في زيارته لبيت لحم وعد الرئيس الفلسطيني بمنح الفلسطينيين حق استخدام الجيل الرابع للانترنت قبل اكثر من ثلاث سنوات ولا زال الوعد هذا حبرا على ورق فهل يمكن لمن لم يمنح الانترنت ان يمنح دولة وقبل ذلك سمعنا عن خرائط طريق واعلانات رؤساء والتزامات لم يرى منها النور حرف واحد بما في ذلك قرارات الامم المتحدة الاخطر وفي مقدمتها 194 و 181 فما الذي ينتظره الفلسطينيين من الولايات المتحدة او حتى من العالم الذي ظل مكتوف الايدي امام المقتلة الأبشع في التاريخ الحديث في قطاع غزة وبدل ادانة المعتدي والمحتل ادان الضحية الذي مارس حقا مكفولا بالكفاح في سبيل نيل الحرية.
السابع من اكتوبر اعاد الى الواجهة السؤال الاهم وهو " ماذا نريد نحن كفلسطينيين " واين هي حدود حقنا وكيف يمكننا الوصول اليه وما هو موقف العالم من هذا الحق
ماذا نريد واين هي حدود حقنا وهل هي فلسطين التاريخية الوطن الطبيعي للفلسطينيين منذ الاف السنين ام هي حدود الرابع من حزيران 1967 ام اقل من ذلك بكثير وما هي الاسس التي نعتمد عليها في تحديد هذا الحق ولماذا تنازلنا عن الحق الاصيل دون ان يطلب منا احد التنازل وما هي الاسباب التي جعلتنا نتنازل عن افضل الشعارات والبرامج والاهداف كهدف فلسطين علمانية او ديوقرطية موحدة وايضا دون ان يطالبنا احد بذلك او ان يعرض علينا بديلا لذلك وما هي الاسباب التي جعلتنا نضرب بعرض الحائط بكل حقوقنا بدءا من الحق بكل ارضنا مرورا بقرار الامم المتحدة 181 قرار 194 حتى بات احد لا يذكر هذين القرارين واصبحب اوسلو الوهم هي اساس بلا اساس للحديث عن مستقبل قضيتنا.
السابع من اكتوبر وضعنا امام حقائق يجب ان لا نغفلها وهي ان العالم الرسمي باسره ما عدا محور المقاومة ادار ظهره لنا و لقضيتنا بل انه نسي كل الجريمة واعتبر هجوم السابع من اكتوبر ارهابيا ونادى الجميع بحق دولة الاحتلال بالدفاع عن نفسها متناسيا ان الارض التي دخلت اليها المقاومة الفلسطينية هي أرض فلسطينية محتلة ليس بالتاريخ فقط بل وحسب قرار الامم المتحدة 181 وحسب خطوط الهدنة بموجب اتفاقيات 1949م وحسب نصوص ومباديء الامم المتحدة بشرعنة الكفاح ضد المحتلين بكل الوسائل بما في ذلك الوسائل العسكرية ومع ذلك انتفض العالم لمساعدة المحتل وسكت عن الجريمة " المقتلة " عامين كاملين وواصل ادارة ظهره للحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني وفق مباديء الامم المتحدة وقراراتها.
عام 1956م لجأ كل من الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة الى اصدار انذارين منفصلين ضد العدوان الثلاثي على مصر مما اوقف العدوان فورا ووقفت كل الدول الغربية لتحارب روسيا الى جانب اوكرانيا واندفع العالم ليحارب العراق الى جانب الكويت ولم يفعل ذلك مع ايران مثلا وتكلت احلاف لمحاربة اليمن والتدخل في شانها الداخلي وينتظم العالم ضد المقاومة اللبنانية الى جانب مطالب الاحتلال فيطالب المقاومة بالكف عن ان تكون مقاومة ويترك اسرائيل تحتل ارضها علانية وكذا يفعل في سوريا ويهدد في العراق وفي حين يعرف العالم بنووية اسرائيل العدوانية يحرم على ايران فكرة المفاعل النووي للاغراض السلمية والى جانب ذلك نرى العالم يتعامل باستخفاف وكذب مع موضوعة الدولة الفلسطينية بعد ان تم تقليصها فما الذي يمنعنا من العودة الى حقنا الاصيل في كل بلادنا كما هي كل بلاد العالم ويكفي ان نرى الفرق بين ما جاء في خطة ترامب من نص هزيل حول عدم سماحه بضم الضفة الغربية لدولة الاحتلال وما يجري على الارض من تهويد علني وضم على ارض الواقع.
ان المسئولية الوطنية توجب على جميع العاملين بالشأن العام وفي المقدمة منهم أصحاب الفكر وصناع الرأي ان يضعوا أساسا لبرنامج وطني فلسطيني واحد موحد لكل الشعب وقواه يوضح بالإجماع الفلسطيني فيما إذا كنا سنواصل التنازل عن حقنا في بلادنا حتى ضياعها أم نواصل النضال في سبيل إعادتها موحدة في الطريق الى بناء دولة مدنية ديمقراطية موحدة ونماذج تلك الدول كثيرة ومنها على سبيل المثال الدولة التركية التي تضم بين جنباتها أكثر من دين وقومية ويحكمها حزب إسلامي ومع ذلك تصنف نفسها على أنها دولة مدنية وديمقراطية كما ان نموذج جنوب افريقيا لا زال ماثلا للعيان فقد استعاد السود وطنهم دون ان يلجأوا للانتقام او الالغاء.