غزة تفضح ثقافة العار وعار الثقافة
عدنان الصباح
الحوار المتمدن
-
العدد: 8407 - 2025 / 7 / 18 - 16:11
المحور:
قضايا ثقافية
كثيرون هم اولئك الذين صنفوا المثقفين ومنحوهم القابا وقدموا تفسيرات لتلك الالقاب واغرقوا في شرحها حتى صارت هذه التصنيفات هي الاساس التي يعتمد عليها الباحثين ومن هذه الاصناف
- المثقف العضوي: وهو ذاك المثقف الذي تعود اصوله الى الطبقات العاملة كالعمال والفلاحين ونرتبط عضويا بقضاياها ومصالحها وصراعاتها ويعمل ك " مهندس للوعي " لطبقته بهدف تمكينها من تحقيق الهيمنة او الصيرورة الثقافية وتغيير المجتمع لكن غرامشي هنا توقف عند الطبقات الكادحة ولم يأتي على ذكر الطبقات المسيطرة اصلا والتي ينتمي لها المثقفين على قاعدة المصلحة حتى لو لم يكونوا من ابنائها ويقدمون لها كل الخدمات التي تحتاجها هذه الطبقات للإبقاء على سطوتها على الطبقات الدنيا وهي في سبيل ذلك تشتري هؤلاء بمبالغ باهظة وتجعلهم اكثر اخلاصا لها من ابنائها بما في ذلك علماء دين واجتماع وفلسفة وسائر علوم المعرفة .
- المثقف المستفز : وحسب ادوارد سعيد في كتابه تمثيلات المثقف فهو ذاك المفكر الرافض للانتماء او التبعية لأي من الافكار او الانتماءات الضيقة " المثقف الحر" او المثقف " صاحب السؤال " وهو كما يصفه سعيد منشق علنا وناقد للسلطة والناقد للنظام الاجتماعي السائد وتجلياته في اشكال الوعي والمعرفة وهو ما قد يجعله منعزلا ومرفوضا كما يعتقد سعيد وبالتالي في عصر الثورة الرقمية والسيطرة التامة من قبل الطبقات الحاكمة ومالكة الثروة تتمكن هذه الطبقات من حجب هذا المثقف وعزلة وتقييد قدرته على التأثير الى اقصى مساحة ممكنة.
- المثقف الراكد: وهم في العادة الاكاديميون الذين يقدمون انفسهم على انهم محايدين وفي واقع الحال هم ليسوا اكثر من مياه راكدة تتحول مع الزمن الى مياه آسنة لأنها لا تتجدد ولا تبحث عن التجديد وتصر على البقاء بنفس حالتها دون ان تدري ان كل من حولها يتجدد الا هي مما يجعلها الاكثر تخلفا من الجميع ولا يمكن للمياه الراكدة الا ان تتأثر بكل العمليات التي تجري في عالمها المحيط رغم اصرارها على انها لم نفعل ولا تفعل وهذا النوع ينطبق على كل راكد أيا كان موقفه يسارا او يمينا فكل من لا يتفاعل مع المتغيرات ويتقدم اليها ويحملها ولو على طريقته سيتركه الزمن خلفه ويمضي ويبقى هو حتى يجد من يدفنه. ان وجد.
- المثقف العبد: وهو من يدافع عن سيده ويجد وسيلة لصناعة فكر لسيده الحمار فقط لان هذا السيد يملك المال والسلطة والوسيلة للدعاية له كوسائل الاعلام الحديثة وعادة ما يجد هذا السيد مثقفا عبدا من اولئك الذين يحولون قدراتهم الفكرية والثقافية الى عار ويطوعون كل معارفهم وقدراتهم بذكاء وحنكة لتصبح مناسبة لمصالح السيد وهم من يجملون افعاله وجرائمه ويقدمونها بشكل براق وايجابي ويحولون ضحايا هذا السيد الى مجرمين وفي عالمنا تجد الامبريالية الامريكية اليوم من يفعلون ذلك في الفكر والسياسة والتنفيذ وحتى اولئك الاكثر ذكاء ويقدمون انفسهم كناقدين يجعلون في ثنايا نقدهم مديحا او تبريرا ومن الامثال على ذلك ان يقال مثلا ان اللوبي اليهودي يسيطر على القرار في الولايات المتحدة فتبدو وكان حالها حال التابع لإسرائيل وليس العكس وبالتالي فهي بلد مغلوب على امره ثم يذهب مثقف العار هذا الى القول مثلا ان المقتلة الجريمة على غزة من قبل دولة الاحتلال حدثت بسبب ما قامت به حماس وينسى ان ما قامت به حماس دفاعا عن النفس وسعيا لحرية شعبها واخر اكثر وضاعة يذهب ليقول ان المقتلة هذه مستمرة لان نتنياهو يرغب في البقاء في السلطة مما يعني ان ذهاب نتنياهو من الحكم سيعفي دولة الاحتلال من المقتلة الجريمة وحتى الذين يصفقون لمحكمة الجنايات الدولية لأنها تغب بمحاكمة شخص ينسون ان هذا يعني ايضا حصر الجريمة في الشخص وليس في المؤسسة " الاحتلال ورعاته " التي جاءت بهذا الشخص ولا بمن اقام هذه المؤسسة ولا بأهداف هذه المؤسسة ولا بأفعالها التي قامت على شعب باسره حريته وارضه.
غزة هذه البقعة الاصغر والاكثر كثافة سكانية في العالم فضحت خلال عامين ما حاولت البشرية طمسه طوال عقود وخصوصا بعد ان قدم النظام الرسمي العالمي نفسه على انه حالم متحضر ولديه نظام وقانون واسس وان الانسان وحقوقه وحرياته هو محور هذا النظام العالمي لتاتي غزة وتكشف زيف كل شيء وليصحو العالم على نفسه وقد اكتشف انه عاش زمنا من عار الثقافة فهو يكتب وينشر ويقرأ فكرا وثقافة جميلة وبراقة وتستحق الحياة وحين حدث الامتحان اكتشف زيف كل ذلك وان الحقيقة الوحيدة لا علاقة لها بالحق ابدا فالحق في الحياة ثبت انه العكس وهو الحق في الموت فمن حق الفلسطيني في غزة مثلا ان يموت وهذا حق شريعة الغاب وغبي آخر اكتفى بالهروب الى ان هذا الذي مات لم يمت فهو شهيد وبالتالي علينا ان نفرح له لا ان نبكي عليه دون ان يحاول حتى تفسير معنى الشهادة الحقيقي والتي تعني ببساطة ان من يقاتل في سبيل الحياة هو الاكثر بحثا عن حياة افضل من غيره ولذا فحين يقاتل في سبيل حياته ولا يصل ويموت ياتي دور الايمان هنا بمعنى ان الشهادة ليست هدفا بل الحياة الهدف واذا لم استع الحصول على حياة افضل وقتلت في الطريق اليها فان من يقاتل في سبيل حياة افضل يصل اليها باستشهاده وهذا يعني جائزة على الفعل لا فعل بحد ذاته.
المثًقف المُغيب: وهو ذاك الذي ينتمي للحق لا للحقيقة وهو ما يعني ان الذين يغنون للحقيقة لا يدركون انها حقيقة اسيادهم وهم يسمون انفسهم واقعيين اي قابلين بحقيقة الواقع وهو ما يعني انهم اعفوا انفسهم من البحث عن الحق واعتناقه فالبحث عن الحق يحتاج لإطلاق السؤال واطلاق السؤال يعني التشكيك بحقيقة القائم والتشكيك يوجب غضب صاحب حقيقة الواقع هذه ولذا فان المثقف المستعد لتحمل عذا الغضب ونتائجه يتم تغييبه اما باغتياله جسدا وروحا او باغتياله فكرا عبر اسكاته او منع صوته ورايه من الظهور حتى يرضخ ويوافق على مقولة الواقعي من يتعامل مع الواقع كما هو ان لم يكن مستعدا لتجميله فليقبل به على حاله ويسكت.
ثقافة العار هي الثقافة الاكثر وقاحة لكنها ثقافة ظاهرة فهناك مثقفي عار يدافعون عن الجريمة والعنصرية ورفض الاخر وحتى انهم يقدمون نماذج للثقافة المنحطة بالأدب والغناء والموسيقى وغيرها دون ادنى شعور بالذنب وهم هنا يشجعون الانحطاط فلا يأتي الى مستنقعهم الا من لم يدرك حقيقتهم او الراغب بمثل هذه الثقافة اما عار الثقافة فأصحابها الاكثر خنثا وحقارة بحيث يصنعون من السم عسلا ويستخدمون ملكاتهم لتصوير الاشياء على غير حقيقتها ويصنعون من الحقيقة التي يرغب بها اسيادهم صورة اخرى محببة اليك فتقبل بغير ما تريد دون ان تدري وهؤلاء تفتح لهم كل الوسائل المتاحة وغير المتاحة ليسود رايهم فتنقلب الحقيقة وينقلب معها الحق فاسوا ما في اولئك الذين يحولون ثقافتهم الى عار انهم يغتالون الحق لصالح حقيقة اسيادهم فيجعلون من الباطل حق ومن الحق باطل فيصبح قتل طفل فلسطيني دفاع عن النفس واحتلال ارض الغير دفاع عن النفس كما تفعل اسرائيل في غزة وقصف سوريا دفاع عن الدروز بينما اسناد اليمن لغزة ارهاب واسناد امريكا للمقلة في غزة دفاع عن الديمقراطية فالمثقف الذي يهاجم حماس ويحملها مسئولية المقتلة في غزة ويحمل حزب الله مسئولية الاوضاع في لبنان ويحمل صنعاء جرائم امريكا وقاتلها الماجور هو " مثقف عبد " لأنه يقدم طوق النجاة للقتلة " الولايات المتحدة والاحتلال وعصابتهم " باسم حق المزيف وباطل.
غزة اليوم فضحت كل شيء وبقي علينا نحن فقط ان اردنا ان نكون امناء لدم اطفالها ونساءها ورجالها ان نعيد للحق بريقه وان نجد الفرق بينه وبين الحقيقة فمعرفة الحقيقة شيء وفعل الحق من خلالها او معها شيء اخر ان معرفة الحقيقة فعل ضروري لكن صناعة الحق كفاح وفعل يستحق ان نقول عنه انه ثقافة الحق حين يصير الحق حياة الناس لا اغتيالهم واغتيال حرياتهم لأسباب لا حصر لها تقوم احيانا على العرق واحيانا على الجنس واخرى على الدين او الطائفة او حتى العشيرة او حتى اللون او الجهة ومن ثم يجري السطو عل ثروات الارض وتجويع الناس وفي هذه الحالة ينسى اصحاب السلطة والثروة ومن معهم من عبيد ان الله في كل الاديان والفلسفات خلق الارض ومنحها للناس بعد ان خلقهم متساوين وهو ما يعني ان لا حاكم ولا عبد لحالكم يؤمن بمعتقداته التي يعلنها أيا كانت هذه المعتقدات ما دام يقتل او يبرر قتل طفل لخدمة سيد.